قراءة لبعض سمات خطاب القائد عزة الدوري في ذكرى تأسيس الجيش العراقي الباسل

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي

لكي يكون مدخلنا في تحليل الخطاب التاريخي الذي ألقاه القائد الأعلى للقوات المسلحة وقائد جمع المؤمنين المقاتلين في جبهة الجهاد والتحرير البطلة مدخلا غير تقليدي ويرتقي الى مستوى الاهداف العظيمة والمضامين الوطنية والقومية, الآني منها والمستقبلية, نرى ان نتعامل مع الخطاب كوحدة واحدة، رغم انه جاء بصيغة رسائل متعددة ذلك لان جميع الرسائل تتوحد بعبقرية خطابية ظاهرة وواضحة لتقدم لوحة للعراق المقاتل المقاوم والعراق المنتصر والعراق المحرر.

 

امتاز الخطاب بلغة قوية وواضحة وباستخدام استدلالي عميق لكل كلمة وردت فيه بحيث يستحيل ان تحذف كلمة واحدة او عبارة واحدة من الخطاب دون ان تؤثر على بناءه الاجمالي ووحدة تركيبه الهندسية. ان الاشارة الى هذا البناء المتكامل المتوحد لا يمتلك حيويته اللغوية المجردة على اهميتها بل وايضا يدل على عقلية مبدعة وذهنية صافية وايمان مطلق بالكلمة كوسيلة لتحقيق الغايات وابلاغ الرسائل. ان هذه الوحدة التركيبية الهندسية المبدعة إن هي الاّ تعبير عن علو وسمو الذات في توحدها مع الغايات المجردة عن الذاتية والشخصانية حيث يصبح البعد الوطني وهموم الشعب والبعد القومي وهموم الامة والبعد الانساني وهموم الانسانية وكأنها هرمية متصاعدة في تسلسلها وتعبيرها عن مكنونات المتحدث واتساع قواعده الفكرية الى ما هو أكبر وأوسع من محيط قد يكون بسعة ثقب الابرة إن قورن بجغرافية العالم ذاك الذي يتحرك ضمن مدياته وهو يقود اضخم عمل عسكري مقاوم عرفه تاريخ الشعوب المكافحة بعد ان احنى ظهر اضخم واشرس واعتى احتلال قامت به قوة متجبرة طاغية غاشمة.

 

البعد الانساني والهم القومي والوجع الوطني تتوحد كلها في كينونة وصيرورة متفردة تعبر عن روح البعث العربي الاشتراكي الذي يقوده عزة الدوري بشجاعة ورباط نُحسد عليها بعد ان انتصر البعث في مواجهة جريمة الاجتثاث الفكري والاجتثاث الكياني المادي البشري, وبعد ان انتصرت المقاومة البطلة في اسقاط اميركا عسكريا واقتصاديا في وديان سحيقة.

 

الخطاب الى اوباما والادارة الامريكية الجديدة يحمل اهميته العظيمة في اسقاط تساؤلات المخرصين عن المقاومة وقيادتها العسكرية والسياسية ويعلن دون لبس .. نحن رجال البعث والقوات المسلحة البطلة وفصائل الجهاد الوطنية والقومية والاسلامية المنضوية الآن، وتلك التي تسير في طريق التوحد باذن الله مع جبهة الجهاد والتحرير هم رجال القتال الجهادي البطولي ونحن ايضا ذراع المقاومة السياسي ... ألا يعرفنا المحتل واعوانه؟ ألسنا مَن اذاقهم مرارة الفشل والهزيمة والخسران؟ انهم يعرفون فعلنا المؤمن في ساحات العراق العظيم ويعرفون مواقفنا الصلبة التي لا تعرف المساومة ولا المناورة ولا المتاجرة في قضية طرد الاحتلال وتصفية التفريخات السياسية المريضة للاحتلال.

 

خطاب يفتح ابوابا كانت مغلقة ومنافذ كانت موصودة بوجه الشيطان بوش السفاح وادارته الصهيونية والمتصهينة المجرمة ويأتي بعد ان امتلكنا نواصي الاقتدار واسسنا الارضية التي تؤهلنا لفتح هذه الابواب فتح مقتدر, حكيم, منتصر باذن الله. وبفتحها نكون قد اكملنا حلقات الفعل الثوري البطولي الشمولي المستند الى مناهج الفكر ومعطيات الميدان المعروفة في محكم سير العمل الجهادي المقاوم، وبفتحها ايضا نكون قد اكملنا حلقة اتصالنا الانساني واعلنا بالكامل عن هويتنا .. لمن كان يريد ان يعرف .... حتى لو كان مغرضا حاقدا مرتجفا خائفا بائسا يائسا.

