ملاحظات حول خطاب المناضل عزة الدوري

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

تعايش مع الذئاب على أن يكون فأسك مستعداً

مثل عالمي

 

الخطاب الذي القاه الرفيق المناضل عزة ابرهيم الدوري الامين العام للحزب والقائد العام للقوات المسلحة العراقية يوم 6 / 1 / 2009 لمناسبة ذكرى تأسيس جيشنا الباسل ، الحاضنة الرئيسية للمقاومة العراقية والقوة الضاربة فيها ، ينطوي على اتجاهات وافكار تتعلق بالوضع الحالي في العراق والوطن العربي والعالم ، خصوصا ما يجري في العراق وافاق الثورة العراقية المسلحة . وكالعادة في الخطب التاريخية والحاسمة تطّير ردود افعال مختلفة ومتناقضة ، بعضها موضوعي وبعضها الاخر مبني على عوامل سلبية .

 

لقد استلمنا عدة رسائل حول الخطاب فيها استفسارات حول فقرات منه ، وساعلق بسرعة وايجاز شديدين فقط على التساؤل حول سبب دعوة من عمل في الصحوات والجيش العميل واعضاء في مجلس النواب للتراجع عن مواقفهم ودعم المقاومة لان هذه الدعوة ليست جديدة وهي قاسم مشترك بين فصائل المقاومة الاساسية وصدرت بيانات بشأنها منذ وقت ، أضافة لكون الرئيس الشهيد صدام حسين قال اثناء اسره بوضوح تام بان من يتراجع عن تعاونه مع الاحتلال حتى ولو قبل ساعة من التحرير يصبح خارج تصنيف العملاء ، لذلك فان هذا الامر لا يحتاج لنقاش مهما حاول البعض تشويه الحقائق .

 

تتسائل احدى الرسائل : ما معنى عبارة اقامة (علاقات ستراتيجية ) مع امريكا بعد الانسحاب الكامل وغير المشروط من العراق ؟

 

ان هذا التساؤل يتطلب منا ان نذكّر بمعنى الستراتيجية لكي نقطع الطريق على التفسير الخطأ ، سواء من قبل من فهم العبارة بطريقة اقلقته حرصا على الثوابت الوطنية والقومية ، او من لا يفهم بصورة واضحة معنى مصطلح الستراتيجية ودور التكتيك فيها ، او من قبل اولئك المكلفين باثارة الشكوك والمشاكل وهذه الفئة لانهتم بما تقول . ولكن قبل دخول الموضوع من المفيد التذكير ببعض حقائق الصراعات وكيفية وضع حد لها .

 

الستراتيجية ماذا تعني ؟

 

كلمة الستراتيجية مشتقة أصلاً من الكلمة اليونانية ( Strategos ) وكانت تعني فن قيادة القوات  ، وقد عرفها ستراتيجيون مشهورون بطرق مختلفة ، فكلاوزفيتز عرفها كما يلي : الإستراتيجية هي فن إستخدام الأشتباك من أجل ( تحقيق ) هدف الحرب ، اما الستراتيجي مولتكة   فقد عرفها كالاتي : الأستراتيجية هي مجموعة من الوسائل التي تستخدم لإدراك وتحقيق الوصول الى غرض محدد  .   وذهب فوش الى تقديم تعريف اكثر عمومية وهو ان الستراتيجية هي فن حوار الإرادات التي تستخدم القوة لحل خلافاتها  . وقدم ريمون ارون تعريفا مختلفا وهو ان الستراتيجية هي قيادة وتوجيه مجمل العمليات العسكرية ، أما الدبلوماسية فهي توجيه العلاقات مع الدول الأخرى على أن تكون الإستراتيجية والدبلوماسية تابعتين للسياسة  . واخيرا فان بيير غالوا فقال ان الستراتيجية هي فن المزج بين الفكرة السياسية والوسائل المتاحة لإرغام الخصم – أو الخصوم – على القبول بالغاية أو الغايات المتوخاة  .

 

في ضوء هذه التعريفات الاكاديمية للستراتيجية يبدو واضحا انها تعني ما يلي :

        أ – ان الستراتيجية تعني خطة عمل بعيدة المدى .

        ب – انها تتضمن تحقيق هدف مركزي محدد .

