رسالة إلى صدام حســـــــــــــين

 

 

شبكة المنصور

ماجدة علوية

منذ سنوات طوال، بل منذ 9/ 4/ 2003 تحديداً، صمت قلمي عن الحديث وصرخ ألمي لفرط ألمه.


في ذلك اليوم الكئيب الحزين كم بكيت وأنا أرى بغداد الحلوة، أميرة المدن وعروسها تدوس ملامحها الجميلة نظرات الغزاة المنتشية بشيء حسبوه نصراً ترافقهم جموع من الخونة من الذين باعوا العرض قبل الأرض، وأدمنوا الذل والمهانة وهم يقفون على أبواب أسيادهم من الأعاجم من صفويين أو صهاينة أو سقط المتاع.


أأندلس جديدة أنت لهذا الزمن الرديء؟ أم تركت "لجياع وجاهة"، بك يريدون تأسيس مجد خائب سيأخذهم معه إلى حيث يقبع أبو رغال، ومسيلمة، وكل من لفظته أمته من قبل ومن بعد، إماً خائناً أو زنديقاً أو فاسقاً، أو منتهكاً لمحارم، أو مدنساً لشرف أهله وعشيرته، أو باحثاً عن نسب وعبثاً يحاول!


الله، الله يا بغداد، أم أدعوك بكدادا التي عشقها العراقيون الأوائل، أم الزوراء، أم المدينة المدورة، أم مصنع الثوار ومنارة العروبة أم بأي اسم أناديك، كلها لك وهناك أكثر منها كنت أقرأها منسوخة في عيون كل من أعرفهم.. يا درة تاج الزمان أين أنت الآن و أين نحن.


كلما حاولت الكتابة عن اثنين يصمت قلمي: صدام حسين وبغداد حبيبتي، وطني، تهرب الكلمات وتخفي وجهها بين أصابعها مهابة وخجلاً لمقامك أيها البهي في حياتك والأكثر بهاءً في (........) الكبير المدوي.  لم أجرؤ يوماً على التفكير في غيابك، فكيف أجرؤ إذن عن الكتابة فيه أو عنه؟.. لم تطاوعني أصابعي، وقلمي لما يزل صامتاً يبحث عن كلمات لينطقها،  توسلت إليه ليرسم كلمة، قال لي: و هل تختصر كلمة مني كل هذا الألم.. قلت: فلنحاول.. وهكذا حاولنا وكتبت بشروط من يحبك، يا حاضراً لم تغب يوماً ولن تغيب.


إليك أكتب لا عنك، لا عن ذكرى مرت في حياة كنا نعيشها ذات يوم وانتهت أيامها، بل عنك يا سيداً في زمن كثر فيه العبيد، نعم كنت ومازلت وتبقى سيد زمان، هو لك ولم يكن لغيرك أبداً هكذا أراد له الله. انظر لما حولك سيدي، انظر لحبيبك العراق من بعدك، كيف هو الآن وأي حال يعيش.. لآخر لحظة كنت تردد اسمه، وهو للآن لما يزل يغني لك تلك الأناشيد، " إثبت يا عكال ( عقال ) الراس هو عراكنا ( عراقنا ) شوية، إثبت يا نخل يا ماي هذا عراك أبو عداي"، وغيرها و غيرها.


حتى الآن لم تزل بيوتنا ترفع علم "صدام حسين"، بنجماته الثلاث والله أكبر التي خطها قلمك. حتى الآن تغسل مويجات دجلة شريعة بالجعيفر وقفت عندها متأملاً سحر المكان.


انظر سيدي ما فعلوا ببغداد حبيبتك وعشقك الكبير، لقد حولوها إلى ساحات يرفعون فيها بيارق خيباتهم، خضراء وحمراء وسوداء وصفراء، لكل خيبة لونها، أما شوارعها فسجون مفتوحة الأسقف يقف عند أبوابها سجانون أفواههم تتقاطر منها دماء الأبرياء وتصرخ: هل من مزيد.


