السيد السيستاني ... الماهية والأتفاقية

 

 

شبكة المنصور

صلاح أحمد

 

أبتدءا وقبل كل شيء لابد لي من الأعتراف بحقيقة كوني لا أملك تصورا دقيقا بصيغة أجابة عن كلمة الماهية التي تضمنها عنوان المقال ، فأنا لاأعرف من هو السيد السيستاني ، وهذه ربما ليست هي المشكلة ،ولكن المشكلة بحق تكمن في أن كثير من اتباعه ومقلديه يجهلون ماهية هذا الرجل على النحو الذي تستلزمه شروط أتباعهم له ،وهذا لايقتصر على العوام منهم بل يتعداه الى مفكريهم ومثقفيهم ، وهو مما أدى لئن يكون هذا الأتباع محكوم بقانون التواتر لتراث وأدبيات المذهب الشيعي، وهو الأمر الذي لايخضع عادة للتمحيص والتدقيق أشتراطا أو رغبة ،ولذلك يجري تنفيذ كل مفرداته على نحو روتيني وبقيود شرعية وفقهية مخففة وميسرة .وهذا مما ساعد في تجاهل فكرة المراجعة والتدقيق لما تصدره المرجعيات الدينية من فتاوى أو أراء أستنادا الى مايشتمل عليه هذا المذهب .ونحن نعتقد بأن هذا الأمر أذا كان منتهاه الى حدود ماذكرنا فالقضية ستنحصر في أطارها الديني البحت ، ولن يكون بعد ذلك لأحد الحق في تناولها وتعريضها للنقد أو غيره على قاعدة الحرية والحق في أعتناق الديانة أو المذهب.ولكن مانراه في العراق (الجديد !!؟؟) الذي وضحت ملامحه بعد 9/4/2003 يؤشر لملامح صورة مختلفة ،فالقضية لم تعد تتصل بصلاة أو صيام أو مواقيت العيد والأفطار وما الى ذلك مما تحكمه خصوصيات المذهب ، فذلك كله أصبح في حكم المسلم فيه وجري تخطيه الى كل قضايا البلد الحيوية ليكون التصرف بها أو نحوها من قبل المراجع الدينية أو من خلالهم أو بأسمهم بطريقة لاتنسجم تماما مع مقتضيات مصالح البلد بأبعادها الآنية والستراتيجية .


واذا كنا لانريد أن نكرر ماقلناه سابقا بشأن مانسب من مواقف للسيد السيستاني والتي لايمكن وصفها بغير المحبطة والمثبطة للعزائم أزاء قضايا الأحتلال وضرورات مقاومته ومواضيع الدستور المسخ وبدعة الأنتخابات المهزلة وجملة ماصدر من جرائم بحق الشعب والبلد من قبل الميليشيات الطائفية ونحو ذلك مما أقتحمه أو أقحم به ، فأن عملية التدخل في رسم معالم السياسة وبلورتها أنطلاقا من دوافع مذهبية وتصورات قاصرة ومضللة لم تنقطع على الرغم من أعلانه السابق عن حقيقة هويته وجنسيته الفارسية وعدم صلته بالشأن العراقي كونه لايحمل الجنسية العراقية. فالسيد السيستاني أعلن عبر متحدثيه عن قلقه أو تحفظه أزاء أتفاقية الأذعان والرعب التي وقعتها حكومة الأحتلال الرابعة مع قوات الأحتلال الصهيوأنكلو أمريكي وبمباركة أيرانية مبطنة كالعادة .وهذا مايثبت بأنه يتحرك داخل دائرة القرار أو التأثير وليس خارجها ،وهو يسأل ويعطي الرأي والمشورة ولايمتنع أنطلاقا من صفته الدينية التي توجب عليه عدم تجاوزها الى مايسمى بعالم السياسة ومايتصل به من قوانين ومواقف .

 

أما بشأن علاقته أو دوره في تمرير الأتفاقية وعبارات القلق أو التحفظ التي نسبت اليه ،فنود بيان مايلي :


1-  نحن نعلم أن توقيع الأتفاقية لم يكن ولن يكون قرارا وطنيا أستنادا الى التبعية المطلقة التي تحكم علاقة منظومة العملاء بكافة أجنحتها وتشكيلاتها بقوات الأحتلال ،والموضوع برمته لم يكن أكثر من مسرحية رسمت أدوارها من قبل طرفي الأحتلالين الصهيوأنكلوأمريكي والصفوأيراني وعلى طريقة الأتفاق أو التوافق في المنهج والأهداف.ولكن موضوع الأتفاقية هذا كان يحتاج بالتأكيد الى توطئة للتغلب على الممانعة النفسية والأخلاقية لقطاعات واسعة من أبناء شعبنا ،وخصوصا القطاعات التي تنتمي الى المذهب الشيعي ،وهنا كان لزاما على أحزاب الأئتلاف الطائفي العميلة وكما جرت العادة أن تقوم بتصدير أراء وفتاوى السيد السيستاني الى واجهة حملات التعبئة والتحشيد صوب هدف أكساب مشروع توقيع الأتفاقية غطاء التأييد الشعبي ،وقد نقل عن السيد السيستاني أراء تحتمل من التفسير لصالح الأتفاقية الشيء الكثير ،ولذلك أصبح الطريق ممهدا أمام الحكومة العميلة وتشكيلات الأحزاب الطائفية المتحالفة معها لتنفيذ دورها المرسوم في تمرير أتفاقية الذل والهوان ،وهنا لابد أن نقف على أمر بالغ الأهمية يتصل بطرفي المعادلة المذهبية الطائفية في العراق والتي تتمثل بالمراجع الدينية من جهة والأحزاب الطائفية العميلة من جهة أخرى ،فالبعض يذهب نحو فرضية أن ثمة فروقات جوهرية بين الطرفين تتمثل في أنسحاب الأحزاب بقوة بأتجاه الحياة السياسية المحكومة بقوانين المصالح وما يتمخض عنها من أجتهادات قد تبتعد أو تختلف وربما حتى تتناقض مع اصل التركيبة الدينية لهذه الأحزاب والتي تمثل المراجع ضميرها وقوامها الفكري والعقائدي ، ولكن دحض هذه الفرضية لن يكون بالأمر العسير طبقا للوقائع والمعطيات التي أزدحمت بها الحياة والذاكرة السياسية للعراقيين ،فلم يحدث طيلة سنوات الأحتلال البغيض أن أفترقت رؤى ومواقف المرجعيات الدينية عن تلك التي صدرت عن الأحزاب السياسية المرتبطة فيها والأمثلة أوردناها في مقدمة هذا المقال وفي مقالات سابقة .ولكن يبقى السؤال هو في من يحرك أو يوظف من ؟؟!! وأيا كانت الأجابة فالنتيجة واحدة وتجسدها حقيقة الموائمة التفصيلية بين الطرفين.


