رؤية تحليلية لمسار المقاومة العراقية المسلحة في الذكرى الثانية لاستشهاد
الرئيس المجاهد صدام حسين

 

 

شبكة المنصور

د. طارق عبد الله ثابت الحروي

قد تثار تساؤلات كثيرة في أذهان البعض من المختصين أو جمهور المهتمين بالشأن العراقي عن أهمية التطرق إلى مثل هكذا موضوع في  مثل هذا الوقت بالذات ، نظراً لما أصبح يتسم به هذا الموضوع من حساسية مفرطة وتداخل وتعقيد شديدين،  بلغ ذروتهما مع تنامي حالات الصدام الحادة في أبعادها السياسية- الأمنية والاقتصادية- بصفة عامة- والتاريخية- الحضارية منها- بوجه خاص- الحاصلة بين مرتكزات المشروع النهضوي العراقي- العربي من جهة، والمشروع الكوني الأمريكي - الغربي من جهة أخرى، لدرجة أصبح معها ليس على جمهور المهتمين فحسب صعوبة الإلمام بما يدور حوله من تفاصيل دقيقة، مثلت- في المحصلة النهائية - امتداد ونتاج طبيعي لعمليات الحراك السياسية التي شهدتها الساحة العراقية على مدار الـ18سنة الماضية وما قبلها، بل- أيضاً- على المختص ولاسيما من أتيحت له الفرصة لمعايشة هذا الحراك مباشرة ، ومن ثم الإلمام ببعض أهم دقائق الأمور بأبعادها التفصيلية ذات الصلة الوثيقة- كما- هي الحقائق على أرض الواقع، نظراً لصعوبة تبني رؤية استشفافية صائبة تلامس في بعض أهم خطوطها العامة ما يعج بها الواقع الداخلي من حقائق يصعب تجاهلها أو تجاوزها، وليس- وفقاً- لما تنتهجه معظم وسائل الإعلام الرسمية من سياسات في هذا الشأن - هذا إذا لم نقل كلها- تصب - في المحصلة النهائية - في خدمة التوجهات العالمية للولايات المتحدة، وبالتالي لاتخدم سوى مصالح أنظمتها السياسية القائمة حتى وإن كانت تسير بالضد من المصلحة الوطنية والقومية العليا. 

 

ومن هنا أصبح لا يسعني إلا القول بأهمية- هذا إذ لم نقل ضرورة - تناول هذا الموضوع بكل إرهاصاته- وفقاً- لمنهجية موضوعية شاملة وواسعة الأفق ودقيقة، لها قدرة على مسح الماضي وتشخيص الحاضر واستشفاف المستقبل، لاسيما في ظل بروز الجزء الكبير بل والمهم لبعض أهم المعطيات الظرفية التي تؤكد بما يقطع الشك باليقين أن الملف العراقي- بحسب اعتقاد الباحث - مازال يمثل محور الارتكاز الرئيس- هذا إن لم نقل الأول وبدون منازع- لمجمل عمليات الحراك السياسي الدولي والإقليمي والمحلي على الإطلاق - مع الأخذ بنظر الاعتبار وجود ملفات أخرى لا تقل أهمية عنه- وهو الأمر الذي تؤكده مجمل الحقائق البارزة على أرض الواقع، بغض النظر عن عملية التشويه والتوجيه الإعلامية الهائلة- في هذا الشأن- بصورة أصبح معها القول إن الرؤية والمنهج الذي سوف يتم بموجبها التعامل مع الملف العراقي بكل إرهاصاته من قبل جميع القوى الفاعلة على الصعيدين الدولي- الأمريكي والإقليمي- العربي- من جهة - وعلى الصعيد المحلي- الوطني، ولاسيما الذي تمثله المقاومة العراقية المسلحة على وجه الخصوص- من جهة أخرى ،  وما يتوقع لها  أن تفضي إليه من نتائج جوهرية سلبية كانت أم ايجابية ، سواءً على الساحة العالمية والإقليمية أو المحلية- العراقية، هي  التي سوف يتحدد بموجبها بعض أهم المعالم الرئيسة المحددة لمستقبل النظام  العالمي الجديد سلباُ كانت أم إيجابا .  

