بين فتح وحماس : مشتركات وتباينات ..

 

 

شبكة المنصور

جلال / عقاب يحيى - كاتب وباحث / الجزائر

( ١ - ٣ )

فتح، ومحطات بارزة ..

 

السجال عنيف اليوم بين فتح وحماس . ظاهره خلاف على السلطة، والخط، والبرنامج، وباطنه متشعب يروي بعضاً من فصول حكاية " المشروع القومي" ومآله، والبديل الإسلامي وطموحه، بكل التداخلات والتدخلات الفلسطينية والعربية والإقليمية، والخارجية ..

 

فتح الانطلاقة، وفتح اعتماد العمل الفدائي، وفتح برنامج تحرير فلسطين( كل فلسطين) قبل احتلال الضفة والقطاع .. ليست هي اليوم :  تلك التي أطلقت رصاصاتها الأولى في الأول من كانون أول/ جانفي / 1965 .. كما أن دنيا العرب اليوم غيرهم، يومذاك . يومذاك كان المشروع القومي، التوحيدي، النهضوي، شبه العلماني، شبه الديني يرفع رايات كثيرة، ويجوب الأرض العربية : قوياً، طامحاً لأن يكون البديل، والحل . وكان اليسار متقاطعاً معه وفق جدليات : اللقاء والخلاف، والتنافس، وعلى قاعدة بدء انفتاح عديد قادة المشروع القومي على الفكر الاشتراكي، والانضواء في خندق التحرر والتقدم والاشتركية بقيادة الاتحاد السوفييتي ..

 

ورغم أن مؤسسي فتح، تلك الكوكبة الشابة التي قررت امتشاق السلاح، وبلورة القضية بديلاً لوصاية النظم وتدخلاتها، وإقامتها منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة المرحوم أحمد الشقيري، كإطار رسمي ملحق بالجامعة العربية، كانوا من أصول إسلامية، قدموا من مواقع ثانوية لحركة الإخوان المسلمين .

 

ورغم تأثر عديد قادتها بالإسلام، وكان أبو عمار : القائد، مليئاً بروح إيمانية إسلامية طافحة، إلا أن :

 

ـ طبيعة المرحلة، بما هي مرحلة تحرر وطني وقومي عربياً، وعالمياً .

ـ جوهر القضية الفلسطينية باعتبارها قضية قومية مركزية، لا تخصّ أبناءها فقط، وإنما جموع الأمة، وكذا ماهية الصراع العربي ـ الصهيوني، كصراع وجودي، مصيري بين مشروعين متناقضين ينفي أحدهما الآخر ..وفهم قادة فتح لهذه الطبيعة وجدلياتها ومقتضياتها في الوعي، والتنظيم، والبرنامج، والممارسة .

ـ تأثر تلك الكوكبة بثورة التحرير الجزائرية، ومحاولة محاكاتها في التشكيل السياسي( على غرار جبهة التحرير الوطني)، وفي هامش الاستقلالية، وأحادية تمثيل الشعب وقيادة نضاله حتى التحرير ..

 

هذه المعطيات قادت إلى تغييرات كبرى في وعي وجوهر المشروع، فتحولت الحركة إلى حركة تحرر وطني وقومي بكل المقاييس والمعايير، وبنكهة فلسطينية، وعربية .. عمّد فيها أبو عمار بصماته الخاصة، كما ترك أثره فيها رعيل الشهداء(الكبار)( كمال عدوان ـ يوسف النجار ـ كمال ناصر ـ أبو علي إياد ـ أبو إياد ـ أبو الهول ـ أبو جهاد)، والمرحوم خالد الحسن، ورعيل هام من الشهداء ..

 

ـ حركة التحرر الفلسطيني التي استخدم مقلوب أحرفها الأولى( حتف ـ فتح) اسماً مختصراً لها، لم تكن قصراً على لون أو طيف بعينه . لقد مثّلت بصدق وترحاب كافة أطياف الشعب الفلسطيني : اليسار بأنواعه( من المغامر، إلى الغيفاري، والماوي، والتروتسكي، والماركسي، والشيوعي، والبين بين، والقومي الماركسي . والماركسي المؤمن)، كما استوعبت اتجاهات قومية شتى( بعثية يسارية . بعثية تقليدية . بعثية محسوبة على اليمين . بعثية منشقة، وانشقاق على الانشقاق، وناصرية، وأيتام من القوميين العرب، ومن أحزاب وتشكيلات مختلفة)، ناهيك عن الاتجاهات الدينية المتعددة، وشتى الاتجاهات . وتفاعل فيها كل هؤلاء، إلى جانب المسيحيين العرب ..

 

كما لم تكن حركة فلسطينية قطرية. لقد فتحت مصاريعها لآلاف العرب الراغبين في التطوع، فاحتضنتهم . درّبتهم، ودمجتهم في مصهرها العجيب . كما حمت ودعمت عديد قوى المعارضة، والمضطهدة من نظم الاستبداد، وكانت كريمة على العموم .

