كلمة الرفيق صلاح المختار لمناسبة الذكرى الثانية لاغتيال الشهيد القائد صدام حسين

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

ايتها الاخوات ، ايها الاخوة

أحييكم اطيب تحية في هذه الايام الخالدة من تاريخ امتنا العربية المجيدة ، ايام الفداء والتضحية اللامحدودة من اجل المبادئ والقيم القومية والوطنية النبيلة .

 

في العام الثاني لاغتيال سيد شهداء العصر القائد صدام حسين نقف اجلالا وخشوعا امام ذلك المشهد النادر والعظيم لقائد عربي يعتلي المشنقة وهو رابط الجأش غير هياب ، فيما كان جلادوه مرعوبين ووجوههم الكالحة تموّه بقناع اسود كوجوههم ، ويردد الشهادتين ويهتف بحياة فلسطين ثم يبتسم قبل الاغتيال بلحظات ، وكانه يرى ربه يستقبله شهيدا خالدا . بعد عامين من الاغتيال يحق لنا ولكل عربي ان يعود للسؤال المركزي المركب : لماذا اغتيل الشهيد صدام حسين ؟ ولماذا اغتيل بتلك الطريقة الفريدة ؟

 

لقد اغتيل الشهيد القائد صدام حسين لانه تمسك بمبادئ البعث والامة العربية ورفض المساومة واختار المواجهة التاريخية ضد الامبريالية والصهيونية وحليفتهما الطبيعية ايران . من ينظر الى العراق اليوم ، في العام السادس للغزو الامريكي – الايراني للعراق ، يجد نفسه بمواجهة ملامح اوضاع كان الحزب والشهيد قد توقعاها مبكرا ، بل وجزما بحتمية تبلورها وظهورها وفرض نفسها على المنطقة والعالم كله . ولكي نشخص تلك الملامح من المفيد قراءتها في صفحة الواقع :

 

1 – في عام 1991 وبعد شن العدوان الثلاثيني على العراق قال القائد الشهيد صدام حسين ان امريكا بدأت تنحدر من القمة الى القعر بعد ان قصفت بغداد بالصواريخ . وكان ذلك القول مبنيا على حساب دقيق قام به الشهيد واثبتت الاحداث اللاحقة صوابه التام . لقد قررت امريكا غزو العراق في عام 1988 بعد الانتصار التاريخي على ايران وتأكد الطغمة المتحكمة بامريكا من ان العراق لم يخرج من الحرب مكسورا مستنزفا وضعيفا كما ارادت وخططت ، وهو ما اكده هنري كيسنجر في عام 1983 ، لكي تسهل عملية ( احتواءه ) ، بل خرج ماردا قويا امتلك قوة عسكرية ومعنوية اكبر مما كان يمتلك قبل فرض الحرب عليه . لكن المفارقة التاريخية هي ان امريكا حالما اتخذت قرار غزو العراق فانها وضعت نفسها في وضع مأزق انتحاري كامل ، كما اكدت احداث ما بعد غزو العراق في عام 2003 .

 

لقد زرعت امريكا بقرارها غزو العراق جرثومة فناءها وتداعيها وانكشاف عوراتها الخطيرة ، واستطاع عراق صدام حسين المقاوم ببسالة وضع حد لاسطورة ملابس الامبراطور الكاذبة . ان العراق بطاقاته السايكولوجية - التاريخية التي تبلورت وترسخت عبر اكثر من ثمانية الاف عام  ، وبامكاناته البشرية الكبيرة والمتميزة بتجربتها الفريدة في اقامة الحضارات واعادة بناء المجتمع الانساني ، والتي اختزنت في وعيها الجمعي وجيناتها القدرة على البقاء ودحر عوامل الدمار والابادة التي مر بها العراق اكثر من مرة ، وبقدراته القتالية التي تبلورت منذ قيام الامبراطورية الاشورية العظمى التي كانت اعظم امبراطورية عسكرية في التاريخ القديم ، وبتميز قيادته الوطنية التي جسدت كل ما في الانسان العراقي من قدرات خلاقة ومبدعة ، نقول ان العراق بكل هذه الامكانات كان قادرا ليس فقط على رد التحديات بل كان ايضا على نقل المعركة الى ارض العدو واجباره على كشف عوراته المستورة .

