تصايحوا ، تفاصحوا ، تصالحوا .. وكلّ يغنّي على '' ليلاه '' ..

 

 

شبكة المنصور

جلال / عقاب يحيى - الجزائر

ـ هنيئاً أيها الشهداء.. ناموا قريري العين، فقد استفاقوا أخيراً ..


ـ أيها المقطعة أوصالهم، يا جرحى المحرقة .. اطمأنوا، وعضّوا على ألسنتكم، فمدد القمة العربية سيعيد أوصالكم . سيرجعكم كما كنتم، سيبلسم جراحكم، وسيغمركم بالكرم العربي الشهير ..


ـ يا أمهات الشهداء : الأطفال قبل الفتيان والفتيات، يا عنوان الصبر، والخصب، والتحمّل .. زغردوا، ولا تحزنوا ..فقد كادت الدموع تطفر من أعينهم .


ـ أيها المقاتلون، المجاهدون الأبطال، الصامدون.. لا تهنوا، ولا تحزنوا، فالمدد قادم، جحافلاً تلاطم جحافلاً ..و( الكل بات مقاومة) !! ..


ـ يا شعوب الأمة ..يا من انتفضتم غيظاً، وحنقاً، واحتجاجاً، وإدانة للتخاذل والتواطؤ والتسوّل .. عودوا إلى مألوفكم . ناموا، واهدأوا، وباركوا..فقد تابوا . تعانقوا، وتسامقوا، وتسابقوا.. وما من حاجة إليكم بعد ...


***


يقولون أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي ..
قالوا كثيراً، وأتوا أخيراً.. أخيراً، وغزّة تلملم أشلاءها، وتكتشف الجديد من الجثامين الممزّقة : نتاج تلك العصابة الدموية.. التي ما زالوا يفرشون لها أحضان الاحتضان( رغم أنهم لوّحوا بإمكانية تجميد، أو سحب"المبادرة العربية"، سلاحهم الأمضى في مواجهة كيان الإجرام والاغتصاب !!) ..
ترى ما الذي حدث ؟؟..ما الذي بدّل الأحوال ؟؟..


ـ أصمود غزّة الأسطوري ومقاومتها الباسلة التي فاجأتهم ؟؟..


ـ أفشل العدو في تحقيق أهدافه المعلنة، وارتدادها عليه ؟؟..


ـ أم " اكتشافهم" لجوهر الكيان العنصري، الدموي، الإجرامي.. وصغيرهم يعرف، أو يفترض أنه يعرف حقيقته ؟؟..


ـ أهي المتغيّرات الدولية، والمجرم بوش يودّع غير مأسوف عليه؟؟..


ـ أم حركة الشارع العربي، والإسلامي، والعالمي التي أدانتهم قبل أن تدين المجرم وأفعاله ؟؟...


***


أسئلة كثيرة، مشروعة تطرحها لوحة قمة الكويت، وذلك السباق المتسابق لركوب الموجة وتصدّرها، وكأنهم جميعاً كانوا هناك يقاتلون، أو يحضّرون الجيوش والقوى لنجدة غزة وفلسطين، أو: أضعف الإيمان، الوقوف الواضح مع المقاومة باعتبارها الحق المشروع للرد على الاحتلال، والوسيلة الوحيدة التي يملكها وضع عربي متهالك في مواجهة آلة الدمار والحقد والقتل الصهيونية ..


الأكيد أن مخاطر حقيقية تعصف بالنظام العربي الرسمي وقد كشف عوراته على الملأ، وبطريقة بائسة تهدد بالمزيد من التفسخ، والانهيار، والخضّات ..


والأكيد أيضاً أنّ غزّة أحرجتهم كثيراً، مثلما أحرجهم صلف العدو، واحتقاره للجميع. وأن المنطقة حبلى بالكثير الكثير من المشاريع الخارجية والإقليمية المختلفة، التي سمح تخاذلهم، وتفككهم، واستبدادهم، وتشبثهم، حتى الرمق الأخير، بكراسيهم ومصالحهم القطرية الضيّقة، للآخرين بأن يصولوا ويجولوا : غزواً واحتلالاً ، ومشاريع تقسيمية وتفتيتية، وللمطامح الإقليمية بأن تتسرّب وتجدل تحالفاتها، ومحاورها، وتسبقهم إلى التقاط نبض الشارع، واحتضان فلسطين بأكثر من صيغة وقالب، بينما تخلوا عنها واقعياً، ولم يراجعوا يوماً نتائج عملهم ومفاوضاتهم، وتلك " المبادرة" التي عرّبوها في " قمة بيروت"، المحنّطة، وشعارهم الغريب العجيب "السلام خيار استرتيجي" !!..