 

ومن هنا يتوقع أن يبقى التساؤل المحوري الذي تقوم عليه الرؤية التي نحن يصددها مُثاراً يبحث له عن إجابات مقنعة ووافية مفاده " هل وإلى أية حد كانت ومازالت التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب العراقي وقياداته الوطنية وشخص الرئيس الشهيد صدام حسين(رحمه الله) بمستوى المرحلة التاريخية الدقيقة في بعدها المستقبلي ومتطلباتها المرحلية كانت أم الإستراتيجية، لاسيما ما تعلق منها بخط سير الأمم والشعوب ومن ثم الدول ؟ ومن ثم إلى أية مدى أصبح للمقاومة العراقية المسلحة صاحبة القول والفعل الحاسم في الميادين السياسية والعسكرية والمجتمعية...الخ،  

 

القوة والقدرة على أن ترقى  بمستوى أدائها وفعلها الاستراتيجي إلى الحد الذي تتجسد فيه مجمل تلك الأهداف والتضحيات قاطبة وبدون استثناء- استناداً- إلى ما تضمنته إستراتيجية المقاومة المسلحة في ثناياها من خطوط عامة حاكمة لمجمل حراك الفعل الاستراتيجي المقاوم، والتي يمكن استشفافها من ثنايا أول خطاب ألقاه الرئيس الشهيد صدام حسين (رحمه الله) في صبيحة أول أيام العدوان العسكري الأمريكي- البريطاني على العراق الموافق19/3/2003م ، بقوله " إنشاء الله ستكون أخر معركة للأمريكان مع العراق .... وأخر معركة للأمريكان على محيط الإنسانية إلى زمن .." ؟

 

وكذلك أصبح حرى بنا  القول- أيضاً- عند البدء بتناول هذا الموضوع الإشارة إلى أن عظمة اللحظة التاريخية في حياة الأمم والشعوب، ومن ثم الدول التي جسدها الشعب العراقي بفئاته وقواه الوطنية الفاعلة قاطبة- أولاً- وقياداته الوطنية- ثانياً- لا يمكن قياسها بعدد السنوات أو الأشهر والأيام الماضية كانت أم القادمة ، بل على أساس مدى تمكن عنصري الإرادة والقدرة فيه على تبني مجمل أنماط الفعل الاستراتيجي نفسه- الذي كان ومازال حكراً على المحور الأمريكي- الغربي تحديداً وبدون منازع - بالرغم من بساطة أدواته ووسائله المستخدمة- في مواجهة أقوى وأعتى القوى العالمية والإقليمية المنضوية تحت لواء التحالف الدولي القائم ضده ، لاسيما بعدما بلغ هذا الأمر حد الذروة مع تنامي حالات الاقتدار والبذل المبنية على قاعدتي الإيمان المطلق بالله تعالى صاحب القدرة المطلقة والرضا بقضائه وقدره في تصريف شئون خلقه على أكمل وجه ، واستحضار أعلى وأروع معاني النخوة والصدق والفروسية والرجولة التي جُبل عليها أجدادنا وآبائنا وأبناء جلدتنا العظام من الرعيل الأول- وما تلاهم - ممن شَرفوا وشُرفوا  بحمل رآية الإسلام العظيمة - هذا إن لم يسعفنا الأمر بالقول السعي الحثيث وراء تبني منهج جديد يقوم على إعادة قراءة التاريخ العربي- الإسلامي بصفحاته الناصعة الأشد بياضاً بصورة متأنية ومتفحصة بما يخدم الأهداف المنشودة منها ويتسق مع خط سير الأحداث الرئيسة ، ثم العمل على استحضاره جملة كانت أم تفصيلاً في مجمل مفردات الحراك الداخلية على مدار الـ18 عاما الماضية- وفقاً- لمنهاجيه مبنية على رؤية عالية الإدراك بعظمة الدور وثقل عبئ الأمانة ووطأة حمل المسئولية التي وضعت على أكتاف أبناء الأمة العربية ثم الإسلامية- من جهة - والشعب العراقي بكل قواه وقياداته الوطنية من جهة أخرى- لدرجة أرتقت معها مجمل الأهداف والوسائل- في هذا الشأن- إلى هذا المستوى العالي سواءً من حالات البذل و العطاء المليئة بأصدق معاني التضحية والإيثار والحب، أو من القدرة – هذا إن لم نقل العظمة- في تحملها لمسؤولياتها الوطنية والقومية والإنسانية .

