اللاءات العراقية .. هل تم إخمادها

 

 

شبكة المنصور

سعد السامرائي

 

تعددت إرادة الله في تكوين الأجناس والأنواع التي كونت هذه الحياة , فهي ليست من جنسا واحدا أو نوعا واحدا أو حتى دينا واحدا ولا من مذهب واحد ولا من طائفة واحدة، فعليه يكون من الضروري أن نفهم ونُفَهم الآخرين إن الحياة هي مجموعة تواريخ وليس تاريخ واحد .. مجموعة بشر مختلفين.. وخلق الإنسان اجتماعيا بطبعه يؤثر في الآخرين ويتأثر بهم .. وعليه فنحن حين نتحدث ونسرد واقع الشعب العراقي هنا لا ننطلق من مبدأ فلسفي بحت بقدر ما نبتغي غايتين الأولى إيصال أفكارنا الرافضة للتجزئة التي سببها الاحتلال و التي عمت معظم الأشياء ومختلف الفعاليات الاجتماعية ونوحي إليه أن مصيرنا لا بد وان يكون واحدا ما دمنا ندفع بأرجلنا عند حركتنا هذه الأرض  التي قدر لها أن تسمى العراق ولا بد لنا من تقبل التعايش فيما بيننا رغم كل الاختلافات التكوينية رافضين أولا ربط أنفسنا ومصير بلدنا وأبنائنا بيد المحتلين وعملائهما لننطلق إلى عالم نظيف يخلوا من الطائفية العنصرية التي يتعلق بها الإجرام والغش وكثير من دونيات البشر .

 

والغاية الأخرى هي محاكاة العقل العراقي لمحاولة الغور في أعماق ما يشعر به ويفكر به ذلك الرأس العراقي الذي آلمنا أن يصل إلى هذا المصير , لا نعتقد أن الشعب العراقي مزاجي في كل شيء ولكن أن الذي يجري ما هو إلا فسحة من الزمن قد تلاطمت  فيها الأفكار بسبب العواصف والويلات التي حلت عليه  تلك الفسحة التي ما أن يصفي تلاطم تياراتها حتى تنتقل إلى السكون الذي يسبق العاصفة .. الفرق أن هذه العاصفة ستكون وليدة ذلك الرأس الغالي الذي تعودنا على الافتخار به إذا ما استيقن الأمور وعرفها على حقيقتها.

 

قال الفيلسوف ديكارت أن العقل هو التاريخ وان المعارف حين تدافعت وتصارعت قد أنتجت الحضارة .. وحضارتنا من هذا المفهوم يا عراقيون تجلس في رؤوسنا فعلى رؤوسنا أن تفهم الأمور وان تستقي العبر ... هل تعلمون إن اخطر ما يحيق برؤوسنا هو التقية والنفاق ؟!! لا ادري لم العراقي أصبح يخاف من العراقي فيجعل من نفسه مبهما يخاف أن يطلق ما يكنه في قلبه وعقله فيتحول إلى منافق متقي للآخرين.. لا ادري من أين أتت تلك النفوس المريضة لتكب وتفرغ كل ما في الرؤوس الوديعة من محبة وألفة وإخاء وتعاون ورحمة وإحسان وشفقة والتشاطر بهموم الآخرين وحب الخير وعمله والفصل بين المتخاصمين والإيثار وكل الصفات الحسنة التي  كانت تملأه  وتدس بدلا عنها هذه الصفات القبيحة التي تملئ  الرؤوس في وقتنا الحالي حتى أن كل الأمور قد اختلفت وتغيرت عن مفهومها السابق لا أريد أن أطلق الأمثال هنا كمثل تسمية الصحوة ! و التعاون ضد الإرهاب وغيرها فمن الذي يجب أن يصحو ومن الذي يمارس الإرهاب ؟ مفاهيم عديدة أصبحت مغلوطة وراسخة بكثير من تلك العقول التي تجلس في الرأس العراقي مع الأسف .

