خطابا الرفيق المجاهد عزَّة إبراهيم - الرسائل والانتقادات !

﴿ الجزء الثاني

 

 

شبكة المنصور

سعد داود قرياقوس

المواقف السلبيَّة من خطاب المجاهد عزَّة إبراهيم في مناسبة الذكرى الثامنة والثمانين لتأسيس الجيش العراقي، تطابقت في مضمونها ودوافعها وتفصيلاتها وشخوصها مع مثيلاتها من خطابه الأوَّل.

 

هذا الصنف من المواقف المغالية في سلبيَّاتها لا يعنينا، ولن نهدر وقتًا في مناقشتها وتفنيدها مع يسر المهمَّة لتجاوزها الحدَّ الأدنى من قواعد التعامل الخلقي والحوار الحضاري.  لذا، ستقتصر هذه المساهمة على تقديم إجابات عن مجموعة تساؤلات وتحفُّظات  مشروعة  ، عبَّرت عن قلق أصحابها المشروع وحرصهم الصادق على مسار المقاومة  وسلامة قضيَّتنا الوطنيَّة، وعلى دور حزب البعث العربي الاشتراكي في مقاومة الاحتلال ودحره، قدَّمها مشكورًا عدد من الشخصيَّات الوطنيَّة إثر اتِّصالنا بهم للوقوف على ملاحظاتهم وتقويمهم للخطاب.

 

جلُّ  ما استمعنا له من تساؤلات وملاحظات وتحفُّظات، انصبَّ على مضمون الرسالة الموجَّهة للرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما التي يمكن تصنيفها إلي مجموعتين:

 

الأولى، شملت ملاحظات وتساؤلات واعتراضات تتعلق بـ:

 

-  دوافع توجيه الرسالة وأسبابها.

-  استخدام مصطلح "مصالح الولايات المتَّحدة الستراتيجيَّة المشروعة".

- تحفُّظات على ما فسِّر بـ "تقديم تعهُّدات لضمان المصالح الأمريكيَّة في العراق والمنطقة.

- وأخيرًا، تساولات وملاحظات على ما قُدِّم "إعلانًا عن الاستعداد لتطبيع العلاقات مع الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بعد انتهاء الاحتلال."

 

أمَّا المجموعة الثانية، فقد احتوت ملاحظات شكليَّة منها: وصف الولايات المتَّحدة بـ "أقوى دولة في العالم وأكثر دولة تقدُّمًا وحضارة وأكثرها ادِّعاء بالحرِّيَّة والديمقراطيَّة وحقوق الإنسان."

 

مع تقديرنا لملاحظات المجموعة الثانية ومقدِّميها، وفهمنا لمبرِّراتهم ودوافعهم، إلاَّ أنَّنا سنركن هذه الملاحظات جانبًا لعدم أهمِّيَّتها واحتمال أن يتَّخذ النقاش فيها بعدًا أكاديميًّا عقيمًا، ونركِّز على تلك الواردة في المجموعة الأولى.

 

قد يكون من الضروري إثبات أنَّ كلَّ ما تتضمَّنه هذه المساهمة من آراء وتفسيرات، تعبِّرعن رأي كاتبها الشخصي، وتستند على قراءته للخطاب، واستيعابه لمفرداته نصًّا وروحًا، وتفهُّمه للتطوُّرات المحلِّيَّة والإقليميَّة التي استوجبت إصداره، وعلى ثقة الكاتب المطلقة بالمجاهد عزَّة إبراهيم وقيادة الحزب في إيمانهم العميق بمبادئ الوطن وحرصهم على مصالح شعبهم، والتزامهم الراسخ بثوابت المقاومة وإصرارهم على دحر الاحتلال، واستعادة الكرامة الوطنيَّة والسيادة. من الطبيعي ألآَّ أتوقَّع من جميع القرَّاء  قبول قراءتي للخطاب وتفسري مضامينه. لكن إذا كان الآخرون يمنحون أنفسهم حقَّ نقد الخطاب وتأويل نصوصه وفقًا لرؤاهم، فلنا الحقُّ أيضًا في الدفاع عنه وتفسير نصوصه وفقًا لقناعاتنا وقراءتنا.

