بغداد وغزة والمصير الواحد

 

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

لم يشهد التأريخ العربي المعاصر ظلما تعرضا اليه اكثر من هاتين المدينتين فهما القربانان اللذان قدمهما العرب بسخاء الى عدويهم التأريخيين الولايات المتحدة الامريكية وربيبها الكيان الصهيوني نذرا ونحرا بأيد عربية وقدما الى اصنام العولمة تقربا وزلفى رغم علمهم بأن دولهم ستقدم في يوم ما كقرابين لاحقة لتلك الاصنام وان كل ما قدموه وسيقدموه لا يشفع عند أصنام الشر يبقون بنظرهم عبيد جهلة حمقى اغنياء المادة فقراء الذكاء يستحقون الابتزاز والاهانة والسرقة والاغتصاب والقتل انهم قوم يسحقون الاجتثاث ولنتركهم يجتثون بعضهم البعض وما تبقى منهم سنقوم بإجتثاثه أنهم ارهابيون لا يستحقون الرحمة والشفقة.


العراق وفلسطين هما البلدان العربيان المحتلان من قبل قوى استعمارية ولكن الحقيقة ان كل الدول العربية محتلة قد تكون مستقلة وذات سيادة من وجهة النظر القانونية والدولية ولكن الحقيقة غير ذلك فجميع الزعماء العرب ليسوا سوى طلاب مطيعين متأدبين يكتفون بإشارة الأستاذة كوندوليزا رايس لتنفيذ كل واجباتهم الوطنية والقومية، ورغم انهم زعماء لكن الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني لا يتعامل معهم بهذه المرتبة وغالبا ما يوفد الرئيس الامريكي وزير للقائهم وبما يوازي مستواهم. واحيانا يكون أقل من ذلك انظر الى العراق وستجد ان السفير السابق بول بريمر كان يستقبل قادة العراق الجديد في مكتبه ولا يجلسون بحضرته إلا بعد أن يأذن لهم، وقد وصف الكاتب حسن العلوي كيف انهم كانوا يستفيقون قبله في المنطقة الخضراء ويتجمعون كالذباب أمام باب مكتبه لمجرد إلقاء التحية عليه لا أكثر. والسفير رايان كروكر خلفه له من السلطة ما يقرع به الرئيس الطالباني ورئيس الحكومة المالكي ويرفع رجليهما لتلقي الفلقة، ونستذكر الإهانات التي تلقى الرئيس العراقي ورئيس حكومته من السفير كروكر بعد تلقيه زوج أحذية من البطل العراقي منتظر الزيدي وبالفعل تمكن الزيدي من أرجاع ما يمكن إرجاعه الى الكرامة العربية المفقودة على يد الزعماء العرب.


أيام قلائل بقي من هذا العام لنودعه ونستقبل العام الجديد لقد كان عاما دمويا للعراقيين والفلسطينيين حيث استمرت مسيرة النزف الدموي من بدايته حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكنا نتوقع ان الجلاد سيتوقف قليلا عن تعذيب ضحيته إحتراما للعام الجديد وليس للضحية واحتراما لهذا اليوم المقدس الذي يحتفل به كل شعوب العالم بغض النظر عن دياناتهم السماوية والوضعية واحتراما للناس التي تريد ان تستقبل العام الجديد بباقة ورود وفرحة، ولكننا كنا ننفخ في قربة مثقوبة فقد تناسينا ان الجلاد أصم وأبكم وأن العالم بالنسبة له ليس اكثر من زنزانة تجمعه مع ضحيته، وان صوت السوط هو سمفونيته المفضلة وصرخ الضحية هي أجمل الأغنيات طربا لمسمعه وان الشدوخ التي يرسمها السوط على ظهر ضحيته تنافس اكثر لوحات الرسامين العالميين فنا وإبداعا وان منظر الدماء لا يقل روعة وسحرا عن منظر الزهور الحمراء في الرياض.