  فتح امتدّت لتصبح أهم حركات التحرر العالمية في الربع الأخير من القرن العشرين، وقد انتشر تأثيرها إلى عموم العالم، واستقطبت مئات المناضلين من بلدان شتى انخرطوا وناضلوا في صفوفها، كما درّبت، وساعدت مئات حركات الثورة والتحرر في القارات الخمس، وكانت حضناً واسعاً لكل من يطرق بابها ..

 

*****

 

لكن معطيات، وتطورات، ومتغيّرات شديدة حطّت على رأسها . قلبت البديهيات، وشقلبت الرؤوس والأفكار، وأنبتت مفرزاتها ومعطياتها، وكان الطبيعي أن يترك ذلك أثره المباشر على فتح، وعموم العمل الفلسطيني، وأن ينتقل إلى داخلها بصور كثيرة.

 

وإذا كان المجال لا يسمح بالغوص في التاريخ والمسار، فإن الهزائم العربية، وفوات المشروع القومي النهضوي( على يد حملته بالدرجة الأولى)، وتكريس وموضعة عصر الردة، فعصر التسوية والتصالح، وعصر الدولة الإقليمية المجوفة : القمعية، العائلية، الريعية، الاستبدادية . التصالحية التسولية ..وما احتوته من حروب حصار وضغط  وشقّ، وترويض، وتكييف، وترحيل . وحروب"إسرائيل" المتناغمة مع حروب(الأشقاء) لتعويم(الثورة الطيّارة)، وإخراجها من جميع جبهات التماس مع العدو ..وإقحامها بمشاريع العرب(للتسوية)، بدءاً بمشروع قمة الدار البيضاء، ففاس الثانية( بعد الخروج من بيروت)، إلى" السلام خيار استرتيجي"، و" الأرض مقابل السلام"، و" المبادرة السعودية المعرّبة في قمة بيروت 2002)..بكل ما رافقها من تراجعات وتنازلات ..

 

ـ هذه العوامل مجتمعة، وغيرها كثير، وضعت منظمة التحرير في الزاوية الحرجة . وعندما عقد" مؤتمر مدريد" كنوع من مكافأة بوش الأب للأنظمة المشاركة في ضرب العراق 1991، حاولوا معاقبة المنظمة بإبعادها عنه، لأنها حسبت في الخندق الآخر، وجاء من يحشرها فيه، ثم جاءمن يشيّع أن السوريين والإسرائيليين على وشك الوصول إلى اتفاق شامل، وأن على المنظمة أن تلحق نفسها( مصدر  سوري رفيع ) !!، وقد تفرّعت الوفود . تسربت وتسربلت.. فكانت أوسلو، وكانت تلك الاتفاقية ..

 

*****

 

كثيرة هي الأقوال عن حكاية أوسلو وانعكاسها على الداخل الفلسطيني والفتحاوي، وموقعها من التخلي عن جوهر الصراع، وعن ميثاق منظمة التحرير . عن الفساد، والرشوة، والإفساد والتفريغ . التحوّل والنهم. التنسيق مع الإسرائيليين والأمريكيين.

 

عن إيجابياتها في إدخال مئات آلاف الفلسطينيين، وفي تحقيق وجود فاعل استطاع أن يحوّل مركز الفعل، والمقاومة من الخارج إلى الداخل.( وهذا أمر حيوي جداً)، ومحاولة إنهاض أسس الدولة، ومؤسساتها، وعديد الإنجازات والوعود بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفتح ملف اللاجئين، والتي كان لاغتيال رابين ، ووصول اليمين أثره القاطع في إيقاف ذلك المسار ـ المراهنة الخطرة، وبدء العدّ التنازلي لوفاة، أو تقزّم الاتفاقية، والآمال التي عقدت عليها، خاصة من الأجنحة التسووية التي نبتت وقويت وبرزت في المواقع القيادية داخل فتح، وفي عموم العمل الفلسطيني .

 

لكن، وفي هذه العجالة، فإن أوسلو، ضمن  ظروفها ، لم تكن سوى الحصاد المرّ للنظام العربي الرسمي. حصيلة الأوضاع العربية الكليّة : نظماً وقوى وهيئات وحركات شعبية، وانعكاساً لمرحلة الخيبات والهزائم ..وليست خياراً فلسطينياً أو فتحاوياً حراً وصافياً، لأنه لو ترك الحد الأدنى من حرية الاختيار والمقاومة، كان يمكن لمنحى النضال الفلسطيني، والعربي أن يأخذ مسارات أخرى . كما يمكن للنتائج أن تكون غيرها .

 

ـ عندما رفض أبو عمار عروض باراك في كمب ديفيد، اتخذ القرار بتصفيته، وتدمير بعض الإيجابيات الأولية لاتفاق أوسلو، وكان المجرم شارون ينتظر شارة الانطلاق، هو الذي أطلق الشرارة الأولى لانتفاضة الأقصى المبارك.. التي، ولا شك كان للشهيد عرفات بصماته الواضحة فيها، وربما مراهناته الكبيرة عليها، وعلى ما اعتقده تهيئة جيدة لمواجهة فاصلة بينه وبين قادة الكيان، أو إلزامه بقبول الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس ..