 

قراءة الخطاب المتأنِّية كوحدة متكاملة حتِّى تكون موضوعيَّة لا بدَّ من أخذها في الاعتبار معطيات نضالنا الوطني وتطوُّرات الصراع السياسي والعسكري مع العدو المحتلِّ وعملائه في المرحلة الراهنة. من هذا المنطلق، تتبدَّى أهمِّيَّة الخطاب، وصواب أهدافه الواقعيَّة للتطوُّرات الميدانيَّة والتحوُّلات السياسيَّة المتوقَّعة، وحرصٌ مسوؤلٌ عن سلامة الوطن، وتحقيق انتصار إرادة شعب العراق، وإجهاض أهداف مشروع الاحتلال ودحره. إنَّه خطاب متوازن وتاريخيٌّ مبنيٌّ على حسابات سياسيَّة وطنيَّة دقيقة.

 

كما أوضحت سابقًا، فمعظم ما ورد من تساؤلات وملاحظات وتحفُّظات، انصبَّت على محتوى الرسالة الأولى، لذا، ستركِّز إجابتي على تفسيرات لتلك الأسئلة والملاحظات دون التطرُّق إلى محتوى الرسائل الأخرى مع أهمِّيَّتها.

 

أوَّلاً: مع إدراكنا أهمِّيَّة الخطاب وضرورته وصوابه، ومع تقديرنا الكبيرللمجاهد عزَّة إبراهيم والرفاق أعضاء القيادة، ولمجاهدي الحزب في مكتب الثقافة والإعلام، ومع  ثقتنا المطلقة بقيادتهم وحكمتهم وجهادهم، وتقديرنا لظروفهم العصيبة، إلاَّ أنَّ اختيار بعض المصطلحات والعبارات الواردة في نصِّ الرسالة الأولى لم يكن دقيقًا. تلك المصطلحات والعبارات، أعطت أبعاد مغايرة للمعنى المنشود من توجيه الرسالة ممَّا أثار عددًا من التساءلات وقدرًا مشروعًا من القلق. هذا الرأي، لا يشكِّل مسعًى تبريريًّا، ولا دفاعًا عن قيادة مجاهدة شجاعة لا تحتاج لدفاع الكاتب أو غيره.

 

ثانيًا: تسائل عدد من الإخوة والأصدقاء عن دوافع توجيه الرسالة الأولى إلى الرئيس الأمريكي المنتخب أوباما، وعبرو عن تحفُّظاتهم على بعض ما تضمَّنه من مصطلحات، وابدى غيرهم خشية من ان بعض عبارات قد تُفهم على أنَّها مواقف تنازليَّة ودعوة للتفاوض، وعقد صفقة قوامها الانسحاب الأمريكي من العراق وتسليم السلطة إلى حزب البعث، مقابل المحافظة على المصالح الأمريكيَّة في العراق والمنطقة. وقد دفع القلق خيال آخرين للتحليق في مديات عالية تجاوزت مجال التفسير المعقول. وشطَّ بهم الخيال لتأويل بعض محتويات الرسالة إلى تلميحات تعكس الاستعداد للتعاون مع الإدارة الأمريكيَّة لاحتواء إيران، وإجهاض قضيَّة شعبنا في فلسطين! وبشكل انتقائي، وتغافلوا عن مواقف الحزب التاريخيَّة المشرِّفة من القضيَّة الفلسطينيَّة، والتزام قيادته المبدئي والخلقي منها والمثبت في محتوى الرسالة السادسة.

 

الهدف من توجيه الرسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب، لم تنطلق من رغبة التقرُّب من الإدارة الجديدة، بل من عرضٍ سليم وواقعي لمعطيات المرحلة، وضرورات قضيَّتا الوطنيَّة وسلامة شعبنا وأمنه وحرِّيَّته، ثمَّ لوضع الإدارة الجديدة أمام خيارات واضحة.

 