أمور غريبة عجيبة تحصل، وفي الأخير، وبعد /22/ يوماً من يوميات المذبحة المفتوحة بشهدائها، وجرحاها، ودمارها، واستنزافها للدماء والأموال العربية، والسؤال الذي يطرح نفسه عليهم : لماذا لم يفصحوا ويتفاصحوا في مواقفهم من الذي يجري قبل، وأثناء المجزرة ؟.. لماذا كانوا يتفرجون( وبعضهم يشارك، والمشاركة أشكال وأنواع)، وعندما أعلنت "إسرائيل" إيقاف النار من طرف واحد، إثر فشلها في تحقيق الأهداف المعلنة، وبعد تلك الإدانة العالمية الواسعة التي تطال جوهرها ودورها، تنمّروا، واستأسدوا وتفهّدوا، وتقلبوا بين راكب للموجة، ومزدوج، أو مثلث، وبين من ينسب فضل"حقن الدماء" له، ولا غرابة أن يدعي البعض أنه حقق النصر، وأنه لولاه لما صمد الشعب والمقاومة !!..


ـ هل هي إيران التي تخيفهم، وهي تتطاول عليهم فتدخل النخاع الشوكي، والنسيج الاجتماعي ؟. تنافسهم في عقر دارهم، وتسحب منهم عديد فئات شعوبهم، وتزاود عليهم في فلسطين العربية، ودعم المقاومة، ورفض خيارات التسوية التي تبنّوها ولا أحد سواها ؟؟..


ـ أم هي تركيا الطامحة لدور إقليمي، وقد التفّّت نحو الجذور فاكتشفت"عثمانيتها" في لحظة مناسبة ، فخافوا، وتحسّبوا ؟.. بعد أن استنجدوا بها ؟!! ..


ـ أم هي الإدارة الأمريكية الآفلة التي انصاعوا إليها في كل شروطها، فساهموا في غزو واحتلال العراق، وبصموا على منتجاته العميلة( كان الطالباني باهترائه وعكازه،في الكويت، ومن قبله الهاشمي في لقاء الدوحة" يزيّن" الحديث عن المقاومة ودعمها)،وحاولوا ما أمكن تحجيم المقاومة وإدخالها نفقهم التسووي، فخذلهم بوش القاتل،فأرادوا التلويح للقادم بأنهم موجودون، وقادرون، وموحدون ؟!! .. وأنهم بقدرة قادر يتصالحون، وبقدرة قادر يتبعثرون ؟؟..


ـ ألم يسألوا ويتساءلوا أين هم في هذا العالم ؟. ما هو وزنهم الحقيقي ؟ من يحترمهم ويقيم لهم اعتباراً ووزناً ؟؟.. ومن المسؤول عن هذا الخوار والفوات غيرهم ؟؟..


ـ هل حركة الجماهير العربية الموحية أيقظت فيهم هواجس الخوف، أو هزّت مألوفهم وترهلهم، هم الذين أدمنوا قمع الشعب، وقتل قواه الحيّة، ومصادرة أبسط حقوقه الديمقراطية وغيرها، كما أدمنوا النهب والفساد والإفساد وتخريب الأجيال وسحقها ؟؟، فأرادوا قطع الطريق، واستباق أي احتمالات يحملها أفق ما قادم يبني على جملة التراكمات العنيفة فعله اللاحق ؟؟..


***


نعم الأسئلة كثيرة، ووسط فرح ونشوة قطاعات شعبية، وجهات عديدة بما جرى في الكويت من مصالحة وبوس لحى، وربما وعود ومواعيد، فإن أموراً مركزية تطرح نفسها بقوة عليهم :


ـ ترى على ماذا اتفقوا ؟ . أو على ماذا كانوا مختلفين ليتصالحوا ؟..


ـ هل ستهزّهم غزة بمحرقتها وصمودها فيجرون تغييرات جذرية على سياساتهم من التسوية والمقاومة، ومجمل سلوكهم ومراهناتهم، فيسحبون المبادرة العربية، أو على الأقل : يعيدون النظر بشعارهم العجيب"السلام خيار استرتيجي"، فيلونونه، أو يطعّمونه ولو بالتأشير إلى الخيارات الأخرى : المتناغمة، والمتكاملة، والبديلة ؟؟ ..


ـ هل قرروا دعم خط المقاومة كما تسابقوا في ركوبها، فاتفقوا على فتح جبهة الجولان، ورسم خطة مواجهة في حال فشلوا في مساعيهم التسووية( وقد فشلوا وفشلوا) ؟؟..ووضع إمكانات الأمة في خيارات بديلة؟، أم أن الأمر من أوله إلى آخره حكي بحكي،وتشاطر فيمن يسبق الآخر على تسجيل النقاط في الملعب الشعبي المتوتر والهائج، والمتعطش لوقفة رجولية، ولو كانت مجرد كلمات في خطبهم المكتوبة، والمعدّة لهم جيداً ؟؟..