 

هذا العراق هو ، وليس غيره ، من غير مجرى التاريخ الانساني مرة اخرى باسقاط القرار والمشروع الامريكي لبناء ديكتاتورية عالمية تحت زعامة امريكا المطلقة ، وهو دور فشل فيه الاتحاد السوفيتي الذي انهار وواربا والصين ، وهي اهم القوى الكبرى في العالم . لقد حول العراق عملية غزوه الى عملية انتحارية بكل ما تعنيه هذه العبارة من معنى ، فبدلا من غزو العراق بنجاح وجعله مفتاحا ستراتيجيا لحل مشاكلها وازماتها المستعصية والبنيوية ، اصبح العراق مقبرة دفن فيها مشروع ( القرن الامريكي ) .

 

2 – كان اول تعبير عن دقة تشخيص القائد الشهيد صدام حسين تأكيده على عظمة ظاهرة المقاومة والصمود العراقيين الاعجازيين في وجه قوى دولية تحالفت ضده تحت قيادة امريكا ، وامتلكت امكانات عسكرية ومالية وتكنولوجية هائلة اكبر واخطر من تلك التي امتلكتها دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية التي حاربت المانيا الهتلرية واليابان وانتصرت عليهما . لقد اشتركت في الحربين العالميتين ضد العراق اكثر من اربعين دولة ، من بينها دولة عظمى وهي امريكا ، ودول كبرى كبريطانيا وفرنسا ، وقام 28 جيش بمهاجمة العراق في عامي 1991 و2003 واستخدمت اسلحة فتاكة فيهما تبدو اسلحة الحرب العالمية الثانية لعب اطفال مقارنة بما استخدم ضد العراق ، ومع ذلك صمد العراق وافشل مخطط غزوه في عام  1991 وكان ذلك بحد ذاته انتصارا تاريخيا عظيما . لقد نجح الغزو في عام 2003 لكنه تحول بفضل المقاومة العراقية الباسلة الى اكبر كارثة حلت بامريكا في كل تاريخها ، كما قالت مادلين اولبرايت وزيرة خارجية امريكا السابقة في وصفها لغزو العراق .

 

لقد قالها القائد الشهيد صدام حسين قبل الحرب واثناء الغزو بان العراق سيخرج منتصرا مهما تعددت اشكل الحرب وماسيها ، لان شعب العراق كما اكدت تجاربه التاريخية لمدة تزيد على 8 الاف عام قادر على الصمود وتحقيق معجزات اعادة ترتيب قواه وبناء الوطن والتضحية بلا حدود من اجل الوطن والهوية العربية والاستقلال والسيادة الوطنية والكرامة .

 

3 – ونتيجة لفشل اسلوب شن حرب عالمية ثالثة ضد العراق في عام 1991 ، اصبح الحصار هو السلاح الاكثر فتكا من الحرب العسكرية : لقد فرض حصار شامل لكل شيء حتى الدواء والطعام والكتب العلمية ! واقترن الحصار الشامل بحرب من نوع اخر تسمى ( حربا منخفضة الحدة ) نفذت بعد وقف اطلاق النار يوم 28 / 2 / 1991 ، وبموجبها كان يجب القيام بالتدمير المنظم والبطئ لقدرات العراق العسكرية والاقتصادية والنفسية ، عبر عمليات قصف جوي يومي ولكنه محدود وفي اطار ما سمي ( مناطق الحظر الجوي ) . لقد دمرت القدرات الاقتصادية والعسكرية للعراق خلال الفترة بين عام 1991 و2003 واستنزفت قدرات الدولة على الاحتفاظ بمجتمع الرفاهية الذي اقامته ثورة 17 – 30 تموز عام 1968 واعيد العراق الى مرحلة ماقبل الثورة حيث كان الفقر سائدا والامية منتشرة ، وهكذا تصورت امريكا انها اعدت العراق ليكون صيدا سهلا لا تكلفها عملية الامساك به سوى ركض رياضي سهل !

 

انتم تذكرون ان الحصار قتل من العراقيين حوالي مليوني عراقي وهو رقم اكبر بكثير ممن استشهد اثناء العدوان في عام 1991 ، كما ان الخراب الذي اصاب الدولة والمجتمع نتيجة الحصار كان خطيرا وشرسا واشد وطأة من الخراب الذي احدثته عمليات القصف اثناء العدوان الثلاثيني ، ومع ذلك بقي العراق صامدا واحبط بسهولة كل محاولات اختراقه عبر تمردات عميلة في الشمال والجنوب والوسط .

