عمامة الملالي وطاقية اليهود
وحدة الإستراتيجية و اختلاف التكتيك

﴿ الجزء الاول ﴾

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

يشترك الفرس واليهود في الكثير من السمات فكلا الشعبين يعيش على اساطير وأمجاد الماضي ويدعيان بأن لهما تأريخا وحضارة قبل العرب وامتلكا الأرض التي يسكنها العرب حاليا ويحلمان بإعادة عقارب الساعة الى الوراء. وكلاهما يتبنى نزعة قومية متطرقة ويتعالا عن بقية البشر, وكلاهما يرفض الإندماج مع بقية شعوب العالم, وكلاهما يمجد مبدأ العنف ويكرس رغبة الإنتقام من الآخرين بإستلهام الروح العدوانية المستمدة من كتب التراث, وكلاهما يؤمن بالقوة العسكرية لتنفيذ اهدافهما التوسعية, وكلاهما يتمسك بتعاليم مذهبية متطرفة تجعلهم يحتقرون الآخر, وكلاهما يبخس قيمة الشعوب التي تعيش معه ويتعالى عليهم، وهناك أوجه تشابه كثيرة لسنا بصدد البحث فيها في الوقت الحاضر لكننا سنقتصر على الاشارة الى أوجه التشابه بين الأستراتيجيتين الأسرائيلية والأيرانية تجاه الدول العربية بشكل خاص! فهما أشبه كأرنبين وجدا نفسيهما في حقل من الجزر غاب عنه حارسه وكل منهما عينه على صاحبه خشية من استئثاره بالحصة الأكبر!


من الناحية التاريخية هناك تشابه في الطروحات فاليهود يدعون بأن وطنهم اورشيليم وهي التسمية التاريخية الواردة في التوراة وتمتد رقعته ما بين نهري النيل و الفرات وأن نهر الأردن هو ضمن خارطة احلامهم كنهر ثالث وبنوا دعواتهم على هذا الأساس. وهم يعتقدون بأنهم اول من سكن الجزيرة العربية بعد انتصارهم في زمن النبي موسى على شعب العماليق وحلوا محلهم, وما يزال هدفهم هو توسيع أرضهم ولكن لصعوبة الأستيلاء على مناطق عربية أكثر بما لا يتناسب مع عددهم الضئيل فأنهم اكتفوا في الوقت الحاضر بحدودهم الحالية بعد أن قضموا اجزاءا من الدول العربية المحيطة بكيانهم لكن هذا لا يعني تخليهم عن احلامهم التوسعية الصفراء, من جهة ثانية فإن الدعوات الفارسية بعائدية مساحات هائلة من أرض السواد ودول الخليج العربي هي جزء أيضا من تراث قديم يمتد الى أول امبراطورية بنوها وتجلت في غزوات متتالية من قبل الدولة الساسانية لدول الخليج العربي فقاموا بغزو البحرين عام(615) ميلادي بعد أن كانت خاضعة لقبيلة ربيعة العربية، كما إحتلوا الأحواز وكانت ملحقة بولاية البصرة وتسمى بوابة الإسلام ومن الغريب أنهم أول من أطلق عليها تسمية (عربستان) اعترفا منهم بعروبتها لكنهم بعد ذلك غيروا التسمية بطريقة خبيثة الى خوزستان لطمس هويتها العربية! مع انها تمثل إمتداد طبيعي لجنوب العراق عبر سلسلة جبال زاكاروس, ورغم كل المحاولات الآثمة التي مارسها الفرس لزرع هذه الخلية العربية الاصيلة في جسمهم لكن المحاولات باءت بالفشل فقد أثبت الأحواز انها خلية عربية لا يمكن أن تعيش إلا في الجسد العربي وعاجلا أو آجلاا ستتحرر من القيود الفارسية التي أدمت أيديها.


ويلاحظ أن الجغرافية النسبية للأطماع الفارسية في المنطقة العربية تتجاوز جغرافية الكيان الصهيوني فهي لا تنحصر بين النيل والفرات كما يدعي اليهود ووثقوه في علمهم بخطين أزرقين. بل تمتد من البوابة الشرقية الى البوابة الغربية للوطن العربي فأطماعهم في العراق والأمارات العربية والبحرين معلنة وواضحة وعبر عنها الكثير من المسئوليين الإيرانيين صراحة بالكلام ومن المعروف ان الحروب والأحتلال تبدأ بالاقوال وتنتهي بالأفعال أو تبتدئ باللتصريحات وتنتهي بالهجومات. رغم ان الأحتلال بحد ذاته مفردة تزحزحت من مكان لآخر ومن زمن لآخر متلبسة معاني مختلفة تتأطر لاحقا وتعطي ابعادا جديدة لتكشف حقيقتها.


