الفلوجة وغزة إبادة جماعية بقذائف الفسفور الأبيض

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

سبق ان تحدثت الكثير من التقارير الدولية عن القنابل الفسفورية التي أستخدمتها قوات الاحتلال الامريكي ضد المدنيين في مدينة الفلوجة بوابة الصمود والتحدي بعد الغزو الاخير للعراق وبث العديد من الأفلام ونشرت الكثير من الصور التي جسدت هذه الجريمة البربرية التي تدخل في مجال حرب الأبادة الجماعية. ومن دواعي الاسف ان الموضوع تم تناوله إعلاميا فقط دون تحرك فعلي من دول العالم والأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي لأستكار هذه الجريمة البشعة المخلة بالقوانين السماوية والأرضية والشرعية الدولية، ونقف مشدوهين أمام الأمم المتحدة مستذكرين كيف تحولت الى بوق امريكي للتنديد بضرب حلبجة بالأسلحة الكيمياوية وأقامت الدنيا ولم تقعدها ومازالت تتبجح بها حتى الوقت الحاضر في حين غضت النظر عن ضرب الفلوجة وكلا السلاحين محرم دوليا وكلا المدينتين عراقيتين! ولكن السياسة لعن الله السياسة هي التي تحرك هذه المنظمة الدولية لتتصرف وفق اهواء الولايات المتحدة بحيث أصبحت الأمم المتحدة خادما ذليلا للعم سام، ففقدت بتصرفاتها غير المتوازنة مصداقيتها وكشفت حقيقة مآربها بل أصبحت إضحوكة بإدعائها تعمل في سبيل حفظ السلم والأمن الدوليين اللذين يتبجح ميثاقها بهما في كل صفحة من صفحاته.


الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني بقيا يطرقان على صفيحة الاسلحة الكيمياوية العراقية لخلق جعجة وضجيج حتى بعد أن دمرت بكاملها تحت اشراف مراقبين من الأمم المتحدة وبعد أن فضحت أكذوبة أسلحة التدمير الشامل التي بررت الحرب وكانت الأمم المتحدة عفريت المصباح الذي خدم المشروع الامريكي الصهيوني والذي أنتهى بغزو العراق، لكن هذا العفريت يولي هاربا أو يدعي الخرس والعمى والطرش أمام امتلاك وإستخدام هذا السلاح المحرم دوليا من قبل الامريكان والصهاينة في كابول والفلوجة وغزة مؤخرا, وإذا رجعنا خطوة الى الوراء نستذكر كيف قامت الولايات المتحدة بقصف معمل الشفاء للأدوية في السودان بدعوى أنه ينتج مادة( empta ) المستخدمة في إنتاج الأسلحة الكيمياوية وقد سخر احد الدبلوماسيين السودانيين في الأمم المتحدة من ازدواجية معاييرها في التعامل مع القضايا العربية بقوله " قصف الأمريكيون العراق بحجة انه أعاق عمل المفتشين الدوليين, واليوم يتوسل السودان لإرسال فريق خبراء من الأمم المتحدة للتحقيق في تدمير معمل الشفاء للأدوية ولكن الأمريكيين يعيقون وصوله" وتبين بعد التحقيقات ان المعمل ينتج أدوية فقط ولا علاقة له بإنتاج مواد تدخل في إنتاج أسلحة كيمياوية؟


ولكن قبل الحديث عن قنابل غزة الفسفورية لابد من التوقف قليلا أمام هذه القنابل وما هي تاثيراتها ؟ طالما من الناحية العملية لم يعرفها سوى سكان كابول الفلوجة وغزة على أيدي الاحتلالين الامريكي والصهيوني, إنها مادة شمعية عديمة اللون كريهة الرائحة تشبه الى حد ما رائحة الثوم تتفاعل مع الأوكسجين في الهواء فتشتعل وتتحول الى خامس أوكسيد الفسفور بدخان أبيض ووهج أصفر يحرق إنسجة الجسم عند التعرض اليه ويبقى فيه بنسبة 15% بعد الحرق ويكون قابل للتفاعل مرة أخرى عند تعرض المصاب الى الهواء أي بلوى تتضاعف أبعدكم الله عنها وان لم يقتل فورا فأن السرطان الذي يتركه في جسمه يكفل المهمة.