 

4 – وتأكيدا على حقيقة ان امريكا قررت تنفيذ خطة غزو العراق بعد انهيارات الشيوعية فان نجاح العراق في الاقتراب الشديد من انهاء الحصار ، بفضل عبقرية شعبه بعلماءه ومهندسيه وقبل هذا وذاك نتيجة للمستوى الرفيع من التفكير الستراتيجي لقيادته الوطنية ، كان العامل الحاسم في تحديد فترة غزو العراق ، في عام 2003 ، ففي اعوام القرن الجديد الاولى ( 2000 – 2002 ) تاكدت امريكا ان الحصار بدأ يتهاوى وان العراق سيفلت من مصيدته الخطيرة ، بعد ان اعاد اغلب علاقاته العربية والدولية وعمر ما خربه الاشرار وقلص الكثير من الاثار الاقتصادية والاجتماعية للحصار ، ووصل العراق الى حافة الحياة الطبيعية .

 

وهكذا كان لابد من اتباع اسلوب اخر غير الاستنزاف البطئ في ظل الحصار لتدمير العراق ومنعه من الافلات من مصيدته القاتلة ، فتقرر غزوه عسكريا واسقاط نظامه الوطني قبل اكماله لعملية اعادة الحياة الطبيعية الى القطر . لقد تم اختيار جورج بوش الابن عمدا بمواصفاته المعروفة ، واهمها انه غبي ومتطرف دينيا ضد العرب والمسلمين ، ليكون واجهة لتنفيذ مخطط صهيو- امريكي شامل يبدأ من العراق لكنه لا ينتهي الا بالسيطرة الامريكية المنفردة على العالم .

 

لقد جاء غزو العراق في عام 2003 ليؤكد بشكل قاطع وحاسم صواب توقعات القائد الشهيد صدام حسين ، حيث ان المعركة الاخيرة في ام المعارك قد انطلقت مع غزو العراق وهي معركة الحواسم المجيدة ، التي غيرت بقوة هائلة وجذرية توازن القوى الستراتيجية في الحرب المستمرة بلا توقف منذ عام 1991 بين العراق وامريكا ومن معها ، لصالح العراق لاول مرة ، بعد ان كان لصالح امريكا وداعميها منذ عام 1991 ، وكان السبب الرئيسي لذلك التحول الستراتيجي الخطير هو تبني العراق ستراتيجية حرب العصابات من اجل تحييد التفوق الامريكي المطلق عسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا وبشريا ( بالعدد طبعا ) .

 

لقد ابتدأت مرحلة جديدة من الصراع بعد الغزو تميزت بانطلاق اهم واخطر مقاومة مسلحة في كل التاريخ البشري وبلا اي استثناء ، اعتمدت اسلوب حرب العصابات لمواجهة اقوى واخطر واشرس قوة استعمارية في التاريخ وهي الولايات المتحدة الامريكية . حينما كان العراق مضطرا لخوض حرب نظامية مع امريكا ومن يدعمها كان التفوق الامريكي يبدو واضحا وفعالا جدا ، ولكن الانقلاب حصل حينما بدأت حرب العصابات في العراق المحتل ، فراينا امريكا بكل عظمتها الاسطورية ماليا وعسكريا وتكنولوجيا وعدديا تترنح بفضل ضربات المقاومة العراقية ، وتنكشف عيوبها البنيوية التي كانت تغطيها بالمساحيق الكثيفة ، وسلطت المقاومة العراقية الاضواء على هرم وشيخوخة وعجز امريكا في ساحة حرب تحرير العراق .

في العام السادس لغزو العراق لا يسع اي مراقب الا ان يتذكر وبقوة قول القائد الشهيد صدام حسين الشهير والراسخ في اذها الجماهير العربية وهو ( ان العراق سينتصر ... سينتصر ... سينتصر ) . هاهو العراق المقاوم ينتصر وامريكا تهزم عسكريا وسايكولوجيا وستراتيجيا واجتماعيا ، واهم من كل ذلك : تهزم اقتصاديا .

 

5 – نتيجة للثورة العراقية المسلحة وفي العام السادس للغزو اخذ العالم يرى امريكا وهي في القعر ، بعد ان تدحرجت من قمة هيمنتها على العالم ، بفضل بطولات المقاومة العراقية المسلحة ، تماما كما قال وتوقع الشهيد صدام حسين ، وما الازمة المالية الكارثية الا نتاج طبيعي ومباشر لقدرة المقاومة العراقية على استنزاف امريكا وتجريدها تدريجيا من مصادر قوتها الفائقة والمتفوقة .

 

نكتفي هنا بذكر بعض المظاهر التي تؤكد ان المقاومة العراقية ، وليس غيرها ، هي التي دفعت امريكا من القمة واسقطتها في القعر العراقي المميت . ان الدين العام الامريكي كان قبل الغزو مباشرة حوالي اربعة تريليون و200  مليار دولار ، اما الان وبعد استنزاف الغزو فاصبح يقترب من رقم عشرة تريليون دولار ، وهذا الرقم يعادل اكثر من 90 % من قيمة الناتج القومي الامريكي ، وهذا يعني ان امريكا تعيش بالدين وعليه ومنه ، فهي تحارب بالدين وتتفوق بالدين وتأكل بالدين ...الخ .

