حزب البعث العربي الاشتراكي                                        أمة عربية واحدة    ذات رسالة خالدة

                القطر التونسي                                                     وحدة      حرية      اشتراكية

 

كلمة البعث في الذكرى الثالثة والثلاثين ليوم الأرض المجيدة

 

 

شبكة المنصور

 

ارتقى هذا اليوم إلى مستوى الذكرى الخالدة بعد الانتفاضة العارمة التي اندلعت على شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية وشبابية في جميع المدن والقرى والتجمعات الشعبية الفلسطينية في الوسط العربي داخل دولة الاحتلال احتجاجا على التمييز ومصادرة الأرض. ففي يوم 30 من شهر مارس / آذار من سنة 1976، وبعد حوالي ثلاثة عقود من العيش تحت الحكم العسكري الصهيوني والإجراءات التعسفية والتمييز العنصري وعمليات مصادرة الأراضي وهدم البيوت هب الشعب الفلسطيني منتفضا في جميع التجمعات السكنية العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 ضد سياسة الاستيلاء والاستحواذ على الممتلكات العربية بمصادرة قسم من أراضي عرابة البطوف وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها تحت شعار "مخطط تطوير الجليل" أي تهويد وصهينة المنطقة بغية تقطيع التواصل الجغرافي للقرى العربية الفلسطينية وتغيير المعادلة الديمغرافية لصالح المستوطنين بزرع المزيد من المستوطنات السكنية والزراعية والصناعية والمحميات العسكرية بهدف محاصرة الوجود الفلسطيني ودفعه نحو الهجرة أو الانصهار كأقلية في الكيان اليهودي المحتل.

 

إزاء هذا العدوان هبت الجماهير العربية معلنة صرخة احتجاجية ضد سياسات مصادرة الأراضي حيث انطلقت الشرارة الأولى للمواجهات في دير حنّا فعرابة وسخنين (مثلث يوم الأرض). وتحولت التحركات الاحتجاجية إلى إضراب عام في 30 مارس/آذار 1976 وقد شمل ولأول مرة منذ النكبة والتهجير، كافة قطاعات الشعب الفلسطيني الذي نجا من التطهير العنصري عام 1948 والذي بقي متمسكا بالأرض تحت هيمنة الاحتلال الصهيوني. ولم يحجم المحتل الصهيوني عن مواجهة الانتفاضة بالرصاص فاستشهد ستة من أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل وجرح الكثير منهم وشمل الاعتقال والتنكيل المئات.

 

وبقدر ما جسدت هذه الانتفاضة الشعبية العارمة الإرادة الوطنية ووحدة الموقف الرافض للاحتلال، برهنت على مدى التمسك بعروبة الأرض والهوية الفلسطينية وبمدى التضحية لمناهضة الاستيطان اليهودي ورفض تقطيع الوجود العربي. كما أصبحت نبراسا للذاكرة الوطنية الفلسطينية في الداخل وفي الشتات ومناسبة قومية عربية وإنسانية يحتفى بها تأكيدا على حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه المغتصبة ومقاومة الاحتلال.

 

مر اليوم على تلك الانتفاضة 33 سنة ومازال نفس الشعب الذي فجرها متشبثا بأرض الوطن، متحملا قسوة الاحتلال ومرارته، مستعصيا على الاندماج والذوبان، مؤكدا وباستمرار عمق ارتباطه بأبناء كل فلسطين في الضفة وغزة وفي المنافي وعمق انتمائه لأمته العربية.

 

نحيي ذكرى يوم الأرض لنؤكد أن الانتهاكات الصهيونية للأراضي الفلسطينية لم تتوقف, والحصار الصهيوني المفروض على شعبنا بالقوة العسكرية ما زال مستمراً, وما يشكله جدار الفصل العنصري من خطر مع استمرار القتل والاعتقالات الجماعية من شأن ذلك كله أن يرسم صورة واضحة عن الجرائم الصهيونية والممارسات العدوانية , والتي يتصدى لها شعبنا الفلسطيني بكل صبر وإصرار على الصمود والمقاومة.

 

فلا يمرّ يوم دون أن نسمع عن هدم بيوت عربية وتجريف مزارع وقطع طرقات وإغلاق معابر أو شن غارات واعتقال مجموعات أو سقوط شهداء بنيران العصابات العنصرية أو الجيش الصهيوني المتعطش دوما لسفك دماء أبناء فلسطين.

كما لم تتوقف سياسة القضم ومصادرة المزيد من الأراضي ونشر المستوطنات والتضييق على الوجود العربي الفلسطيني، علاوة على التهويد المستمر للقدس ومحيطها تنفيذا للمشروع الصهيوني الذي ركز أولوية أهدافه على الاستيلاء على الأرض واقتلاع شعبها بشتى وسائل الاستئصال فلا تردد في ارتكاب المجازر وشن الاعتداءات على القرى والمدن العربية الفلسطينية لترويع سكانها قد تشريدهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وتمكين المستوطنين منها.

