غزة .. ربيع الشعوب وخريف الحكومات

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن

إن المحنة التي عاشها الشعب الفلسطيني مع إطلالة العام الجديد أثارت الكثير من المواجع سواء كانت الفلسطينية او العربية او الدولية أو تلك المتعلقة بالشرعية الدولية والتي لا تحمل من هذه الشرعية إلا أسمها ولفظها أما المعنى والمضمون فقد أغتيل منذ عقود ماضية. ويبدو ان أحداث غزة الأخيرة قد أثارت الجدال بين العديد من الاطراف ليلكئوا الجراح القديمة حول الخلافات بين حماس وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية وتحميل كل جانب وزر ما يحدث لنظيره وهذا ما يصنف في باب الغباء السياسي أو سوء النية على اقل تقدير! فإن الذي يجرى على المشهد الفلسطيني هو تعرض شعب الى جريمة إبادة جماعية وبغض النظر عن موقف حماس أو فتح وبقية الفصائل فأن هذا الموضوع بحد ذاته هامشي و داخلي لا يجوز تمديده على الرقعة العربية وهو يخص الشعب الفلسطينيي بالدرجة الأولى، ولا يمكن إتخاذه كذريعة لأحتساب أخطاء حماس وأرتباطاتها التي تثير حفيظة البعض بغض النظر عن صحتها أو بطلانها, إننا نتضامن مع الشعب الفلسطيني وليس مع القيادات الفلسطينية فحسب والخلافات بين الفصائل لا تعنينا الشيء الكثير ولاتعيق تعاطفنا مع اشقائنا الفلسطينيين في محنتهم هذه، وكما قيل من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بالبحر, ولا نعتقد ان الظروف الحالية مؤآتية لفتح سجلات القيادات الفلسطينية وتأشير حالات الخلل والاخفاق وما أكثرها! الظرف الحالي يستدعي إعادة هذا السجل على الرف مع الغبار المتراكم عليه لحين إنجلاء الغيوم الصهيونية الداكنة من سماءغزة المشبعة بالفسقور الابيض ولكل حادث حديث.


بغض النظر عن ارتباطات حماس التي تثير حفيظة بعض الجهات الفلسطينية والعربية وحتى الدولية ومنهجها القيادي المتعثر بسبب الضغوط الداخلية والخارجية وبغض النظر كذلك عن الأجندات الخارجية التي تحاول أن تفرضها بعض الجهات على الحركة، فأن حماس حاليا هي الي تدير دفة السلطة الشرعية وان سقوطها لا سامح الله يعني ضياع قضية العرب المركزية في متاهات من الصعب الخروج منها, بل سيكون ذلك خدمة كبيرة تقدم على طبق من ذهب الى الكيان الصهيوني المسخ.


لنترك الحكم على حماس الآن فالمبارة ما تزال حامية الوطيس بين إرادتين متضادتين إرادة القوة المتمثلة بالكيان الصهيوني وإرادة الحق متمثلة بالشعب الفلسطيني، ومنحنى الخسائر في تصاعد مستمر والنفاق العربي في أوجه والجامعة العربية في ذروة إنحطاطها والأمم المتحدة في قمة السفالة ومنظمة المؤتمر الاسلامي في أعماق غفوتها تنافس أهل الكهف فهي مغمضة أجفانها وكاشفة عورتها, مللنا من الاسطوانه المشروخة" دعنا نعدد أخطائنا" التي لا تقدم ولا تؤخر وآن الأوان لنستعيض عنها بأخرى" لنتوحد ونصمد ونقاوم".


