لنستبدل ما يميز هذه المرحلة

 

 

شبكة المنصور

سعد السامرائي

 

غالباً ما يؤخذ على الشعب العربي بأنه استسلامي وخائف، لا يلجأ للعنف إذا ما تطلب الأمر ويا مكثره ولا حتى لموقف اللا عنف أيضا ضد غير العربي ! وكأنه متفرج يحضر مسلسل سينمائي أو إذاعي..لا اعزي السبب في ذلك لجهل سياسي اجتماعي أو ديني يكون قد أصابه ولا بضعف نفسي، ولكني أرجح السبب في قلة عزمه، وعجزه عن المواجهة, وذلك بسبب منهج الخنوع والاستسلام الذي تربينا عليه.. أو بصورة أدق هو ما يسمى الاحتلال الفكري للعقل العربي من خلال ما يقوم به أعدائنا من ممارسات دؤوبة ومستمرة لتغيير المفاهيم الطبيعية النابعة من ثقافتنا الفكرية و الدينية والوطنية و إبدالها بثقافة بديلة متدرجة ومتدافعة بقوة تتلاطم الواحدة تلو الأخرى بحيث لا تعطي المجال للدماغ العربي كي يستوعب ويتفرغ لمقارعة فكرة معينة أو مفهوم معين ويرده, ذلك إن أعدائنا لم يرحموا عقولنا في حين وقف غالبية مثقفونا موقف الحيران أو المتفرج أو السائر مع التيار بعلمه أو بدونه,, ناهيك عن ثقافة الخيانة !..
تكشف لنا مراجعة أي فعل معين: كيف بدأ في الماضي والى ما انتهى إليه الآن : إلى إن ما كان مرفوضا أو محرما في السابق : قد تحول إلى أمر طبيعي بل مستساغ في أحيان أخرى ! بل ربما أصبح هو المسلمة الطبيعية فالانقياد للفكر الخارجي اللا إسلامي واللا عربي قد أدى للخنوع دون أن نرى على الوجود أي مؤثر جدي أو أي مبادرة ضدية أو شرطية تحدد على الأقل التدافع الإعلامي الهجومي النشاز ضدنا .


و لذلك كانت البشرية في العالم العربي والإسلامي مستسلمة ومتلقية لما يأتيها حتى وصلت لمرحلة الخدر الآيل لأن تتجمد و تنتظر ما يأتيها وربما تستعجل ذلك وتطلبه بنفسها!!.


ولسنا بصدد التلاوم بقدر ما نريد ا ن نحرك ذلك الإحساس النابع من القيم الإسلامية و العربية الأصيلة التي صارت دفينة بقدر ما نريد أن نتميز كعرب لنا ثقافتنا الخاصة التي بات الكثير منا يستحي منها أو يطبقها لأنه قد يتعرض إلى هجوم مباشر وعنيف وصريح بل ربما وقح في توجيه سيل من الأسئلة التي تعترض علينا في كل خطوة نخطوها .. فأصبح الاستغراب من شخص مسلم أراد أن يعود إلى دينه ويطبق تعليم ما من تعاليم دينه استغرابا هجوميا استفزازيا ووقحا والوقاحة هنا تكمن في أن من يثير التساؤلات وعلامات الاستفهام يسمح لنفسه بممارسة ما يشاء من طقوس دينه أو تعاليمه على عكس المسلم العربي لأنه قد يتهم بأنه إرهابي أو بدأ يميل إليهم.. ينمون ذلك الشعور بالمراقبة والضغط وكأننا نسرق كي يجعلوا الخنوع لمثل هذه الضغوط هو السائد فيحتار ويتحول إنساننا من داعية إلى كيف يبرر عمله النابع من طبيعة دينه حتى لا يغضب عليه أسياد ثقافة الخنوع الديمقراطيون !!.