        ج – انها تتضمن تكتيكات وخطط فرعية لتحقيق الهدف المركزي غالبا ما تتسم بضرورة المناورة والتمويه .

        د – انها تعني حشد كل الطاقات ، بما في ذلك التكتيكات ، لتحقيق الهدف المركزي .

        هـ - ان مصطلح الستراتيجية  لا يقتصر على المجالين العسكري والسياسي بل يستخدم في كافة المجالات التي تتطلب وجود تخطيط بعيد المدى يتضمن مراحل مختلفة لتحقيق هدف مرغوب . وبهذا المعنى فهناك ستراتيجية تربوية وستراتيجية اقتصادية وستراتيجية علمية وستراتيجية أسرية ...الخ .

 

اذن الستراتيجية هي فن ادارة الصراع وبما انها فن فان احدى اهم وظائفها الاساسية تقليل خسائر الصراع الى اقصى حد ممكن مع الاحتفاظ بالهدف المركزي . ولذلك فان عبقرية القادة لا تتضح الا عند نجاحهم في تحقيق الهدف المركزي باقل الخسائر ، وهي حالة تتطلب في مراحل الحسم اللجوء الى الاستخدام المكثف للتكتيكات القادرة على حسم الصراع باقل الخسائر واعظم المنافع في اطار الهدف المركزي . تلك ام حقائق الستراتيجية ، ومن يهملها او يجهلها ربما يقع في خطأ سوء فهم معنى استخدام التكتيك لتقزيم الخسائر وتعظيم المكاسب ، اما من يفهمها ويرفض احترام اهم مكونات الستراتيجية ، بعد الهدف المركزي ، وهو التكتيك الخادم لها فانه يجد نفسه امام خصم اذكى منه واقدر على عزله ومحاصرته ومن ثم الحاق الهزيمة به ، اثناء الحرب او اثناء التفاوض ، بصيغة تجريده من شرطي تقزيم الخسائر وتعظيم المكاسب .

 

ان القائد العسكري يكون فاشلا حينما يعرض قواته للابادة وخسارة المعركة وربما خسارة كل الحرب ، اذا اصر على خوض معارك جبهية باستمرار ، اي اشتباك مباشر بين القوات ، وعدم مراعاة قوة العدو التي قد تكون متفوقة فيكون عليه اللجوء الى عناصر المناورة القتالية وهي من اهم فنون الحرب التكتيكية . ان الدمج الجدلي  ، اي التفاعلي ، بين متطلبات الهدف الستراتيجي المركزي للحرب وضرورة اعتماد تكتيكات ذكية تفهم العدو جيدا ( ظروفه العامة : درجة انهاكه ومستوى ضعفه النفسي ، حجم موارده التسليحية والمالية ...الخ ) ، هو الذي يحدد اتجاه الصراع ومن سيكسبه كما يحدد اسلوب المواجهة معه .

 

لا احد يشك في ان نابليون بونابرت كان قائدا عظيما وذكيا وعسكريا فذا ، لذلك حقق انتصارات ساحقة اوصلته قمة المجد ، لكنه حينما اصيب بمرض التفكير الدوغمائي الستراتيجي ، اي الجامد ، نتيجة غرور الانتصارات السابقة وقع في فخ تكتيكات الستراتيجيين السوفييت الذين استدرجوه كي يحتل موسكو ، فجعلوا طريق امداداته اطول مما يجب ووضعوا جيشه في مقبرة الطقس البارد جدا ، فهزم ! ولو ان نابليون كان مازال يتمتع بالمرونة وتحرر من غرور النصر وامراضه لما وقع في الفخ السوفيتي القاتل . كما اننا في العدوان الثلاثيني في عام  1991 وقعنا في خطأ التقدير لردود افعال الراي العام العربي والعالمي ( من حيث النوعية وليس من حيث الحجم ) ، فواجهنا العدوان بكل الاته الحربية المدمرة وحدنا وكانت النتيجة محاصرتنا وبدء العد العكسي لغزو العراق .