 

مادور المقاومة العراقية في هذا الارتفاع في الدين الامريكي العام ؟ ان المقاومة العراقية زادت بفضل استنزافها لامريكا الدين العام بنسبة تزيد على 120 % . اما العجز في الميزانية الفدرالية فقد كان قبل الغزو بحدود 300 – 350 مليار دولار ، اما الان فهو يقترب من التريليون دولار ، اترك لكم تحديد الزيادة في النسبة .

 

هذه الازمات المترابطة عضويا : الازمة المالية ، المتمثلة بالعجز عن مواصلة تمويل الحرب بالاقتراض ، الازمة المالية الاخرى ، المتمثلة في انهيار النظام المالي الامريكي ، ودخول امريكا مرحلة كساد جديدة اخطر من كساد عام 1929 يهدد ، كما توقع بايدن ، نائب الرئيس المتنخب ، بانهيار النظام الاقتصادي الامريكي بكامله ، والازمة العسكرية ، والمتمثلة في فشل كل خطط امريكا العسكرية في العراق ، هذه الازمات وغيرها هي عبارة عن تعبيرات انموذجية وتبديات جوهرية عن الازمة البنيوية العامة في امريكا والتي هي ازمة شيخوخة النظام الراسمالي وعجزه عن مواجهة الحالة الجديدة في العالم باقتدار ، وسير الراسمالية الامريكية نحو الموت الحتمي .

 

لقد تضخمت هذه الازمة وتسرطنت وفقدت الكثير من عوامل تأجيلها او تجميدها او تخفيف مفاعيلها ، نتيجة بسالة المقاومة العراقية المسلحة التي وضعت امريكا ، لاول مرة في تاريخها ، امام امكانية حقيقية لانهيارها وتفككها . ان امريكا اليوم ليست فقط في القعر ، كما توقع القائد الشهيد ، بل هي ايضا تواجه اليوم احتمالا حقيقيا بتقسيمها الى دول عديدة ، نتيجة هزيمتها في العراق ، وهي هزيمة سوف تقود بلا ادنى شك الى هزيمتها عالميا .

 

لقد انتحرت امريكا فعلا عند اسوار بغداد كما توقع الشهيد ، وها هي تحاول انقاذ نفسها بترقيع وضعها عن طريق الاتفاقية الامنية والتي تريد بها حماية اتفاقية النفط والغاز القادمة .

 

اذن اعدام القائد الشهيد بطريقة لا انسانية تعبر عن حقد متراكم وعميق في نفوس صناع القرار الامريكي تجاه من احبط خططهم بشكل متكرر منذ عام 1972 واصبح العقبة الاساسية امام التوسع الامبراطوري الامريكي . وهنا يجب ان نشير الى انه ليس صحيحا ان السبب الوحيد لاغتيال الشهيد صدام حسين  باسلوب حقير هو رفض امريكا لسياساته التحررية لان هناك سبب اخر لم يعد مخفيا وهو معاقبة من حرمها من استعمار العراق والمنطقة لعدة عقود بطريقة تظهر الحقد الدفين من جهة ، وتوجه انذارا للقادة الاخرين يقول بان من يتخذ نفس مواقف صدام حسين سوف لن يعدم فقط بل سوف يعدم بطريقة بشعة ، من جهة ثانية .

 

ولكن ارادة التحرر والحرية لدى الجماهير وقادتها لا تضعفها اساليب القتل والتعذيب القاسية والبشعة بل تعززها وتوسعها وتعمقها .

 

ان العراق اليوم يستعد للتحرير وصورة صدام حسين القائد البطل الذي قدم حياته فداء للوطن تهيمن على عقول ونفوس العراقيين والعرب . وثمة الالاف من المقاتلين الذين التحقوا بالثورة العراقية المسلحة بعد اغتيال القائد الشهيد تاثرا بالاستشهاد العظيم . باستشهاد صدام حسين اقترب يوم النصر وفتح ابوابا اخرى للتحرير .

 

تحية للذكرى العطرة لسيد شهداء العصر صدام حسين ، والمجد والخلود لكل شهداء الامة العربية خصوصا في العراق وفلسطين والاحواز .

 

عاشت المقاومة العراقية المسلحة الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي .

الله اكبر ، والنصر او النصر ولا شيء غير النصر .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٠٥ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م