2-  وفي عودة الى ماصدر عن السيد السيستاني من قلق أو تحفظ أزاء موضوع الأتفاقية كما ورد في أجهزة الأعلام ،فأود بيان الآتي:
 

أ‌- أن بعض أجهزة الأعلام أوردت موقف السيد السيستاني من الأتفاقية بصيغة تحفظ ،وهذه العبارة لها دلالات ومعاني مختلفة عن صيغة القلق التي أوردتها أجهزة أعلام أخرى ،وهذا يفيد بأن الدقة مفقودة في صيغ التعبير عن الموقف في قضية تعتبر خطيرة على نحو أستثنائي ،وهذا مما يجعل بوابات الشك مفتوحة على مصراعيها أمام من يريد أن يتحقق من صحة ماينسب الى السيد السيستاني من تصريحات ،والتي لانزال نؤكد بأن هذه الشكوك التي تساور الكثيرين تتصل بعدم معرفة ماهية وشخصية هذا الرجل المستغرق في عزوفه عن الظهور في أجهزة الأعلام ليقول مايريد ويضمن أبلاغه الى من يريد  من دون وسطاء أو وكلاء .


ب‌- بصرف النظر عن حقيقة العبارة ( تحفظ أو قلق ) ،هل كان يجدر بالسيد السيستاني الذي يمثل رأس المرجعية الدينية لعموم أبناء شعبنا من معتنقي المذهب الشيعي أن يقول ماقاله بعد أقرار الأتفاقية من قبل مايسمى بمجلس النواب ؟؟!!،أي قيمة لمقالة لاتقال حيث يجب أن تقال زمنا ومكانا وعلى حسب ماتقتضيه واجباته ومسؤولياته الدينية أتجاه أتباعه ومقلديه .ولماذا كان مايقوله بزعم من كان يزوره من أقطاب مايسمى بالعملية السياسية يوحي بموقف آخر يسير بأتجاه تأييد الأتفاقية مما جعل موقف أحزاب الأئتلاف العميلة قويا في مواجهة بعض الأصوات الخجولة والضعيفة التي أنطلقت على أستحياء في مقارعة المشروع الأجرامي للأنتفاقية ،ومالذي يجعل أحزاب الأئتلاف الطائفي العميلة التي تستمد قوتها وزخمها من المرجعية الدينية تشعر بزهو الأنتصار أذا كانت ماحققته يثير قلق أو تحفظ السيد السيستاني !!!!! ولكننا نعود لنقول ،ماهو الجديد في هذا الموقف وفي أسلوب التعبير عنه ،ونحن نتذكر على الدوام موقفه المتواتر أزاء القضايا الحيوية التي ذكرناها آنفا .

 

أن هذا الرجل ،أو من يتصرف به، أو من يتصرف من خلاله ،ربما ينطلقون في معاملاتهم من قناعة مفادها بأن مايحاط به من قدسية وغموض وعتمة سيساعد كثير في أستمرار بسط الهيمنة الفكرية والسلوكية على المقلدين والأتباع من خلال تضييق مساحة المعرفة بشخصية المرجعية الدينية وتوسيع دائرة الجهل والتضليل من خلال ماتقوله عبر الوكلاء والساسة الذين لن يشهد لكثير منهم بالصدق وصفاء السريرة .


وأذا كان من أدعى بأنه قام بزيارة السيد السيستاني ،فأننا نقول له كيف رأيته ،هل عيانا أم من وراء حجاب ،وهل حاورته وتجاذبت معه أطراف الحديث طويلا وسبرت أغواره حتى تستطيع أن تضع تعريفا واضحا ومحددا  لشخصيته ؟؟!!كم هي عدد الساعات التي جالسته أو جالسك فيها  ،ثم كيف تحدثت معه وهو لايجيد العربية ويؤثر الكلام كما نسمع عبر مترجم ؟؟!!


من هو هذا الرجل الذي يتحكم بأشياء كثيرة جدا في العراق ولايعرفه أحد على وجه التخصيص والدقة؟؟!! أن الأمر لم يعد متصلا بطائفة أو فئة ،فالمنزلة الحقيقية أو الأفتراضية للرجل ومايتمخض عنها من تأثير مستمر في كافة مناحي الحياة للعراقيين يجعل معرفته أمرا ضروريا ليكون أطمئنانهم اليه أو قلقهم منه أمرا واضحا ومحسوما  .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠٤ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٠٢ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م