في اليوم العالمي للتضامن مع شعب فلسطين

 

 

شبكة المنصور

محمد العبد الله

 

جاء القرار الدولي الصادر عن اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام1977، المتضمن اعتبار يوم التاسع والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام يوماً للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، كنتيجة حتمية للنضال التحرري الذي يخوضه الشعب الفلسطيني، المُهجّر من أرض وطنه، بفعل جرائم الغزو والاحتلال الصهيوني، وكثمرة لحراك أممي ساهمت فيه العديد من الدول المحبة للسلام، والرافضة للظلم الذي لحق _ ومازال _ بالشعب الفلسطيني على مدى عدة عقود، كان اختيار هذا اليوم كتعبير عن الرؤية الجديدة المتنامية في المراجعة النقدية "الخجولة"، الناتجة عن ذلك القرار الظالم والتعسفي، القاضي بتقسيم فلسطين لدولتين. لكن النداءات والبيانات ومشاريع القرارات، التي حاولت تعديل الجزء البسيط من ذلك الظلم، كانت _ وما تزال _تصطدم بالرفض الأمريكي، المُؤثر والموجه لسياسة النفاق الرسمية التي تدور في فلكها العديد من الدول الأوربية، التي لاتتوقف عن الحديث المتكرر والمسطح عن "حقوق الإنسان" .


أما في الجانب العربي، فقد أضحى التضامن الرسمي مع القضية التحررية للشعب العربي الفلسطيني _ في معظم تعبيراته_، مقتصراً على البيانات الإنسانية، والمناشدات الأخلاقية، التي تلامس المشاعر والوجدان !. إذ تحولت بعض الهيئات الرسمية العربية، إلى منظماتٍ خدماتية كالهلال والصليب الأحمر، ولشكل آخر من منظمات دولية كـ " أطباء بلا حدود " مثلاً. لم تعد غالبية الحكومات الرسمية العربية ترى في القضية القومية المركزية للأمة، سوى مناشدة المحتل لتأمين دخول "علبة الدواء، وليتر البنزين، وكيس الطحين"، وكأن احتلال فلسطين، وبعض الأراضي العربية الأخرى، يمكن اختزاله فقط، بحصار هنا، وحاجز هناك. مما يعني وبشكل صارخ وفاضح، خروج العديد من الحكومات العربية من صف المواجهة مع العدو، وانتقال معظمها للعب دور الوسيط "حتى لانقول الشريك"، بين الجلاد والضحية _ رغم أن الآلاف من أبناء شعبها استشهدوا وهم يواجهون ذات العدو _.


إن المنظمة العالمية وهي تحدد للشعب الفلسطيني هذا اليوم من التضامن، تكون قد وفرت للحركة الوطنية والهيئات الجماهيرية الناشطة، إمكانية الاستفادة من هذا الموقف الدولي من أجل تصعيد النضال الشامل بمختلف أشكاله، وتحويل هذا التضامن إلى خطة عمل حقيقية، تستهدف عزل الكيان الصهيوني، وتعرية دوره الإجرامي، وتسليط الضوء على مجازره المستمرة منذ ستة عقود. خاصة وأن عمليات القتل والاغتيال والابادة الجماعية _ كما تشهد على ذلك غزة الآن _ تستمر على مدى أيام السنة، ولهذا كان المواطن العربي الفلسطيني، كما كل أبناء الأمة العربية، ومعهم أحرار العالم، تواقين إلى توظيف واستثمار هذا الحراك الدولي في أكثر من مؤتمر ومؤسسة عالمية، وكمثال على ذلك _ماصدر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي حول جدار الضم والفصل الاحتلالي العنصري _ . لكن التعامل السياسي الفلسطيني الرسمي مع هذه التوجهات لم يكن بالمستوى المطلوب، ويعود ذلك لاعتبارات عديدة !. فالتأكيد الدائم على التمسك بالمفاوضات، على الرغم من امتعاض واحتجاج بعض المفاوضين أنفسهم من سياسة الطرف الآخر _ العدو تحديدا،ً وليس... الآخر ! _" التعثر حيناً، والمماطلة دائماً "، أضاع خوض المعارك المتنوعة معه وعلى أكثر من جبهة. وساحة الصراع في المحافل الدولية واحدة من ساحات المواجهة الحقيقية معه. كما أن التباينات الحادة بين القوى الفلسطينية في التعامل مع الوجود الصهيوني وسياساته العدوانية المستمرة، والتي تمخض عنها الإنقسام الذي أصاب الحياة السياسية " قوىً ومؤسسات"، والذي سيؤدي في حال استمراره، لانعكاسات على بنية المجتمع بكامله، قد أثـّرعلى امكانية توظيف كل القدرات الكفاحية للشعب والأمة، في عملية مواجهة المخطط الامبريالي/الصهيوني.


إن موقفاً وطنياً فلسطينياً موحداً، يتصدى للاحتلال وعساكره، ولمخططاته التوسعية الاجرامية، التي كشفتها الخرائط التهويدية لمنطقة القدس مؤخراً، والتي تعاني الأحياء العربية فيها مع فجر كل يوم جديد، من الممارسات الوحشية لعصابات المستعمرين ، ومثال عائلة " الكرد " المقدسية أبرز دليل على ذلك. فأهمية صياغة البرنامج الوطني للمواجهة، تستمد مشروعيتها الآن _كما في كل وقت_ من فشل الرهان على تحقيق أي مكاسب حقيقية، كما هو ظاهر ومعلن من جولات المفاوضات الماراثونية، ومن جملة الأزمات الموضوعية والذاتية، التي تعاني منها قوى المقاومة السياسية/المسلحة،التي أصبحت في معظم نشاطاتها، رهينة ردود الفعل على ممارسات العدو، وهو مايظهر بشكل واضح ومباشر في غزة ومحيطها.


لقد انعكست الحالة الفلسطينية الداخلية، على العديد من المواقف التضامنية الدولية والعربية. فقد وجد فيها البعض، الفرصة المناسبة للتحلل من كل التزاماته السياسية أو الأخلاقية. كما تمترس خلفها البعض الآخر، ليعلن عن انسحابه الكامل والعلني من المواجهة مع العدو القومي، كمقدمة ضرورية لبدء علاقات معه، من خلال حوارات ولقاءات، لاتمت بصلة للموضوعات التي أعلنتها الهيئات الداعية كعناوين تبرر هذا اللقاء. لقد راهنت الدول والحكومات التي تتسارع خطواتها على طريق "التطبيع" مع العدو، على تراجع الدور الكفاحي للحركة الوطنية الفلسطينية كنتيجة طبيعية لحجم الهجمة الصهيونية، وللأزمة البنيوية في فصائل العمل الوطني، وعلى جملة المواقف التي تتبناها وتنفذها قيادة السلطة في رام الله المحتلة، مما ساعد على توفير جملة من المفاهيم والمصطلحات والأفكار، التي وفرت بيئة جديدة،انتعشت فيها الذاتية والانتهازية، التي ترعرت مصالحها في نشاط منظمات "الأنجزة" الممولة من الخارج، المعادي لفكرة التحرير والعودة، والداعي لفكرة " التعايش والسلام ؟!". ولهذا فإن وحدة الوطنيين على برنامج كفاحي سياسي ومجتمعي، سيساهم في وقف نمو تلك الأشكال التخريبية المجتمعية، وسيوفر لكل حر في هذا العالم، أسباب التضامن الحقيقية والعملية مع الشعب الفلسطيني، خارج إطار أوراق الأجندة، التي يسعى البعض لبقائها موسمية وشكلية ! .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٠ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠٨ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م