من الواضح أنَّ هويَّة الإدارة الأمريكيَّة الجديدة تختلف عن سابقتها التي انتهت بانتهاء عهد مجرم الحرب جورج بوش وجوقته، ولا ريب أنَّ لها أهداف معلنة ستعمل على تحقيقها، ولا سيَّما المتعلِّق منها بالسياسة الخارجيَّة. لا شكَّ أنَّ الرئيس المنتخب، تختلف مواقفه المعلنة إزاء العراق بشكل جذري عن موقف المحافظين المحدثين وموقف مجرم الحرب جورج بوش. لقد سبق للرجل أن أعلن عن معارضته لقرارات شنِّ الحرب على العراق منذ اليوم الأوَّل لاتِّضاح النوايا العدوانيَّة لإدارة بوش، وأعلن معارضته لزيادة القوَّات الأمريكيَّة في العراق وصوَّت ضدَّ كلِّ القرارات المؤيِّدة للحرب في مجلس الشيوخ. وشكَّل الموقف المعارض لوجود القوَّات الأمريكيَّة في العراق أحد المرتكزات الأساسيَّة لحملته الانتخابيَّة التي قادته للفوز بمنصب الرئاسة. مع ما تقدَّم، لا يعني هذا بالضرورة التسويق له أو لإدارته، ولا نراهن على مصداقيَّته، وربَّما نشك في قدرته على تنفيذ التزاماته، وندرك أيضًا أنَّ حسابات الحملة الانتحابيَّة تختلف عن حسابات السلطة، ونفهم أبعاد المشروع الإمبريالي الأمريكي طويلة الأمد. ولا يغرب عن البال أنَّنا ذكَّرنا سابقًا بأنَّ  الاحتلال جاء ليبقى ما لم يهزم عسكريًّا. وما نزال مؤمنين بسلامة هذا اليقين. ونعلم تمامًا تفاصيل مشروع نائبه جوزبف بادين الخطر على وحدة التراب العراقي. لكن بدون إعلان الرئيس أوباما عن تخلِّيه عن التزاماته السابقة، لا نرى خطلاً مطالبته تنفيذ ما التزم به في حملته الانتخابيَّة، ولا سيَّما أنَّه حدَّده واحدًا من أهم أهداف سياسية إدارته الخارجيَّة.

 

لذا من المقبول، بل من الضروري أن يستثمر الصفُّ الوطني العراقي التحوُّل المتوقَّع في إدارة البيت الأبيض. لا نتحدَّث هنا عن تغيير في هويَّة ساكن البيت الأبيض، بل تحوُّل متوقَّع في أجندة الإدارة السياسيَّة وأولويَّاتها، وضع الرئيس المُنتخب أمام خيارات واضحة من أجل إيجاد حلٍّ لكارثة شعب العراق، وإنهاء الاحتلال الأمريكي، وإيقاف التغلغل الإيراني، وإجهاض مشروع تغيير هويَّة شعب العراق الوطنيَّة والقوميَّة وفقًا لثوابت المقاومة وشروطها المعلنة. ربَّما نسمع آراءَ عن مغالاة في التفاؤل! ولِمَ لا! فهذا حقُّ مشروع، وربَّما تبرهن الأشهر القليلة المقبلة صوابها. لكن الحسابات السياسيَّة تُبنى على المواقف المعلنة وليس على التكهُّنات. لذا، توجيه الرسالة خطوة صائبة وجليَّة وتعبِّرعن موقف مسؤول. فالمجاهد عزَّة إبراهيم، وضع الرئيس المنتخب أمام خيارين، إمَّا أن ينفِّذ وعوده والتزاماته بسحب القوَّة الأمريكيَّة الغازية من العراق ليعود حرًّا ومستقلاًّ لأبناء شعبه، أو "أنَّنا باسم الله العليِّ القدير القويِّ العزيز قد أعددنا لمقاومة شاملة وفاعلة وطويلة ومتصاعدة حتَّى يخرج آخر جنديٍّ غازٍ هاربًا من أرضنا، ولو طال الجهاد والمقاومة لأجيال قادمة. وهذا هو حقُّنا المشروع المقدَّس الذي اعترفت به وقدَّسته قوانين السماء والأرض على حدٍّ سواء، وحتَّى التحرير الشامل والعميق لبلدنا العزيز من كلِّ أنواع الاحتلال والاستغلال والهيمنة والابتزاز."

 

ثالثًا: أمَّا عن إبداء بعض الإخوة تحفُّظَّاتهم على الرسالة كونها، وفقًا لقراءتهم، تحمل تلمحيات أو دعوة غير مباشرة للتفاوض، بالإضافة إلى تفسيراتهم الخاصَّة لبعض فقراتها لتعكس موقفًا تنازليًّا، نبدأ بالرد على التحفُّظ الأخير، ونحيل أصحاب هذا الطرح إلى النصِّ المُقتبس من الرسالة ليدلُّونا أين التنازل؟

 

