أتفاقية الحماية الامريكية للنفايات الحاكمة في العراق

 

 

شبكة المنصور

طــلال بركــات

 

يمر العراق اليوم بمنعطف خطير في ظل ظاهرة دولية لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر بقيام قوة غاشمة تغزو بلد يبعد عن موطنها آلاف الكيلومترات وتقوم بتنصب سلطات محلية تنفذ ما عجز المحتل عن تحقيقة على الارض وتستخف بعقول ومقدرات الناس وتنشئ مؤسسات دولة لاتمثل الا اجندات اجنبية وتقسم المجتمع العراقي الى كانتونات على اساس انها ثقافات نابعة من الافكار الديمقراطية الجديدة الواردة مع الدبابات الامريكية ثم تقوم بتثبيت حواجز اجتماعية قبل الحواجز الكونكريتية لخلق تشكيلات جديدة في المجتمع العراقي تمهد لتقسيم الدولة لينعم الشعب المقهور بحرية التناحر على الغنائم حسب المحاصصات الطائفية والعنصرية التي اراد لها المحتل ان تكون امر واقع ويتم تقنينها وشرعنتها باتفاقية فرضت قسرا على الشعب العراقي غايتها الاساسية فتح خزائن العراق لمرجعيات البيت الابيض ويقوم بحراستها سدنة المنطقة الخضراء المتعطشين لتمريرها قبل اسيادهم من اجل حمايتهم وضمان بقائهم في السلطة، ولغرض التخفيف من حدة المعارضة الشعبية للاتفاقية المزعومة ومضامينها المشبوهة قيام الحكومة بالتحايل لتسويق تسميات وعناوين جديدة للتغطية على الاسم والمضمون الحقيقي لها لذلك سميت مؤخرا باتفاقية سحب القوات الاجنبية بدلا من الاتفاقية الامنية، واذا كانت الحكومة العراقية حريصة على سحب القوات المحتلة فعلا كما ورد في التسمية الجديدة فهل هي (اي الحكومة) بحاجة الى اتفاقية لسحب القوات والرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما وعد بسحبها من غير اتفاقية ولا شروط ، وهل ان دخول تلك القوات الى العراق تمت باتفاقية حتى يتم خروجها بهذة الاتفاقية المبهمة التي فصلت لحماية السلطة الحاكمة ابتداء من الديباجة وحتى آخر فقرة، وفيما يلي تفنيد لأهم ما ورد فيها كالتالي :

 

تشير الديباجة الى ( ان الولايات المتحدة الاميركية وجمهورية العراق- يشار اليهما فيما بعد بعبارة الطرفين- اذ يقران اهمية امنهما المشترك والمساهمة في السلم والاستقرار الدوليين ومحاربة الارهاب في العراق والتعاون في مجالات الامن والدفاع لردع العدوان والتهديدات الموجهة ضد سيادة وامن ووحدة اراضي العراق ونظامه الديمقراطي الاتحادي الدستوري). على من تنطلي هذة السخافات هل ان الولايات المتحدة بحاجة الى العراق لحماية امنهما المشترك، واي ارهاب تتحدث عنة هذة الديباجة، اليس المقصود بالارهاب الذي يدخل ضمن المقياس الامريكي والذي يسمي مقاومة المحتل ارهاب وتدمير بلد وقتل وتشريد ابناءة يسمى تحرير. وما مغزى العبارة الاخرى التي تشير الى ردع العدوان والتهديدات الموجهة ضد سيادة وامن ووحدة اراضي العراق ، الم يكن هذا مبرر فاضح لانطلاق القوات الامريكية من الاراضي العراقي للأعتداء على اي دولة مجاورة تتوجس خوفا من احتلال العراق كما حصل في الغارة على البو كمال بحجة ردع العدوان والتهديدات الموجهة ضد سيادة وامن اراضي العراق ونظامة الديمقراطي الاتحادي الدستوري، ومن هم المطلوبين للردع، الدول المجاورة ام الشعب العراقي الذي يهجر ويضرب بالطائرات كلما تظهر اصوات ترفض الاحتلال وتعارض الممارسات العنصرية والطائفية للنظام الديمقراطي الاتحادي الدستوري، اي دستور ومؤسساتة في حماية السلطات المحتلة، بل هل يصح صياغة دستور في دولة محتلة وغير مستقرة وقواها السياسية متناحرة وقواتها الامنية غير قادرة على حماية مواطنيها قبل ان تحمي مؤسساتها الوطنية والدستورية..! كيف لا وان هذا الدستور من افرازات الاحتلال ومعبرا عن قيمة وهو الذي رسخ اجندة الاحتلال التي قسمت البلد الى كانتونات واقاليم طائفية وعنصرية، ألم يكن مغزى هذة الاتفاقية حماية الدستور وحماية المؤسسات الحاكمة المنبثقة عنة من غضب الشعب الرافض للاحتلال والرافض للأتفاقية التي تبيح للمحتل كل محرمات العراق ..!

