الهيئة الوطنية اللبنانية لدعم المقاومة والشعب العراقي
من العراق إلى فلسطين إلى لبنان نهج مقاوم واحد

 

 

شبكة المنصور

د. سمير صباغ / رئيس الهيئة الوطنية اللبنانية لدعم المقاومة والشعب العراقي

بقلم تتسم المرحلة الراهنة بقدر كبير من المراوحة على المستويين الإقليمي والدولي. وتبدو أزمات المنطقة (لبنان وفلسطين والعراق) قادمة على تحولات عميقة في المواقف والأدوار بين أطراف وضعتها حدة الصراع على حافة المواجهة العسكرية. إلا أن هذا الصراع بقي على الدوام محكوماً بحقيقة اتفاق أطرافه على العداء للعرب وعلى استهداف أرضهم وثرواتهم. إن الأنظار في هذه المرحلة الانتقالية تتجه إلى تفاهمات تحفظ أدوار القوى الإقليمية والدولية وحصصها في الجسد العربي الضعيف المثخن بالجراح والانسياق إلى درجة عدم القدرة على التأثير في الأحداث أو حتى الاعتراض على ما يقرره الآخرون على حساب العرب.

 

صحيح أن المرحلة القادمة حبلى بتحولات عميقة سوف تأخذ بناصية النضال العربي العام في كل من فلسطين والعراق ولبنان، وما يشير إلى ذلك هو بضعة أحداث سادت المشهد العربي وأعطته نفساً نضالياً يقوده إلى نهضة شاملة نحو التحرير والاستقلال. وفي ما يلي بعض الأحداث التي ترتبط ببعضها في الساحات العربية الثلاثة العراق وفلسطين ولبنان:

 

1) ففي العراق تجلت تلك الأحداث بالفعل المقاوم حيث استطاعت المقاومة العراقية، بجهادها المستمر منذ يوم 9 نيسان 2003، أن تلحق بالعدو الغازي الهزائم العسكرية، وتفرض عليه مواجهة نتائج غزو أرض العراق حيث أدى الفعل العربي العراقي المقاوم إلى هزيمة سياسية كبرى داخل الولايات الأميركية نفسها، كان لجورج بوش وزبانيته النصيب الأكبر. وصحيح أيضاً أن المرحلة القادمة مليئة بالوعود، ولكن هي وعود سوف تتبخر أمام طبع مؤسسات الإدارة الأميركية أياً يكن على رأس تلك الإدارة، سواءً كان بوش أم كان اوباما، ما يعني أن المعركة لم تنته بعد. وما قدمته العملية السياسية وأبطالها الحاكمون للتأثير في الأحداث في هذه المرحلة هو اتفاقية أمنية ملغومة تُشرع الوجود العسكري الأميركي. كذلك فإن ما قدمه اوباما من وعود حول الانسحاب لا تزال وعوداً (وربما تبخرت)، ولهذا ومن أجل استمرار الصورة النضالية ستستمر المقاومة الوطنية العراقية في نضالها الذي أثمر حتى الآن الهزائم والرعب والخوف في الجيش المحتل. هذا ما تنبئ به بيانات القيادة العليا للجهاد والتحرير وجبهة الخلاص الوطني وما يفرض على كل القوى العربية المبادرة إلى الالتفاف حول المقاومة الوطنية العراقية، وأن يبادروا إلى مساندتها وتقديم الدعم السياسي والإعلامي والمادي، وأن يسهموا بالضغط على الأنظمة السياسية العربية والإقليمية والدولية.

