الخيانة ليس لها دين أو وطن ؟

 

 

شبكة المنصور

أبو محمد العبيدي
 

ذكر في التاريخ إن نابليون عندما حارب الإمبراطورية النمساوية وصل على أبواب فيينا ,فاتفق مع قائد حاميتها النمساوي على تسليمه العاصمة النمساوية لقاء حفنة من (الدولارات),وبعد دخول نابليون العاصمة جاء هذا القائد ليستلم الأموال حسب الاتفاق ,ولكنه طلب بدل للأموال نيل شرف السلام على الإمبراطور,فأجابه نابليون بأنه لا يتشرف بالسلام على خائن وطلب إعطاء الأموال التي اتفق عليها.!

 

لماذا يبيع الناس أوطانهم ؟

بل ولماذا لا يبيعوه؟ إذا كانوا لا يملكون بيتا أو  أو ؟لماذا لا يبيعون ؟ إذا كان الحاكم ظالم  ؟ أو يقتل ,؟الم يشرد الألوف بعد أن صادر ممتلكاتهم  ؟الم يقضي على أحلامهم وطموحاتهم ,بعد منعهم من مزاولة مهنهم التي أحبوها وبعد أن سعوا للحصول عليها ولماذا لا يبيعون وهم يجدون أولادهم لا يلقون عمل مثل بقية خلق الله أو يختارون المهنة التي يريدون ,ولماذا لا يبيعون وهم مجبرون على عدم ممارسة شعائرهم التي يؤمنون بها . لماذا لا يبيعون وهم لا يستطيعون أن يجاهروا بالفكر الذي يؤمنون به أو يمارسون العمل السياسي في الحزب الذي يريدون ,لماذا يتحملون كل يوم إملاء الاستمارات عن أسمائهم وأسماء سنسبيل أجدادهم ,لماذا لم يحصلوا على ترقيتهم واستحقاقهم, لأنها أعطيت لآخرين لا يستحقوها ,لماذا لا يبيعون والحاكم يتصرف بالوطن كضيعة يملكها ,استطيع تعداد ألف سبب ومبرر تفرض عليهم بيع الوطن ,واللجوء إلى الأجنبي ؟!!!

 

لماذا لا يبيعون؟ الم يعدم المئات لانتمائهم إلى حزب الدعوة ,أو لمشاركتهم في الانتفاضة الشعبانية ,الم يحتل الجيش العراقي أراضي الجارة إيران ,الم يسفر المئات من العراقيين ,الم تضرب حلبجه بالكيماوي ,الم يشرد الآلاف بعمليات الأنفال ,لماذا لا يبيعون, الم يحتل الجيش دولة الكويت العربية ,ماذا بقي ؟ الم يكن نظام (الشهيد صدام ) دكتاتوري .

 

لا اعرف ربما نسيت شيئا ,ولكن لا بد انه لا يخرج عن ما ذكرت ,إذن هذه بعض أسباب بيع الوطن أو مبررات بيع الوطن المعلنة .

 

وأنا أتساءل ما علاقة الوطن بكل ذلك وما ذنب الوطن ليباع ,إلا في حالة واحدة من اثنين فإما أن الذي قام بكل هذه الجرائم هو الوطن وبالتالي فهو يستحق البيع أو إن الوطن ليس له علاقة بكل هذه الجرائم وبالتالي فانا لا ابرر بيعه لان بيع الوطن غير مقبول لا من قبل اليهود ولا النصارى ولا الإسلام ولا الهندوس ولا الفرس ولا الأمريكان ولا حتى الحيوان الذي يدافع عن عرينه ,ولم اسمع بشريعة تقر ببيع الأوطان ,فبيع الأوطان هي خيانة عظمى منذ أن خلق الله البشرية ,وهي اكبر جريمة يقترفها الإنسان ,ولم تشفع التبريرات يوما لخائن مهما كانت . إذن فالوطن ليس المسئول وعليه لا يمكن بيعه لأنه غير مسئول ,إذن فمن هو المسئول ؟

 

وقبل ذلك ما هو الوطن ,هل هو التراب أم النهر أم المدينة أم الناس أم الأهل والأصدقاء أم الدين والمبادئ والقيم والعادات والتقاليد أم اللغة أم الأغاني أم العكد الذي كنا نلعب فيه ونحن صغار,أم المدرسة أم قطعة الأرض الترابية التي كنا نلعب بها كرة القدم,هل هي الزوجة والحبيبة والأولاد,أم هو الحب الأول كما يقولون ,ومكان اللقاء الأول والقبلة الأولى ,أم هو منتخب كرة القدم أم الأخلاق أم الشرف والعرض أم الذكريات أم السلطة والحكام أم الدولة والقومية أم العشيرة والقرية وبساتينها وسواقيها أم العمل أم المكانة الاجتماعية.كل ذلك وأكثر هو الوطن ومفهومه.

إذا كان كل ذلك هو مفهوم الوطن ,فلا بد انه ليس مسؤول عن ما جرى لكم ولغيركم.

 

وإذا لم يكن الوطن هو المسئول فمن المسؤول؟

وأجيب إنها الحكومة هي المسؤولة وهي التي ارتكبت كل هذه الجرائم بحقكم وبحق غيركم .