 

من هنا فان الحرب ، وهي اسوأ وضع انساني يمكن تخيله او توقعه ، كما اثبتت تجربة العراق ، يجب خوضها في اطار معرفي شامل : معرفة دقيقة بتوازنات القوى العسكرية بشكل خاص ، ومعرفة بتوازنات القدرات العامة ( الامكانات الاقتصادية والتكنولوجية ...الخ ) بشكل عام ، ومعرفة دقيقة بحالة العدو المتغيرة في مجرى الحرب ، ومعرفة باتجاهات العالم السياسية والنفسية . والمعرفة الاهم في الحرب ، وقبل هذا وذاك ، الادراك الشامل والدقيق للحالة النفسية للشعب وحدود تحمله للحرب ومدتها وتكاليفها في الانفس والثروات . ان عدم معرفة ذلك بترابط جدلي قوي يوصل من يقود الحرب الى الاندحار وربما يكون اندحارا مذلا ومهينا . لذلك فان من يقود الحرب يجب ان يكون قادرا على معرفة نبض شعبه اولا ونبض محيطه الاقليمي ثانيا ونبض العالم كله ثالثا ، وان يحدد بدقة اين وصلت الحالة العامة لعدوه رابعا .

 

واخيرا يجب ان نشير الى ان الستراتيجية بمعناها الوجودي العام هي طريقة التعايش في ، ومع ، عالم اما معاد او غير امن او مختل في توزيع مزاياه وعيوبه ، لذلك فان الضرورة تقتضي وضع خطة بعيدة المدى ( ستراتيجية ) للعيش في بيئة كهذه تتجنب بقدر الامكان السموم وتستنشق العطر الطيب .

 

ان السؤال المنطقي في ضوء ما تقدم هو : اين وصلت امريكا في العام السادس للحرب ؟ واين وصلنا نحن في نفس الفترة ؟ امريكا وصلت الى حافة الانهيار العسكري بعد ان تحقق الانهيار النفسي لقواتها ، كما انها وصلت الى الانهيار المالي الكامل ، وهو ما وضعها على حافة الانهيار العام ، وتعزز احتمال كبير بتمزق الدولة الامريكية نتيجة خسائر الحرب . اما نحن فقد وصلنا الى مرحلة حاسمة ، بعد ابادة مليون ونصف مليون عراقي وتشريد حوالي ستة ملايين عراقي ، والقضاء شبه التام على بيئة الحياة الطبيعية لدرجة ان من ارتبط بالاحتلال الامريكي وشريكة الاحتلال الايراني اخذ يعمل لتقسيم العراق ليس على اساس طائفي وعرقي فقط ، كما كان الحال في البداية ، بل ان يأس الاحتلال من البقاء في العراق ويأس العملاء من تحقيق اي تقدم قد اجبر هؤلاء جميعا ( امريكا وايران والعملاء ) على اللجوء الى خيار شمشون ، وهو تدمير الهيكل علي وعلى اعدائي ، وابرز تعبير عن هذا التوجه هو محاولات تقسيم الموصل واعلان البصرة فدرالية وتقسيم بغداد وجعل المنطقة الخضراء عاصمة فدرالية للعراق المجزء .

 

في هذه البيئة يجب الطرق على الحديد وهو حار ، ويجب عدم انتظار حتى يبرد وعندها سنفقد اهم فرصة لاخراج الاحتلال .

 

ان تقسيم العراق وتقاسمه بين امريكا وايران ، وربما اطراف اخرى ، اصبح الخيار المرجح لدى امريكا نتيجة فشل كل الخيارات الامريكية ، بما في ذلك عدم ضمان تنفيذ الاتفاقية الامنية التي وقعت ، ووصول خيار الانقلاب العسكري الذي لوح به كثيرا الى طريق مسدود . ان امريكا في أسوأ حالة منذ بدء الاحتلال ، وان شعبنا يعيش اشد انواع المعاناة الان ، لذلك لابد من الطرق على الحديد وهو حار بوضع امريكا امام الخيار الاقل سوء وهو التفاوض من اجل الانسحاب الكامل والشامل من العراق قبل ان تتطور اوضاع امريكا نحو الكارثة الداخلية وهي انهيار النظام الاقتصادي بكامله وهو ما حذر منه جوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي المنتخب .

