مجزرة ''الرصاص المسكوب'' إعدام شعب وتصفية قضية !

 

 

 

شبكة المنصور

محمد العبد الله

المذبحة التي بدأت فصولها الجديدة منذ ظهر يوم السبت الأسود الدامي، لم تكن حدثاً مفاجئاً واستثنائياً، بل كانت كل المقدمات تؤكد حصولها القريب. والجميع كان يتوقع شرارتها بين لحظة وأخرى، منذ أن نعقت مجرمة الموساد" ليفني" أثناء مؤتمرها الصحفي في مصر مع أبو الغيط، بعد لقائها مع الرئيس حسني مبارك، بصوت الخراب القادم "كفى ...كفى" وهي توجه سمومها اللفظية للمقاومة في غزة، وذلك قبل بدء المذبحة بثمان وأربعين ساعة. تنفيذ المجزرة الجديدة تجاه القطاع لم يكن وليد لحظة انتهاء تلك التهدئة "الهادئة والسلسلة"، لأن برنامج عمل الطواقم الحربية على مدى الستة أشهر، كان يخطط من أجل العمل على سحق قوى المقاومة، ودفعها للاستسلام السياسي الكامل. وقد ظهرت بعض ملامح هذا المخطط من خلال عمليات الاغتيال والإغلاق والحصار. هذه التهدئة التي خرقتها حكومة العدو195 مرة، سقط خلالها 23 شهيداً و62 مصاباً و38 معتقلاً داخل قطاع غزة. أما في الضفة الفلسطينية، فقد بلغت اعتداءات الاحتلال خلال الشهور الستة ذاتها أكثر من 1260 اعتداء، سقط خلالها 21 شهيداً وأصيب بجراح حوالي 250 مواطناً، وتم إلقاء القبض على أكثر من 1110 مواطنين. جاء الموقف الوطني بعدم تجديد تلك التهدئة الخاضعة للشروط الصهيونية، واقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي للبرلمان الصهيوني في شباط/فبراير القادم ، ليشكل عوامل تحفيز جديدة للبدء بالمذبحة. فكلما امتلأ صندوق الإقتراع بالأشلاء والجثث الفلسطينية، إقترب المرشحون الأكثر دموية من الفوز بمقاعد أكثر. ولهذا يتبارى قادة الجيش والأحزاب أمام الإعلام بالتصريحات المرعبة عن الإبادة الجماعية، والتي تأتي معبّرة تماماً عن العقيدة اليهودية الصهيونية على مدى عشرة عقود. إن الحديث الذي أدلى به اللواء "دان هرئيل" نائب رئيس الأركان في اليوم الثاني للمذبحة أمام أحد المؤتمرات يلخص تلك الوحشية(بعد انتهاء مهمة جيشنا في غزة... لن تجدوا بناية واحدة واقفة). لكن التصريحات المتتالية لقادة العدو خلال الأيام الماضية تشير إلى أن الهدف الاستراتيجي يتحدد في انهاء الوجود المقاوم في القطاع. حاييم رامون يقول(سنوقف الحرب على غزة إذا استلمت جهة أخرى غير حماس زمام الأمور). أما ليفني فتتحدث بلغة أكثر دبلوماسية و "حضارية"( نقوم بالعملية العسكرية من أجل بناء عالم حر وتأمين السلام للجميع) هذا السلام الذي يراه العالم الآن وهو يبنى على جماجم الأطفال والنساء، وأشلاء الشيوخ والشباب، إنها هنا تعيد استنساخ تلك العبارات اللزجة التي أطلقتها كونداليزا رايس أثناء العدوان على لبنان صيف 2006 حين بشرت بولادة عالم جديد أكثر حرية وديمقراطية ! شاهدنا دماء مخاضه في مجازر قانا ومروحين والضاحية الجنوبية لبيروت.