الواضح من نصِّ الرسالة أنَّها لا تحمل دعوة للتفاوض، بل للحوار المشروط مع الرئيس الأمريكي الذي أعلن التزامه بسحبِّ القوَّات. والدعوة مقدَّمة باسم شعب العراق، والحوار المشروط ليس مع حزب البعث بل مع المقاومة الوطنيَّة والقوميَّة والإسلاميَّة، ونكرِّر مع المقاومة الوطنيَّة والقوميَّة والإسلاميَّة، وليس مع الجبهة الوطنيَّة والقوميَّة والإسلاميَّة، كما كتب لنا بعض الإخوة. فالفرق جليٌّ واضح. أين الخطأ في أن يتحاور الممثَّل الشرعي الوحيد لشعب العراق بشكل مشروط، ووفقًا لشروط المقاومة المعلنه وثوابت شعب العراق؟ إنَّ مضمون الرسالة لا يتضمَّن مبادرة أو مشروعًا لإنهاء الاحتلال، بل مطالبة رئيس منتخب تتعاكس مواقفه مع نهج الإدارة السابقة في تنفيذ ما التزم به سابقًا. فإذا نفَّذها، فالقوى المعبِّرة عن إرادة شعب العراق ستتحاور مع إدارته وفقًا لشروطها، وبخلافه فالمقاومة مستمرَّة ومتصاعدة.

 

مع خلوِّ الرسالة من دعوات تفاوضيَّة، يبقى توجيه مثل هكذا دعوات من مصدر تتجسَّد فيه  الشرعيَّة الوطنيَّة لإنهاء الاحتلال واستعادة السيادة، خطوة مقبولة، لا سيَّما مع طرف سبق أن أعلن عن استعداده لسحب قوَّاته من البلد المحتلِّ شرط  التزام الطرف المقاوم  بالثوابت الوطنيَّة وعدم  التنازل عن حقوق الشعب، بما فيها حقُّ التعويض المادِّي والمعنوي الكامل.  

   

إنَّ تاريخ مقاومات الشعوب وحركات التحرُّر حافل بمبادرات قدمتها إلى القوى المحتلة أراضيها من أجل إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة وإنقاذ البلد. في الأوَّل من نوفمبر عام 1954، وجَّهت جبهة التحرير الوطني الجزائري نداء إلى الشعب الجزائري نقتبس منه الفقرات التالية:

 

"وفي الأخير، وتحاشيًا للتأويلات الخاطئة، وللتدليل على رغبتنا الحقيقيَّة في السلم، وتحديدًا للخسائر البشريَّة وإراقة الدماء، فقد أعددنا للسلطات الفرنسيَّة وثيقة مشرِّفة للمناقشة، إذا كانت هذه السلطات تحدوها النيَّة الطيِّبة، وتعترف نهائيًّا للشعوب التي تستعمرُها بحقِّها في تقرير مصيرها بنفسها."

 

"فتح مفاوضات مع الممثِّلين المفوَّضين من طرف الشعب الجزائري على أساس الاعتراف بالسيادة الجزائريَّة، وفي المقابل فإنَّ المصالح الفرنسيَّة، ثقافية كانت أو اقتصادية، والمتحصَّل عليها بنزاهة ستحترم، كذلك الأمر بالنسبة للأشخاص و العائلات."

 

  "تُحدِّد الروابط بين فرنسا والجزائر، وتكون موضوع اتِّفاق بين القوَّتين الاثنتين على أساس المساواة والاحترام المتبادل."

 

"أيُّها الجزائري، إنَّنا ندعوك لتبارك هذه الوثيقة. وواجبك هو أن تنضم إليها لإنقاذ بلدنا والعمل على أن نسترجع له حرِّيَّته. إنَّ جبهة التحرير الوطني هي جبهتك، وانتصارها هو انتصارك."

 

هل خوَّن الشعب الجزائري الجبهة؟ وهل ان توجيه النداء كان  خطوة تنازليَّة وخيانيَّة ؟

 

ثمَّة حقيقة اساسية يدركها الحريصون على سلامة شعبهم ومصالحه ومصالح امتهم . المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة كأيَّة مقاومة شعب آخر، انبثقت كردِّ فعل وطنيٍّ على تدنيس غزاة أجانب أارض العراق، واستباحته شعبه، ونهب ثروتة الوطنيَّة. هدف المقاومة، ينحصر تأكيدًا في تعظيم خسائر الاعداء الماديَّة والبشريَّة، و دحر قوَّات الاحتلال وهزيمة مشروعه بأقلِّ الخسائر الوطنيَّة الممكنة بشريًّا كانت أم ماديَّة، وبأقصر مدَّة زمنيَّة دون التنازل عن الحقوق المشروعة لشعب العراق. والمقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، كغيرها من المقاومات التي شهدها تاريخنا القديم والمعاصر، تمثِّل وسيلة لتدمير المحتل، وليس هدفًا. فالمقاومة ليست لأجل المقاومة، بل هي مشروع وطني يستخدم السياقات السياسيَّة والعسكريَّة المتاحة لهزيمة المحتلِّين وعملائهم وحلفائهم من أجل استرداد السيادة والكرامة الوطنيَّة.

