أوباما ... والأنسحاب المشرف

 

 

شبكة المنصور

صلاح أحمد

 

نحن نعلم أن فوز باراك أوباما في الأنتخابات الأمريكية لن يمنحنا هامش كبير من التفاؤل بشأن أمكانيته أو قدرته في أجراء تحولات مهمة في السياسة الأمريكية أستنادا الى الضوابط العملاقة التي تحكم هذه السياسة وتجعلها تسير في خط ثابت عام (لم ولن ) يكون في مقدور أيا من الأدارات المتعاقبة سابقا أو لاحقا بصرف النظر عن هويتها الجمهورية أو الديمقراطية في أن تحيد عنه ، خصوصا وان ثمة توافق عميق بين هذا الخط وطبيعة التركيبة السياسية لهذين الحزبين .المشكلة في الموضوع ،والتي ربما ستضع الرئيس أوباما أمام تحديات جديدة على صعيد سياسته الداخلية والخارجية، تكمن في التطرف العدائي الأستثنائي الذي طبع سياسة الرئيس الأمريكي الحالي بوش وعلى مدى ولايتين رئاسيتين ،الأمر الذي أفقد الولايات المتحدة توازنها في تعاطيها مع شؤونها الداخلية والخارجية وأستهلك مواردها ومصداقيتها في مغامرات أنطلقت الى جانب المصلحة من دوافع نفسية وآيدلوجية .ويبدو أن بوش كان متأثرا بغورباتشوف حينما سار على نهجه من حيث لا يدري في تعجيل الخراب الأعتباري والأقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية.

 

أذن الذهاب بعيدا صوب الأهداف العدوانية وأنحسار مد التأثير لبوش وحزبه الجمهوري داخل أمريكا وخارجها  تبعا لذلك سيجعلان أوباما وعناصر منظومته السياسية والعسكرية (المستشارين والمساعدين ) يفكرون مليا في أيجاد مخارج لمجموعة المآزق التي سببها بوش لأمريكا ، وهي المخارج التي ينبغي أن تحافظ على الموازنة بين متطلبات السياسة الأمريكية العامة وعقيدة مصالحها وبين التعديلات المطلوبة على تفاصيل هذه السياسة خصوصا في شقها المتصل بقضية العراق .وهنا في تقديرنا يكمن لب الموضوع الذي يجب ان يحظى بتركيز نظر واهتمام الأدارة الأمريكية الجديدة ،فالمشروع الأمريكي في العراق لم يخفق وحسب بل وأنقلب فيه السحر على الساحر ،وهو في الأساس لم يعد مشروعا ،بل ورطة كبيرة تسببت بها حماقة الأدارة الأمريكية الحالية.

 

وعلى الرغم من ذلك فاننا نعلم بأن خروج الولايات المتحدة الأمريكية من ورطتها لن يكون على وفق مانتمنى ،خصوصا عندما نتذكر بأن الصيرورة الأمريكية التي قضت قرابة الثلاث مئة عام وربما أكثر في مخاض تكونها،لن تتيح لأحد داخل دائرة قرارها بأن يتصرف بمعزل عن أرادتها وقوانينها .ولكن تبقى فرصة أوباما ليس في التمرد على هذه الأرادة وهذه القوانين ولكن في الحد من صيغ التطرف في التعبير عنها ،وربما هذا مادفعه الى الأعلان عن نيته ورغبته في تنفيذ أنسحاب مشرف للقوات الأمريكية في العراق ،ولكن مع الأسف ،القضية برمتها لاتكمن في الأنسحاب بحد ذاته ولكن في صفة الأنسحاب المطلوب وهي صفة (المشرف) ،وربما هنا يكون ثمة مأزق جديد ،ذلك أن أوباما لايريد أو لايستطيع أن يعلن خطأ الأدارة الأمريكية الحالية في قرار غزو وأحتلال العراق على نحو صريح وواضح ، الأمر الذي كان سيسهل عليه معالجة هذا الخطأ من خلال أتخاذه قرار الأنسحاب الفوري أو حتى المبرمج على مديات زمنية معقولة ،وكل ذلك يمكن أن يكون أنطلاقا من مبدأ (ولاتزر وازرة وزر أخرى) .

 

ولكن الحل لن يكون على هيئة هذا المنطق الشجاع و الحاسم في ظل قوانين كما وصفناها آنفا تحكم كل السياسات المركزية للأدارات الأمريكية .أذن من سيحكم التصرف أتجاه قضية العراق هو صفة (المشرف) وهي الصفة التي ستنطلق أولا من شروط تحقيق المصالح الأمريكية التي كانت وراء الدوافع الحقيقية لشن حرب الغزو والأحتلال مع موازنات جديدة تضفي شيء من الأختلاف على سياسة الأدارة الجديدة،وفي رأينا أن ذلك سيتجلى من خلال المناورة في تنفيذ أنسحابات جزئية للقوات يسبقها ويعقبها ضخ كبير لمواد أعلامية ودعائية بشأنها يمكن أن تساعد في صنع أنطباع بوجود تحول في السياسة الأمريكية أزاء العراق ،وقد يرافق ذلك أجراء بعض العمليات التجميلية للوجوه القبيحة المتصدرة لواجهة المشهد العراقي ،وربما يمتد الموقف الى أطلاق دعوات مصالحة أو حوار مع فصائل المقاومة الوطنية ،وحتى أشياء أخرى تساعد في أضعاف أي جذوة حماس لحل حاسم وعادل.وهذا يعني أن أوباما سيبتعد عن الخطوط المستقيمة ويؤثر السير في مسارات طويلة ومنحنيات بقصد الألتفاف في ذات الوقت على شعاراته التي أطلقها وعلى أهداف ومصالح الشعب العراقي ،وذلك نظرا لكون الرجل أولا وأخيرا موظف بدرجة رئيس لدولة تحكمها قوانين وقيود ومصالح ليس مطلوبا من الرئيس فيها أكثر من الأبداع والأجتهاد في التعبير عنها.

 

ولذلك علينا أن لانراهن على السياسة المجردة في حل قضيتنا ،ولكن يجب أن يكون الرهان على السياسة التي يصنعها الفعل الناجح والمؤثر للمقاومة العراقية الوطنية ،والجميع يعلم بأن هذا الفعل هو الذي ساهم بقوة في تغيير واجهات المشهد الأمريكي وهو من سيساهم حتما أن شاء الله تعالى في أنجاز مهام التحرير والتطهير ويرغم الأحتلال الصهيو أنكلوأمريكي على سلوك المسار المستقيم صوب الأذعان لأرادة الشعب ومقاومته البطلة والخروج من العراق بغير صفة (المشرف)التي ينشدها .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٢ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٠ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م