 

ـ إن وصول شارون إلى رئاسة الحكومة على منصة القضاء على الانتفاضة، وتدمير البنية التحتية للسلطة الفلسطينية وإضعافها حتى الرمق الأخير.. عبر ذلك الهجوم الكاسح، التدميري، المحرقي، بملاحم الصمود في جنين ومخيمها الرمز، ونابلس، ورام الله، وبعض المدن الأخرى ..وضرب مقر الرئيس عرفات في المقاطعة، وحصاره بتلك الطريقة المؤلمة ..وسط تخلي النظام العربي عنه، ثم الوصول إليه عن طريق تسميمه، واستشهاده ..

 

ـ وتخاذل عديد القيادات الميدانية التي أفسدها الفساد والسلطة، والعبث بمقدرات الشعب، فتركت السلاح والمقاومين وهربت تبحث عن انتصارات في أجهزة الإعلام ..

 

أطلق العنان لما يمكن تسميته مرحلة جديدة.. غاب فيها الشخص الجامع، الأقدر على فهم مفردات الوضع الفلسطيني ومعالجته بطريقته الشهيرة الخاصة ، بينما امتلأت السجون بالإطارات المتقدمة، خاصة من فتح ، وأصبح المجال أكثر رحابة لتقدّم حماس التي كانت تتأهب لطرح نفسها بديلاً ..

 

 

( ٢ - ٣ )

مقاربات وتباينات ..

 

لأسباب مختلفة احتدم الصراع بين الحركة القومية، وحركة الإخوان المسلمين، خاصة تواجداتها المؤثرة في مصر وسورية، وبعض الأقطار الأخرى .

 

وإذا ما دفعت الأمة، والعمل العربي المصارع للوجود الصهيوني، والأجنبي، ولنظم الاستبداد الشمولي.. ثمناً باهظاً لذلك الاقتتال، فإن كثيراً من الالتباس، متعدد الوجوه، يحيط بهذه العلاقة، وما عرفته من بعض تطور في العقدين الماضيين. كما أن وصول حماس، بانتخابات تشريعية، إلى السلطة في غزة، وما أعقب ذلك من صراع مع فتح توجته حماس، بغض النظر عن المقدمات والمبررات، بانقلاب شامل على الشريك الآخر، وما تلا ذلك من تطورات، وآخرها العدوان الإسرائيلي المجرم على غزة، ونتائجه، ومرتسماته على تلك العلاقة، وعلى لوحة المحاور والتحالفات في فلسطين والمنطقة .. كل ذلك يدعو إلى التوقف عند بعض المكونات، والمفاصل ..

 

ـ اتسمت حركة الإخوان المسلمين بالوسطية، والاعتدال، كما ترغب بوصف نفسها، وإن خرج من رحمها حركات أصولية متشددة، وأخرى (جهادية) مارست( الكفاح المسلح) ضد النظم السياسية في عدد من البلدان، وفق علاقة غائمة مع (الأم)، خاصة في علاقة( الطليعة المقاتلة) السورية بها، أو " جماعة مروان حديد"، أو  "كتائب محمد"، والتحرير الإسلامي" وغيرها ..

 

ـ ولئن حوصرت هذه الحركة في أوج صعود المشروع القومي ـ التحرري، لأنها كانت معارضة له، ولبعض وجوهه العلمانية، الثورية، الاشتركية، اليسارية، فانضوت في الموقع الآخر المعادي، والتقت، بوعي، أو من حيث النتيجة، مع تلك المروحة الواسعة المعادية لذلك المشروع ونظمه ورموزه ، فإن عقود إجهاض المشروع النهضوي، وبدء انزياح وتآكل، وضعف، وكهولة التيارات والقوي القومية واليسارية كان يفسح في المجال لتنامي الاتجاهات الدينية بتلاوينها المختلفة، وفي المقدمة منها : حركات الإخوان المسلمين، باعتبارها الأكثر تنظيماً وقدماً وخبرة، وتنسيقاً .

 

ـ على عكس مؤسسي فتح الذين أمنوا بجوهر الصراع مع الصهيونية على أنه صراع قومي ـ تحرري، فتحولوا من مشاريع أخوانية إلى أفق التحرر الوطني والقومي المفتوح على كافة الأطياف . فإن نمو الحالة الأخوانية، وما يعرف ب"الصحوة الإسلامية" جاء عقب انهيار المشروع القومي الوحدوي، النهضوي، وعلى قاعدة انهزامه في مواجهة العدوان الصهيوني المبيّت/1967/، وبدء تراجعه، ومحاولات بعض أجنحته التوجه نحو النظرية العلمية، ضمن تلك الحالة التماوجية، الاستعجالية، الهروبية، العاصفة . أي تمّ ذلك في مرحلة الردة والانهيار، وخيانة مدعي حملته له .