 

2- الاتفاقية الأمنية: يشكل توقيع الاتفاقية، بعد أخذ ورد وممانعة عراقية كاذبة، أكبر عملية خداع للرأي العام العراقي والعربي والعالمي يشترك فيها الأميركيون والحكام العراقيون اليوم. فبادئ ذي بدء فإن الاتفاقية تعتبر باطلة ولا يعتد بها لأنها وُقِّعت تحت ضغط الاحتلال. ثم إنها ليست أكثر من اتفاقية تُشرع وجود الاحتلال، وتمس السيادة العراقية في روحها، وفي أكثر من موضع. كما تؤدي إلى سحب جنود الاحتلال من شوارع المدن الكبرى ومن المدن والقرى والدساكر إلى ثكنات خاصة بعد أن تحولوا إلى أهداف متحركة للمقاومة العراقية. باختصار فإن الاتفاقية الأمنية ليست في حقيقتها إلا عملية خداع للرأي العام الأميركي إذ أنها لا تعبر تعبيراً صحيحاً عن تقرير بيكر-هاملتون الذي يؤكد على انسحابها من أرض العراق. وهي كذلك خداع للرأي العام العراقي الذي لم ينخدع بتلكؤ  حكومة المالكي وممانعتها ورفضها إقرار بعض بنود الاتفاقية بحجة التمسك بالسيادة الوطنية.

 

ورغم توقيع الاتفاقية الأمنية وإخضاعها للاستفتاء الشعبي في شهر تموز المقبل فإنها تبقى اتفاقية مرفوضة من الشعب العراقي، وحتماً لا يرجو الشعب الأميركي خيراً منها، ويعتبرها سبباً وحيداً لبقاء أبنائه جنوداً يُقتلون في العراق دون جدوى. وتبقى الاتفاقية الأمنية هدفاً للمقاومة الوطنية وللأفرقاء السياسيين الوطنيين يناضلون لرفضها. فلمن تكون العقبي؟

حتماً سيندحر من يرى في الاتفاقية الأمنية مخرجاً لأزمته العميقة، وتعويضاً عن هزائمه، وستنتصر المقاومة العراقية والشعب العراقي. ونحن في الهيئة الوطنية لدعم الشعب العراقي والمقاومة العراقية نؤمن إيماناً راسخاً بأن الذي أجبر قوات الاحتلال على الهرب إلى الثكنات قادر بإذن الله على اللحاق بهم وإخراجهم منها أو دفنهم هناك إلى الأبد.

 

3- عملية إطلاق الحذاء في وجه جورج بوش: شكلت هذه العملية البطولية التي قام بها الشاب العراقي العربي منتظر الزيدي نقلة نوعية في كفاح الشعب العراقي العظيم الهادف إلى التحرير والاستقلال. لقد عبر هذا الشاب المناضل عن مشاعر الغضب الذي يكبته الشعب العراقي والعربي جراء سياسة هذا الرجل الذي هدد كرامة العرب والعراق والعراقيين، ولا يزال، رغم أنه على مشارف السقوط المزري لولايته، وهي عملية مرغوبة يتمنى المرء مثلها لكل الحكام المستبدين، ولكل محتل لأرض ولشعب صغير ضعيف. وهي قد لا تكون ذات وزن مؤثر في حركة النضال العربي والعراقي العام ولكنها شكلت عنفوان هذا الشاب البطل الذي هاله ما يراه من إذلال يلحق بشعبه على أيدي جنود الاحتلال، فوجد في حذائه سلاحاً يليق بأقوى رجل مستبد ظالم في العالم.

 

كما شكلت هذه العملية رسائل متعددة إلى العالم والى أميركا بالذات، مضمونها أن الحذاء العربي هو ما يليق بكل من يدنس أرضهم، ويقتل شعبهم وينهب ثرواتهم ويمس كرامتهم.

 

وهي رسالة إلى الحكام العرب أن يعودوا عن سياسة الإرتماء في أحضان المستعمر والمحتل والمغتصب للسيادة وللحقوق، وأن يكفوا عن سياسة التواطؤ والتآمر.

 

إن أطلاق الحذاء العربي في العراق، كائناً من أطلقه، سواء أكان شيعياً أو سنياً أو مسيحياً أو من الصائبة، أم إذا كان بعثياً أم شيوعياً أم قومياً مستقلاً أم ناصرياً، فهو عربي عراقي طليعي من طلائع الشعب العربي الذي يؤشر إلى قرب وقوع انفجار شعبي عام ضد سياسة الاستسلام والتواطؤ العربيين المقنَّع باسم الاعتدال. وهي أيقظت الشعب العربي من سباته، فانطلق في مظاهرات شعبية تشكل التفافاً شعبياً حول بطل العملية منتظر الزيدي.     

