'' البعث '' في ذكرى تأسيسه

 

 

شبكة المنصور

بقلم المحامي احمد النجداوي

اثنان وستون عاماً مرت على الإعلان رسمياً عن تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق يوم السابع من نيسان 1947 بعد أن كان مؤسسوه ورواده الأوائل قد شرعوا قبل ذلك ومنذ أواخر ثلاثينات القرن الماضي في النشاط لدعوتهم وإصدار بياناتهم باسم [ حركة الإحياء العربي ] فكان أن استقطبت تلك الأفكار أعدادا كبيرة من عناصر الشباب في مختلف المستويات طلبة ومثقفين وحرفيين ممن اخذوا يتفاعلون مع سحر تلك المنطلقات الفكرية القومية المتكاملة غير المعهودة في تجاوز الأطر السياسية وإعطائها المحتوى والأشكال النضالية والتنظيمية للانطلاق بقوة باتجاهات تحريك القوى الجماهيرية وتصعيد تلك التفاعلات بأقصى قوة دفاعاً عن مصالحها الوطنية ومشاركة لنضالات جماهير الأمة في مختلف الساحات العربية في صراعها مع قوى الاستعمار لانتزاع الاستقلال والحرية والتحرير فأخذ مناضلو حركة البعث على عاتقهم تعبئة الجماهير في صالح قضاياها الأساسية والدعوة إلى التفافها حول المباديء والشعارات الكبيرة والأفكار التي كانت تتبلور وتطرح الشعارات الوطنية وتستقطب أوسع القطاعات الشعبية الكادحة للالتفاف حول مصالحها ومصالح الأمة والمناسبات الوطنية والقومية عبر التظاهرات والتضحيات ودعوة القوى السياسية الأخرى العاملة على الساحة للتحرك ضد السلطات الاستعمارية الفرنسية التي كانت تبذل قصارى جهودها للإبقاء على كامل سيطرتها في سوريا ولبنان برغم هزيمة فرنسا أمام ألمانيا آنذاك.

 

ويتابع الرواد البعثيون ومن التف حول دعوتهم مسيرتهم دون كلل أو ملل عاملين على تفجير الطاقات الجماهيرية وتعرية الممارسات والسياسات القمعية والاستغلالية التي تمارسها السلطات الاستعمارية ومن يعمل بتوجيهاتها لصالح سياساتها في التحكم بمقدرات البلاد والتوعية بأخطار ما كان يجري من مؤامرات ومخططات عدوانية في مختلف الساحات العربية فكان البعث في طروحاته يعبر عن أسلوب جديد في العمل السياسي والنضالي أساسه الصلابة والصمود وعدم مهادنة الاستعمار أو التراجع أمام بطشه في كافة مواقع التصدي، فقد ابرز الحزب في ذلك الوقت المبكر فكرة الوحدة العربية في دعوة الجماهير الشعبية إلى التحرك النضالي انتصاراً لكافة حركات التحرر في الساحات العربية من المحيط إلى الخليج وبضمنها القضية الفلسطينية التي أخذت الحيز الأكبر في فكر الحزب كقضية محورية إذ  أدرك منذ ذاك الأخطار المحدقة بعروبة فلسطين وبادر البعث بالدعوة إلى تصعيد الاهتمام والعمل الجماهيري ضد السياسات الاستعمارية بفتح فلسطين للهجرة اليهودية عام 1944 حيث وجه القائد المؤسس – رحمه الله –مذكرة احتجاج باسم الحزب إلى المعتمد السياسي الأمريكي في سوريا لاستنكار تلك السياسات وذلك التواطؤ الدولي لجريمة الهجرة.

 