موقفهم من العرب وفق الموروثين الفارسي واليهودي يحمل الكثير من الضغينة والكراهية لتشويه صورة العرب من خلال البدع والخرافات والتضليل الاعلامي والحرب النفسية، فكلاهما يؤمن بأنه شعب الله المختار فاليهود غالبا ما يصرحون بأن الله اصطفاهم دون غيرهم من العباد, وهم يحملون الضغينة للعرب ولا ينسون نبوخذ نصر الذي عصف بملكهم و مجدهم السابق وجعلهم أسرى وسبايا في بابل ومن الطريف ان ملك الفرس (كورش) هو الذي اعادهم بعد احتلاله لبيت المقدس. ونجد في وصاياهم ما يشير الى ازدرائهم لبقية شعوب العالم " إن الأرض التي تدخلون لتمتلكونها هي أرض متنجسة بنجاسة شعوب الأراضي برجاساتهم التي ملأوها بها من جهة إلى جهة بنجاستهم" وتخلص إلى" فلا تعطوا بناتكم لبنيهم ولا تأخذوا بناتهم لبنيكم ولا تطلبوا سلامتهم وخيرهم إلى الأبد" ويردد اليهود عبارات أرض الميعاد وإسرائيل الكبرى والعظمى لتوكيد احلامهم التوسعية.


والفرس أيضا لا يقلون غطرسة فهم يدعون بأنهم شعب الله المختار والفرقة الناجية وقد عجت الكثير من كتبهم بهذه الأساطير وكان الفارسي صدر الدين القبنجي ممثل المرجعية في النجف قد كرر هذه الاسطورة قبل أشهر! والفرس لا ينسون الأسلام الذي أطفأ نار المجوس وعصف بأمبراطوريتهم الواسعة ومرغها بالتراب, ولا يبارح مخيلتهم قول النبي محمد(ص) بعد انتصار العرب في معركة ذي قار" هذا يوم انتصف فيه العرب من العجم"؟ وقد طافت كتبهم بالكثير من الافتراءات ضد العرب وتحقيرهم فكتاب الشاهنامة الذي يسمى( قرآن الفرس) للفردوسي الذي احتفلوا في الأول من شباط الماضي بالذكرى المئوية بعد الألف لميلاده تضمن الكثير من الإساءات واصفا العرب بأنهم آكلة الضب والجراد في الصحاري في حين ان كلب أصفهان أفضل منهم لأنه يشرب الماء البارد, بل أنه يلعن ذلك اليوم الذي بسط المسلمون نفوذهم على فارس وطهروهم من رجس المجوسية بقوله" بلغ الأمر بالعرب مبلغا أن يطمحــــوا فـي تــاج ملك الفرس فتبا لك أيها الزمان وسحقا "وهناك المئات من الكتب التي تسهب في وصف مثالب العرب منها مثالب العرب لإبن الكلبي ولصوص العرب لإبن المثنى وغيرها إضافة الى إساءة شعرائهم للعرب كمهيار الديلمي وبشار بن برد وامية بن الصلت المعروف بشعره:


من مثل كسرى وسابور الجنود له او مثل وهرز يوم الجيش اذ صالا
ومازال الأيرانيون يدرسون هذه الكتب والمناهج لأبنائهم ويحفظونهم الأشعار المسيئة للعرب لزرع بذور الفتنة والنزعة القومية العنصرية والكراهية, وكذلك اليهود حيث تتضمن مناهجهم الدراسية منذ الدراسة الأبتدائية الكثير من هذه الإساءات, وقد جاء في أحد مناهجهم عن جندي إسرائيلي" أي نوع من الرجال هؤلاء العرب؟ لا يقتلون إلا العزل من الأطفال والنساء والشيوخ! لماذا لا يقتلوننا نحن الجنود"!


سياسة قضم الأرض من السمات المشتركة بين الأستراتيجيتين الإسرائيلية والفارسية فالكيان الصهيوني بدأ باجزاء من فلسطين ثم بدا كافار يقضم الجبنة الفلسطينية قطعة بعد أخرى حتى تمكن من ابتلاعها كلها ثم بدا يقضم الأرض العربية القريبة جزء من سيناء وآخر من لبنان وسوريا والإردن ودواليك, وكل الدول لعربية المحيطة بالكيان الصهيوني خسرت أجزاء من أرضها. والفرس اتبعو نفس السياسة فقد أحتلوا الأحواز التي فتحها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب(رض) وألحق بالبصرة إداريا وكانت تسمى(بوابة الأسلام) بمعنى البوابة الشرقية للأمة الأسلامية.