إذا كانت الحكومة هي المسئولة عن ما جرى لك ولغيرك ,فلماذا بعت الوطن ؟

 

ومن قال إنني بعت الوطن,إن كل ما أردته هو إسقاط الحكم الدكتاتوري وإقامة الديمقراطية,وقد اتفقت مع الأجنبي على ذلك .

رغم إن كلامك لا يستسيغه الطفل الرضيع ولكني سأفترض قولك الحقيقة , وكيف يمكن إسقاط السلطة دون احتلال الوطن.

 

طبعا لا يمكن .

إذن الاتفاق كان إسقاط النظام أو السلطة من خلال احتلال الوطن ,إذن ضحيت بالوطن من اجل إسقاط السلطة .

ولكن ما هي مصلحة الأجنبي في إسقاط السلطة ,أي تحمل تكاليف الحرب وتحمل نقد شعوب العالم كافة واغلب حكومات دول العالم؟

ومن خولك للاتفاق مع الأجنبي على ذلك ؟ومن انتم ومتى اتفقتم ؟      

 

نحن المعارضة العراقية,والمتمثلة بالأحزاب التالية,حزب الدعوة ,حركة الوفاق ,حزب المؤتمر ,المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ومنظمة بدر ,الحزب الشيوعي ,الحزب الإسلامي ,الاتحاد الكردستاني والديمقراطي الكردستاني ,والكثير من الشخصيات السياسية المعارضة للنظام ,نحن الذين حضروا مؤتمرات لندن وجنيف وصلاح الدين للمعارضة.

 

أما من خولنا ؟فاستطيع أن أقول بثقة عالية ,إن الشعب العراقي وقواه الوطنية هي التي خولتنا ذلك .

اعتقد إن قولك إن القوى الوطنية قد خولتك للاتفاق مع الأجنبي غير صحيح لان مجرد اتفاق هذه القوى مع أجنبي ضد الوطن يفقدها صفة الوطنية وبالتالي بإمكانك قول قوى سياسية أو أي تعبير أو وصف آخر غير الوطنية.   

 

أنت قلت إن الشعب وقواه الوطنية هي التي خولتكم ,مما يعني إن كل هؤلاء ضد الحكم أو السلطة ,فإذا كان ذلك صحيح فلماذا احتجتم للاتفاق مع الأجنبي ,فهل من المعقول إن كل شعب يريد تغيير السلطة الحاكمة يلجأ إلى الأجنبي.وبالرغم من عدم دقة هذا القول أو الاتهام للشعب لان منطق التاريخ  يرفض هذا القول فلم يسبق أن تآمر شعب على وطنه ؟ّّّ!

 

إن لجوؤنا إلى الأجنبي كنا مجبرين عليه لعدم إمكانية تغيير السلطة من داخل العراق لأنها سلطة دموية ولا تتردد في قمعنا بوحشية ,وقد جربنا ذلك في الانتفاضة الشعبانية.(صفحة الغدر والخيانة كما يسميها البعثيون )

 

بالرغم من محاولتي عدم مناقشة أي شيء من تبريراتكم ,إلا إنني أجدني مجبر على مناقشة ذلك المثل الذي ذكرت ,لتوضيح مسالة أساسية وهي إن الاتفاق مع الأجنبي هو خيانة لا يمكن تبريرها لا بالشعبانية ولا بالرمضانية .

 

إن الانتفاضة الشعبانية ,قد قامت بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت وبعد قيام القوات الجوية للدول المتحالفة على ضرب القوات المنسحبة رغم اتفاق وقف النار,في هذا الوقت دخلت بعض المجاميع العائدة لمنظمة بدر وبمساعدة فيلق القدس الإيراني إضافة إلى بعض الجنود الهاربين المختبئين في العراق ,بأعمال شغب في بعض المحافظات الجنوبية, واستغلت التفكك الحاصل في عموم الأجهزة الأمنية و وحدات الجيش لتسيطر على تلك المحافظات ,ولتنهب كل ما طالت يداها من أثاث وممتلكات الدولة,وتقتل كل جندي عاد من الكويت وكانت ترفع شعارات طائفية ,وفيما يلي بعض ملاحظاتنا عليها ,ليس للدفاع أو الإدانة وإنما لتوضيح الحقيقة .

 

أولا_ إن توقيت الانتفاضة غير سليم ,لعدم وجود مبرر منطقي في ذلك التاريخ وعدم تهيأة الأرضية السياسية للانتفاضة ,والشيء الوحيد المقبول من البعض كمبرر ربما كان هو الهزيمة العسكرية ,بعد الأمل بالانتصار ,إذن فأي مبرر آخر في تلك الظروف غير مقبول.وهذا ابعد ما يكون عن مخيلة المنتفضون وقياداتهم المعلنة في ذلك الوقت .

 

وبما إن عدم الوضوح في أسباب أو مبررات الانتفاضة قي ذلك الوقت والذي كان يشوب الساحة العراقية بل وحتى إن جميع من قاموا بالانتفاضة ليس لديهم تصور محدد يرتبط بذلك التوقيت والذي يوضح مبررات مقنعة.

