حزب البعث العربي الاشتراكي تحت دائرة القصف وينهض كالعنقاء

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي

حزب قومي عروبي, مؤمن بوحدة الامة العربية من المحيط الى الخليج واستمات عبر الستين سنة الماضية في تقديم نموذج تطبيقي على الارض يبرهن على انها حقيقة وليست حلم. قد تكون محاولات البعث في هذا المضمار قد عثرت هنا او هناك, لا بأس, الاّ ان جهوده قد تكللت بتجارب وحدوية لا يستطيع أي باحث ان يتجاوز حدوثها حتى لو سجل عليها بعض عيوب. والبعث فكر قومي تحرري يناضل من اجل تحرير الوطن العربي من الاستعمار ومن نتائج الاستعمار الاجتماعية والسياسية والثقافية التي ادت الى الفقر والجهل والتشرذم واحتلال استيطاني في فلسطين والاحواز وجزر خليجية ومناطق في المغرب العربي. والبعث حزب عدالة اجتماعية (اشتراكية) يوفر فكرة ارضيات التكامل العربي الاقتصادي الصحيحة ورفع مظالم توزيع الثروة بين ابناءه التي تؤمن التجانس الاجتماعي والثقافي الضرورية للتوحد.

 

البعث يرى في القومية العربية هوية انسانية للعرب سماتها المعروفة ازلا تتكلل بالحب كنقيض للشوفينية والشعوبية وان هذا الحب ليس مجرد شعور فطري انساني بل هو فلسفة تمتد مقوماتها من روح القومية العربية (الاسلام).

 

وكان ولا يزال موقف البعث من تسييس الدين احد ابرز علاماته الفارقة، فالبعث ليس حزبا دينيا ولن يكون حزبا دينيا، ليس لانه حزب ملحد او حزب ملحدين والعياذ بالله بل لانه يرى ان تسييس الدين في هذا الزمن ووفق صيغ التسييس الفئوي المذهبي لا يخدم الامة ولا ينفع الدين الحنيف بل يسيء لتعاليمه السمحاء.


البعث يتعرض لهجوم ياتي مصد النار منه من جهتين او جبهتين على الاقل:


الجبهة الاولى: تتزعمها اميركا من يوم قام البعث بتأميم النفط العراقي عام 1972, ويتمترس معها الصهيونية وكيانها المسخ في فلسطين المحتلة وايران منذ انطلاق ثورة البعث في العراق عام 1968والى يوم احتل العراق ودخلت مع الاحتلال كل الاحزاب الطائفية (شيعية وسنية) والكردية وغيرها من الشخصيات والكيانات التي ادخلها الاحتلال من عملاءه الذين جمعهم عبر ثلاثين عاما.


الجبهة الثانية: عربية رسمية و حزبية اسلاموية، وتتمثل بكل الانظمة العربية التي انخرطت في خط التسوية الاستسلامية مع الكيان الصهيوني وظل العراق يشاكسها ويعرقل سياساتها ويخترق ويمزق خططها التآمرية على الامة العربية وقضاياها المصيرية ومع هذه الانظمة تداخل موقف التيارات السياسية التي تحمل الدين او الطائفة، كمسلك او غطاء لنموها السياسي.
من المعروف ان الحرب هي الحل الملجئ للسياسة عندما تعجز كل الوسائل السلمية، والمعروف ايضا ان السياسة تلجأ للحرب عندما تتقاطع المصالح بشكل حاد يقرر احد طرفي التناقض او كليهما ان لا جدوى من انهاء التناقض الا باستخدام السلاح. وهكذا توافق عام يقود الى تثبيت حقيقة مطلقة وهي ان اميركا قد وصلت الى قناعات التقاطع التام واليأس المطلق من ان تتوافق مع حزب البعث العربي الاشتراكي فكرا وتطبيقات مؤسسة على عقيدته وفكره. فأين هي نقاط التقاطع والاختلاف التي قادت للغزو كنتيجة نهائية:


اولا": البرنامج الاشتراكي للبعث الذي قرر تاميم شركات النفط وطرد الشركات الاجنبية واستقرار العلاقات النفطية بين العراق ودول العالم وفق قواعد الشراكة الدولية المتكافئة. لا اظن ان هناك من يجادل على اسس علمية او منطقية على ان التاميم فعل وطني عملاق وان رد الفعل السلبي عليه تطلب ويتطلب عملا من طراز خاص في التخطيط بعيد المدى مثلما يتطلب تنفيذا يقف على ادوات غير تقليدية.