إذن هذا الوصف المسمى احتلال الدماغ العربي أو الاستسلام للثقافات الأخرى هي الميزة التي تغلب على الشعب العربي فلم تعد فلسطين تثير حماسنا كالأول ولم تعد الانتهاكات والقتل والاضطهاد تحرك مشاعر الغضب فينا لأنها كثرت وتزايدت من دون اتخاذ موقف بطولي أو محفز لإيقاف هذه الانتهاكات التي تخدش الحس العربي والإسلامي وتعصره ولم يعد الشاب العربي يفكر بتحرر فلسطين لأنه تم تثقيفه وغرس في عقله شيء بديل ابتدأ منذ بدعة الرضا بقيام دويلة للفلسطينيين وسط الاحتلال ,والأسباب عديدة كلنا عايشها وهي كثرة وتتالي هذه الانتهاكات بحيث أصبحت مسلمة و اعتيادية ولم يكتفي أعدائنا بفلسطين وإنما وسعوا دائرة الخنوع وتعددت أماكن الاضطهاد والتدمير وهكذا احتلت أفغانستان من بلد ساند شبابنا للجهاد ضد الروس ليخلوا له الجو!..ثم بدأ بمحاربة المسلم بالقوة وبثقافة الخنوع النفسي حتى جاء احتلال العراق ليقلب كل الموازين وتبدأ مرحلة الاستسلام الكامل واليأس المسيطر على رؤساء الشعب العربي وجمهور المصفقين لهم !. الملاحظ في كل هذه الأمور أن العدو يجد دائما الخونة جاهزين لتنفيذ خططه.. أما باقي الشعب فالاستسلام السياسي هو بديلهم عن العنف وهو ما يقضي بالتنازل المهين أمام العدو ضد حقوقنا ومطالبنا وكأّن العدو قد انتصر علينا انتصارا ساحقا ماحقا لا نهضة من بعدها..فأنا لشعب خانع يعيش حالة الانهزام والاستسلام أن يثور ويلجأ للعنف ضد كل ما يخالف ويتعارض مع مبادئه و دينه ؟ .


كنت أريد أن أركز على الأسلوب الانهزامي الذي يسمى باللا عنف باعتباره كما يسميه البعض بالعمل السياسي أو المقاومة السياسية والذي يمارسه سياسيون و كتاب ومثقفون امتهن البعض منهم الإعلام كوسيلة للعمل السياسي تحت ظل الاحتلال ! .. ولكني ارتأيت أن أسال إعلاميونا في مقالنا هنا لماذا انقاد الكثيرون منهم لهذا الخنوع وهم الشريحة المثقفة في مجتمعاتنا والمتنورة أكثر من غيرها على الأقل بحكم عملهم وممارساتهم واطلاعهم على تجارب الشعوب الأخرى ناهيك عن أنهم في ازدياد عددي ومكاني .ولماذا هذه التضحية النفيسة في بلوغ هدف تنوير الشعب على المخاطر التي تحيط بالأمة وما تتعرض لها ؟ ولماذا يتحول القائد الإعلامي إلى تابع منقاد يكتب ما يريد غيره أو ما تشبعت به ثقافته نتيجة غزو الثقافات المفروضة علينا ولماذا يسمح كتابنا والمشرفون على الإعلام بتغلغل هذه الثقافات الغريبة وانقل لكم هنا لتعرفوا ضخامة الهجمة الامبريالية إعلاميا علينا (< أكثر من90% من مصادر الأخبار الموجهة إلى دول العالم الثالث غربية وهذا يبقيها في حالة تبعية إعلامية وغير إعلامية للغرب, الفاعل منها خمس وكالات هي أميركية وأوروبية بالكامل إضافة إلى ذلك فإن محطات التلفزيون العربية تستورد مابين(40-60%)من برامجها من الدول الغربية, ويحتل الإنتاج الأميركي نسبة(80%) من البرامج المستوردة وتوجد(12)إذاعة موجهة إلى العالم العربي باللغة العربية تديرها الدول الغربية,وتسيطر وكالات الإعلان الأميركية على(75%)من سوق الإعلان الخليجي و(56%)من سوق الإعلان العربي..!.(د.عيسى شماس).


فأين الهدف السامي من رسالة الكتاب والصحافة في ترجيح كفة الحق والعدالة وأين الايجابية والشجاعة الأدبية لتخليص امتنا وقيادتها للتحرر من الشر الذي تلبس بها ؟ . فهل معقولا أن يتحول المعلم إلى تلميذ والتلميذ يأخذ دور المعلم ؟ أم هو اليأس الذي يجعل الكتاب وهم يرون أنهم مهما كتبوا فان ذلك لن يتعدى النعيق بين جبلين أم هي المادة أو لقمة العيش؟.


وهل ينتظر هؤلاء جيلا جديدا يولد كي يفهم مضامين مقصدهم ويبدأ بالتحرك وفق المبادئ الإيمانية الراسخة في الأصالة العربية الإسلامية ..لا ليس ذلك صحيحا بقدر ما يتعلق الأمر بثقافة الخنوع التي تلبست بهم والتي أوصلت بعضهم الكثير لحد خيانة الأمة ..