 

ان الدعوة التي وجهها الرفيق الامين العام للحزب عزة ابراهيم للرئيس المنتخب باراك اوباما للتفاوض من اجل الانسحاب تقع في هذا الاطار وتتنفس من هذه البيئة ، وهو موقف صحيح ستراتيجيا ، حتى لو اختلف البعض حول طريقة التعبير عنها ودرجة التوفيق او عدمه في هذا التعبير اللغوي ، خصوصا الملاحظات التي سجلت على تعبير ( اقامة علاقات ستراتيجية مع امريكا بعد الانسحاب الكامل ) . ان الضمانة الاساسية في هذه الدعوة هي انها تقوم على ثوابت المقاومة والحزب ومنها :

 

       أ – الانسحاب الكامل وغير المشروط لقوات الاحتلال .

       ب – عودة القوات المسلحة الوطنية وقوى الامن الداخلي ومؤسسات الدولة العراقية الشرعية .

       ج – الغاء كافة الاجراءات التي اتخذها الاحتلال بما في ذلك القوانين والدستور والفدرالية .

       هذه اهم ثوابت البعث والمقاومة التي لا يمكن التفريط بها تحت اي ظرف .

 

ان من يتعامل مع خطاب الرفيق الدوري بصورة انتقائية وخارج هذا الاطار ، ومن ينتقي منه فقرة صياغتها موضع خلاف ، وهو خلاف مشروع وطبيعي ، ويهمل النص الكامل وماورد فيه من تاكيدات متكررة على الالتزام بالثوابت المعلنة للبعث والمقاومة ، يضع نفسه خارج المعايير الموضوعية او انه ضحية سوء فهم . اما اولئك الذين تحركهم النوايا السيئة فنحن لا نرد عليهم ولا نوجه الكلام لهم على الاطلاق .

 

بديهيات لابد من التذكير بها

 

هل الحرب ابدية ؟ ان الحرب كل حرب لابد ان نتنهي لانها ليست قدرا ابديا يحرق الاخضر واليابس ويفني الاجيال جيلا بعد اخر ، والعراق تحمل الكثير من اجل استقلاله وسيادته ، واذا حصل على الاستقلال والسيادة الكاملة والحقوق عبر التفاوض فان ذلك هو الخيار الطبيعي والنهاية المطلوبة للاحتلال . اما من يريد للحرب ان تستمر حتى لو استجاب المحتل لمطاليب المقاومة فانه اما جاهل او انه يريد مواصلة تنفيذ خطة تدمير وتقسيم العراق .

 

ان وجود ادراة جديدة في امريكا اعلنت نيتها – ونحن نقول نية لان الامبريالية لا تتوب - الانسحاب من العراق متأثرة بالنتائج الكارثية لغزو العراق على امريكا ، اقتصادا وشعوبا ، ووجود اتجاه غالب للانسحاب نتيجة الاستنزاف العميق والخطير ، يتطلب ابقاء الطريق مفتوحا للتفاوض حول تنفيذ الانسحاب ووفقا لشروط المقاومة المعلنة . اما ان نقول للادارة الجديدة لانريد التفاوض حتى لو ارادت فان ذلك سوف يعيد تعزيز دور القتلة الذين خططوا لغزو العراق مثل المحافظين الجدد ، ويجبر باراك اوباما على الرضوخ لضغوطهم التي بدات منذ فاز لاقناعه بان مصلحة امريكا هي عدم الانسحاب .

 

ويجب ان يتذكر من يعلم ، وان يعرف من لا يعلم ، بان من بين اهم تقاليد السياسة الامريكية تقليد ان امريكا حينما تتورط في حرب او ازمة خطيرة لا تستطيع حلها لصالحها ، او كسبها ، فانها تحتاج اما لوصول رئيس جديد ليس له صلة بالمشكلة التي نشأت في عهد من سبقه ، ويتبنى سياسة جديدة تؤدي الى الانسحاب فيبدو ايقاف الحرب وكأنه قرار امريكي وليس هزيمة ، او تلجأ الى حل وسط يحفظ ماء الوجه .

 

في فيتنام لم تهزم امريكا في معركة عسكرية حاسمة بل هزمت نفسيا وبعد استنزاف اقتصادي وعسكري وبشري كبير ، لذلك اقدم الرئيس ريتشارد نيكسون ، الذي لم تبدأ حرب فيتنام في عهده ، على تحقيق انسحاب بدا كأنه قرار امريكي رغم الهزيمة العامة المعترف بها . وهنا يجب ان نذكّر بان وضع امريكا في فيتنام قبل الانسحاب يشابه الى حد ما وضع العراق الان ، من حيث الاستنزاف العام نفسيا وعسكريا وماليا واجتماعيا .