على الرغم من توقعات قوى المقاومة باقتراب ساعة الهجوم، فإن عدة إشارات أرسلت لقيادة "حماس" كانت كفيلة بتحقيق بعض النجاحات لسياسة الخداع المبرمجة، التي توزعت أدوارها وأشكالها على أكثر من جهة، من خلال تسهيل مرور بعض الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية قبل يوم واحد من العدوان، أو التطمينات التي نقلتها اتصالات بعض الشخصيات المكلفة بالملف الفلسطيني من داخل الحكومة المصرية، لبعض القيادات داخل غزة، من أن الضربة العسكرية مازالت بعيدة نسبياً، في خطة مدروسة ومتفق عليها، أطلقت عليها صحف العدو مصطلح "عملية التمويه". بالإضافة لاعتقاد "البعض" واهماً بأن يوم السبت برمزيته الخاصة عند اليهود، لن يكون مناسباً للتحرك العسكري! وهو ماوفر لبعض المسؤولين فرصة الإحتفال بتخريج دفعة جديدة من ضباط الشرطة، والتي أدهشت بتوقيتها_ في ظل التهديدات والتحركات العسكرية المعادية منذ عدة أيام _كل المراقبين، بل وأبناء الشعب الفلسطيني. لقد قام العدو وحسب الخطة المقررة، بتوجيه ثمانين طائرة هجومية، مقاتلة وقاذفة لتستبيح سماء القطاع، قامت أربع وستون طائرة منها، وبوقت واحد، بإلقاء أكثر من مائة طن من المتفجرات على عشرات المقرات والمؤسسات الأمنية والخدماتية في القطاع، بهدف تحقيق نسخة حديثة من "الصدمة والترويع" الصهيونية، المستوحاة من العقيدة العسكرية الإجرامية التي مارسها العدو الأمريكي في غزو العراق عام 2003. تعيد انتاج الدمار الرهيب الذي شهدته مربعات "الضاحية الجنوبية" لبيروت أثناء عدوان تموز 2006.


بعد مرور عدة أيام على الجريمة، ومع اتساع رقعة القصف الجوي والبحري لتشمل عدة أهداف مختارة من "بنك المعلومات"، التي تشير بعض المعلومات الراشحة من تداولات أطراف المجزرة المحلية والاقليمية، "المرتاحة" و "المؤيدة" لتنفيذ المهمة العدوانية القذرة، إلى وجود أكثر من أربعمائة هدف محدد للتدمير، معظمها يخص قوى المقاومة في القطاع "مؤسسات أمنية/خدماتية، تشكيلات مقاتلة، مراكز إعلامية". وهذا يقودنا إلى التأكيد، استناداً على الخطاب الإعلامي، والتحرك السياسي الرسمي لبعض الحكومات العربية، وسلطة رام الله المحتلة، على التواطؤ المكشوف، بل والمشارك، عبر تحميل قوى المقاومة الدور الأساس في التشجيع على العدوان، أو من خلال الصمت والتعطيل لأي جهد رسمي "متواضع" يناقش التطورات في غزة، بعد سقوط مايقارب أربعمائة شهيد، وإصابة أكثر من ألف وتسعمائة مواطن بجراح ، وتدمير عشرات المقرات الرسمية، ودور العبادة، والمراكز العلمية، والعديد من الأنفاق، وقوارب الصيد، بالإضافة إلى مئات البيوت السكنية. إن ملامح الخطة النازية الصهيونية، بدأت تتوضح على أرض المجزرة ذاتها. فالانتقال من مرحلة قصف المؤسسات الرسمية والخدماتية، إلى مرحلة "القنص الجوي" لمنزل المقاتل بقنبلة فراغية أو ارتجاجية، وملاحقة سيارت الطواقم الطبية، وتدمير عربات نقل الأدوية والمعدات الطبية، يشير إلى نشر شعاع المناطق المدمرة والمحروقة إلى نقاط جديدة، بهدف تحقيق الأهداف المرجوة من المذبحة. لكن قوى المقاومة استطاعت امتصاص الصدمة بسرعة لم يتوقعها "الصديق!" قبل العدو، بل إن الرد المدروس والممنهج بالصواريخ وقذائف الهاون على تجمعات الجيش، ومستعمرات ومدن الغزاة في دائرة قطرها خمسون كيلومتراً، يقطنها سبعمائة ألف من المستعمرين، أدى لسقوط أكثر من أربعين قتيلاً وجريحاً في صفوفهم، يؤكد قدرة كتائب وسرايا ولجان المقاومة في التعامل مع الموقف بقدرة عالية من المسؤولية والصلابة، وهو ما يتطلب العمل الجاد من أجل تشكيل قيادات ميدانية مشتركة تخضع لخطة عمل سياسية وقتالية موحدة، تُشكل صمام الأمان لاستمرار المواجهة، وحماية المجتمع، الذي تشير كل المعطيات على الأرض لانهيار خطة تفكيكه، من خلال ترويع المواطنين وإرعابهم، بهدف تأليبهم وتحريضهم على المقاومة "ثقافة وسلاحاً ومؤسسات وأفراد".