 

من هنا سوف يتضح لنا- وبدون أدنى شك- عظمة التضحيات الهائلة المقدمة على ضريح من عشقوا معاني الحرية والعدالة ، فهي إن كانت قد جاءت متفقة مع عظمة أهدافها السامية ، والتي من أجلها يهون العزيز والغالي، فإنها في المقابل - أيضاً- تدلل على عظم المصاب وخطب الجلل الذي ألم بكل سياسات قوى الشر المتورطة فيه بدون استثناء.

   فماهية وطبيعة الحقائق الرئيسة الحاكمة لمجريات الأحداث على أرض الواقع إن كانت مازالت مغيبة- بصورة شبه كلية- عن مدركات الأمم والشعوب وقواها الفاعلة ، على اعتبار إن معظم الأنظمة السياسية- هذا إن لم نقل كلها بصورة نسبية- قد تورطت أو تلطخت أياديها بدماء العراقيين من قريب أو بعيد، جراء توجهاتها ومواقفها السلبية غير المبررة بكل أوجهها، سواءً اتخذت طابع المشاركة الفعلية أم طابع التحفظ والممانعة الشكلية ، فإنها- في المحصلة النهائية - قد برزت بشكل جلي وواضح- لا يقبل الشك والجدال- في أشكال عديدة- يأتي في مقدمتها- على الجانب الأمريكي - الدولي بروز الجزء الأكبر والمهم من معالم هزيمة المشروع الكوني الرئيسة الذي تبنته الولايات المتحدة ممثلة التحالف الدولي والمحور الأمريكي- الغربي منه- بوجه خاص- بأهدافه المعلنة إزاء العالم أجمع- بصفة عامة - والمنطقة العربية وما يجاورها من مناطق حيوية- بصفة خاصة - والعراق منها - على وجه الخصوص -  من حيث إبطاء وعرقلة خط سيره - هذا إن لم نقل إيقاف كلي كان أم جزئي- سواءً على صعيد العالم أو المنطقة العربية وما يجاورها ومن ثم العراق منها – بوجه خاص- وهو الأمر الذي اتضحت بعض أهم معالمه الرئيسة في حالات الفشل الذريعة التي منيت بها السياسة الأمريكية وآلتها العسكرية الضخمة على مدار الـ18 سنة الماضية ، باعتباره خير دليل على ما صحة ما ذهبنا إليه ، التي انعكست بدورها سواءً على تنامي حالة الانكسار الحادة للإرادة الأمريكية على المستويين الرسمي وغير الرسمي في آن واحد ، بشكل لم تشهد له الحياة السياسية مثيلاً من قبل- إلا في الحالة الفيتنامية - مع اختلاف طبيعة المرحلة بكل إرهاصاتها وخصوصياتها، جراء تنامي حجم الخسائر الفادحة (المعنوية/ المادية) التي منيت بها السياسية الأمريكية- بوجه خاص- وهو الأمر الذي أنعكس بدوره على الوضع الأمريكي الداخلي في كافة الميادين ، أو في استمرار حالات التفكك والتشرذم الحادة ومن ثم التأزم التي أصابت مواقف الدول المنضوية تحت لواء التحالف الدولي المعلن ضد العراق، من خلال تساقط معظم الأنظمة السياسية التي شاركت فيه الواحدة تلو الأخرى.

 

