إلى الأستاذ صلاح المختار
نعم تلك هي محاور النقاش الفكري الكفيلة برسم الطريق نحو تحقيق المشروع القومي العربي

 

 

شبكة المنصور

ابن تونس

أستاذنا العزيز صلاح المختار
تحية العروبة


إن المواجهة التي خاضتها المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي لم تثمر دروسا و انتصارات عسكرية فحسب بل مكنت القيادة الوطنية في العراق من بلوغ نضج لم تبلغه أية قيادة وطنية في أي مرحلة من مراحل الصراع ضد عدو الأمة في مستوى التحليل الفكري و السياسي . إذ انبثقت عن هذه التجربة دروسا سياسية عظيمة استطعت أيها المناضل الكبيرأن تمكن - بفضل وضوح رؤيتك و عمق تحليلك - كل المثقفين القوميين الشرفاء من مواكبة التطورات المتسارعة التي يشهدها الصراع ضد عدو الأمة في القطر العراقي و المنطقة العربية و فهم مكونات الواقع الموضوعي لإيجاد الآليات و الحلول المناسبة من أجل التحكم في مساره.


لا أخفي عنك سرا حين أقول لك أني ترددت كثيرا منذ أكثر من سنتين أمام فقرة وردت في برنامج التحرير و الاستقلال و قد جاءت تحت عنوان : العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبقية دول العالم و تضمنت ما يلي:


"إن المقاومة الوطنية العراقية، وحكوماتها ستقيم أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية مع جميع دول العالم عدا الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين العربية ، وبما يضمن المصالح المتبادلة بين العراق وهذه الدول" ..


و يواصل البرنامج تحليله
"إن قيادة المقاومة العراقية ، تتفهم طبيعة المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى ، وإنها مستعدة لإقامة علاقات حسنة ودائمة معها على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفقا للاتفاقيات والمعاهدات والأعراف الدولية وبما يضمن تلك المصالح ويحافظ على سيادة واستقلال الدول والشعوب واحترام إرادتها ويضمن حقوقها في التصرف بثرواتها الوطنية المادية والبشرية والطبيعية" .


وتساءلت عندها كيف نقيم أفضل العلاقات السياسية مع عدو لدود خرب العراق و كيف تتفهم المقاومة التي بصدد قصم ظهر الأمريكان ( عندها كانت لا تزال المواجهة العسكرية على أوجها و خسائر الاحتلال بلغت أرقاما قياسية) طبيعة المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى ؟


لقد استوجب استيعاب الدرس سنتين. فالمقاومة العراقية و قيادتها البعثية المحنكة كانت تملك الوضوح الكامل الذي يخول لها ليس فقط فهم مكونات الواقع آنذاك بل استيعاب الواقع في تطوره و في ارتباطه بالأهداف الاستراتيجية.


إن خطاب القائد المجاهد عزة الدوري هو تطبيق لملخص الدروس المستوحاة من التجارب التي مرت بها حركة التحرر العربية و هو بالتالي تطوير لمفاهيم و مبادئ لها صلة بآلية تحقيق الهدف الاستراتيجي للأمة و انجاز المشروع القومي العربي بكل مكوناته.


إن الخطاب تناول آلية العمل الخاصة بالمرحلة القادمة من مراحل مسار حرب التحرير الوطنية في العراق و هو موضوع تناوله بإسهاب العديد من المحللين ، لكن ما يجب التأكيد عليه أن الخطاب أثار نقاشا واسعا داخل صفوف المثقفين الوطنيين و القوميين ( و أستثني هنا نقاش المشككين ) و هذا النقاش طرح العديد من المواضيع مندرجة في إطار جدول أعمال حركة التحرر العربية.


إن ما يميز الأستاذ صلاح المختار هو قدرته الفائقة على تشريح الخطاب و استخراج الأفكار و المبادئ الأساسية التي بني عليها تحليل القائد المجاهد و هو بذلك يطرح أمام المثقفين الوطنيين المحاور التي يجب استيعابها في هذا الظرف المتقدم الذي تمر به حركة التحرر العربية.


إن الارتقاء إلى النضج الذي بلغته القيادة الوطنية العراقية يتطلب من المثقفين القوميين العرب استيعاب كافة المكونات الفكرية للتجربة العراقية و يستدعي متابعة دائمة للتطويرات الفكرية المجسدة لدروس التجارب السابقة.