 

وبذات طريقة التكامل التي اشرنا اليها في البداية يكون الاعلان عن خطة التسامح والانفتاح الانساني والوطني على كل من يستطيع ان يربو بنفسه عن مسارات العمالة والخيانة ويجد لنفسه مقاما جديدا يغفر له الله سبحانه ما ارتكبه من خطايا وذنوب بحق وطنه وشعبه فيكون العفو عنه عفو مقتدر والصفح عنه صفح كريم. ان خروج العملاء من مسارات العملية السياسية الاحتلالية المجرمة بعد ان اتضحت ملامحها وتبين للجميع انها خيوط عنكبوت لا يستطيع لمن يسقط في ثناياها ان يؤثر فيها ايجابيا كما تخيل البعض بل انها ستسحبه الى الحضيض ولا يمكن ان يكون حسن النية منهجا يتعامل به الاحتلال وعملاءه، فهم اهل اجندات محددة وان لم يوقفوا بقوة السلاح ووحدة الممانعة والمواجهة فانهم لن ينثنوا قطعا عن اتجاهات فعلهم القبيح المجرم.

 

الخطاب يفتح ذراع العراق المحَرّر لكل ابناءه ويعلن عن سياسة جديدة في تاريخ العراق الحديث هي سياسة تنهي الثارات الدموية ومسالك الحسابات الحزبية وتصفية الحسابات بكل اشكالها وانواعها. هذا هو منهج العراق الذي ستنتجه المقاومة الباسلة وهذا هو اطار وامتدادات الدرب الديمقراطي القانوني المؤسساتي الذي احتوى تجربة العراق والامة الحديثة وتفاعل بحيوية مع العصر ومعطياته.

 

الدعوة لعودة مجاهدي البعث وابناء القوات المسلحة البطلة هو الطريق لتعزيز المقاومة وتجذير دورها ورفدها بخبرات تعرفها القيادة في عقول وسواعد الرجال الذين اجبرتهم الظروف على المغادرة. انها دعوة تاتي في اطار تكامل الخطاب وعمق تجلياته وابعاده الفكرية والتطبيقية. ان عودة الرجال الآن ستمنحهم شرف المساهمة في كتابة الصفحات النهائية من كتاب التحرير وبما يهبهم الاعتداد بالنفس وتجاوز مظاهر الانكسار النفسي التي رافقت هجرتهم واغترابهم وهم مَن اعتاد الكبرياء وعزة النفس وعلو الشأن في كل مفردات الحياة. انها دعوة تتلاقى بعبقرية مدروسة مع اجزاء الخطاب المرتبطة بدور الجيش البطل ودعوة اوباما للخروج من شرنقة العدوانية الظالة ويدعمها باحاطة مدركة وواعية ومصوبة للمدد الهائل الذي تمتلكه المقاومة كاحتياطي قائم وبكفاءات تعرف اميركا واعوانها اهمية ما يمكن ان يضيفه عند دخوله في اطر الجهاد المختلفة.

 

واخيرا .. جاءت الوقفة عن الموقف من غزة وفلسطين ... رسالة المناضل القومي الذي افنى حياته وادار دفة البلد مع رفيق دربه الخالد صدام حسين رحمه الله بتفاصيل كانت فلسطين واغتصابها تحرك كل مفرداتها وتوجه فعلها ورد فعلها، فقال ما يجب ان يُقال من غير اسفاف ولا مباهلة ولا منة. قال ما هو اعادة للتذكير بالحقائق المرتبطة بذلك الدور التاريخي الرائع والحيوي لشهيد الحج الاكبر رحمه الله الذي لو كان موجودا لما تجرأت الصهيونية على ابادة غزة ولما تمكن الجبناء من الركون الى صمتهم المريب وتواطئهم المعلن والضمني مع زخ البارود المنصهر على الاطفال والنساء والشيوخ والعزل في غزة.

 

واكد الخطاب على وحدة الكفاح بين المقاومة العراقية والمقاومة المسلحة الفلسطينية وان الفعل الجهادي البطولي الموجه ضد اميركا إن هو الاّ مشاركة فعلية للقتال الى جانب ابطال غزة لان العدو مشترك واهدافه وغاياته غير منقطعة الصلة بين بغداد وغزة.

 

ولعل من المهم بمكان ان نذكر ان الخطاب قد تعشق بعضوية واستمد رؤاه وتصريفاته من استراتيجة المقاومة والتحرير ولم يتعارض معها في أي شأن كان بما في ذلك الدعوة الحكيمة والمدروسة بعناية الى فتح باب التفاوض مع الادارة الامريكية بشرط ان تعلن الانسحاب الكامل من العراق وهكذا تفاوض بالنتيجة والمحصلة النهائية امر حتمي وبديهي بين الاحتلال من جهة وقوى المقاومة والتحرير من جهة اخرى لاستعادة السيادة كاملة وفق اشتراطات المقاومة واخذ حقوق الوطن كاملة غير منقوصة واخذ حقوق المواطنين كاملة غير منقوصة ..

 

تحية تقدير ومحبة واعجاب الى القائد الواضح الصريح الشجاع المتسامح برحمة الوطن والوطنية.

 

تحية وفاء وعهد للمجاهد الكبير ورفاقه في الميدان على ان نظل امناء على مقاومتنا البطلة واهدافها السامية النبيلة في التحرير الكامل واخذ كل استحقاقاتنا من المحتل المجرم.

 

عاش شيخ الجهاد ورفاقه الابطال

عاشت مقاومتنا البطلة حتى النصر والتحرير الناجز باذن الله

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ١٤ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١١ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م