 

وخضعت الى عدة غزوات حتى اسس بنو أسد إمارتهم وخلفهم أمير المشعشين فلاح هبة الله وأنتهت الأمر بتحريرها من الفرس وتأسيس إمارة بني كعب سنة 1690 وبدأت إيران تقضم المزيد من الاراضي حسب إتفاقيات أرضروم الأولى والثانية ومنذ عام 1925 أستعمرت الاحواز وما تزال تجاهد لتحقيق الإستقلال رغم أنها تقف وحيدة في الميدان دون دعم عربي بل من المؤسف ان الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة وبقية المنظمات العربية والدولية تجاهلت قضية عربستان ويتعاملون مع هذه القضية كأنها لا تخصهم وإنما تخص الهنود الحمر, وقد ساعدت المواقف العربية المحفوظة في مجمدة العمالة على تمادي الفرس في عدوانهم وأطماعهم ويوم بعد آخر يمد الفرس بساطهم على أرض جديدة ويسحب العرب بساطهم الى الخلف! الأحواز عربية وستبقى عربية ولا بد ان تتيقظ جذوتها ثانية عند العرب بعد أن أدركوا مغبة تناسيها فقد أرعدت السماء في الأحواز ومطرت في العراق, وأرعدت في العراق فمطرت في لبنان وفلسطين واليمن ومصر والمغرب ستستمر السماء هكذا ترعد حتى تشمل الوطن العربي كله.

 

ويمكن معرفة الخسارة المادية للعرب من إغتصاب الأحواز إضافة الى الخسارة المعنوية إذا عرفنا بأن شعب الأحواز أكثر من (10) مليون نسمة، وتنتج المنطقة 90% من البترول الإيراني وأن الاحتياطي النفطي يقدر بحوالي(133) بليون برميل وأن مساحة الأرض التي أستولت عليها إيران تزيد عن(65) ألف كم2 وأن 99% من ثروة إيران تاتي من هذه المنطقة التي يعاني أهلها من التخلف وشظف العيش والتهجير القسري الى خارج منطقتهم وأستبدالهم بعناصر فارسية إضافة الى الأضطهاد والقمع والتفريس حيث يمنع السكان من الدراسة باللغة العربية رغم أن الدستور الايراني سمح بتلك الفقرة ولكنها ركنت جنبا كما تركن عمامات الملالي جنبا وهم يمارسون المتعة بل وصل فكر الملالي لمنع السكان من لبس اليشماغ العربي بل واعتقاله لمخالفته تعليمات العمامة, مع كل هذا فأن للتأريخ لسان وسيأتي اليوم الذي تنطلق فيه شرارة الثورة في الأحوازوإنتفاضة عام 2005 كانت علامة الدخان المتطاير من البركان الحوزي الذي سبنفجر لتصب حممه على عمامات الشيطان بإذن الله. وليكن شعار كل عربي ( لا تنسوا الأحواز المغتصبة فهي لا تفرق شيئا عن فلسطين) . كما يتوجب على العشائر العراقية بشكل خاص أن تديم علاقتها مع عشائر الأحواز وتمدها بكل العون ولا سيما عشائر الأوس والخزرج وبني كعب وربيعة وطي وتميم واسد وبني لام وبني مرة وبني سعيد وآل نعمة والزرقان وبقية العشائر التي لها إمتدادات في الأحواز.


