المقاومة العراقية : قراءة اولية في مقالة هنري كيسنجر ( السبيل الى التقدم في افغانستان ) واحتمالية علاقة ذلك بما يحصل بالعراق ؟ *

 

 

شبكة المنصور

الوليد العراقي

اميريكا هذا البلد القائم على ملذات الموت وصنع الجلود واحذية الخيل من جلود البشر المجنى عليهم بدأ بكارثة الهنود الحمر التي راح ضحيتها اكثر من مليون شخص عاشت على اشلائهم  وقامت الولايات المتحدة البيضاء كما تسمى اليوم .لا يمكن لبلد مثل اميريكا مقطوع الجذور والعروق من على وجه الارض الذي تعيش عليه ان تتحول بيوم وثان الى دولة محتواها بشر يشبه الباقي من الجنس البشري الذي ترعرع في احضان طبيعة بلاده ولاكثر من مليون سنة وحسب ما جاءت به الدراسات المهتمة بزمن ظهور العنصر البشري أي  دراسات المتحجرات بوجه الخصوص.هناك انسان جاء الى بيئته من خلال مئات الاجيال المتعاقبة التي استوطنت تلك البيئة فأثرت فيها وتأثرت بها حتى صقلت الشخصية السكانية في مكان ما من الكرة الارضية على الوجه الذي نراه اليوم وكما هو معروف فأن الانسان حاله حال الكائنات الاخرى من الاحياء هو نتاج التفاعل بين الموروث الحي ومحيطه فكلاهما مساهمان في اخراج الصفات النهائية الوظيفية التي تبان على الكائن الحي ومنه البشر.ترى هل يمكن ان يكون ناتج البيئة الاميريكية بالتفاعل مع الموروث المهاجر اليها ذا استقرار وثبوتية  بالمقارنة مع الانسان الذي ترعرع وعاش في اوروبا او اسيا او افريقيا على سبيل المثال؟؟؟

 

من هذه المقدمة البسيطة  المكثفة حد النقطة بما يخص الانسان ومحيطه وتفاعل موروثاته الحية مع عوامل البيئة التي يعيشها يمكن ان نستنتج ان الانسان الذي هاجر الى اميريكا وانجب وشكل مجتمع او قل شعب حديث ما زال يعاني من المتغيرات المستمرة لصفاته وسيبقى تحت هذا الضغط المحيطي المكتسب والبطئ جدا الى ان يستقر ويتحول الى صفات ذات ديمومة ومن ثم الى سلوك بشري  ثابت حاله حال اقرانه من العنصر البشري في الاماكن الاخرى من المعمورة.هنا لا تخلو وكما قرأنا ورأينا في التاريخ  الاميريكي حديث الولادة من ظواهر غريبة جدا مقارنة باخواتها من الحضارات الاخرى التي تنامت وترعرعت في بيئتها الثابتة ولالاف السنين على الاقل.من هنا كان علينا ان نتعامل مع العقل الاميريكي وما يفرزه من تصرفات بحذر وبرؤيا تختلف تماما عن العالم المتحضر (القديم) الذي يختلف تماما عن الانسان البدائي مدنيا (الحديث) والذي قامت دولته على شريعة الغاب وما زال يتعامل مع الشعوب المتحضرة الاخرى على هذا الاساس.ان السلوك الاميريكي ومن خلال ما نراه ونعيشه يوميا محمولا من قبل رسله العسكريين والسياسيين بل وحتى المدنيين ليعطينا انطباع درجة التخلف الوراثي والتركيبي والنفسي والرعب من الطبيعة التي يعيشها هذا الكائن البشري الذي نسميه بالاميريكي.ان التمدد الاميريكي في الارض من شرقها الى غربها ربما ليس بدافع الوعي بالمصالح والاختلاط بالشعوب وتبادل المعلومات لكنه بدافع الترقب والتعرف على كوامن الاخر وقدرته على التلاعب بمستقبل الانسان الاميريكي مستقبلا كونه انسان  بدائي  وغريب  يعيش وسط تلك المليارات من الكتل البشرية المستقرة بكل اسرارها كما يعتقد الانسان الاميريكي البدائي الجاهل.