كنت توبخ كل من يقتلع شجرة أو نخلة، ولأن النخلة رمز لعراق أحببته أنت، انظر في كل شارع مجزرة لنخيل يئن وآخر يحتضر. حتى طيور المساء هجَروها، هدموا أعشاشها وقتلوا ذوات الزغب منها.


انظر لعمائمهم تخرج من بين ثناياها أنياب شياطين تبيح الغواية وتدفع بالاتباع والرعاع والبلهاء إلى هاوية ما أن سقطوا فيها حتى ارتحل الركب بعيداً عنهم ليخلفهم وراءه وهم يجدون لذتهم في التمرغ في طين أشار لهم شياطينهم بأن عليهم به لإرضاء المنقذ!


انظر سيدي أيها الحاضر أبدا كيف يسير العراق، الذي رسمت له معبراً لعالم من نور وكرامة وعزة، انظر إليه الآن كيف يقاد إلى ممرات ودهاليز تملؤها الظلمة وخفافيش سراديب حوزة السيستاني وجوقته.


انظر إلى العراقية الآن كيف تهان وتباع في سوق نخاسة الحوزة من أجل متعة أحفاد كسرى، ولا غيرة تتحرك و لا شارب يهتز!


انظر سيدي إلى أطفال العراق، فيتيمهم زاد يتماً بغيابك، وابتلعتهم الشوارع بعد أن كانت يدك الحانية تمسح على رؤوسهم في قرية الأطفال التي شيدتها لهم.. أخرجوهم منها وجاءوا بمومساتهم من إيران وغير إيران لتكون مستقراً لهم بعد اغتصابها من الأيتام الذين أوغلوا في قهرهم عملاً بكلام الله: بسم الله الرحمن الرحيم (أما اليتيم فلا تقهر)!. أنهم بعيدون عن الله قريبون من الشيطان وأتباع الشيطان.


أنظر إلى البطون الخاوية التي كل ليلة تبيت على الطوى بينما يملأ الخائنون خزائنهم بمال العراق، ويهرعون به إلى أسيادهم في إيران، خمس خامنئي ونجاد وصولاً إلى زرادشت!.


انظر سيدي كيف توقد النار المجوسية في أرض السواد من جديد بعد أن أطفأها الله في يوم مولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، أرض السواد التي فتحها عمر و اختارها بعده علي لتكون عاصمة الخلافة الإسلامية.. وكيف يسخر العالم من شعبنا الذي كان بحضورك لا ينظر إليه إلا على أنه شعب سومر وبابل وأشور والحضارة العربية التي كانت بغداد موطناً لها على مر الزمان.


أنظر سيدي إلى العلم الذي كان وباعتراف أعدائنا، أننا في زمن الحصار كنا نملك ألف عالم، أما الآن فالعلم مستباح والشهادات تباع على قارعة الطريق،  ولا شهادة تعلو على شهادة من حوزة قم أو من أحزاب جاءتنا مع ( السادة) الذي لم يعيشوا إلا عبيداً لأسيادهم في قباب قم ودرابين مشهد.
 
سيدي الألم طوفان يغرقني ولا عاصم، في كل غصة تعتصر قلبي الموجوع أبداً بغيابك، تبحث عيناي عنك لعلي أشفى من وجع صار رفيقاً أحمله في كل مكان أذهب إليه.


بغيابك، بغداد لم تعد بغداد التي أعرف، كل مساء عند غروبها العتيق أغمض عينيَ وأعود بها من جديد وكأنك فيها، ويتصاعد إلى روحي صخبها وأنوارها ورائحة حرمل مساءات الخميس في حاراتها وشموع الخضر عند شرايعها، و أنت يا باسقاً مثل نخيل بساتينها بيننا، تصد عنا الريح تلو الريح لننام مليء جفوننا ونحضن أحلامنا ليوم جديد آخر تستقبلنا ملامحك فيه ونبدأ بسم الله والوطن وصدام حسين. 

 
نتوق إليك كلما مر ببغداد أسى شفيف.. سيدي صدام حسين، حي و حاضر سيبقى أبداً بوجداني بل بوجدان وطن بأكمله و لا أجرؤ على التفكير بغير ذلك.


والسلام ختام.

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد  / ٢١ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٨ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م