 

حين حلّت الردّة في أهم قطرين عربيين : مصر وسورية، وأبرز حملة ذلك المشروع القومي، كان الاتجاه الديني، أو التوجه نحو الدين يجد تفسيره في الإحباط، والفشل، والفراغ، وفي سرعة الارتداد ومفرزاته الخطيرة في الصعيدين : الوطني القومي والاجتماعي.. فشكل ذلك الأرض الخصبة لانتعاش التيارات الإسلامية بمختلف تلاوينها، ومنها : تيار الأخوان المسلمين ، كما أن مشروعية طروحاته، وما يقال عن تلك الصيغة الغامضة(الحل الإسلامي) بدت ممكنة التجول في العقول والعواطف والغرائز، وحيدة، معززة بأمل سافي يخاطب الصدى والفوات والخيبات، فتردّ عليه أحلام مدعمة بكثير من الإمكانات المالية، وبشبكة واسعة من التنظيمات الاجتماعية التحتية، ومجالات إعلامية متخصصة، ناهيك عن دور الجامع كمكان للتبشير وطرح الأفكار واستقطاب المؤيدين والأنصار .

 

مع ضرب العراق وحصاره(بدءاً من عام 1991)، ثم غزوه واحتلاله، وبينهما سقوط الاتحاد السوفييتي، وتهاوي المنظومة الاشتراكية بتلك السرعة، واستفراد أمريكا بالعالم.. كانت الاتجاهات القومية، واليسارية، والعلمية على العموم، والديمقراطية الوطنية تعاني أزمات متراكبة، وحروباً شرسة تشنها أنظمة القمع والاستبداد . ولأنها عجزت( والأسباب كثيرة، متداخلة) عن تجاوز أزماتها، وتجديد فكرها، ومقولاتها، وخطابها، وهي المحاصرة، والمطاردة، والفقيرة، والميتّمة.. كانت الحركات الدينية تجد مرتعها الخصب لتطرح نفسها : البديل الأشمل ..

 

حركة حماس، التنظيم الإخواني القديم لم يظهر، رغم قدمه، على ساحة العمل المقاوم إلا متأخراً، ومتأخراً جداً، بدءاً من عام /1987/ وما تلا ذلك، أي بعد الانتفاضة الأولى ، مما كان يطرح أسئلة كثيرة مشروعة عن سرّ ذلك الغياب والتأخر الطويل، وفتح ذلك شهية بعض الفلسطينيين، خاصة من شباب فتح بالداخل، لاتهامه بالتعامل مع "إسرائيل"، أو : لتلقيه الدعم من أوساط إسرائيلية . بما كان يبرز صورة العلاقة المتوترة بين التشكيلين .

 

إن محاولة "إسرائيل" دعم اتجاه ما بهدف القضاء على الجسم الرئيس للمقاومة، لا يعني، بشكل ما، أن ذلك الاتجاه عميل، أو مرتبط . فسياسة الكيان كانت على الدوام تمزيق الصف الفلسطيني، وتدمير خط المقاومة، وفقاً لحسابات وخطط خبيثة، يمكن أن تتخذ تلاوين مختلفة ، لذلك يمكن أن تعمل الأجهزة الإسرائيلية على جميع الخطوط لإضعاف وتصفية المقاومة، وتمزيق الصفّ الفلسطيني .

 

ـ بدءاً من نهاية الثمانينات برزت حماس منافساً قوياً لفتح . ووفقاً لتشكيلة العقل العربي، وموقع الذات، والعصبوية، والقبلية فيه، فالطبيعي أن يحتل هذا التنافس موقعه المتقدّم، ويمكن أن يكون الأول . إذ، ورغم وجود المحتل : عدو الجميع الواحد، وما يقوم به من فعل إبادي، تصفوي، تدميري.. فإن غلبة الذاتي على العام كان الجذوة المتقدة الظاهرة،، أو المطمورة تحت رماد الفعل اليومي .

 

ـ لا شكّ أنّ حماس، وقد وقّعت منظمة التحرير اتفاقية أوسلو، وشطبت من ميثاقها تحرير فلسطين، مكتفية بدولة، أو دويلة على ما احتل العام 1967 ، كانت تطرح نفسها بديلاً بدا مشروعاً لقطاعات فلسطينية وعربية واسعة، وذلك بالعودة إلى أس المشكل والصراع : فلسطين الأصل، وليس 27% منها، وربما أقل بقليل . وهو طرح وضعها في الموقع المتصدر، وأوجب عليها ممارسة نوع من التجسيد على الأرض، عبر إطلاق صواريخ محلية الصنع، وبعض العمليات الاستشهادية، وغيرها .

ـ والذي لا شكّ فيه أيضاً، وقراصنة ومرتزقي ومتحولي وشبيحة فتح يفعلون السبعة وذمتها، ويمارسون الفاحشة الفسادية، والقمعية( على غرار بقية الأنظمة العربية، وربما ما هو أسوأ)، وخروج تلك الروائح الكريهة عن الأغنياء، البطرة الجدد، وعن علاقاتهم الحميمة بالعدو، وسهراتهم في المدن المحتلة، وملاهيهم، وقصورهم، وجوعهم النهم لكل الموبقات، وتنسيقهم الأمني معه، ومع الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاربتهم للاتجاهات المقاومة داخل فتح، وفي عموم الساحة الفلسطينية ..