 

الحضارة ليست القدرة على صنع الالة ولا القدرة على الكتابة لان كليهما يمكن ان يتعلمهما الانسان في الصف الاول الابتدائي ومن ثم يتقدم في السيطرة عليهما والتلاعب بهما مستقبلا أي خلال سني عمره ولكن هل نستطيع ان نقول للطفل الذي يقرأ ويكتب ويسوق دراجته انه متحضر ومتمدن؟التمدن والحضارة هما انعكاس للموروث الجيني الذي صقلته عوامل البيئة على مد الالاف السنين حتى استقر ومن ثم انعكاس ذلك على مجمل السلوك البشري.ومن هنا عندما قرأت مقالة الاستاذ هنري كيسنجر اصبت بالخيبة  وعدم الاطمئنان على مستقبل العنصر البشري تحت ظل تلك الافكار المهيمنة عليه في العصر الاميريكي بكل ما يحمله من همجية وبدائية انتقلت بالوراثة وعدم استقرارها  والمشاكل والكوارث ذات العلاقة بها الى اذكى البشر كما نعتقده حالنا حال الناس الاخرين وهو هنري كيسنجر.صح يمكن له بقوة عضلاته (القوة الغاشمة التي تمتلكها اميريكا)ان يحتل أي منطقة بالعالم وخلال ساعات او ايام ولكن يبقى السؤال كم طول الزمن الذي يمكن له الاحتفاظ بتلك الغنيمة الرافضة لبدائيته وفضاضته وانانيته كون الانانية تتناقص كلما نضج الانسان واصبح اكثر شمولية .الانانية تظهر في الطفولة على اعلى درجاتها وكأنها تعبير عن حالة التطور الذي عاشها الانسان وجاء من خلالها ولالاف السنين حتى صقل فاصبح مثل الذي نراه في انسان القارات (القديمة).

 

صحيح انني درست في الغرب وفي بريطانيا تحديدا ولا انكر تأثري بالموروث الحضاري لشعبهم  كونه قد تصالح مع الطبيعة  ومكوناتها من البشر وهوعكس السياسة التي ينتجونها قادته من افراز ما تبقى في جعبتهم من قتال لا جدوى منه طالما هو حاصل خارج بيئتهم فمصيره الزوال اجلا ام عاجلا.من ناحية اخرى لم اكن  منبهرا ولا متأثرا بالتقدم ولا بالحضارة المهتزة الاميريكية كونها ايلة الى السقوط قبل ان تترك حضارة بشرية تذكر في التاريخ وما نتج عنها ما هو الا مهاجر الى موطنه الاصلي والا بقي يتيما هناك تلفه عاديات التخلف الوراثي البيئي لتذروه الرياح.فهنري كسنجر  وهو احد صناع اميريكا الحديثين وذو العقل الاكاديمي المرموق كيف له ان يقاتل ليحتل بلدا مستقرا بوراثته عندما يتركه الاخرون وهو افغانستان؟

 

يقول هنري كيسينجر ان افغانستان والباكستان هما وحدة جيوسياسية واحدة  ومن ثم يرجع ليقول ان على اميريكا بالتعاون مع جيران افغانستان  وبالتحالف مع الدول الخمس الكبرى ان تتحول الى دولة محايدة  حالها حال( بلجيكا)ومنع الدول المجاورة تحديدا من التدخل في شؤونها وصنع الملاذات الامنة للمجاهدين فيها من طالبان كون خطر هذه الدولة قد يمتد الى الصين (وربما هنا يقصد من خلال الاقلية المسلمة هناك) والى الهند التي تحتوي على مسلمين وعلى روسيا الاتحادية (وربما هنا يقصد من خلال المجاهدين الشيشان بشكل رئيسي) والى اندنوسيا المسلمة؟!وهنا وبعد المقارنة والتحليل هل هذا يعني ان ما جرى في العراق من حوارات واجتماعات لدول الجوار ومنع الملاذات الامنة للمجاهدين الذين يمكن ان يأتون اليه كان وراؤه هنري كيسنجر او ما يقارب من صناع القرار الخفيين في اميريكا؟من ناحية اخرى عندما يركز على الجوار  وعزل افغانستان عنهم وهم وحدة جيو سياسية واحدة كما يقول ..هل يا ترى ان اميريكا قامت باحتلال العراق كي تعزله عن محيطه العربي كونه منبع الفكر القومي العربي من خلال حزب البعث العربي الاشتراكي؟في حين تمنع المد الديني الاسلامي  الذي تتبناه طالبان من ان يمتد الى جوارها كباكستان من ناحية اخرى؟

 