حتى إذا جاءت احداث عام 1948 أنشأ الحزب [ مكتب فلسطين الدائم ] توكيداً لاهتمامه الخاص بالمسألة الفلسطينية، واتخذ مجلس الحزب قراراً بتطوع أعضائه وتجنيدهم للاشتراك في القتال والمجهود الحربي لتحرير فلسطين والى جانب ذلك كانت مسألة الحرية والتحرير تأخذ مكاناً واسعاً منذ عام 1945 كمسألة مركزية في فكر الحزب ونضالاته عندما حصل التصادم بين رواده ومناضليه من جهة وبين السلطات القائمة آنذاك على الحكم من جهة أخرى فكان أن تعرض قادته للاعتقال والملاحقة وأخذ عوده ونضالاته تشتد وتتصاعد لفضح فساد الحكام وتواطؤهم مع المستعمر ومهاجمة الارتباطات والاتفاقيات التي قامت وتقوم مع الدول الاستعمارية والشركات التابعة لها، كما تبنى الحزب مباديء التصدي بجرأة لقضايا الفقر والجهل والبطالة وتعرية الاستغلال والجشع وحدد موقفه في الانحياز إلى جانب الفقراء والمسحوقين الذين يمثلون الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية وبذلك اثبت مفاهيمه الاشتراكية الإنسانية المتميزة عن المبالغات الماركسية في اعتمادها النظرة المادية واهتمامها الزائد بالجانب المادي من الحياة البشرية إذ يقول القائد المؤسس في واحد من أقدم مقالاته:

 

[ ما نظرت إلى الاشتراكية في يوم من الأيام كواسطة لإشباع الجياع وإلباس العراة فحسب، بل للممكنات الموجودة فيه التي يحول الجوع دون ظهورها ]

 

إلى أن يقول:

 

[ إننا في دفاعنا عن الجماهير المحرومة، لا نطلب صدقة، بل نطلب لها حقاً ]

 

ومنذ البدايات فإن أهم ما كان يركز الحزب عليه في تلك المرحلة، هي قضية القومية العربية ومفهومه الشامل لها إلى جانب علاقتها بالدين والقيم الروحية والتأكيد على استبعاد حصول التصادم بين العروبة والإسلام على اعتبار أن العروبة هي الجسم وان الدين الإسلامي هو روح العروبة بصرف النظر عن أي انتماء ديني أو مذهبي للإنسان العربي لان ذلك من مستلزمات شخصية الأمة العربية وماضيها وحاجاتها وأوضاعها المميزة عبر التاريخ الأمر الذي يفرض التمسك بالقيم الروحية والأخلاقية مع التشديد على الأصالة والإبداع والابتعاد عن التقليد والاصطناع أو اعتماد الميكافيلية أساسا في الأخلاق والممارسة.

 

واليوم فإن كل بعثي وكل من ناضل أو سار يوماً على طريق البعث أو كان ضمن جماهيره في الوطن العربي الكبير أن يشارك الاحتفال في يوم السابع من نيسان يوم الذكرى الثانية والستين لإعلان الحزب وهو لا يزال يخوض معاركه القومية التي بدأها واستمر بها حاملاً وملتزماً ومكافحاً لتحقيق المباديء الكبرى التي استخلصها رواده ومؤسسوه العظام وقضى العديد منهم من اجلها وعلى رأسهم القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق والقائد الخالد شيخ الشهداء والمناضلين صدام حسين ومعهم كل الشهداء والمناضلين الذين واجهوا العسف والقمع والتنكيل والتشريد وأولئك الرفاق والأبطال الذين يقفون اليوم في جبهات المقاومة المسلحة التي تتصدى للمعتدين والطامعين في العراق الواحد وفلسطين العربية من البحر إلى النهر وغيرها من مواقع الرجولة والفداء والتحدي والتحرير في كافة الساحات العربية.

 

وتبقى الإشارة هنا إلى أن الذكرى التي يتم الاحتفال بها مع جماهير الأمة المكابدة لبلوغ الغد القومي المشرق الذي دعا إليه الحزب ومؤسسوه وكافحوا وضحوا من اجله... هذه الذكرى يجب أن ينظر إليها كمحطة يتوقف عندها جميع أحرار وشرفاء الأمة لاستذكار تلك النضالات والمباديء والدوافع التي قامت عليها وتدارك ما قد يكون شابها من الأسباب والأخطاء بهدف تجاوزها وتصليب النضال القومي في جميع الساحات لتحقيق أهداف البعث والتصدي لجميع محاولات التآمر أو الالتفاف والخداع دولياً أو إقليميا أو رسمياً عربياً عبر مختلف الأساليب والتسميات حيث تعيش الأمة بكل أقطارها اخطر ملفات التآمر والعدوان بأبشع الصور الأمر الذي يفرض رفع وتائر الكفاح القومي في جبهة عريضة مقتدره على التصدي لتلك التحديات والكفاح لاحباطها.

 

[ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ... – صدق الله العظيم ]

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٠٥ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠١ / نـيســان / ٢٠٠٩ م