 

ان افضل نهاية لحرب كحربنا مع امريكا هي النهاية التفاوضية ، لعدة اسباب منها واهمها :

 

1- ان الانسحاب دون اتفاق بعد مفاوضات هو خيار يقوم اساسا على تعمد دفع العراق لمواجهة صراعات مسلحة بين فصائل المقاومة والكتل السياسية والاجتماعية .

 

2– ان الانسحاب دون اتفاقية بين المقاومة والاحتلال يسمح لايران بالتدخل الشامل والمباشر والواسع النطاق بقواتها المسلحة ، وهو قد يصبح اجراء امريكيا انتقاميا من اجل مواصلة تدمير العراق شعبا وعمارة ، اذا رفضت  المقاومة التفاوض من اجل خروج سلمي لامريكا من العراق .

 

3- عدم وجود تسلح ثقيل لدى الجيش العراقي الوطني الشرعي ، الموجود الان بتشكيلاته الاساسية ، كالدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة وغير ذلك ، يسمح بقيام عصابات الانفصال في شمال وجنوب ووسط العراق بالانفصال ، من خلال استغلال افتقار الجيش الوطني للاسلحة الثقيلة والتي تعد عامل الردع الفعال الذي يمنع التورط في عملية انفصال .

 

4- فقدان حقوق العراق دولة وشعبا وافرادا اذا لم توقع اتفاقية تضمنها لان الانسحاب من جانب واحد لن يلزم امريكا بشيء .

 

5ـ تشجيع دول الاقليم ، بالاضافة الى ايران ، على التدخل في عراق يفتقر للردع العسكري الفعال وعملها على الحصول على مكاسب اقليمية فيه او تخريب قدرة العراق على اعادة بناء الدولة والمجتمع والخدمات .

 

6- السماح ببروز امراء حرب في مناطق مختلفة من العراق ، فوجود الاسلحة في كل مكان وغياب الدولة القادرة على الردع الفعال ، سوف يشجع على سيطرة كل مجموعة على منطقتها ( محافظة ، مدينة ، حي ...الخ ) وقيام الاطراف الاقليمية  والدولية بدعم هذه الاطراف لاجل تقسيم العراق ، او على الاقل صوملته ( جعله مثل الصومال ) يتحكم امراء الحرب فيه وليس الدولة المركزية .

 

7- ان التفاوض من اجل انهاء الاحتلال يؤدي الى اتفاقية شاملة تغطي كل شيء ، مثل التعويضات ورفع الحصار التسليحي وانهاء المقاطعة التكنولوجية وعدم دعم العناصر الانفصالية في الشمال والوسط والجنوب ، والتوقف عن استخدام  امريكا لايران في عمليات تدمير العراق .

 

8-  تطبيع العلاقات مع امريكا ، بعد ان ادركت بمرارة حقيقة ان حساباتها حول العراق قبل الغزو كانت خاطئة كليا ، لان لدى العراق ( شعبا ودولة وتنظيمات سياسية ) القدرة على التسبب في كوارث لها كما تستطيع هي التسبب في كوارث للعراق ، وهذا عامل ردع لامريكا يجبرها على التعامل مع العراق على اساس وضع النوايا العدوانية ، المترسخة في النهج الامريكي الامبريالي تجاه العراق ، في اطار تجربة غزو العراق الشديدة المرارة .

 

ان الحرب حالة مؤقتة ولا يجوز ان  تستمر الى ما لانهاية ، وان تطبيع  العلاقات بين الدول المتحارية بعد انتهاء الحرب وتحقيق الاستقلال هو خيار طبيعي ، خصوصا اذا كان العدو دولة عظمى ومتقدمة وخطيرة مثل امريكا . وامامنا مثال فيتنام حيث جرت عملية تطبيع العلاقات مع امريكا بعد انتهاء الحرب بهزيمة امريكا .