كما يعلق كيسينجر في مقالته على كيفية ان تكون السياسة الاميريكية الاوباماوية في افغانستان حيث يحذره  بوجوب عدم قيام دولة متناغمة وفكر الجهاديين الافغان؟ترى هل ان اميريكا ونقطة استنتاجية تحاول ان تمنع قيام دولة عربية قومية في العراق قد تشكل خطرا مستقبليا على الكيان الصهيوني بشكل رئيسي ومن ثم على المصالح الاميريكية هنا في العراق وكما يتصور الساسة الاميريكيون فضلا عن معاداتهم لاي حالة من التقارب العربي الوحدوي  الذي ينادي به العراق وكان على مد التاريخ مركزا له ومدافعا عنه؟ وربما نذهب اكثر في ما وراء الكلمات من معنا وقصد محجوبين عنا وهما ان وجود دولة عربية قومية في العراق يعني تقوية المقاومة الفلسطينية وفي هذا خطر مستقبلي على الترسانة النووية الصهيونية في حالة انتصار العرب هناك على هذا الكيان الخزري. وهذا ما يتخوف منه كيسنجر عندما يمنع افغانستان من التمدد الفكري البشتوني الى الدولة الباكستانية المسلمة السنية ومن ثم الاستيلاء على الترسانة النووية من قبل طالبان البيشتون هناك وما يشكله من خطر على المصالح الاميريكية ولا اقول على الامن الاميريكي.

 

ثم يقول كيسنجر علينا ان نستثمر الشعبية الجيدة لاوباما في حلف الناتو لصالحنا في حربنا على افغانستان من خلال جرجرت هذا الحلف اكثر فاكثر لمساعدة اميريكا في ورطتها هناك هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يعني كلامه هذا ان رئيس اميريكا مجرم الحروب بوش اصبح قائدا اميريكيا مرفوضا من قبل حلفاء اميريكا وخاصة في حلف الناتو نتيجة الكوارث التي حلت بهم وخاصة الاقتصادية من خلال منظومة النقد العالمية التي يتلاعب بها الدولار الاميريكي ولحد الان حيث ان اليورو ما زال في بداية عهده المنافس والبديل العالمي للدولار ربما حسب ما تفكر به اوروبا المحتلة اقتصاديا بل وحتى عسكريا من قبل  التنين الاميريكي بفعل اوروبا.

 

ثم يستطرد كيسنجر في مقاله ليضيف ان أي دولة تتخالف ومشروعهم في افغانستان سوف توصم بالعداء لاميريكا أي بمعنى اخر اما معهم او ضدهم وهذا ما رأيناه في ذات السياسة بما يخص العراق وخاصة الدول العربية المجاورة حيث وضعتهم اميريكا هم والجوار الاخرين وحتى الدول الكبرى في ذات الميزان .

 

كما يوجه كيسنجر اوباما بضرورة مساعدة الافغان وتحسين حالتهم المعيشية خاصة وهم قضوا ثلاثين عاما من الحروب وذوي الاقتصاد الاحادي وهي المخدرات.يستشهد كيسنجر بالتحسن المعيشي من خلال الدول المانحة للعراق  والتي تعكس ارادة اميريكا في تطوير العراق وتحسين معيشة المواطن فيه خاصة وانه البلد المحارب منذ 1980 أي ثلاثين عاما تقريبا؟!حيث انهكته الحروب فاصبح اقل صعوبة في الاحتلال وامسى بشره ومن وجهة النظر الاميريكية اكثر شغفا بالمال لتحسين عيش بشره هناك.وقد غاب عن كيسنجر ان الذي دخل في جيب البعض من العراقيين لا يتعدى رواتب يمكن ان يحصل عليها أي مواطن في بلده دون الحاجة الى ويلات احتلال.كما نسي الكاتب ان بلده قد دمر العراق بالكامل وتركه اطلالا لاهله بعد ان سرق كل شئ وخرب كل شئ.هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فات على كيسنجر ان العراق ليس افغانستان  انه بلد الخير بنفطه ومعادنه وزراعته ومياهه وعليه يمكن له العيش برفاه حالما يخرج الاحتلال من ارض العراق ويستقر.