 

4- اعتقال منتظر الزيدي: يشير اعتقال منتظر الزيدي إلى مدى توغل الحكام العراقيين اليوم في خدمة الاحتلال. فتوجيه التهم المتعددة إلى بطل العملية هو أمر باطل ولا تستند إلى حقيقة قانونية وسياسية. فتهمته الاعتداء على رئيس دولة أجنبية يقوم بزيارة رسمية ساقطة، لأن الرئيس بوش لم يكن يقوم بزيارة رسمية للعراق، بل وصل فجأة لبغداد وطلب رئيس حكومة العراق لموافاته في الموقع الأكثر تحصيناً من مواقع الاحتلال. ثم إن العملية أطلقت في وجه رئيس بلد يحتل بلداً آخر، وعليه فإنها تدخل في دائرة حق الشعب المحتلة أرضه بالمقاومة، وقد أجازتها مختلف المواثيق الدولية واتفاقية جنيف ذات الصلة. كذلك أدى هذه الاعتقال إلى إحراج وإرباك الحكومة القائمة في العراق ودفعها إلى توجيه اتهامات لعدد كبير من الضباط لدى وزارة الداخلية ووزارة الدفاع بتدبير انقلاب عسكري في البلاد من أجل الهاء الشعب الملتف حول عملية إطلاق الحذاء، ولكن فشلت تلك العملية في إلهاء الناس فعمدت إلى نفيها بسرعة كبيرة أدت في النهاية إلى إغلاق ملفها وبراءة الضباط جميعاً.

 

تؤكد هذه الأحداث أن التحولات السياسية والعسكرية التي سيواجهها العراقيون حبلى بالتطورات التي ستكون إن شاء الله في صالح العراق ومقاومته وشعبه ووحدة أراضيه وعروبته.

 

وفي موازاة الساحة العراقية تبدو الساحة الفلسطينية حافلة بالتحولات السياسية القادمة، وفي الخيارات السياسية التي فرضتها الظروف والوقائع السياسية والعسكرية على الأرض.

 

فمن جهة سقطت عملية التسوية، وتوقفت المفاوضات مع العدو الذي أثبت يوماً بعد يوم أنه غير مستعد للسلام. فبدا تغيير الخيارات المعتمدة واللاهثة وراء الحلول السلمية أمراً محتماً وقريباً جداً. كذلك الأمر بالنسبة لقطاع غزة المحاصرة من (إسرائيل)، وبعض العرب، ليس لتجويع أبناء غزة وسكانها ولا لعدم إعطائها الوقود لتوليد الكهرباء فحسب لمحاصرة مشروعها المقاوم وإسقاطه أيضاً. ولكن صمود غزة وأهلها، والتفاف الشعب العربي حولها، جعل منها قائدة الكفاح الوطني الفلسطيني ومفجرة الغضب العربي الذي سوف يتحول بإذن الله إلى ثورة عربية شاملة.

 

أما في لبنان فيبدو أن المرحلة الانتقالية، التي عاشها الشعب اللبناني بهدوء واستقرار، أوشكت على الانتهاء. وما يدل على ذلك خروج بعض الأفرقاء عن مبدأ التوافق الوطني الذي بات من الثوابت اللبنانية المتفق عليها. إن توسيع وتفصيل الوضع اللبناني يتطلب مجالات أوسع من هذه العجالة فنتركها لمقال آخر.

 

وأخيراً أن ما يربط المساحات الثلاث خيط رفيع شديد القوة والتماسك، وهو نهج المقاومة. حتى وإن لم تتوحد، لكنها جميعاً تقاتل وتقاوم عدواً واحداً يعتد بقوته العسكرية التي هزمت في العراق وهزمت في لبنان وقريباً جداً في فلسطين الأبية.

نهج مقاوم يقول لأبناء العروبة أرفعوا رؤوسكم أيها العرب فقد ولى عهد الاستسلام والتواطؤ والخيانة.

 

رئيس الهيئة الوطنية اللبنانية
لدعم المقاومة والشعب العراقي
الدكتور سمير صباغ

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠٩ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٦ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م