العراقيون يمنحون حكومة المالكى ( وسام الخيانة )

 

 

شبكة المنصور

سعدون شيحان  / كاتب سياسى عراقي

 

نشرت هذه المقاله في صحيفة العرب الاسبوعي ونقلتها العديد من شبكات الاخبار والمواقع الاخبارية . وهي تواصلا منا لموقعنا الاصيل شبكة المنصور منبر الوطنيين وتواصلا مع العهد الذي قطعناه لرفاقنا ان نكون قلما يكتب دون خوف او تردد سوى الخشية من الرحمن جل في علاه .


بعد خمس سنوات من الاحتلال و11 عاما من الحصار وآلاف من الشهداء.. يكافىء المسبب والمجرم بعقد رخيص يشرع له ما فعله، وهكذا سنخرج من ثغرة الاحتلال وندخل فى بئر الاتفاقية المظلم..


الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها مع الولايات المتحدة يبدو أنه الوسام الذى ستمنحه حكومة العراق للمحتل الذى قتل وشرد وذبح الاف من العراقيين لكن هناك بارقة أمل رصاصة تبلورت فى بعض الأصوات الوطنية التى تحاول ان تعطل هذا المشروع.. فهل ستحرق هذه الرصاصة اجندة الحكومة أم سترتكن فى صدور ابناء العراق؟.


تدخل الاتفاقية الأمنية مرحلة حرجة بنظر الشعب العراقى مع تصديق المجلس الرئاسى عليها ممثلا بوزير الخارجية هوشيار زيبارى والطرف الأمريكى ممثلا بالسفير رايان كروكر، ولكن هذا التصديق لن يكون قانونيا حتى تتم الموافقة عليه من أعضاء البرلمان العراقى الذى تتضارب فية الآراء مع أن المشهد استقرئ على أن هناك كتلتين الأولى كتلة التيار الصدرى وجبهة التوافق الرافضة للاتفاقية والكتلة الكردية الموافقة إضافة إلى البعض من أعضاء المجلس الأعلى للثورة الاسلامية، وحسب ما يطالعه الشارع العراقى فإن البرلمان العراقى اتخذ موقفين مسبقا بين تيار وطنى رافض وتيار يخشى الرفض لأجندة دولية ولكن العرقلة التى تبدو ممكنة فى التصويت الذى تم تحريفه وفق القراءة الأولية فى البرلمان من خلال تجاوز القانون والدستور "العراقي" بفرض التصويت وفق صيغة الاغلبية البسيطة التى تجيز تمرير الاتفاقية فى حال حصولها على نصف الأصوات زائد واحد فى حين أن القانون فى هكذا موقف يستوجب التصويت بالأغلبية المطلقة لأن القرار "سيادي" ولكن حكومة المالكى فرضت مسبقا آلية المصادقة وفق القانون الذى يمرر الاتفاقية بعد مصادقة المجلس السياسى تهربا للرفض الذى قد يحصل فى البرلمان.


مع التجاذبات التى تبدو طاحنة فى أرجاء العراق حول هذه الاتفاقية التى حرف المالكى مسماها للترويج لها لتصبح "اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية من العراق" ولكن مع أن تغيير هذا المسمى ليس قانونيا لكن مشكلة هذه الاتفاقية لا تنحصر فى المسميات بل فى البنود التى تحتويها.


قراءة لأبرز نقاط الرفض لهذه الاتفاقية تتركز حول عدم تضمينها بندًا يخرج العراق من البند السابع لميثاق الأمم المتحدة الذى يعتبره بلدًا مارقًا، ويكبل قدراته السياسية والعسكرية والاقتصادية، كما لا تقدم الولايات المتحدة أى ضمانات لحماية العراق من أى اعتداء خارجى إلا إذا اقتنع الأمريكيون بماهية هذا الاعتداء.


وتطالب الولايات المتحدة كذلك باعتقال أى شخص تعتقد أنه يشكل خطرًا على أمنها واعتماد قانون مكافحة الإرهاب حسب تفسير الولايات المتحدة لمصطلح الإرهاب، إضافة إلى دخول معدات الجيش الأمريكى العسكرية والبريد إلى العراق دون الرجوع إلى الحكومة العراقية. وتريد ايضًا الاحتفاظ بحق استقدام جيوش إلى العراق ضمن القوات متعددة الجنسيات دون الرجوع إلى الحكومة العراقية.


كل تلك النصوص تمس جوهر سيادة العراق وتحد من هيمنته الطبيعية على التواجد الاجنبى على أراضيه وتشبه إلى حد بعيد الية التعامل مع قاعدة عسكرية مفتوحة كل من يكون داخلها عليه ان يلتزم بالأنظمة والقوانين التى تحكمها وهكذا فإننا نرى أنه بالطريقة هذه سيكون كل ابناء الشعب العراقى تحت رحمة الانظمة التى تتضمنها بنود الاتفاقية ولن يكون هناك أى نوع من انواع الحماية التى تقدمها الدولة للافراد العراقيين خاصة مع شرعنة القيام باعتقال اى مواطن عراقى فى حال رأت القوات الامريكية ذلك يصب فى خدمة حربها على الارهاب من منطلق ملاحقة كل المتطرفين او حتى المشتبه بهم داخل حدود الدولة العراقية.