 

لا شكّ أن خيبة كبيرة لقطاعات شعبية واسعة قد حصلت، ÷ي تحمل فتح، والسلطة تلك الموبقات، والتراجعات، فراحت تنفضّ عن فتح، أو تلتحق بها ارتزاقياً ونفعياً، بينما تبدو حماس في موقع الوجه الآخر : النقي، التقي، الورع، المتقشف، المتصوف، المرتبط بالفقراء، والمستند إلى شبكة اجتماعية قوية تتغلغل بين الجماهير وتحتضنها، وتحضها، وتعبؤها، وتقدم لها بعض الإعانات، والكثير من الوعود في الدنيا والآخرة ..

 

ـ لكن، مع كل الفساد، وخيبات الأمل، ومع انكشاف فجوات أوسلو المرعبة، ونسفه واقعياً بالدبابات الإسرائيلية، وتحطيم معظم ما بنته السلطة، وتدمير بنيانها المؤسساتي والأمني، واعتقال الآلاف من خيرة إطاراتها ..

 

مع كل ذلك فإن وجود شخصية(كارزمية) كأبي عمار مثّلت : المفتاح، والجامع، والأمل، والسد . ورغم أطنان النقد الموجهة لتلك الشخصية، وطبيعته الخاصة في القيادة، والتقريب، والإبعاد، والتعاطي مع الظواهر والأشخاص، والحركة، وحياتها الداخلية، واحترام مؤسساتها وقراراتها ...إلخ، إلا أنه : في المحصلة، كان صمام الأمان الفعلي ليس لفتح ومنظمة التحرير وحسب، وإنما للقضية برمتها، وللانتفاضة التي رعاها، ولعموم الطيف الفلسطيني، ومنع الاقتتال الداخلي باعتباره خطاً أحمر محرّماً على الجميع الاقتراب منه ..

 

****

 

ـ عندما وافقت حماس على خوض الانتخابات التشريعية، فإن الكثير من الأسئلة (البريئة) والملتبسة طرحت نفسها بقوة، وما زال بعضها مطروحاً حتى يومنا ..

 

ـ هل كانت حماس على أبواب تغيير انعطافي في خطها السياسي المعلن عندما قبلت خوض الانتخابات والمشاركة في السلطة، وهي تدرك أنّ هذه الوضعية واحدة من مفرزات أوسلو؟، وأن دخول السلطة يعني الالتزام : بسقف المطالب السياسية المرفوعة؟، وبالتفاوض مع الإسرائيليين، مباشرة، أو بالنتيجة ؟؟ ..

 

ـ هل كانت تتكتك كي تصل إلى السلطة، فتنفرد بها، ثم يكون لكل حادث حديث ؟؟ ..

 

ـ هل خططت للانفراد بغزة والتمدمد منها إلى الضفة عبر ما يمكن اعتباره : تقديم أنموذج مختلف عن ممارسة السلطة وفتح ؟؟ ..

 

ـ وإلى أي حد يتناغم مشروعها، ويتقاطع مع مشاريع إقليمية تجوب المنطقة، وبشكل خاص : المشروع الإيراني وحوامله وحلفائه ؟؟ ..

 

ـ ثم هل كانت خلافات وصراعات فتح الداخلية هي السبب المباشر في نتائج الانتخابات ؟، أم أن حسابات ما، ومشاريع ما( لتوريط حماس، وجرها، أو جرجرتها) شاركت فيها السلطة وأطراف عربية ودولية وإسرائيلية ، فانقلب السحر على السحرة ؟؟..

 

ـ هل فعلاً أنّ حماس وهي تنفذ انقلابها الدموي، وتنفرد بحكم غزة، فتنفصل غزة عن الضفة، ويحدث الشرخ الكبير، كانت تردّ على مخطط مبيّت ضدها؟، وأنها اضطرت إليه ؟..أمّ أنّ فكرة السلطة، الإمارة القابلة للتوسع .. كانت حاضرة، ومؤثرة ؟؟ ..

 

بعد الانفراد، وفشل محاولات المصالحة أمام الاشتراطات المتبادلة، وصعود الخلاف البيني إلى مرتبة أولى، وقبول حماس بالتهدئة لستة أشهر، وممارسة حكم القطاع وحيدة، وتعدد التصريحات الحمساوية عن القبول بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران، وتلوين بعضها بشعارات التحرير الشامل تارة، والتعكيز على منظمة التحرير، أو إلقاء تبعة ومسؤولية المفاوضات عليها تارة ثانية، وعلى تحميل السلطة النتائج والعبء ..

 

ـ وبعد قصة الحصار، وإغلاق المعابر، ومحاولات الخنق ..

 

هل قررت حماس إنهاء التهدئة لقلب الطاولة على الجميع وفرض وقائع جديدة تنطلق منها، وقد أعدّت الممكن للمقاومة والصمود، وتلقي ضربات "إسرائيل" المحتملة ؟؟..، وهل حسبت حساب الدمار والقتل والمذبحة وموقعه في المعادلة القادمة ؟، أم أنها كانت ضحية مخطط صهيوني أمريكي شاركت فيه نظم عربية وأطراف فلسطينية ، كما يظهر على السطح هذه الأيام بعد جرائم غزة ؟؟..