ثانيا": وضع وتنفيذ برامج التنمية التي اوضحت خط سير ينقل العراق, بعد تحقيق اسس وحدة وطنية راسخة, الى مصاف الدول المتقدمة في كل مناحي وروافد الحياة. ومعها خطط طموح تربط مفردات وحيثيات التطور العراقي مع افقها القومي العربي تماشيا وانسجاما مع رسالة الحزب القومية.


ثالثا": اضطلاع العراق القوي, الباني لدولة منيعة عسكريا واقتصاديا, المستقر بدور عربي يقاوم خطط الامبريالية _ الصهيونية في تركيع الامة العربية وقبول الكيان الصهيوني المغتصب لارض فلسطين كحقيقة نهائية. وكذلك المؤثر في المنظومة الدولية ككل والموظف لهذا التاثير الهائل والمجيّر له لصالح قضايا الامة العربية.


رابعا": تمكن العراق من اسقاط كل انواع المؤامرات المحلية والاقليمية بما في ذلك تمكنه من اجتياز محن كبرى خطّط لها ونفّذت بادوات وقوى كانت التقديرات بان العراق لن يتمكن من مواجهتها وعبورها سالما معافى رغم ثخن الجراح وجسامة التضحيات مثل حرب السنوات الثمان ضد الغزو الايراني وحرب الكويت، الامر الذي ارغم اميركا على الهجوم المباشر بشيبتها.


كل هذه العوامل وسواها تفاصيل كثيرة جعلت اميركا المكلفة بحماية الكيان الصهيوني والمتطلعة لسيادة تامة ومطلقة على العالم ومراكز الطاقة والثروة الاستراتيجية فيه ومنها وفي طليعتها النفط والمتمترسة خلف حشد داخلي ودولي داعم لها في ما عرف باستراتيجية مكافحة الارهاب وانتشار الاسلحة الكتلوية ذات التدمير الواسع ان تضع حزب البعث العربي الاشتراكي ودولته العربية المسلمة المتقدمة التي بناها في العراق وقيادته التاريخية التي اسست لاجيال مؤمنة بالامة ووحدتها وحقها في النهوض وحقها في انهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين في قائمة اولويات الصقور الصهاينة الامريكان لغزو العراق واسقاط آخر صرح عربي مقاوم واجتثاث الحزب الذي تمكن من الصمود اكثر من ثلاثين عاما بوجه التآمر ووسائل التدمير والحروب التي خططت لها الصهيونية وحماتها وادواتها المحلية والاقليمية.


نحن ننتهي بهذه الحقائق ليس لاننا ننتمي او نؤيد حزب البعث العربي الاشتراكي بل لان القاصي والداني بما فيهم عملاء اميركا يقرّون بان اميركا تحمي الكيان الصهيوني وتستميت من اجل ضمان امدادات النفط بابخس الاسعار وضمن سياقات سيطرة مطلقة عليها ... كلا العاملين يتداخلان عضويا ولا اميركا ولا غيرها يمكن ان يتناقض معها او ينكرها ..


(البعث اذن عدو استراتيجي ميداني للاطماع الامريكية وليس للمصالح المشروعة المتكافئة وعدو ميداني للكيان الصهيوني ووجوده المسخ في قلب الامةوبرامج البعث المؤسسة على سياساته وعقيدته القومية العروبية المسلمة التحررية لا تلتقي بأي حال ولا بأي سبيل مع استراتيجيات اميركا في المنطقةوهذا ليس ادعاء بل برهنت عليه اميركا في قوانين اجتثاث البعث سيئة الصيت وحل الجيش العقائدي العراقي المتشرب بعقيدة الامة الواحدة والتحرير الناجز لكل ارضها وثرواتها وارادتها وحل مؤسسات الدولة العراقية كاملة لانها مبنية على العقيدة القومية العروبية المسلمة البعثية بعد الاحتلال المجرم ).


وحيث ان العداء الامريكي الذي تراكم وتصاعد ونما عبر خمس وثلاثين عام قد اوصل اميركا وادارتها المتصهينة الى اتخاذ اوجع واقذر ذروات السياسة الملجئة للمواجهة المسلحة وتنفيذا لتقاطع مصالح، ارتقى وتعاظم فوق امكانات الاحتواء السلمي, فان فهمنا وتفهمنا لجبهة اطلاق النار على البعث من هذا المحور لا يقودنا الى أي اشكال فكري او عقائدي او قانوني.