 

إنَّنا نعلم بوجود حركات لا تعترف بالعامل الوطني والقومي، وتتعامل مع برنامج المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة كجزء من مشروع كونيِّ الإبعاد، وأداة من أدوات صراع كونيِّ مستقبليٍّ. ولا يساورنا أدنى شكٍّ بأنَّ من حقِّ هؤلاء تقديم مشاريعهم المستقبليَّة. وعندما أعلنوا عنها، لم نعترض على ممارسة هذا الحقِّ. لكن على تلك الجهات وأنصارها إدراك أنَّه لا يحقُّ لهم أو لنا أو لأيّ تجمُّع سياسيٍّ آخر، باستثناء المؤسَّسات الحكوميَّة السياديَّة المعبِّرة عن إرادة الشعب بعد التحرير، والمنبثقة عنه عبر صناديق الاقتراع العلنيِّ الحرِّ بعيدًا عن أحذية المحتلِّين وتأثيرات القوى الإقليميَّة وعملائها تحديد مسار سياسة العراق الخارجيَّة. هذه المؤسسات وحدها دون غيرها تملك هذا الحقَّ وفقًا لمصالحه والتزاماته الوطنيَّة والقوميَّة الثابتة. أيُّ تناقض مع هذا الحقِّ يشكِّل إلغاءً لإرادة شعب العراق.

 

رابعاً: تقديم عدد من الأخوة تفسيرات لبعض فقرات الرسالة لا ينسجم مع  حكمتهم وتجربتهم السياسيَّة التي نكنَّ لها كلِّ التقدير، مع التباين في انتمائنا العقائدي. لقد أوَّلوا بعض العبارات وفقًا لقراءتهم، وفسَّروها "دعوة" صادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي لعقد صفقة سياسيَّة قوامها عودة الحزب إلى السلطة، مقابل تأمين المصالح الأمريكيَّة في العراق، أو محاولة للتقرُّب من الإدارة الأمريكيَّة الجديدة لخلق المناخ المناسب لعودة الحزب إلى السلطة والانفراد بها!  لهولاء الأخوة، نثبت أن موقف الحزب من آليَّات العمل السياسي وطبيعة الحكم ونظام دولة العراق الحر المستقل، واصخة ومعبَّر عنها في أدبيَّات الحزب وبيانات قيادته القطريَّة، وفي البرنامج السياسي الاستراتيجي للمقاومة المُعلن في أيلول 2003.

 

الحزب ملتزم في ، وسيسعى إلى إقامة النظام السياسي الديمقراطي المستند على التداول السلمي للسلطة والتعدُّديَّة الحزبيَّة الناجمة عن الاقتراع الوطني العلني والشامل. والحزب مؤمن بأنَّ قرار تحديد السلطات التنفيذيَّة والتشريعيَّة في العراق المحرَّر أمر يعود تحديده لقرار الأكثريَّة من أبناء شعبه. هذه الثوابت لا تشكِّل مجرَّد هدفٍ مرحليٍّ من أهداف الحزب، بل التزامًا مبدئيًّا وضمانة أساسيَّة لبناء عراق قوي حرٍّ ومزدهر. وتأسيسًا على ما ورد، فإ،َّ العودة للسلطة لا تشكِّل هدف الحزب، وطموحًا يسعى لتحقيقه. حزب البعث العربي الاشتراكي ليس معنيًّا بالعودة الى السلطة، بقدر ما هو معنيُّ بمقاومة الغزاة وعملائهم، وتحقيق النصر واسترداد السيادة والكرامة الوطنيَّة.   

 

لن نسهب في شرح هذه النقطة لكون الإخوة المعنيِّين بهذا الشرح من التجربة والذكاء، يدركون لو كان للحزب طموحات سلطويَّة لساوم الإدارة الأمريكيَّة عليها وعلى ثوابت الوطن، وبقي في السطة كما فعل أبناء إيران "البررة"، والخونة والعملاء واللصوص الدوليِّين والطائفيِّين والعنصريِّين.

 

( يتبع .. )

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ٢٥ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٢ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م