 

ـ وأين موقع المشاريع الإقليمية من كل ما يجري ؟، ودور حماس الواعي فيها؟، أو المحسوب عليها ؟، أو المنجرّ إليها ؟ ..

ـ ما هو مستقبل النتائج على القضية الفلسطينية ؟، وعلى الوحدة الوطنية، وبشكل خاص : على العلاقة بين فتح وحماس ؟؟ ..

 

( ٢ ـ ٣ )

نتائج وآفاق ..

 

ما من شك أنّ حركة فتح تعاني أمراضاً مزمنة، بعضها قديم، وكثيرها ولّدته تعقيدات القضية وميزان القوى المختل لصالح العدو، ثم أوسلو وممارسة السلطة، وغياب قائدها : أبو عمار، ومعظم الصفّ الأول من رعيلها الأساس، ومستوى الحياة الداخلية والممارسة الديمقراطية، والمحاسبة، والشفافية، وانتظام عقد المؤتمرات، وانتخاب القيادات الجديرة . وهناك الجديد جداً الذي زرعته جريمة محرقة غزة، وطرق تعاطي السلطة معها، وتلك التصريحات الغرائبية الصادرة عن أبواق أدمنت فعل المراهنة على الانقسام، وعلى المفاوضات طريقاً وحيداً، بينما موقف وفعل كتائب شهداء الأقصى كان مختلفاً، وفي الخندق الآخر ..

 

فتح مريضة : نعم، وفتح معرّضة للشرذمة أمام تعدد الخطوط والطروحات السياسية، وضعف الجامع، الموحد . وفتح تتلاطم، وتلاطمها أمواج كثيرة لا تعمل لصالحها، خاصة أن تياراتها التصالحية مصفوعة بنتائج المفاوضات العبثية، وبحقيقة قادة الكيان : صقوره وحمائمه وعصافيره وغربانه، وبموقع الإدارة الأمريكية الزائلة، وحتى الجديدة، وحدود دعم النظام العربي، بل : وزن النظام العربي وما يمكن أن يفعله أكثر من السمسرة، والمقايضة، والتسهيل، والضغط على الطرف الأضعف .

 

وبالأساس : توجهات، وحراك الشعب الفلسطيني : في الداخل والشتات، والذي يتعاطف، ويؤيد خط المقاومة، وحملة راية تحرير فلسطين، حتى لو كانت تلك الراية مجرد بيرق يخفق في سماء عالية ..

 

ـ في فتح الآن خطوط ثلاث واضحة :

 

1 ـ خط التسوية عبر المفاوضات كخيار وحيد لا شريك له، ولا بديل عنه، حتى لو أسقطته "إسرائيل" مليون مرة بالضربة القاضية، وصفعته بجرائم الاغتيال والمحارق والإبادة والتدمير اليومي، والاعتقال المستمر، والجدار العازل، وتهويد القدس، والمستوطنات التي تلتهم المزيد من الأرض كل يوم .

 

وإذا كان هذا الاتجاه يمثل بعض القيادات والنخب الفتحاوية والفلسطينية المتواجدة في السلطة، فإن مسار الأحداث، خاصة بعد العدوان على غزة، جرده من أوراق قليلة كان يملكها، وأضعفه داخلياً إلى درجة كبيرة، بما يجعل استناده الأساس، واستمراره على حجم الدعم والوعود التي تقدمها الأطراف الخارجية والعربية .

 

إن مستقبل ومصير هذا الاتجاه رهن بما ستجود به الإدارة الأمريكية الجديدة، والأوربيين. أي : بما يمكن تحقيقه من خطوات باتجاه الوعد بإقامة الدولة، ولو على مراحل، وبتطورات المنطقة، وأداء حماس ومن يحالفها .

 

وإذا ما كان الأفق يشير إلى وصول اليمين الأكثر تشدداً(الليكود ونتنياهو)، فإن وضعاً حرجاً جداً سيواجهه هذا الاتجاه، ولعله يكون من الأجدى له (أن يرمي المنشفة) قبل الضربة القاضية، والالتحاق بالخط الفتحاوي الآخر، أو الاستقالة والاعتزال لكتابة المذكرات .

 

2 ـ خط المقاومة المفتوح على فكرة الدولة المستقلة . وهو الخط الذي يمثل الثقل الرئيس لبنية وإطارات وقواعد فتح، وبشكل بارز في الجيل الثاني والثالث الذي ولد وترعرع في ظل الاحتلال، والذي ساهم بانطلاق الانتفاضة الأولى والثانية وقيادتها ميدانياً، ويمثل البرغوثي، وعدد من رفاقه النموذج الأوضح .

 

هذا الاتجاه موزع، وكثيره رهن الاعتقال، وبعضه مهمّش، وملحق بالسلطة، بهذه الكيفية أو تلك، ويفتقر إلى القيادة الموحدة، خاصة وأن التطورات الداخلية، وحماوة، ودموية، وعصبوية النزاع مع حماس تضطره للانجرار إلى مواقع حزبوية تسهم في تعميق الانشقاق الداخلي، وتوسيع الهوّة بين فتح وحماس، وسيزداد خندقة وعصبوية إن لم يلق استجابة مفتوحة من قادة حماس، وإن لم تغلب حماس العام على الذاتي .