إضافة إلى ذلك سيكون العراق بوابة وساحة حرب مفتوحة على الدول الاقليمية والمجاورة مع ما يشكله ذلك من تداع خطير فى علاقات العراق بجيرانه خاصة إذا ما استقرأنا نموذج استهداف سوريا مثلا قبل أسابيع مضت من قوات الولايات المتحدة فى خرق خطير وسابقة عربية تشبة الى حد بعيد أحداث 1990 وتجربة احتلال الكويت مع أن كل مفاصل الدولة العراقية الحالية قد نددت باحتلال الكويت سابقا لكنها الآن ترى ان ضرب سوريا يصب فى خانة القضاء على المتطرفين وتوافد "الارهابيين" نحو العراق متناسين بشاعة خرق سيادة دولة عربية انطلاقا من الأراضى العراقية.


إننا لا نود إطلاق الاحكام المبدئية حول مصير المواطن العراقى بعد أن نمنح المحتل الصيغة القانونية لاعتقال من يشاء من العراقيين ولكننا هنا نتساءل "ماهو دور الحكومة الحالية فى تطبيق القانون العراقي؟ وهل تبدو عاجزة عن القيام بذلك لتوكل الأمر لقوات مرتزقة؟!!".


وهل أصبح القانون العراقى هشا لدرجة عدم قدرته على تسيير حياة طبيعية للمواطنين لنستعيض عنها باتفاقية تجيز للمحتل ما نعجز عنه؟ والا يعتبر ذلك إقرارا بعدم قدرتنا الفعلية على إدارة دولة؟!!


وما هى الضمانات التى تعطيها هذه الاتفاقية لخروج المحتل من العراق بعد 2011 ..إن الافق المفتوح والشرط الذى حددته الاتفاقية حول تقدم الأمن على الارض وطلب الحكومة العراقية يبدو شرطا غير منطقى لجملة أسباب أولها أن كل التداعيات التى حصلت فى الشارع العراقى هى نتيجة طبيعية لوجود المحتل وكل القوى المسلحة أعلنت أن صراعها وقتالها يرتبط بوجود القوات الأمريكية بل إن أبرز تلك الكتل ممثلا بأعضاء حزب البعث ربطوا المشاركة فى العملية السياسية التى ينبذونها الآن بخروج المحتل من العراق وهو رأى صائب إلى حد بعيد فلا قيمة للمناصب مع تهميش قدرة المسؤولين على العمل وفق الاستقلال عن رغبات الاجندة الامريكية، وثانيا إن الحكومة الحالية تضع العراقيل للحكومة التى ستكون متواجدة فى المنطقة الخضراء فى الدورة القادمة منها فرض أجندة اقليمية حتمية فى اتخاذ أى قرار سيادى لأن فرص الوصول لأى مرشح مستقبلى سيكون وفق طبيعة الترشيح من قبل الجهة السياسية المتحاصصة ومدى العلاقة الشخصية لتلك الشخصيات مع الجهات والدول التى تسير المشروع السياسى والأجندة.


إن متابعتنا لموضوع الاتفاقية يضع أمامنا عدة أمور منها الدور الايرانى "النوايا الفارسية" فى الخليج العربى ومدى العلاقة التى تربط الولايات المتحدة وايران.


قبل فترة من الزمن تحدثنا فى احدى القنوات الفضائية عن طبيعة تلك العلاقة من خلال توضيح المعادلة الدولية المرتكزة فى الشرق الاوسط وبينا ايضا ان مسألة استهداف ايران يبدو ضربا من الخيال كون ايران تسير فى طريق تحقيق المشاريع الامريكية وتدعيم الدولة الصهيونية من خلال لعب دور مؤثر على الساحة اللبنانية والفلسطينية وفق ميول وعقيدة بعض الكتل والقيادات وهى بالتأكيد تستنسخ هذه التجربة من الدور الذى لعبته فى العراق ودفع الشارع العراقى ليكون درعا فى قتال طائفى يحدث اخلالا فى قدرة الولايات المتحدة للسيطرة على الوضع والشأن العراقى وعدم تفرغ زعامة البيت الابيض لمواجهة الاطماع الفارسية فى بناء المفاعلات الذرية وتدعيم مكامن القوة التى تعطيها الحق فى بسط الهيمنة على الخليج العربى الذى تعتبره فارسيا وهو ما اعطاها الحق فى ابتلاع عدد من الجزر العربية التابعة للامارات العربية .


ومن هنا نتوقف لسؤال مهم جدا " لماذا أبرقت ايران رسالة تفيد بموافقتها على بنود الاتفاقية للموالين لها فى الحكومة العراقية؟ مع انها فى السياسة العامة تعتبر امريكا الشيطان الاكبر ورفضت سابقا الموافقة عليها؟!".


إن هذا يدفعنا لمطالعة قيمة الابتزاز السياسى فهذا وفق منظورنا يعتبر رسالة موجهة نحو القيادة الجديدة القادمة للبيت الابيض والرئيس باراك اوباما ومحاولة لبيع العراق لغرض تحقيق تقدم سياسى مع الشيطان الاكبر!!


إننا هنا لا نتعجب لتلك المواقف الايرانية ولكننا ننذهل جدا لما يحاول البعض من سياسينا ان يروجوا له من كون الاتفاقية تصب فى مصلحة العراق...


مع أننا لا نود ان نكون متشائمين اتجاه هذه الاتفاقية لكن التشاؤوم فرض واقعة واصبحت مصدرا مقلقا لنا لاننا ندرك ان خيوط المؤامرة قد نسجتها الاصابع الايرانية وحتمية اقرارها يتوقف على عنصر الزمن فقط فما بين تصفية جسدية وتصفية سياسية ستكون موجهة نحو الكتل الوطنية فى البرلمان لن يكون هناك أفق لقرار سيادى ووطنى عراقى مطلقا!! ومع كل تلك السجالات يبدو أن هذه الاتفاقية أصبحت فعلا رصاصة رحمة بين الحكومة والشعب فمن سيطلق رصاصته اتجاه الاخر؟!!

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٢٨ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٦ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م