 

ثانيا _إن قتل الجنود العائدون من الحرب في الشوارع قد أنهى كل مبررات الانتفاضة,في حالة وجودها ,وحتى طائفية شعارات الانتفاضة لم تشفع لهم لسبب بسيط ,هو إن اغلب الجنود الذين قتلتهم قوى الانتفاضة هم من ألشيعه ,وهم أناس بسطاء ليس لهم علاقة بالسياسة ,وليس من أزلام النظام ؟!!!

 

ثالثا_ إن شعارات الطائفية التي رفعها المشاركون قد فرضت على الانتفاضة الهوية الطائفية والتي يرفضها اغلب الشيعة والسنة .

 

رابعا_ عدم وجود قيادة موحدة للانتفاضة بل وجود قيادات كثيرة غير متجانسة وغير مؤهلة وغير متوحدة فكريا أو سياسيا.

 

خامسا_ارتباط الانتفاضة بالأجنبي ,وتحديدا العدو الإيراني ولم تبرد بعد دماء شهداء العراق جراء العدوان الإيراني .

 

سادسا_إن تركيبة المشاركين في الانتفاضة على الأغلب هم من الهاربين  من الجيش مما ولد ردود فعل في مجتمعاتهم قبل غيرها.

 

لن أزيد على وصف أو تقييم الانتفاضة ,ولكن ذالك كافي لكي يفرض على أي نظام في التاريخ وليس في الوقت الحاضر أن يستخدم كل القوة اللازمة لإجهاض تلك الانتفاضة ,مما يعني إنها لا تعتبر محطة إدانة للنظام بل العكس مما يوضح عدم مصداقية الطرح في الاستناد إليها كتبرير للجوء إلى الأجنبي لإسقاط النظام ,ولا بد من القول إذا كان الشعب هو الذي قام بالانتفاضة فهل إن الجيش الذي أجهضها أقوى من الجيش الأمريكي وتسليحه الذي لم يستطع إنهاء المقاومة في قرية أو مدينة وليس في ثمانية محافظات في آن واحد فهل إن المنتفضين غير مؤمنون بالانتفاضة؟

الحقيقة هي إن الشعب لم يؤيد الانتفاضة ,إما عن البطش الذي تلقته الانتفاضة ,والبطش الذي تتلقاه المقاومة فهما متساويان على اقل تقييم ولكن الفرق هو إن المقاومة لديها قضية عادلة لم تكن متوفرة لدى الانتفاضة إضافة إلى الرجال وإيمانهم وقيادتهم و و .

 

استطيع مناقشة كل المبررات التي سقتها لتبرير اللجوء إلى الأجنبي ولكني اكتفي بالمثل أعلاه الذي يوضح إن القمع والبطش التي مارسها النظام لم يكن السبب الوحيد الذي أجهض الانتفاضة بل إن هناك أسباب كثيرة وعليه فان مبرراتكم ساقطة وغير مقنعة لكم ولمؤيديكم قبلنا .

 

وأعود إلى قولكم إن الشعب وقواه الوطنية هي التي خولتكم اللجوء إلى الأجنبي,وبعد أن قلنا إن القوى الوطنية ,حتما غير وطنية لعدم وجود وطني يبيع وطنه ,بقي الشعب .

 

لا اعرف عاقل يستطيع القول انه يمثل شعبا أو إن الشعب خوله في مهمة ما ,إن اكبر اهانه لشعب هو الادعاء بان الشعب يريد من القوات الأجنبية تحريره من حاكم ظالم أو دكتاتور ,ألا يوجد في هذا الشعب شرفاء ليثوروا عليه ,هل الشعب كله جبان ويخشى الموت ولا يخشى العار الذي سيلحقه بنفسه وتاريخه ليطلب ذلك,هل انتم عقلاء عندما تدعون ذلك ,إن مقاومة الشعب للاحتلال توضح إن هذا الشعب لم يخولكم أولا وانه ليس شعب جبان ثانيا واكبر دليل مقاومته للاحتلال,ولو أراد حقيقة أن يزيح الدكتاتور كما تدعون لأزاحه ولما طلب ذلك من الأجنبي .هذا لا يعني عدم وجود من يعادي النظام ويقاومه أو يختلف معه وهذا طبيعي جدا.

 

من كل ما ذكر لم نر إضافة لما قراناه في تاريخ الأمم  سبب واحد يبرر الخيانة .إذن انتم خونه وكل أفعالكم  أفعال خونة حتى لو غلفتموها بورق الديمقراطية والدين,الآن تحميكم القوات الأجنبية وغدا من يحميكم ؟

 

علما بأن من كان يحمي النظام السابق هم العراقيين وليس القوات الأجنبية.

جل ما قدمتموه لشعوب الأرض, تفاهة وخيانة المعارضة العراقية التي اضمن لها عدم الدفن في تراب العراق الطاهرة .

ولشعبكم,مدى إخلاص ووطنية البعثيين ومدى صدق وصحة مبادئهم .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٢٠ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٧ / أذار / ٢٠٠٩ م