بدلا من توجيه اللوم لحماس لنوجه اللوم الى أمتنا العربية وما اتخذته من مواقف وإجراءات ضد العدوان الغاشم وهي مواقف تدعو الى الدهشة عنما نقارنها مع مواقف صلبة لدول أجنبية في قارات أخرى, فالموقف العربي أنشطر كعادته وتشظى الى عدة جهات، فهناك دول حملت حماس مسئولية أندلاع الأزمة ونأت عن دعمها بل أيدت ضرب مقراتها ولم تتحدث عن الأبرياء من المدنيين الذين سقطوا كضحايا لهذه الهجمة وهؤلاء لا يختلف موقفهم عن الموقف الامريكي والاسرائيلي! وهؤلاء يجيب عليهم الكاتب البريطاني روبرت فيسك" يطالبون الجانبين- الفلسطيني والاسرائيلي- بممارسة سياسة ضبط النفس، كما لو كان الجانبان يمتلكان نفس طائرات إف18 ودبابات ميركافا والمدفعية الثقيلة". ويستطرد بقوله " كما إن صواريخ حماس لم تقتل سوى 20 إسرائيليا طوال ثماني سنوات، في حين أدت الغارة التي قام بها الطيران الإسرائيلي في يوم واحد إلى قتل ما يقارب 300 فلسطيني" ويضيف فيسك ساخرا" إن حمام الدم كالعادة كان خطأ العرب، الذين لا يفهمون سوى لغة القوة".


وهناك جهات متشددة في مواقفها استنكرت هذه الجريمة البشعة وكان على رأسها مع الأسف دول غير عربية مثل كولومبيا وفنزويلا اللتان قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية بالكيان الصهيوني وتلاهما موقف موريتانيا وقطر من تجميد علاقاتهما بالكيان الصهيوني إضافة الى الرأي العام العربي والاسلامي . وجهات ثالثة تمثلت باللعب على الحبلين حيث سكتت الحكومات في التعبيرعن مواقف رسمية وتركت شعوبها تعبرعن سخطها وغضبها للهجمة الصهيونية الشرسة وتعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني في صحوة رائعة وتقدير موقف صائب لحجم المخاطر والتحديات القادمة، وبقدر ما أثلج موقف الشعوب صدورنا وهي تنتصر لهويتها وكرامتها وعدالة قضيتها، بقدر ما أحزننا موقف الحكومات من الإستخفاف بالقضية الفلسطينية والانحدار الاخلاقي الذي وصلت اليه هذه الحكومات ومسافة إغترابها عن شعوبها.


من المؤسف أيضا ان يحمل بعض القادة العرب مسئولية أشتعال الأزمة الأخيرة لحماس في غضون ذلك يحمل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الكيان الصهيوني المسئولية الكاملة عن معارك غزة الأخيرة ويرفض بحسم قاطع الإتهامات الرسمية العربية والدولية التي نحت هذا المنحى الخاطيء فأي عار أشد من ذلك! ذكر اردوغان " إن تحميل حماس المسئولية عن احداث غزة غير مقبول ولا يجوز لأن إسرائيل هي التي استفزت حماس بسياسة التجويع، ودفعتها لإعلان إنهاء التهدئة، خاصة أن حكومة حماس كانت تحت ضغوط كبيرة؛ لأنها مطالبة بتلبية مطالب الشعب الذي انتخبها". ورد اردوغان على الصخب السياسي والاعلامي " يتذرع الإسرائيليون من وقت لآخر بأنهم يردون على إطلاق الصواريخ ويسعون لوضع حد لها، ولكن هل هذه الذريعة تبرر استخدام هذه القوة المفرطة في مهاجمة غزة؟ إنها ذريعة واهية وغير مقبولة". ويضع أصبعه على الجرح النازف بتشخيص الهدف من وراء الهجمة البربرية وتوقيتها " أنا أجزم إن وراء هذه الهجمة دعاية انتخابية ولكن لا يجوز قتل الناس من أجل دعاية انتخابية".