 

ضمن هذا الاتجاه تعيش فلسطين التاريخية بقوة، تحضر في المخيال والحلم والأفق، ولأن معظمه احتكّ بالصهاينة واليهود، واكتسب منهم مرحَلة الأهداف، وعقلانية التفكير، ووسائل التحقيق، فإنه يعتقد أنّ الدولة المستقلة هي الخطوة الأولى، الإنجاز الضروري، وقاعدة الاستناد في صراع مفتوح لن يتوقف إلا بحلول نهائية للوضع الفلسطيني برمته .

 

3 ـ الاتجاه الفتحاوي القديم، الذي ما زالت شعارات مرحلة الانطلاق تداعب مخيلته، وهو اتجاه ضعف كثيراً، وتبعثر، وشاخ عبر رموزه، وإن كانت شهية البعض مفتوحة لاعتلاء المنصة، وربما المشاركة في ما قد تسفر عنه التحالفات الحالية للفصائل المتواجدة في دمشق .

 

فتح مطالبة بلملمة صفوفها على قاعدة : خطها السياسي المقاوم أساساً، المفاوض وفقاً لصموده وقوته، وليس في غيابه وتغييبه . ومطالبة أكثر بعقد مؤتمرها وانتخاب قيادات تليق بها وبتاريخها . قيادات مجرّبة في ميادين المواجهة والتضحية والمسلك النضالي، ومطالبة أكثر أن تمضغ الجراح، وتتجاوز الخلافات لتبقى حركة تحرر حقيقية تستوعب التنوع، والتلاوين، وتسمو فوق كل أسباب التمزق، للإمساك بالهدف الرئيس : فلسطين، أو دولتها المستقلة المهددة بالتذرية .

 

*****

 

حماسياً ..

 

الأكيد أن حماس خرجت من الامتحان الصعب أكثر تماسكاً، وقوة، وربما شعبية داخلية ( بينما ارتفعت شعبيتها كثيراً في الشتات وعربياً وإسلامياً)، والسؤال الهام : كيف وأين ستوظف هذا المعطى ؟؟ .

 

هناك إشكالية بنيوية في حماس لا تستطيع تخطيها طالما ظلت أسيره خياراتها الفكرية ـ الأديولوجية، وترتبط، وتنبع من هذا الخيار بالذات .

 

إنها حالة حزبية ضيّقة، مهما اتسعت، شمولية ما لم تشقّ طريقاً اجتهادياً، تنويرياً يتقاطع مع توجهات الأمة، ومشروعها الغائب في التوحد، والتطور، وفي الانفتاح على علوم العصر ومنتجاته، وتوجه البشرية نحو التنوع، والديمقراطية، والاعتراف بالآخر وحقوقه، وبالتنوع ومواقعه .

 

وهي خيار إسلامي لم يفصح عن كافة أبعاده، ولم يبلور برنامجاً مجتمعياً يتجاوز العموميات، وشعارات المقاومة، والإصلاح، والخير، والشر .

 

هذا الخيار الإسلامي إذا ما أريد له أن يفرض نفسه على طبيعة الصراع مع الصهيونية وكيانها العنصري، الاغتصابي، فإنه يولّد نتائج بالغة الأثر، وأهمها :

 

1 ـ تحويل الصراع مع الصهيونية من صراع مع مشروع استعماري، متحالف، ومتداخل عضوياً مع الإمبريالية، إلى صراع ديني تنتفي منه هذه الخاصية الجوهر، وبما يعني : حرباً بين اليهود والمسلمين( بالجملة، وعلى طريقة بعض دعاة التشدد وتحديدهم لدوائر الحرب مع دار الإسلام، والكفار، والصليبيين..) .

 

"إسرائيل" المتحولة أكثر فأكثر نحو التطرف، واليمين، الراكبة أصلاً على صناعة الأسطورة لشعب الله المختار، والحق الإلهي الموعود في فلسطين، وعلى اختراع البعبع المخيف.. تعمل منذ سنوات على تحويل الصراع من صراع قومي، تحرري، إنساني بعمقه ومراميه، إلى صراع ديني، وهي تعلن صراحة( وبوش المجرم بصم لها) عن الدولة الدينية اليهودية.. التي لا مكان فيها لغير اليهود . والتي تعني : طرد وتهجير مليون وربع المليون عربي فلسطيني !! ..

 

ناهيك عن عملية الخلط هذه وما ستفرزه من صراعات جديدة، ومحاور تدخل على الخط، ومن إغراق في أتون الحروب الدينية وتوابعها ..

 

2 ـ إن الحالة الحزبية، الإسلامية، الضيّقة تستبعد سلفاً، وبقرار مسبق قوى واتجاهات شعبية وسياسية من المشاركة، وتحويلهم إلى(أهل ذمة)، ورعايا، أو إلى زنادقة ومرتدين وخارجين على الدين ..