إن محور علاقة التكتيك بالاستراتيجيا هو أحد المواضيع الهامة و الحساسة . و بعيدا عن المهاترات الفكرية التي يعشقها العديد من المثقفين عند حديثهم عن هذا الموضوع فقد تمكن الأستاذ صلاح المختار بأسلوبه العميق و المبسط ليس فقط تحديد العلاقة الجدلية بين التكتيك و الاستراتيجيا بل أعطى منهجية استيعاب الرؤية الاستراتيجية التي تمكننا من امتلاك القدرة على تحليل كل الظواهر و تحديد الخطط و البرامج المناسبة لكل مرحلة من مراحل النضال. و تجسدت التطبيقات الخلاقة لعلاقة التكتيك بالاستراتيجيا في طرحه لموضوع علاقة الجماهير العربية بأنظمتها في ظل الهيمنة الامبريالية و الصهيونية على وطننا العربي. و هو الموضوع الذي تناوله بإسهاب في الحوار مع إذاعة صوت الرافدين( انظر موقع شبكة الرافدين على الانترنيت) . إن التأكيد على أن التناقض بين الأنظمة العميلة و جماهيرها هو تناقض ثانوي أغضب العديد من المثقفين العرب الذين تكلست مفاهيمهم بحكم القوالب الجاهزة التي اكتسبوها من تجارب سابقة. لكن مقابل ذلك حرك صراعا فكريا مثمرا أجبر العديد من المثقفين على استذكار تجارب الأمة في هذا المجال. ألم نعش التجربة اللبنانية حين كان الاعتقاد السائد بأن إزاحة الأنظمة العميلة هي مرحلة ضرورية تهيئ للمعركة ضد الامبريالية و الصهيونية . فخاضت مختلف القوى الوطنية الحرب ضد حزب الكتائب فسقطت في مستنقع الحرب الأهلية فكان المستفيد الوحيد من هذا الصراع هو الامبريالية و الصهيونية ؟ ألم تجن القوى الوطنية الأردنية و الفلسطينية الخيبة و الخسارة حين اعتبرت في أواخر الستينات أن العدو الرئيسي هو النظام الأردني فانجر عن هذه النظرة خطوات إلى الوراء توجت بمجزرة أيلول الأسود؟


إن النجاح في تحديد العدو الرئيسي و خوض المواجهة المسلحة ضده يقرب ساعة تحقيق الأهداف الاستراتيجية لأنه يساعد على خلق أرضية ملائمة لتوحيد مشاعر الأمة و نضالها و مقاومتها . و يفشل بالتالي كل المشاريع التفتيتية التي تتفنن القوى الامبريالية و الصهيونية و الفارسية في صياغتها و تنفيذها.


بقي أن أشير أن العديد من المثقفين القوميين الذين لم يتفاعلوا مع برنامج معركة الحواسم الذي طرحه الشهيد صدام حسين و اعتبروه برنامجا شكليا غير قابل للتحقيق فوجئوا بتنامي الصراع القومي ضد عدو الأمة دون أن يربطوا ذلك بالدور الحاسم الذي قامت به المقاومة العراقية. و حيث أنهم لم يشكلوا أحد أطراف الفعل المقاوم فإنهم لم يستوعبوا المحاور المفصلية التي تتحكم في مسار الصراع التحرري للأمة . فكان برنامجهم بمثابة الخليط الغير متناسق علته الأساسية الفصل بين عنصرين أساسين في برنامج القوميين العرب و هما العروبة و المقاومة المسلحة .


فعملية الانبهار بما أحدثته المقاومة المسلحة في العراق و لبنا ن و فلسطين من إرباك للمشاريع الاحتلالية دفعت هذه الفئة من القوميين إلى تمجيد أي طرف يخوض المواجهة مسلحة ضد الامبريالية و الصهيونية و لو كان ذلك على حساب العروبة مما جعلهم ملحقين تارة بالمشروع الفارسي و تارة بالمشروع القومي العربي . إن الدفاع عن العروبة هو كلمة السر التي تحمي المشروع القومي من كل التشوهات و تضمن لسفينة المقاومة العربية أن تسلك الطريق الصحيح نحو التحرر و الاشتراكية و الوحدة.


إن ما حققته المقاومة العراقية من انجازات عظيمة هو ملك للأمة و ما حققته المقاومة الفلسطينية المجاهدة في معركة غزة من مكاسب ثمينة هو ملك للأمة ولا يحق لأي متطفل على القضية العربية أن يجنى ثمرة نضال دام عشرات السنين و توجته المقاومة العربية الباسلة بانتصارات باهرة. أن المكاسب العظيمة التي أنجزها شعبنا العربي في العراق و فلسطين و لبنان هي دين في رقبة كل مجاهد و كل مثقف عربي أينما يوجد من مراكش إلى البحرين . و إذا لم يتفطن المناضلون القوميون العرب بأن العراق و مقاومته الباسلة هو اليوم حارس المشروع القومي العربي و هو مهندس نهضة الأمة و تحررها و هو القادر على صياغة الخطط المرحلية و تحديد الآليات المناسبة بفضل تجربته الثرية و العميقة التي مكنته من امتلاكه جهاز استشعار فكري و سياسي يرصد الخطط المضادة التي تعدها فيروسات تفتيتية تعمل على نخر جسم الأمة و ضرب أسسه العروبية و الوحدوية، إذا لم يتفطن المناضلون العرب إلى هذه الحقيقة فإن جزء من المقاومة العربية سيوظف كورقة لإعداد مشروع تفتيتي سرعان ما يتحول إلى خنجر يغرس في خاصرة المشروع القومي العربي . بعد كل هذا اسمح لي أيها الأستاذ أن أحيل الكلمة إلى أخوتي في العقيدة و الانتماء . يا أيها القوميون العرب ، إليكم الكلمة.


أستاذنا العزيز
سنبقى نستلهم من كتاباتكم المنيرة التي مكنتنا من شرف مصاحبتكم على مركب النضال الفكري . و سيسجل لكم التاريخ الدور الحاسم في توجيه الصراع الفكري في اتجاه خدمة المشروع القومي العربي بعد تنقية فكره من مزالق نصبها المثقفون القابضون بالدولار الأمريكي أو الشيكل الصهيوني أو التومان الإيراني.


تقبل خالص التحية و السلام.

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٢٤ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢١ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م