الأمم المتحدة لم تكتف بغض النظر عن الجرائم التي يرتكبها اصدقائها من الامريكان والصهاينة وإنما تتجاهل بسوء نية ما ينشر في الصحف والمجلات والدوريات العلمية عن تطويرهما الاسلحة المحرمة دوليا والتي تشكل أخطر تهديد للسلم والأمن الدولي الذي تدعي الأمم المتحدة بالمحافظة عليهما وهما في الوقت الذي يحاربان فيه الدول العربية ويمنعوها من انتاج اسلحة التدمير الشامل لتحقيق التوازن في المنطقة فهما اكبر منتجان لأسلحة التدمير الشامل في العالم!, فقد كشفت مجلة أمريكية تدعى(العلم والسلاح) خبرا مفاده قيام الكيان الصهيوني بتطوير سلاح جديد ايكولوجي (الكيمتربل) وسيجري الأختبار عليه بهيئته الجديدة المطورة هذه السنة! أما أين؟ فقد أشارت المجلة الى خمسة خيارات هي الأردن ومصر والسعودية والعراق وافغانستان, والطبع البلدان الأخيران هما الأكثر ترشيحا والأسباب معروفة لا داعي للأسهاب فيها. كما أشارت المجلة الى أن السلاح اخترع عام 2003 من قبل عالم كندي وجرب في كوسوفو والعراق وكوريا الشملية وافغانستان فخلف قتلى بعدة ملايين خلال السنوات الخمس الأخيرة. وخلص التقرير بأن مؤسسة تاسا قامت بأستحدام هذا السلاح المدمر خلال العدوان الامريكي عام 1991 ضد العراق بعد أن طعمت قوات الاحتلال بلقاح مضاد ومع كل هذه الأحتياطات فقد كانت نسبة إصابة مرتزقتها بالميكروب 47% جعلها الله لاحقا 100% وهو السميع المجيب فمن يزرع الشر يحصده.


اشار تقرير لمنظمة العفو الولية التي هلهلت عقدين من الزمان لهولوكوست حلبجة وأحمر وجهها خجلا من ضرب الفلوجة بنفس السلاح، بأنها عثرت على دلائل وصفتها بالدامغة لأستخدام إسرائيل الفسفور الأبيض بشكل واسع ضد المدنيين في غزة وذكر مبعوثها (كريستوفرغوب) الخبير في الأسلحة المحرمة دوليا والذي رافق وفدا للقطاع " شاهدنا شوارع وازقة مليئة بالادلة على استخدام الفسفور الابيض بما في ذلك بقايا قذائف وعبوات اطلقها الجيش الاسرائيلي" واضلفت زميلته في الوفد (دوناتيلا روفيرا) بأن" الاستخدام المفرط لهذا السلاح في مناطق غزة المكتظة بالسكان المدنيين كان عشوائيا. وان استخدامه المتكرر في هذه الطريقة رغم الادلة على تأثيراتها وعدد ضحاياها من المدنيين، هو جريمة حرب". من جهة أخرى أشار تقرير ياباني نشرته مجلة(فرايدي) بعنوان " الجحيم بعينه في غزة" بأن القوات الاسرائيلية استخدمت في عدوانها الاخير على غزة ذخائر فتاكة تنفجر داخل جسم الضحية(قذائف تايم) ووصف كاتب التقرير الموقف في غزة - وكان شاهد عيان- "شاهدت مصابين بهذه القنابل الدقيقة في مستشفيات غزة ولا توجد جروح واضحة على أجسامهم لكن تبين أنهم يعانون من إصابات بليغة داخلية في الأعضاء، كما أن عضلاتهم وعظامهم تتحلل بل في الواقع تحترق بتأثير هذه القنابل الفعالة" .