 

9 – ان صراعنا مع امريكا لن ينتهي حتى لو تم توقيع اتفاقية انسحاب مع المقاومة وانسحبت من العراق كليا ، لان اصل الصراع لا يعود فقط للطبيعة الامبريالية لامريكا بل ايضا يعود الى وجود صراع عربي – صهيوني ، كان ومازال اصل الصراعات الاساسية في الوطن العربي بما في ذلك الصراع العراقي – الامريكي . ولكن تأكيد هذه الحقيقة لا يعني تلقائيا خوض حرب دائمة مع امريكا بل يجب ترتيب القوى العراقية والعربية من اجل مواجهة المواقف الامريكية المعادية بستراتيجية نضالية صلبة عراقيا وعربيا تكون عامل ردع او اقلاق لامريكا ، خصوصا اذا قامت هذه الستراتيجية على الاستفادة من عامل الردع العراقي لامريكا ، والذي تبلور نتيجة قدرة المقاومة العراقية على افشال المشروع الامريكي في العراق وايصال امريكا الى حافة الانهيار الشامل .

 

10- اما العامل الاكثر حسما الذي يجعل التفاوض الخاتمة الطبيعية للغزو فهو انه يجب ان يكون تتويجا لعمل مسلح متصاعد وشامل ومستندا اليه اثناء التفاوض يجبر امريكا على الاقتناع بانها لن تكسب الحرب ابدا ، وان الحرب  اصبحت عامل استنزاف اوصلها للكارثة المالية وانه اذا استمرت الحرب فانها ستجرها الى كارثة انهيار اقتصادها بكامله وهو قد يؤدي الى تفكك امريكا كما توقع جوزيف بايدن نائب الرئيس المتنخب اوباما ، وتقسيمها . فقط بقوة البندقية يمكن كسب التفاوض وجعله بوابة تحقيق مطاليب المقاومة العراقية المعلنة ، اما الدبلوماسية فهي عامل مساعد .

 

ما معنى عدم التفاوض ؟

 

ان السؤال الذي لابد من طرحه الان هو : اذا لم يكن التفاوض القائم على التمسك بحقوق العراق كاملة فما هو البديل ؟ هنا يجب ان نسلط الاضواء على حقائق قد تغيب عن بال البعض في حالة عدم التفاوض في ظل مواجهة امريكا لكارثة الانهيار المالي والذي يهدد بانهيارات امريكية اشمل واخطر .  ولكن قبل ذلك لابد من التذكير بواحدة من اهم قواعد علمي النفس والحرب وهي قاعدة ترك طريق واحد للعدو للهرب اذا الحقت به الهزيمة ، من حيث المبدأ ، وعدم مواصلة محاصرته لاجل ابادته كليا .

 

اثناء عملية تحرير الفاو في جنوب العراق ، وبعد ان هزمت القوات الايرانية التي كانت تحتلها ، كان هناك جسرا واحدا للعبور الى الجانب الايراني ، وبدات ما تبقى من قوات الاحتلال الايراني بالهروب منه ، فقدمت القيادة العسكرية مقترحا بنسف الجسر لمنع الجيش الايراني من الهروب والقضاء عليه كليا ، فرد القائد العام للقوات المسلحة الشهيد صدام حسين قائلا : كلا يجب السماح لمن تبقى بالهروب لعدة اسباب ، فاولا يجب ان نقلل خسائر جيشنا في الارواح لاننا اذا واصلنا تدمير الجيش الايراني حتى الابادة واصاب الجيش الايراني اليأس فسوف يقاوم حتى النهاية لانه يعرف ان لا مجال للخلاص سوى القتال ، وثانيا يجب ان يبقى ناجون ليعودوا ويخبروا الشعب الايراني بالكارثة التي حلت بالجيش الايراني التي سببها احتلال ايران للفاو .

 

هذه الحقيقة تعلمناها منذ الطفولة اذ كان اهلنا يقولون لنا ( لا تحاصر القطة في زاوية وتقوم بضربها لانها ستقوم بالقفز عليك وخرمشتك ) . في ضوء هذه الحقيقة فان فتح باب للعدو كي ينسحب هو احد اهم خطوات الانتصار الحاسم وليس العكس . وامريكا اليوم في اسوأ حالة في كل تاريخها والسبب الرئيسي هو غزو العراق وانطلاق المقاومة العراقية التي جعلت امريكا تنزف مالا وبشرا حتى اوصلتها الى حافة الانهيار الشامل ، وبما ان امريكا دولة عظمى ، بل هي الدولة العظمى الوحيدة والاقوى والاكثر وحشية ، فان الاصرار على رفض التفاوض معها سوف يدفعها لخيار تدميري شامل للعراق ولها ايضا . وفي هذا الاطار من الممكن ان تلجأ الى تنفيذ السيناريوهات التالية :