 

ان خلاصة ما جاء بمقال هنري كيسنجر وعلى حد فهمنا لها يوحي بشئ خطير ليس بما يخص افغانستان فقط بل بما يخص العراق .ان مقاله جاء ملبدا بالغيوم التي حجبت الكثير من الاضواء التي يمكن ان تسلط عليه  والتي اختزلت في ظلمتها وضبابيتها الكثير من التوجيهات المرسلة الى الرئيس الاميريكي الاسود والتي عليه ان يقوم بها  وهي في ذات الوقت اما معمولا بها في العراق او سوف يقوم به هذا الرئيس الحبيس قرارات المؤسسة الاميريكية الخبيرة بالهيمنة على الشعوب وطي تاريخها والاستيلاء على خيراتها بالباطل والقوة الغاشمة.كما بات تركيزه على التعاون مع الحكومة الباكستانية ومن خلال الضغط عليها وعلى برنامجها النووي من اجل القضاء على حركة طالبان الاسلامية ربما هي ذات الساسة المتورطة بها اميريكا في العراق والتي ايضا تحتمل الضغط على ايران ومن خلال لعبة مشروعها النووي بضرورة الاستمرار والتعاون في مجال منع قيام دولة عربية قومية في العراق بل وفصله عن محيطه العربي من خلال وجود حكومة خليطة من تفاهات المجتمع العراقي تقودها مليشيات طائفية  وتهيمن عليها اميريكا .

 

ان اميريكا فعلت كل ما بوسعها فعله وما زالت تحاول تدمير الشخصية العراقية العروبية  تمهيدا لطمس معالمه والخلاص من خطره على الكيان الصهيوني والا لماذا جاءت  بجلال الطالباني الخبل لتنصبه على الكرسي الرئاسي العراقي وهل كان ذلك كونه شخصية عراقية  مرموقة ومحبوبة من اكثر العراقيين ام لانه من اقليه عراقية هي اصلا مصممة بفعل حزبه للانفصال من الجسد العراقي ومن ثم الانفصال برئاسته من الجسد العربي.ان اللعبة القذرة الاميريكية بما يخص العراق ما زالت جارية لحد الان ولا يهم المشرع الاميريكي تدمير وانهاء العراق كقطر عربي رائد في سبيل مصالح ومطامح اكبر تهم اميريكا وحليفتها الكيان الصهيوني  ومن ثم مصالحها المباشرة في العراق وفي المنطقة خاصة بعد ان فشل مشروعها (العولمة) وبعد ان طال الخراب الاقتصادي كل مفاصلها واتسع ليشمل كل حلفائها الشرقيين والغربيين بل وبعد ان فشل رأس المال .

 

يقول كيسنجر ان على اميريكا ان تستفاد من تجربتها في كسب الميليشيات السنية (الصحوة)في الانبار حيث ساعدتها في استقرار امن قواتها في تلك المنطقة الساخنة من العراق.اذا لماذا لا يمكن ان تكون هناك ميليشيات حكومية تابعة لكرزاي ومن اقليته والتي اعتقد انه شيعي افغاني كي تكون درعا واقيا لقوات حلف الناتو هناك تحميها من ثورة الشعب الافغاني العصي على مد التاريخ على محتليه وقد جربت بريطانيا حظها مرتين والاتحاد السوفيتي مرة واحدة وانسحبوا من بلاد الافغان.لاحظوا اميريكا لا تأتي برئيس من كتلة كبيرة داخل البلد الذي تحتله بل دائما من الاقليات بهدف طمر المد الشعبي الكبير وتذويب ارادته وتدجينه  لقبول التصغير والتحجيم لدوره ومن خلال المماطلة والتسويف الزمني والمفاوضاتي الذي تنتهجه اميريكا وكذلك حليفها الكيان الصهيوني.

 

ان على المقاومة العراقية بكل اطيافها الوطنية والقومية والاسلامية الباسلة ان تأخذ مثل هذه الخطابات لصناع القرار الاميريكي محمل الجد وتتعامل مع المعطيات ساعة بساعة ويوما بيوم من اجل افشال المشروع الاميريكي –الايراني-الصهيوني في العراق من خلال الاجهاز البارع والشجاع على كل القوات الاجنبية في العراق وكذلك ضرب كل المصالح الاميريكية والمكتسبات التي جاء بها الاحتلال لعملائه وذيوله لا للشعب العراقي ومن هنا يمكن افشال المشروع الاميريكي في العراق والظمان الاكيد لخروج قوات الاحتلال وبشكل كامل وطرد كل العملاء والمأجورين من بلاد الرافدين وبالتالي ترك العراق لاهله بفعل المقاومة العراقية الباسلة لا بفعل قرار اميريكي يتظاهر انه من علينا بتحريرنا الاعلامي  وفي حقيقته ربما يخطط لما هو اخبث وامر  ومن الله التوفيق.

 

 

* مقالة هنري كيسنجر المنشورة في تربيون ميديا.

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٠٥ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / أذار / ٢٠٠٩ م