أمام كل ذلك، تنبىء تحركات الدبابات وناقلات الجند حول القطاع، واستدعاء الآلاف من جنود وضباط قوات الاحتياط، على أن التوغلات البرية أصبحت جاهزة لتنفيذ مهماتها، والتي ستكون حينها أرض غزة _ كما عودتنا دائماً _ مقبرة لأشلاء جنوده. فالعدو يعتقد واهماً بقدرته ليس فقط على تقطيع أوصال القطاع الصامد، بل وعلى وصول قواته إلى اعتقال الآلاف من كوادر المقاومة وزجها في معتقلاته النازية، لإسقاط هيبتها ومكانتها المادية والمعنوية أمام الشعب. لكن حلف الأعداء سيفاجأ بعشرات الآلاف من المقاتلين والمناضلين المتمرسين، الذين سيلحقون بقواته أقسى الضربات، مستلهمين من تجربة مقاتلي حزب الله في مارون الراس وعيتا الشعب وبنت جبيل أساليب القتال والمراوغة.


جاء تحرك أكثر من مليون متظاهر محتج على الجريمة وأدواتها المحلية والاقليمية والدولية في الوطن العربي والعالم خلال الأيام الأولى من المجزرة، ليصيب قيادات الحلف المعادي بالصدمة. إن دلالات التحرك المتنوعة "مظاهرات، اعتصامات، عمليات بالسلاح الأبيض" في الضفة الفلسطينية، وسقوط ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى برصاص المحتل أمام عيون شرطة السلطة، هذه الأجهزة الأمنية التي تدربت في معسكرات خاضعة للضباط الأمريكيين في مناطق السلطة والدول المجاورة، مارست القمع الوحشي والاعتقالات بحق المتظاهرين في رام الله والخليل، وهو مايكشف مجدداً عن الشرخ الكبير بين الشعب والسلطة، ويؤكد أيضاً على دور ووظيفة هذه السلطة وأجهزتها. كما أن المظاهرات والنشاطات الكفاحية السلمية لأهلنا في المناطق المحتلة منذ عام 1948، المترافقة مع ماشهدته المخيمات والمدن العربية من تحركات غاضبة ، تدلل على أن الحركة الشعبية العربية على أبواب مرحلة جديدة من النهوض.


إن تطوير أشكال الكفاح في الضفة الفلسطينية، وتنفيذ عمليات عسكرية نوعية ضد تجمعات العدو، مع الحفاظ على رشقات الصواريخ، سيدفع بالغزاة وحلفائهم إلى إعادة حساباتهم مجدداً. لأن المقاومة كما أثبتت كل محاولات تصفيتها المتكررة منذ سنوات، عصية على الكسر رغم حجم التضحيات وشراسة الحلف المعادي.


مابين رقص اليهود الصهاينة على نزيف دماء الجرحى وجثث الشهداء، وتوجيه الإنذارات"العربية الرسمية" للمقاومة، التي يستحق أصحابها الشكر من أسيادهم على دورهم الرائد في تعاملهم مع تطور الأحداث! ومشاركة العديد من قيادات النظام العربي الرسمي في الجريمة، ومايحصل على أرض غزة من صمود أسطوري، تعززه حركة الملايين الغاضبة على الغزاة، والعملاء في أكثر من عاصمة ومدينة، ترتسم ملامح الولادة لمرحلة جديدة تحمل في أفقها العزة لهذه الأمة.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ٠٤ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠١ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م