وكما مرت قضية الأحواز كزوبعة في فنجان في الذاكرة العربية مرت قضية الجزر العربية الثلاث بنفس السهولة ففي الثلاثين من شهر تشرين الثاني عام 1971 استيقظ العرب بكابوس جديد تمثل في إحتلال ثلاث جزر عربية هي طنب الصغرى وطنب الكبرى العائدتين لرأس الخيمة وجزيرة أبو موسى العائدة للشارقة ومن المؤسف ان تلحق هذه الجزر في نفس فايل الأحواز ليتراكم الغبار عليها بعد أن تعاملت إيران مع الإرادة العربية بكل إحتقار وإستهانة, وتأمل العرب خيرا في مجيء نظام الملالي كعادتهم في تبرير تقاعسهم وكسلهم إلى أن تبين لهم ان النظام الشاهنشاهي ونظام الملالي هما وجهان لعملة واحدة فقد تغير جلد الأفعى لكنها بقيت نفس الأفعى! فقد تبين إن شعار الثورة الإسلامية بالتخلص من أرث الشاه لم تكن سوى أشهب خف وميضها وأختفت مع تسلم مقاليد الحكم! وقد وصلت صلافة الفرس الى حد التباهي بفحولتهم لأغتصاب الأمة العربية فعضو اللجنة البرلمانية لشئون السياسة الخارجية والأمن القومي(عوض حيدر بور) حذر دولة الإمارات من مغبة المطالبة بعودة سباياها المغتصبات الثلاث الى حضنها بل انه صرح بأن" الإمارات العربية نفسها كانت جزءا من السيادة الإيرانية" بل ان زميله البرلماني (داريوش قنبري) وداريوش - أسم بولندي ربما جاء من زواج متعة بين الملة قنبري واحدى البولنديات- حذر الأمارات بأن مطالبة الإمارات بالجزر يعني إندلاع حرب بين الطرفين منوها بأن الحرب مع العراق كانت بسبب التنازع الحدودي! ومن المعروف ان حكومتي الشاه والملالي رفضت عرض القضية على محكمة العدل الدولية حسب تعبير البرلماني " من غير المنطقي ان تقوم ايران بوضع اراضيها تحت اختيار هذه المحاكم" ورفض أي دولة من دول النزاع الموافقة على عرض القضية على المحكمة يعني إستحالة مناقشتها في محكمة لاهاي حسب اللوائح القانونية الخاصة بالمحكمة. ومن المعروف أن إحتلال هذه الجزر يكمن لأهميتها الإستراتيجية عند مضيق هرمز حيث يمر من خلاله 75% من النفط العالمي.


ولم تتوقف شهية الفرس عند هذا الحد فقد كان الخليج العربي مآلهم ليهيمنوا على بحر العرب كاملا فمن المعروف تأريخيا أن الخليج العربي كان بضفتيه الشرقية والغربية للعراق ومن خلال نقض الأتفاقيات التي سنناقشها لاحقا بدأوا بإرواء ضمأهم المصطنع من الخليج حتى اطلقوا عليه تسمية الخليج الفارسي, ومنذ اتفاقية عام 1975 تغير مجرى شط العرب عن خط التالوك الوهمي الذي يمثل الحدود المائية بين البلدان لصالح الجانب الإيراني حيث حصلت على مساحات جديدة من الأرض في الوقت الذي فقد العراق أراضي زراعية خصبة حتى أن جزيرة ام الرصاص أمست في منتصف النهر وأقرب للجانب الإيراني وهذا الأمر الذي دفع الإيرانيين الى احتلالها تزامنا مع زيارة رفسنجاني الى العراق.


ولم يكتفوا بقضم الأراضي العراقية في مناطق سيف سعد والشلامجة وزين القوس وغيرها بل تمادوا في غييهم بعد الأحتلال الأمريكي للعراق، فقد أعترف وزير الدفاع العراقي السابق حازم الشعلان بأن الفوضى غير الخلاقة التي خلفها الغزو أدت الى توغل إيران في الأراضي العراقية بعمق 5-10 كم جنوب ووسط العراق, بل أنهم عام 2008 أستولوا على مناطق حدودية في منطقة مجنون حيث ابار النفط العراقية وتزامنا مع زيارة رفسنجاني الاخيرة للعراق أحتلوا جزيرة أم الرصاص العراقية ومع هذا فأن رئيس العراق المنصب الطالباني وصف الزيارة بالمباركة!


وهنا من حقنا أن نتساءل هل هناك فرق بين احتلال الصهاينة لفلسطين وأراضي من لبنان والأردن ومصر وسوريا وما بين الأحتلال الفارسي للأحواز والجزر العربية الثلاث والمناطق الحدودية في العراق؟ اليس الأحتلال واحد مع تغير صفة المحتل من الطاقية اليهودية الى العمامة الفارسية؟


عندما ضمت الكويت الى العراق اقام الغرب والعرب الدنيا ولم يقعدوها وتوحدوا جميعا ضد العراق وكبلوه بحصار اقتصادي لم يشهد العالم له من مثيل، لكنهم لم ينبسوا بكلمة ازاء الاحتلال الفارسي للأراضي العربية؟


ان تكون الكويت المحافظة العراقية(19) رغم الحقوق التأريخية فتلك جريمة لا تغتفر! ولكن ان تعلن إيران بأن البحرين المحافظة رقم(14) لها فتلك مسألة فيها نظر؟ أي ازدواجية تحكم العقلين الغربي و العربي؟


وللكلام بقية بإذن الله.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٢٥ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٢ / أذار / ٢٠٠٩ م