إلا أننا نجد في المقابل على الجانب العراقي- الوطني ، ميزة بقاء أواصر النسيج المجتمعي العراقي متماسكة إلى الحد الذي أثارت استغراب بل ودهشة الكثيرين من أصدقاءه وأعداءه على حد السواء، نظراً لحجم الضغوط الهائلة التي تعرض لها، بغاية اختراقه ومن ثم تمزيقه وتجزئته بما يتفق مع متطلبات المرحلة- هذا من جهة - وبقاء وحدة التراب الوطني العراقي معلماً شاخصاً للعيان بدون استثناء ، وغاية بارزة تهون دونها التضحيات والغايات الأخرى، جراء تنامي الجوانب المعنوية للإرادة العراقية على المستوى الشعبي وقواه المقاومة منه - بوجه خاص- بشكل يندر معه أن يكون له مثيلاً في التاريخ المعاصر- استناداً- لهول وعظم مجريات الأحداث التي مازالت فصولها مستعرة على أشدها طوال ما يربو من عقدين كاملين ، جراء حجم التضحيات الضخمة التي قدمها- باستثناء الحالة الفلسطينية وفقاً لظروفها. لاسيما في ظل استمرار تنامي حالات التماسك والتوافق التي تعيشها معظم فئات الشعب العراقي بصورة نسبية - من جهة - وفصائل المقاومة المسلحة بكل تياراتها- من جهة أخرى- وفي نفس الوقت استمرار تنامي حالات الفرز الداخلية الحادة العمودية كانت أم الأفقية بين كافة القوى الفاعلة في الشأن العراقي،  في ظل استمرار تنامي حالات تساقط جزء كبير ومهم من القوى السياسية وفصائلها المسلحة المتحالفة مع قوات الاحتلال التي أدعت تمثيلها للشعب العراقي، وهذا ما بدأ واضحاً في بعض أهم ملامحه الرئيسة، ابتداءً بالإعلان عن تأسيس القيادة العليا للجهاد والتحرير بتاريخ 2/9/2007م التي ضمت في عضويتها قرابة ألـ 22جيشاً وفصيلاً مسلحاً غطت فعالياتها كل أرجاء الساحة العراقية، ومروراً بالإعلان عن تشكيل المجلس السياسي للمقاومة، وانتهاءً بانضمام قرابة الـ11جيش وفصيل مسلح إلى الكيان السياسي والعسكري للمقاومة، كي يصبح عدد أعضائه المنضوين تحت لوائه قرابة الـ33 جيش وفصيل مسلح.

 

ومن هنا نجد أن الجزء الأكبر بل والمهم من المعالم الرئيسة لعمليات الحراك الداخلية - استناداً- لمجمل مجريات تطورات الأحداث الرئيسة الجارية- وفقاً- للحقائق المستقاة من أرض الواقع، سوف تتضح بشكل جلي ونسبي في المدى المنظور أو المتوسط على الأكثر - هذا أن لم يسعفني الأمر بالقول إنها قد اتضحت بكل معالمها الرئيسة- كي تصب- في المحصلة النهائية- في اتجاه تعزيز وتثوير قدرات الفعل الاستراتيجي للمقاومة المسلحة ، وهي تكاد تنهي المرحلة قبل الأخيرة- على الأقل- من مراحل إسقاط المشروع الأمريكي الكوني بشقه السياسي والعسكري، ومن ثم الاقتصادي والحضاري- الثقافي بشكل نهائي،والذي اختير العراق ليكون نقطة الارتكاز الرئيسة له ، إلا أن ذلك يعني- في نفس الوقت- تعاظم حجم المسئولية التاريخية بكل أبعادها الملقاة على عاتق قيادات وعناصر المقاومة العراقية المسلحة وهي تكاد تدخل أحد أكثر المنعطفات التاريخية أهمية في مسارات عمليات الحراك العسكري والسياسي على حد السواء ، نظراً لكونها المرحلة الأصعب التي يتوقع لها أن يتم فيها قطف الجزء الأكبر والمهم من ثمارها المنشودة بالشكل الذي يحقق معظم الأهداف والتضحيات بكل أبعادها- كما أسلفنا ذكرها سابقاً- مما يتعين على قيادات المقاومة أخذ كافة مظاهر الحيطة والحذر والاستعداد لما هو أسوء ، بسبب حالات التعقيد والتشابك الشديدين الذي يتوقع أن تحيط بها في ظل ما يكتنف الملف السياسي الذي ستؤكل له وضع اللمسات الأخيرة من تحديات كبيرة – كما تؤكده التجارب العملية في هذا الشأن-

 

وفي نهاية المطاف نستطيع من خلالها القول بأهمية أن يلتفت معظم جمهور المختصين والمهتمين بالشأن العراقي على حد السواء إلى هذه الزاوية الأكثر أهمية على الإطلاق والمغمورة قصداً في آن واحد أثناء التعامل مع تطورات الملفالعراقي بكل إرهاصاته بغية إعطاء وجهة نظر فيها كي تكون أكثر قرباً والتصاقا بما يجري في الواقع المعاش ، بدلاً من أن تبقى مواقفها عند تناول هذا الموضوع جملة وتفصيلاً مجرد ردود أفعال آنية لا تمت بصله للواقع ولا تعبر عنه
 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٦ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠١ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م