إن الظروف العالمية التي تعصف بالعالم اليوم تزداد تعقيدا بتكاثر الأزمات وتعدد شعابها وإتجاهاتها وتداعياتها ولا شك ان هذه الظروف تتطلب منا وقفة مع الذات نواجه فيها أنفسنا قبل غيرنا ونشخص نقاط ضعفنا وهي نفسها نقاط قوة عدونا, ان التشتت والتشرذم والوهن في مواقفنا يجعل منا لقمة سهلة في فم العدو وإذا لم نتدارك انفسنا في خضم التغييرات العالمية ونتحكم بأسباب التغيير في دواخلنا في إطار معرفي ونعتمد على رؤية شمولية واضحة وموضوعية في التعامل مع وتيرة التغييرات في ظل تفاقم الوضع الدولي وظهور قوى جديدة فإننا سنغرق في دواماتها المعقدة وليس بإستطاعة أحد أن يمد لنا الأغاثة والنجدة ويخرجنا منها, يجب أن نصلح أنفسنا ونصالحها وننزع عنا ثوب الظلم الذي البسونا أياه حكامنا ونكسر القيود التي صفدونا بها ونطالب بحقوقنا بعد أن أدينا واجباتنا على أفضل وجه، نحاسب حكامنا على كل خطأ وهفوة يرتكبونها وبمثل القسوة التي يحاسبونا بها, ان نضغط عليهم للأنصياع لرغبة الشعوب واحترام مطالبها وأعتبارها مقدسة وان الأنحراف عنها هو الكفر والظلم والخيانة والغدر. إذا لم ننجح مع انفسنا لن ننجح مع حكامنا، وإن لم ننجح مع حكومنا لن ننجح مع أعدائنا، وإذا لم ننجح مع أعدائنا أصبح مصيرنا ومصائر أجيالنا في كف عفريت.


كي ندرك حقيقة ضعفنا لننظر جميعا الى القرار (1860)الواهن الذي إنتزعه بشق الأنفس وزراء الخارجية العرب من مجلس الأمن الدولي وبعد جهد جهيد والتي واللتيا وقد تضمن بنود أقل ما يقال عنها انها تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه وبين الجلاد والضحية وبين الظالم والمظلوم! انه يطالب بالطبع الجانبين بوقف العمليات الحربية كأنما القوات الفلسطينيه هاجمت تل أبيب, وكأنهم يديرون حربا متكافئة مع خصمهم ويحققون نفس المكاسب ويتكبدون نفس الخسائر، إضافة الى فقرة بعدم إلحاق الإذى بالمدنيين وهذا أيضا موجه للطرفين ولم تكلف الشرعية الدولية نفسها لتبين كم هي خسائر الطرفين من المدنيين؟ والفقرة الأخرى إتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان إنسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة وهو أعتراف ضمني بأن هذا الجيش إعتدى على غزة لوجود قواته في قطاع يخضع للسلطة الفلسطينية، من المؤكد أن هذا النصر الدبلوماسي السخيف لم يكن سوى محاولة عقيمة من الشرعية الدولية لحفظ ماء وجه وزراء الخارجية العرب، بالتعاون مع الشيطان الأكبر الذي أكتفى بالإمتناع عن التصويت لأنه يعلم مقدار تفاهة القرار وأنه لا يستحق حتى التفكير برفضه أو إستخدام الفيتو ضده لماذا؟ ببساطه لأنه قرارا غير ملزم أعتمد على الفصل السادس وليس الفصل السابع المخصص عادة لمعاقبة الدول العربية المناوئة للسياسات الامريكية! ورغم الفشل الدبلوماسي العربي والمخزي فإن هذا القرار رفض من قبل الكيان الصهيوني بوقاحة وصلف فالشرعية الدولية التي نقدسها ونبجلها دون أن تبادلنا بالمثل لا تساوي عندهم فردة حذاء قديم!


لقد إعتادوا على التمادي في ظلمهم والاستهانة بكل القيم السماوية الوضعية ومع هذا حازوا على رضا الشرعية الدولية اما نحن المتهافتون على ارضائها فانها تعاملنا بكل ازدراء ونذالة وقراراتها التعسفية التي أتخذت ضد فلسطين والعراق ولبنان والصومال والسودان وغيرها اكبر دليل على صلفها والاستهانة بمشاعرنا وقضايانا العادلة.


لله ما أشد مصيبتنا نحن العرب فأن اعدائنا كثر إبتداءا من الشيطان الأكبر وحلفائه الأوربيين وإنتهاءا بالأمم المتحدة التي أصبحت كرة قدم بين قدمي اللاعب الأمريكي. والأشد رعبا من هذا التآمر العربي الرسمي على الارادة الشعبية... فحسبي الله ونعم الوكيل.

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الإثنين / ١٤ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٩ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م