إليكم لومي إذا ما يئستم من صحوة الضمير العربي فما فقدناه من أحاسيس جياشة ثورية استشهادية أو حتى تعاطفية في فلسطين بدأ يولد من جديد في العراق , ولا بد لهذه الكوكبة من عشاق الشهادة أن تقلب الدنيا على الوجود لتصنع جيلا ذا حس وكرامة لا يرتضي الخنوع إلا لبارئه و لابد من أن يستغل هذا الميلاد المتنامي الفريد في الأمة ما دامت الثقافة هنا في معناها المقصود في موضوعنا هي: أسلوب فهم ثم بناء الرأي والتعبير عنه من خلال النشر لأي كاتب سياسي فلا بد أن يستثمر جميع الكتاب العرب والمسلمين في الحديث عن هذه الظاهرة الفريدة الجديدة في قيمها وغزارة معانيها أي في إحلال وتمكين ثقافة المقاومة العنيفة حتى وان أدت إلى الشهادة بدلا من الموت ميتة رخيصة ذليلة هذه الصبغة التي خنع لها غالبية شعب الأمة وهي ترى المنكرات تتساقط عليها لتكتفي بالرد بعقلها المستتر فقط !.. ونحن هنا لا ندعو للعنف الإجرامي الذي يخالف شريعة الحياة وإنما لمقاومة العنف الموجه علينا بعنف يساويه..(و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )190 البقرة – والفقرة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تقول ( لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ) فلا تخافوا !! .


نرى إذن أن يرسم ويحدد كل كاتب وإعلامي خطة حياته الإعلامية ليمشي عليها بادئا أولا بنفسه وينفض تراب ثقافة الخنوع عن كتفه ويعمل على التركيز على المقاومة العراقية الباسلة ينهض ويستلهم بها جميع الأحاسيس التي نامت ويجعلها الأمثولة والدليل على بزوغ أجيال ذات عقول جديدة ترفض الخنوع والاستسلام والعيش بدلا عن المقلدين التابعين أو المنفذين أجندات ليست لها علاقة بنا وبهدفنا بشيء وان نعيد مجدنا الذي تهاونا وفرطنا به. كما أرى أن لا يلجا الكاتب العربي إلى أن يكون تابعا بغبغائيا يردد بأسلوبه المنمق ما يريده أعدائنا واضعا الأعداء كلهم في كفة واحدة مهما كبروا أو صغروا أو تلونوا أو صرحوا وأن لا يقوقع نفسه بعلبة يسميها القومية العربية ما دام قد أفرغها من محتواها ويغلقها عليه ويسير مع أي تيار مدعي لكون هذا التيار النشاز يقول أنا امثل مسار الأمة! بينما لا يرى حقيقة انه لا يمثلها أو ليس هو ليس منها وان تاريخه ظالم تجاه الأمة ونقصد هنا ايران فلا بد من أن نتدارك هذا الخطر الاستعماري المتغلغل بيننا خنوعا غريبا ونثقف شعبنا عليه لا أن نزيد الطين بللة في رؤوسهم . فالدفاع عن جزء من الأمة لا يعني التخلص أو إهمال جزء آخر منها أو على حسابه فذلك يكون الخنوع بعينه ويجسد المفهوم السطحي للقومية العربية و يتعدى مفهومها ليكون المفهوم الأناني للعنصرية الوطنية وهذا هو ما تريده وتعمل عليه ثقافة الأعداء المتغلغلة في رؤوسنا بتفريغها من الولاء ألأممي للإسلام الصحيح ثم الولاء القومي للأمة العربية لتستبدله بنطاق ضيق قطري أو حتى مذهبي وطائفي ولن يتحقق أي مما يدعوه ! إنما مبتغاهم هو الفوضى الخلاقة لا غير .


تعالوا معنا نستبدل ما يميز هذه المرحلة للعالم العربي والإسلامي من مرحلة احتلال الدماغ والاستسلام والخنوع إلى مرحلة النهضة والاستبسال والفداء ولا تجعلوا دونيات الأرض من مال وجاه وعيش رغيد وتملك أو ركض وراء لقمة العيش وحب الشهوات هي ديدن حياتكم ولا يكون استبسالكم للحفاظ عليها بديلا لفقد الكرامة ولنسعى إلى صحوة إسلامية وعربية راشدة فهذا هو ثوبنا الذي أخرجونا منه فمكنهم من أن يتكالبوا علينا كالقصعة .( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) 20 الحديد

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٢٥ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٣ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م