 

وتشير الفقرة 1 من المادة الثانية عشرة ـ يكون للعراق الحق الاولي لممارسة الولاية القضائية على افراد قوات الولايات المتحدة وافراد العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة والمتعمدة وطبقا للفقرة الثامنة حين ترتكب تلك الجنايات خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها وخارج حالة الواجب. الحكومة العراقية تعلم جيدا ان السبب الرئيسي لعدم انظمام الولايات المتحدة لاتفاقية المحكمة الجنائية الدولية هو عدم موافقتها على المسائلة القانونية على الجرائم التي يرتكبها جنودها في مختلف بقاع الارض بالرغم من الجهود التي بذلتها امريكا لانشاء هذة المحكمة لاغراض لم تعد خافية على احد، بينما نرى الحكومة المنصبة اصرت على التعديل بهذا الشكل بالرغم من ان التعديل الحكومي ليس الا خروج هذا المبدأ من الباب ودخولة من الشباك بسبب التمييع الوارد في هذة الفقرة التي ليست الا تسويف للاستهلاك المحلي لاستحالة تطبيقها على ارض الواقع لان تواجد كل جندي امريكي على ارض العراق جناية يستحق عليها المحاكمة لان تواجدهم غير شرعي وغير قانوني لان معسكراتهم في امريكا وليس في العراق.. فضلا عن ان تواجدهم في اي بقعة من العالم هو ليس في نزهة وانما اكيد في الواجب لذلك لا قيمة قانونية ولا معنى حقيقي لهذا النص، كما ان العمليات العسكرية التي تقوم بها تلك القوات هي عمليات مشتركة مع القوات الحكومية وهذا يعني اضاعة فرصة الملاحقة على الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين بين هذا الطرف وذاك وحتى لو تم اثبات الجريمة على المحتل الامريكي ستكون الحجة عن غير عمد، فضلا عن ان واقع الحال يؤكد على عدم قدرة الحكومة العراقية على محاكمة مواطنيها الذين ارتكبو جرائم ابادة بحق الشعب من قبل مليشيات معروفة ومتنفذة لان قادة تلك المليشيات يتمتعون بالحصانة البرلمانية والسياسية فكيف هو الحال في محاكمة جنود دولة محتلة تدين لها النخب الحاكمة بعرفان التحرير وتسليم السلطة.

 

وقد ورد في الفقرة 4 من المادة  الرابعة والعشرين- ( تعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في ان تطلب خروج قوات الولايات المتحدة من العراق في اي وقت. وتعترف حكومة العراق بالحق السيادي للولايات المتحدة في سحب قوات الولايات المتحدة من العراق في اي وقت ). هذة اخبث فقرة وردت في الاتفاقية لانها خالية من اي صيغة قانونية وفيها من المطاطية يمكن استخدامها بعدة وجوة حسب متطلبات الظروف السياسية وليس بمقضى التحديد الزمني لخروج القوات المحتلة عام 2011 كما هو وارد في نص اخر من الاتفاقية، بمعنى اذا ارادت الحكومة العراقية المنصبة ان تطلب رحيل القوات الامريكية فلها ذلك بموجب هذة الفقرة ولكن اذا ارادت لها البقاء لا شيئ يمنعها من ذلك، وكذلك اذا ارادت الولايات المتحدة سحب قواتها لها ماتشاء ولكن اذا ارادت البقاء لا يوجد في الاتفاقية اي نص يمنع الطرفين من طلب البقاء لان الحق السيادي الذي منح الحكومة العراقية حق طلب خروج القوات من باب اولى ان يمنحها حق بقائها استنادا لنفس الحق الوارد في هذة الفقرة التي لا تعتبر طلب خروج القوات او سحبها امر ملزم، بل مجرد اعتراف بحق سيادي لتقديم طلب غير محدد بزمن لذلك لا قيمة قانونية لهذة الفقرة وليست الا لعب على النصوص للاستهلاك المحلي، ولم يكن تصريح الاميرال مايكل مولن رئيس اركان الجيوش الامريكية نابع من فراغ عندما قال( أن الانسحاب الاميركي من العراق المقرر عام 2011 بحسب مشروع الاتفاق بين بغداد وواشنطن سيكون مرتبطا بالوضع على الارض). 

 

اما الفقرة 4 من المادة الثلاثون تشير الى - (يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ اعتبارا من اليوم الاول من كانون الثاني 2009، بعد تبادل الطرفين المذكرات الدبلوماسية المؤيدة لاكتمال الاجراءات اللازمة لدى كل منهما لتنفيذ الاتفاق وفقا للاجراءات الدستورية النافذة لدى الطرفين). بمعنى ان توقيع وزير الخارجية والسفير الامريكي قد ادخل الاتفاقية في حيز التنفيذ قبل تصويت البرلمان ومصادقة الرئاسة عليها وفقا للاجراءات الدستورية المعمول بها والتي اصبحت لا قيمة لها بعد التوقيع لان تعطش الحكومة العراقية على تمرير الاتفاقية ضربت تصويت البرلمان ومصادقة الرئاسة عرض الحائط واعطت تفويض عراقي سافر بمواصلة الاحتلال .

 

واخيرا لابد من الاشارة الى ان الحكومة المنصبة لم تفاجئ بالاتفاقية لانها مجبرة وليست مخيرة في تنفيذ ما مطلوب منها من قبل المحتل ودورها لا يعدو سوى اخراج مسرحي بالشد والجذب بحجة الاصرار على تعديلات هزيلة لا تمس جوهر الاتفاقية لأيهام الشعب العراقي بان الحكومة صاحبة قرار وقادرة على الصمود في مواجهة المسائل التي لها مساس في مصالح الشعب ولكن الموضوع ليس الا مكياج لتحسين هيبة الحكومة امام الرأي العام لكي يقال بعد التوقيع ان الحكومة المنتخبة الحريصة على مصالح الشعب قد مارست حقها السيادي في تمرير الاتفاقية .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٢٣ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢١ / تشرين الثاني / ٢٠٠٨ م