 

عند أرسطو أيضا الإنسان وحده  يختلف عن  المخلوقات ويتميز بقوة النطق أو العقل وهو القوة القادرة على إدراك ماهيات الأشياء والخواص العامة المشتركة بين المحسوسات التي لا تتغير بتغير الزمن والمكان ! .. يا لله فهل عميت بعض العقول في تلك الرؤوس أم قد تم القضاء عليها أم أنها  أصبحت تعيش على الهامش أم أنها قد تعبت ورضيت تحت مطارق الظلم والإرهاب والضغط النفسي الذي تم زرعه  بدل الشعر الذي يحيط بالرؤوس .. وباتت تلك الأجساد التي يعلوها تلك الرؤوس منهزمة وراضية بالخنوع للمحتل ولمجاميع العملاء ؟!

من وجهة نظري لا اعتقد ذلك..

 

..

فنحن هنا إنما نتحدث ونسرد عن  ذلك العقل المضغوط بالإرهاب والمشحون بمحاولة البقاء والساعي للتغيير ..(الفيلسوف بول ريكور يعتبر أن كل سرد يهدف إلى "الانفتاح على معنى ما"، وذلك بتنسيقه الزمن الماضي وبتأسيسه فعلا في زمن قادم وبمجابهته ما هو "آخر الزمن" أي لابد والموت، فأساسا يهدف السرد إلى ترويض مكائد الزمن )فلا بد للرأس العراقي من أن يروض نفسه على مأساوية الزمن الحاضر فالموت طاغي الحضور يوميا وهو مؤمن ويعلم أن الفوز في الخاتمة هي لمن حسن نهايته ..

 

 فلابد وأن  يأتي اليوم الذي سيتساءل فيه هل أن مصيرنا بأيدينا ؟ هل أننا أحرار في بلدنا هل أن أهلي وإخوتي هم من يعيش معنا أم أن بلدي قد استوطنه الأغراب ؟  ولا بد أن ينتقل هذا التساؤل بداخل عقول كثيرة عندما يجدوا الفسحة المناسبة للتحدث بصوت عالي مؤثر إلى تساءل آخر  وهو هل نحن راضون لما آلت إليه أحوال العراقيين ؟!  هل نحن أحرار في معتقداتنا وهل أننا أحرار في ممارسة شعائرنا .. أرزاقنا بيد المحتل و أشباه الرجال من خونة وعملاء   .. إلى متى هذا الهدر والسرقة لثروات الشعب العراقي ..  هذه التساؤلات لن تموت ولن يتم إخمادها مهما طال الزمن فالإنسان العراقي المهموم والمبتلى بصراع البقاء والباحث عن لقمة العيش وسط المخاطر التي تحيطه من جميع الجوانب قد يتعرض لجمود فكري مؤقت بسبب الانشغال بما يأتي بالدرجات الأولى من الاهتمام في مسيرة حياته ولكن هذا العقل الآدمي الفريد قد جعل الله سبحانه وتعالى فيه ملكة  الرفض والقبول أي ملكة التمييز وملكة الاختيار والترجيح لا بد وان يعي ما فرض عليه بالقوة ويرفضها  ولابد من اكتشاف الحالة التي يعيشها وتحيط به ولو أثناء شرود للعقل بسيط  في لحظة تأمل حتى وان كان هذا التأمل بموضوع آخر فلابد إلا أن يتحول لا إراديا للتأمل بالواقع المرير ذلك أن جزء الإحساس في العقل مهما تعرض للضغوط والكبت والإرهاب لا بد وان يجد الفسحة للتعبير ولو بهزة رأس بسيطة تعبر عن الأسف ..  إذن في النهاية لا بد وان يشعر بالرفض وتولد كلمة لا, من جديد  ثم تنمو وتتكاثر وتكبر في حيز جماعي مفتوح يعبر فيه الجميع عن أكثر أحاسيسهم  أهمية عند مرأى ومسمع الجميع  حتى تخرج مدوية بأعلى صوتها وإمكانياتها لتزلزل الأرض على من فيها من مخربين خونة ومجرمين وعملاء ومحتلين وان تتجمع هذه اللاءات بعقول أبناء شعبنا الأبي لتكوّن رافدا جديدا مضافا لأحزاب وتجمعات مختلفة موجودة أصلا أو جديدة مقاومة للعنف بأقوى منه قوة مسلحة  فتنطلق منها شرارة التحرير الكامل لتراب الوطن الغالي ورفض الأمر الواقع .. الواقع المرير المخزي الذي يتلبسنا ,فأللهم اجعل يوم التحرير قريبا ...

 

و يا عراقيون: ( فاتقوا الله ما استطعتم ) .. اتقوا الله وليس الناس .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٢٥ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٣ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م