مجزرة غزة وجهت رسالتين اولهما الى الزعماء العرب وهي تعزية بمناسبة وفاة ضمائرهم لا رحمهم الله ولا غفر لهم عن الكبائر الكبيرة التي ارتكبوها بحق الشعب العربي والضعف والوهن والمهانة التي قبلوها للحفاظ على كراسيهم وعروشهم الذليلة، الرسالة تقول كفى مزايدات بالقضية الفلسطينية فقد اشبعتموها ركلا وضربا مبرحا بأقدامكم وتربتون على اكتفاها بيدكم, وكفى ازعاجا من كل من يدعو الى السلام مع الأوغاد فالذئاب لا يمكن الإتمان بها وافهموا الدرس جيدا لا سلام لمن لا أمان له ولا سلام مع القتلة ولا سلام مع المغتصب ولا سلام مع الكفار, نسخة من الرسالة الى الأمم المتحدة التي تدعي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين والتي بذلت جهودا مميزة لإصدار قرارات نفت عن الصهيونية حقيقتها العنصرية وجرمت من يتحدث عن السامية والهولوكوست مع أسف من الأعماق للأشواك التي زرعتها في فلسطين والعراق، ونسخة منه الى الجامعة العربية مع هامش صغير.. رحمك لله وغفر لك ذنوبك الكبيرة تجاه العراق وفلسطين، ونسخة منه الى منظمة المؤتمر الإسلامي مع هامش صغير.. لم تتجاهلون ما أنزله الله عز وجل بشأن الإعداد للكفار وتتمسكون بسورة أهل الكهف؟ صحوا النوم يا مسلمين! مع نسخة الى كل القيادات الفلسطينية المتعنتة بموقفها من السلام مع الكيان الصهيوني وهامش صغير.. رحم الله المعري فقد قال هذا ما جناه أبي علي وما جنيت على أحد. مع نسخة الى الاتحاد الأوربي وهامش صغير ... فعلا إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.


الرسالة الثانية من غزة الى الرئيس الشهيد صدام حسين تقول فيها.. والله ثم والله ثم والله فأنت الأبن البار لهذه الأمة المترهلة بالصعاليك عشت ومت ولم تفارق فمك فلسطين جسدت حبك لهذه الحبيبه قولا وفعلا، نعم أيها الأمين الوفي المجاهد البطل فالدخان الذي تركته صواريخك وهي تهد الكيان الخبيث ما يزال يغطي سماء القدس ويعبق به كالبخور. لقد كنت القائد الحكيم المتفهم لقوى الشر، سبرت غور أسرارها بسهولة وعرفت مكائدها ودسائسها وفككت طلاسمها والغازها التي عصيت على الغير، وجهدت نفسك في قتالها وما قمت به لم يجرؤ قائد أن يفعله لا في السر ولا في العلن لا في اليقظة ولا في الحلم ولا الآن ولا في الغد، لقد صنعت تأريحك بنفسك ولا فخر لأحد في ذلك، هكذا هم الرجال العظام كما وصفهم المتنبي" على قدر أهل العزم تأتي العزائم ...وعلى قدر الكرام تأتي المكارم ...وتصغر في العين عظيمها ...وتكبر في عين الصغير الصغائر" التأريخ يصنعه الرجال هكذا منطقه والأمم يصنعها الرجال فهذا ديدنها والتأريخ يخلد الرجال العظام وينحى بوجهه عن اللئام.


الذي لا يفهمه البعض ان الرجال العظام حتى وأن ماتوا فأنهم عائشون في ضمير الأمة والشعب وتبقى ارواحهم الطاهرة ترفرف كطيور خضر فوق سماء الامة، إنهم يتركون أرثهم النضالي للخلف الصالح ليأخذ دوره في مسيرة الجهاد، انها مسيرة صعبة وشاقة تستنزف الكثير من الدماء والتضحيات لكنها ليست مستحيلة ومن أجل ذلك أعتبرت مقدسة، هكذا كانت رسالتك واضحة لا تحتاج الى تفسير أو تأويل.


دوي العراق وفلسطين والأمة العربية وأنت تطلقها واقفا وقفة شرف وكبرياء على منصة الأعدام ستبقى تدوي في عقولنا تنشطها وتشحذها كلما تعبت أو وهنت أو ضامها الدهر.. بوركت أيها القائد المقدام، بوركت وأنت حي وبوركت وانت ميت، لعمري أنك كنت بحق أمين هذه الأمة.


كما جمعت العراق وفلسطين في جملة واحدة, فستجري الأمور كما أردت لها، فغزة وبغداد تؤامان فرحهما واحد وحزنهما واحد، صديقهما واحد وعدوهما واحد ، لا ينظر احدهما للآخر فكلاهما ينظر في إتجاه واحد، أنه طريق النصر.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٣ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣١ / كانون الاول / ٢٠٠٨ م