ـ هل فكروا للحظة، ولمتر واحد بالزحزحة عن ممارساتهم القمعية، النهبية، الشمولية، وباحترام حقوق شعوبهم، وصرخاتها المدوّية بالحرية والعمل والحياة الكريمة، والتعبير، والمشاركة؟..أم أنهم من صنف( الزعماء العباقرة) الذي يغني الواحد منهم عن أمة بكاملها ؟؟.. ليبقوا رابضين، حاكمين، استبداديين ؟؟.


وماذا بعد ؟؟..


وقد علمتنا تجاربنا المريرة معهم أنهم من النوع الذي لا يهمه سوى الاستمرار في الحكم، وابتلاع المرحلة، وتنفيس الاحتقان الشعبي، وتمرير عذابات، وتضحيات، وصمود شعبنا الفلسطيني البطل . وليست هي المرة الأولى التي يتصايحون ويتفاصحون ويتصافحون ويتصالحون ويتباوسون . لقد فعلوها مراراً، وانتفاضة الأقصى المبارك شاهد، والشهيد الرمز أبو عمار مثال، وكذا العراق النازف، المقاوم، وشهدائه بمئات الآلاف، وفي مقدمهم الشهيد، الرئيس صدام حسين، وصحبه من القيادة العراقية ..


***


علمتنا التجارب المريرة أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، وأن هذا النظام الرسمي المنخور حتى العظم، المتكلس حتى التصخّر، الفاقد للقدرة، والمشروعية الشعبية، والوطنية، والقومية..ليس بمقدوره حمل أعباء الأمة ومواجهة التحدّيات الكثيرة المحيقة بها .إنه عاجز موضوعياً، بغض النظر عن نوايا طيبة، آنية لهذا الحاكم أو ذاك، وعن دموع يمكن أن تزرف، وشاحنات مساعدات ترسل، وأموال تخصص( معظم المبالغ التي قررت في القمم السابقة لم يلتزم أصحابها بدفعها) ، لأن الأمر يتجاوزكل هذه الشكليات، ويرتبط بجوهر هذا النظام،ونهجه، وقوى استناده، وديمومته، وتحالفاته، و"خياراته" التي لا يستطيع الانقلاب عليها .


كما علمتنا الهزائم الدامية، والامتحانات المكلفة، أن تغييب الشعب عن المشاركة، وقتل، وقمع، وملاحقة الآخر المختلف..ومصادرة الحريات الديمقراطية، وتكريس الأحادية، والفردية، والاستبداد المعمم.. هو في أسّ أزماتنا، وتفككنا، وفشلنا ، فالخطابات النارية، والكلمات الفصيحة، المنتقاة، وركوب الأمواج بطريقة انتهازية فجّة لا تبني دولاً، ولا تحرر أرضاً، ولا تحمي نظاماً،حتى وإن استمر لبعض الوقت بقوة الأجهزة، والمافيا، والعشيرة، والعائلة، والطائفة، وضعف البدائل . وأن الانحياز للمقاومة ليس كلاماً جميلاً يداعب عواطف الجماهير المقتنعة، وشعارات كبيرة . إنه الفعل على الأرض . الاستعداد، والنهج. الحاكم والشعب. العدالة والمساواة . القانون الذي يطبّق على الجميع، والعدالة الاجتماعية بأبسط صورها ..


إن أمة عظيمة تتوفر فيها جميع مقومات القوة، والصمود، ومواجهة التحديات بما يليق بها وبإمكاناتها وتضحياتها الجسام..جديرة بأن تحمل مشروع نهوضها التحرري العصري، الذي ينقلها إلى مصاف العصر، ويؤمّن شروط توحيد قواها وفعالياتها، وانتزاع حقوقها القومية والوطنية، وفي الأساس منها : دحر المشروع الصهيوني الخطير، وإيجاد الحل الديمقراطي لفلسطين الديمقراطية التي يتعايش فيها الجميع على أساس المواطنية .فلسطين الجزء الصميمي من محيطها وأمتها ..


إن مشروعاً نهضوياً، تنويرياً، ديمقراطياً يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الجنس، والقومية، والأصول، والدين، والمذهب، والاعتقاد، والانتماء.. هو البديل والمخرج .وهو المهمة الدائمة للنخب والقوى والأحزاب وهيئات المجتمع المدني، وجميع قوى وفعاليات الأمة . المشروع الذي يصالح الشعب بحكامه المنتخبين، والذي يعترف بالآخر المختلف، ويعي المرحلة ومتطلباتها، ويحدد التخوم مع الخصوم، ويبني علاقات حسن الجوار، وعلاقات التعامل مع الخارج بما يتواءم ومصالح الأمة، وتوجهات البشرية نحو السلام، والوئام، والتطور ، والحرية ..

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٢٣ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٠ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م