 

1– الانسحاب دون اتفاق واعتماد الاتفاقية التي وقعتها الحكومة العميلة وحماية تطبيقها بالقوة المسلحة حيث ستتمركز القوات الامريكية في دول الجوار المحيطة بالعراق ، وتفرض نظام حصار جديد يمنع اعادة الاعمار وتحقيق الاستقرار لشعب العراق لاجبار حكومة العراق الحرة على الاستسلام للشروط الامريكية .

 

2– الانسحاب من المدن العراقية الى خارجها ودعم الحكومة العميلة الحالية ، او التي ستعقبها ، بالقوة الجوية والصاروخية والامنية وعدم خوض الجيش الامريكي معارك مع المقاومة ، وفي هذه الحالة سوف يواجه العراق خيار التشرذم وتقام (الامارات الصومالية ) في كل مكان .

 

3– ترتيب انقلاب عسكري يقيم نظاما ديكتاتوريا دمويا تكون مهمته الحقيقية والرئيسية هي العمل على سحق المقاومة ، بعد تحقيق التفاف الكثير من الناس حول الانقلاب نتيجة قيامه بسحق عملاء ايران وتوفير بعض الخدمات والاستقرار النسبي .

 

4– فرض مقاطعة دولية على العراق في كافة المجالات عند استلام المقاومة السلطة ، خصوصا التسلح والتكنولوجيا ، مما يعيق تحقيق انجازات رئيسية للشعب العراقي في المجالات الاساسية كالخدمات والدفاع والامن .

 

5ـ اقامة دعوى قضائية ضد العراق الحر بحجة ان الحكومة الوطنية الجديدة لم تلتزم بالاتفاقية التي وقعتها ( حكومة منتخبة ) وصادق عليها ( برلمان منتخب ) ، وتلك خطوة سوف تجد من يدعمها من حكومات الغرب وغيرها .

 

6– دعم انفصال منطقة الحكم الذاتي في شمال العراق ودفعها لمشاغلة واستنزاف الحكومة الوطنية في بغداد .

 

التفاوض : كيف ؟

 

تبقى نقطة مهمة جدا وهي : من يبادر لطلب التفاوض ؟ يجب ان يكون واضحا بان المقاومة بكافة فصائلها قد وضعت في حسابها ان التفاوض هو النهاية الطبيعية التي تمهد لانهاء الاحتلال بوضع قواعد لذلك عبر التفاوض ، من هنا فان تأكيد الرفيق الامين العام للحزب على التفاوض مع امريكا هو تحصيل حاصل لموقف ولضرورة . ولكن يجب ايضا التاكيد على ان التفاوض لن يكون مبادرة عراقية من جانب واحد فالطرف الامريكي يجب ان يقبل بالتفاوض على اساس شروط المقاومة وليس التفاوض على اي اساس اخر ، مثل سرقة الوقت والخداع ومحاولة توريط فصيل معين او شخصيات معينة وجرها الى قبول اتفاقية لا تخدم العراق كالاتفاقية التي وقعها المالكي .

 

ليس سرا انه منذ اعوام تكلف الادارة الامريكية وسطاء بالاتصال بالمقاومة والبعث لفتح حوار او البدء بالتفاوض ، ولكن المقاومة والبعث رفضا التفاوض لان امريكا ترفض القبول المسبق بشروط المقاومة وتريد التفاوض بلا شروط مسبقة ، وهذا تكتيك امريكي هدفه توريط العراقيين في موقف لن ينتهي الا بقبول ما تريده امريكا ، من هنا وفي ضوء ما تقدم فان اي تفاوض في المستقبل يجب ان يستند على القبول المسبق لشروط المقاومة وان يتركز التفاوض على بحث كيفية تنفيذها ، وبخلاف ذلك لا تفاوض وتبقى البندقية هي الحكم وهي لغة الحسم ، وهذا ما اكدة الرفيق عزة ابراهيم في خطابه التاريخي .

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ١٦ محرم ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٣ / كانون الثاني / ٢٠٠٩ م