غير ان الاشكال الحقيقي الفكري والعقائدي والاجتماعي والسياسي يطرح حاله بحدة وعنف عندما ننظر الى مصدر اطلاق النار الثاني وهو الاحزاب التي تدعي الدين او الطائفية الدينية كاسلوب للوصول الى السلطة او لتشكيل مؤسسات الدولة. هذه الاحزاب والتيارات برمتها, الشيعية والسنية والدول التي تقف وراءها في اغلبها وخاصة من جهة شرق الامة حيث تمكث جارتنا ايران, تدّعي انها ضد الامبريالية والصهيونية وضد الاستعمار ونهب ثروات الشعوب .. فلماذا تعادي حركة الثورة العربية المعاصرة وطليعتها الفكرية والتنفيذية حزب البعث العربي الاشتراكي؟

 
ان بوسعنا ان نحتوي ونفهم مكونات الاصطراع والتضاد الفكري بين هذه الاحزاب وبين البعث في حالة السلم وفق ممكنات واحتمالات التنافس على ساحة تطبيق الاهداف والاجندات السياسية .. غير ان المنطق كله يجافي الاصطفاف المقصود او غير المقصود بين هذه التيارات والاحزاب الدينية او الطائفية وبين اميركا واسرائيل من جهة اخرى ... ان حيثيات التصادم بين اميركا واسرائيل من جهة وبين البعث من جهة اخرى هي ذات الحيثيات التي تدّعي القوى الاسلامية انها تعادي اميركا والصهيونية من اجلها ... فلماذا لا تحاول هذه التيارات ان تلتقي مع البعث حتى بعد ان ذبحت تجربته في العراق وصدر قانون باجتثاثه فكريا وماديا من قبل اميركا والصهيونية ولو على قاعدة عدو عدوي صديقي؟


ان الاستنتاج الحتمي الذي يفرض حاله هو ان اللقاء قائم ضمنا وعلنا بين اميركا واسرائيل من جهة او كجهة عداء وصل الى الحرب مع البعث وبين ايران وتياراتها السياسية والمليشياتية العاملة تحت أمرة اميركا او بالتنسيق معها والاحزاب والتيارات المحسوبة او التي تتستر خلف حجاب الطائفية السنية السياسية. ومن يستطيع ان يخرج حاله من وحدانية مربع الانطلاق بالعداء فانه لا يمكن قطعا ان يخرج حاله من العمالة او النفاق.


اننا حين نتحدث عن البعث في مثل هكذا مضامير حديث فليس لاننا ننتمي اليه ويشرفنا هذا الانتماء بكل مقاييسه العقيدية والاخلاقية، بل اننا نتحدث عن مكون حي ومهم من مكونات حركة النهضة العربية وسندافع عن أي فصيل او تيار او حزب عربي مسلم يتعرض لما تعرض له البعث لاننا نرى ان العدو المشترك الذي يحرم وضع اليد بيده بأي حال من الاحوال هو اميركا والكيان الصهيوني المجرم. وما زال في الضمائر رجاء ان تعيد الفصائل الاسلامية قراءة الاحداث في مرحلة ما بعد احتلال العراق وتغادر عداءها المتلاقي بما لا يليق بها مع الامبريالية والصهيونية لتتوحد جبهة المقاومة ضد محور اميركا والصهيونية ولا نستثني النظام الايراني من هذا النداء اذ على هذا النظام ان يعي ان دوره الاقليمي مرحب به من قبل العراقيين والعرب شرط ان لا يكون على حساب احتلال العراق باي صيغة من صيغ الاحتلال وليس على حساب اقطار الامة العربية وان تُدرك قبل فوات الاوان بان اللعب على مقدرات العرب حبله قصير وستكون ايران اكبر الخاسرين إن لم تسحب ذاك الحبل اليوم قبل غد.


البعث حركة تاريخية نابعة من حاجات الامة ومقومات وجودها وسيبقى خالدا خلود الامة .. وعجبا ان يرمي البعث والبعثيون بالانهزام قوم في محيط دائرة الاستهداف والقصف ويرميهم بالارهاب وحمل السلاح قوم في محيط نفس الدائرة البليدة الغاشمة بحيث يحار الكثير من غير العارفين بجغرافية الدائرة لاي القومين يصدق. ونحن نقول ... البعث ولد حزب جهاد ويمضي حزب جهاد حتى تتحقق اهداف الامة العظيمة في الوحدة والحرية والاشتراكية.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد / ١٣ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٨ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م