في تقرير آخر بعنوان" إسرائيل تمطر غزة بالقنابل الفسفورية" نشرته صحيفة التايمز أكد احفاد الجنرال بلفور بأن الجيش الإسرائيلي يستخدم بحرية القذائف الفسفورية في غزة واستشهدت الصحيفة بصور فوتغرافية توثق هذه الحقيقة, مضيفة بأنها رصدت كميات كبيرة من الفوسفور الأبيض وموضحة بأن" استخدام القنابل المصنوعة من الفسفور الابيض ضد المدنيين ممنوع وفقا للقانون الدولي". وزيادة في الفضيحة فأنها أكدت بأن القذائف الفسفورية مكتوب عليها(M625A1 ) صنعت في الولايات المتحدة الامريكية؟؟؟ وتساءلت من جهة أخرى منظمة مراقب حقوق الانسان وهي التي ناحت وبكت على ضحايا هولوكوست حلبجة وأبتسمت على حياء لضحايا الفلوجة بأن "استخدام القنابل الفسفورية يساوي استخدام القنابل العنقودية المحرمة دوليا" وتسائلت وهي تعرف الجواب فيما إذا كان إستخدام هذا السلاح يتفق مع التزامات إسرائيل لمعاهدت جنيف؟ من جهة اخرى عرضك وكالة اسوشيتدبرس لقطات تؤكد استخدام سلاج الجو الاسرائيلي قنابل فوسفورية ضد المدنيين في سكان غزة.


كما طالب وزير الدولة البريطاني للشئون الخارجية اللورد(مارك براون) بفتح تحقيق حول إستعمال الجيش الاسرائيلي للفوسفور الابيض المحرم دوليا خلال هجومه الأخير على غزة. علما ان سلفه البريطانيين هم اول من صنع قنبلة فسفورية عام 1916 واستخدمت في الحرب العالمية الثانية ضد قوات المحور. وأكد براون ان الغرض من استخدامه الفسفور في غزة كان لحرق وقتل المدنيين واعتبره خرقا كبيرا لقوانين الحرب, وفي تحقيق تلفازي أعدته القناة الأيطالية الرسمية كشف فيه النقاب بان الجيش الاسرائيلي أستخدم في غزة اسلحة تجريبية جديدة صنعت في الولايات المتحدة الامريكية تؤدي الى قطع الارجل والأيدي والاصابة بحروق بليغة تنتهي بموت المصاب، وهي أسلحة محرمة دوليا. فيما أكد أطباء نرويجيون لفضائية (العالم) عن اكتشافهم لآثار يورانيوم منضب على الأراضي التي طالها القصف الصهيوني بغزة، مما يعني أن الاحتلال استخدم مواد نووية في العدوان الأخير على غزة.


ثم ماذا بعد؟ ما الذي تنتظره الأمم المتحدة المعنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين بعد كل هذه الشهادات والدلائل التي تدين الكيان الصهيوني بجريمة الإبادة الجماعية؟ ما الذي تنتظره وهي التي جرمت من ينفي الهولوكوست اليهودي ورفعت عن الكيان الصهيوني صفة العنصرية ومنعت الحديث عن السامية؟ وما الذي جنته مقابل كل هذه الخدمات الجليلة من الكيان الصهيوني؟ بعبارة وجيزة هذا الكيان المسخ لا يحترمها ويحتذي قراراتها وميثاقها وأهدافه.


ثم أي معايير مزدوجة تنتهجها أزاء القضايا العربية ألم يسبق لها ان غضت النظر عن تعرض مدينة الفلوجة الى هذه القنابل المحرمة دوليا والتي تتنافى مع اتفاقية جنيف لعام 1980 التي تمنع استخدام الفسفور الأبيض في الاماكن المأهولة بالمدنيين!


والآن يعاني أهالي غزة من نفس الهجمة البربرية! لا اعتقد إننا سنحصل على قرار منصف وربما أكثر ما يمكن أن نحققه هو القليل من العطف الدولي أو تناسي المجزرة كما حصل في الفلوجة!


يا ترى هل مكن أن تدين الشرعية الدولية الولايات المتحدة وهي المصدرة لأسرائيل هذه الأسلحة المحرمة دوليا والمنتجة حديثا كما ذكرت التقارير؟ بالتأكيد كلا!


ولكن لو عكسنا الأمر وكان الفلسطينيون ضربوا المدنيين الإسرائيليين بالقنابل الفوسفورية كما أدعى فعلا (مارك ريجيف) الناطق بأسم الحكومة الأسرئيلية! كيف ستكون النتيجة؟ وكيف سيكون موقف الشرعية الدولية؟ نترك الإجابة للقراء الأفاضل.

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٠٤ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣٠ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م