 

إن الوجود المسيحي العربي : الأصلي الأصيل، ودوره البارز طوال مراحل الصراع لن يكون له وجود في تشكيل ديني أسير فكره الخاص .

 

كما أن الاتجاهات القومية، والعلمانية، واليسارية، وحتى الجماهير المتديّنة غير الحزبية ستواجه وضعاً مغلقاً، حصرياً على نمط محدد من المنتسبين .

 

3 ـ وكما ذكرنا، لقد تحولت فتح إلى حركة تحرر وطني وقومي مفتوحة على جميع التيارات والاتجاهات . هنا، وبغض النظر عن الأخطاء، وسلبيات هذا التشكيل، وأعبائه الثقيلة داخل الحركة، وفي قيادته، والحفاظ على وحدته، فقد استطاعت فتح، على العموم، بعمليتها تلك، أن تقدم النموذج المفتوح لفلسطين المنشودة، وتقتحم بالقضية الفلسطينية العالم المختلف، وأن تحرج البنيان الصهيوني العنصري، وتسجل عليه العديد من النقاط .

 

4 ـ ورغم ما أصاب الفصائل الفلسطينية القومية واليسارية من ضعف، وقلة دعم، ومن ضمور.. فإنها حقيقة واقعة في اللوحة الفلسطينية، وإفراز موضوعي لمرحلة التحرر الوطني والقومي بكل أبعادها ومهامها وآفاقها .

 

5 ـ حماس مدعوة، وهي تطمح اليوم إلى اعتلاء منصة القارب الفلسطيني ( المؤشرات كثيرة) أن تنفتح فكرياً وسياسياً وتنظيمياً، وإلا : الإقرار الواضح بحق الآخر . إقرار تجسده الوقائع والممارسة .

 

****

 

ـ حماس : الحركة المقاومة صمدت، وصمودها، وبقية الفصائل المقاومة، ليس عفوياً، أو صدفة. الأكيد أنه جاء نتيجة عمل شاق طويل : تحت الأرض وفوقها، ونتيجة تدريب وإعداد وتسليح بالممكن، وثبات، وإيمان .. وهو حصيلة كبيرة ستتثمرها حماس بشكل رئيس .

 

ـ وحماس الحاكمة في غزة تحاول الاستفراد مستندة إلى صمودها، وإلى تناقضها مع خط السلطة الذي ضعف وتهلهل كثيراً .

 

ـ حماس بجناحيها المدني والعسكري، وراية المقاومة هي المرفوعة بقوة، وتحالفاتها تظهر على السطح في عدد من الساحات، وهي تلقى الدعم الواسع من تنظيمات الإخوان المسلمين في عدد من البلدان والساحات، وعديد الجمعيات والهيئات الإسلامية المنتشرة في العالم،|(ناهيك عن الدعم الإيراني المفتوح)، وكذا من هيئات ومنظمات أوربية وعالمية ..مطالبة بالانفتاح على الفصائل الأخرى، كل الفصائل، وبالدرجة الأولى فتح، وليس بتلك المحورات الممحورة، أو محاولات الاستبدال، كما أدمنها البعض، أو الاتكاء على ادعاء النصر، والنصر الإلهي الذي يفتح الشهية لتشابك"انتصارات" الأديان، التي تعود إلى ربّ واحد، كما يعتقد كل طرف، على الأقل .

 

ـ حماس المثقلة بالمسؤولية أمام الشعب، وبهموم الشهداء، والمعطوبين والجرحى والمشردين والجياع، وبعديد المسؤوليات الجسام لمواجهة آثار الجريمة، واحتمالات القادم، ومصير القضية وأفقها ..

 

مطالبة أكثر من أي وقت سابق بالتسامح والارتقاء إلى موقع القضية وما تواجهه وليس الغرق بالتفاصيل الجزئية، وبتحصيل المكاسب الفئوية، وأن تجسّد ذلك ببدء حوار جدي، صريح . حوار المصارحة الممهد للمصالحة، بكل ما يعنيه ذلك من (تنازلات) للشقيق، أو للرديف، وتوحيد الضفة والقطاع، والاتفاق على برنامج المرحلة . برنامج العمل إلى فلسطين الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين بالعودة والتعويض، كخطوة مرحلية على طريق صراعنا الطويل مع المشروع الصهيوني .

 

البرنامج الذي يكرّس مشروعية المقاومة كحق لجميع الشعوب المحتلة، بكل ما فيه من تنوع متناغم، ومن ترابط بين المرحلي والاستراتيجي، وموازين القوى في لحظة معينة، ونسج التحالفات العربية والإقليمية والعالمية على هذا الأساس . وهو البرنامج الذي تقوده منظمة التحرير الجامعة، المفعّلة، الممثلة لجميع قوى الشعب الفلسطيني على أسس التكافؤ، والمسؤولية المشتركة .

 

إن شلال الدم الفلسطيني المتدفق بغزارة .. يطالب الجميع احترامه، والالتفاف حول المشترك ، الأساس، والدرع والسياج : الوحدة الوطنية بكل تنوعها وغناها  .

 

إنه المقياس ، والامتحان ، والانتصار الحقيقي ..

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠١ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٧ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م