فالممارسات الصهيونية اليومية في النقب والقدس وغزة والضفة تؤكد طبيعة الاحتلال ونواياه الاستيطانية ورفضه للوجود العربي ولكل مشاريع التسوية والتعايش التي يتبناها المستسلمون للأمر الواقع والراغبون في التطبيع والعاجزون عن المقاومة.

 

إن يوم الأرض هو الرد الحقيقي وصمود الشعب الفلسطيني وتبنيه خط المقاومة هو السبيل الناجع لردع العدوان وتحرير الأرض والإنسان. وإن كان ليوم الأرض من دلالة فهي القناعة بأن:

 

1- يوم الأرض هو دعوة لوحدة كامل الشعب الفلسطيني المضطهد حفاظا على الهوية والوجود ودفاعا عن الأرض والحقوق.

 

2-  يوم الأرض هو إعلان للصمود والتصدي ورفض الذوبان والتهويد.

 

3- يوم الأرض هو تعبير عن أن أرض فلسطين لها شعبها وأن الاحتلال مظلمة ولا بد أن تزول.

 

4- يوم الأرض ليس مجرد محطة بل مناسبة للتذكير بنكبة الاحتلال وبخطر التهويد المتواصل وإبادة الشعب الفلسطيني.

 

5- يوم الأرض إحياء لعروبة فلسطين وإدامة المقاومة ضد الاحتلال.

 

6- يوم الأرض صيحة شعب يأبى الاستسلام ودعوة لتذكير العرب والمسلمين وأحرار العالم والضمير الإنساني أن الاحتلال الصهيوني جريمة في حق شعب أعزل وأن جميع مشاريع السلام مظلمة إضافية تشرعن الاحتلال وتوسعه وتغض النظر عن جرائمه المستمرة.

 

على ضوء هذه الدلالات بات يوم الأرض يوم إدانة للاحتلال الصهيوني ويوم إشادة بكفاح الشعب العربي الفلسطيني الذي تتواصل انتفاضته سواء بالضفة الغربية وقطاع غزة أو في أراضي عام 1948 وقد اكتسب شعب الجبارين تجربة طويلة ومتميزة في مقاومة الاحتلال والتصدي للاستيطان والتهويد.

 

حلت بنا الذكرى الثالثة والثلاثون ليوم الأرض وفلسطين تتعرض باستمرار إلى اعتداءات متكررة أشرسها العدوان على غزة بهدف القضاء على المقاومة وكسر الإرادة الفلسطينية وإخضاعها للاستسلام، إلاً أنً صلابة المقاومة في فلسطين قد فوتت الفرصة على الصهاينة ومن حالفهم من المستسلمين ولقنتهم درسا لم ينتظروه وبذلك رسًخت القناعة بقدرة المقاومة على تهديد أمن الاحتلال وقدرة الشعب على الصمود في وجه العدوان الغاشم والحصار الظالم مما اثبت أن الشعب العربي الفلسطيني عصيُُُ على الاستئصال مهما كانت التضحيات وغطرسة العدو.

 

هذا الدرس في الدفاع عن الأرض والكرامة بمواجهة الاحتلال بمختلف الوسائل المتاحة يجد له صدى في وجدان وعقل كل عربي مؤمن وثابت على حقوق الأمة في الوجود الحر والمستقل. ولا شك أن العروبة المناضلة تأبى الاستسلام وأن إرادة الأمة العربية حية حيثما يحمل أبناؤها السلاح ويرفعون صوتهم عاليا ضد القهر والظلم والعدوان والشواهد على إرادة التحرر والدفاع عن الكرامة ليست قليلة إذ أثبت أهل غزة أنهم خير المرابطين والثابتين على الجهاد وأثبت المقاومة الوطنية والقومية الإسلامية في بلاد الرافدين أن العراق العربي عصي عن الترويض مهما تعددت أطراف الاحتلال وتلونت مشاريعه وأساليبه الإجرامية وكذلك شأن الثائرين في الأحواز العربية وفي الصومال والسودان حيث تعمل قوى الشر المتحالفة ضد العروبة والإسلام على نهش وتخريب وتفكيك جسم الأمة العربية لتعطيل وحدتها وضرب حريتها ونهضتها حتى تبقى مسرحا لتلاعب القوى الكبرى وأرضا مفتوحة أمامها لنهب الثروات وتحقيق مصالحها المختلفة.

 

إن الاحتفاء بيوم الأرض يتعدى مجرد التذكير بالنكبة في فلسطين إلى ما تعانيه الأمة العربية من فقدان للسيادة الكاملة على مجالها الجغرافي ومن تواصل للعدوان وللتفكيك المنهجي للكيانات التي اختطها الاستعمار نفسه ثم عاد من جديد لتفكيك الأجزاء. وخير دليل عزل غزة عن محيطها والسعي الى تقطيع أوصال الضفة الغربية من خلال زرع المستوطنات ومشاريع التفتيت الجغرافي والاجتماعي تمضي سرا وعلنا في بقية الوطن العربي من خلال إحياء النعرات القومية والطائفية والإقليمية. ولا شك أن الطامعين من الصليبيين والصهاينة والصفويين والانفصاليين المحليين قد استفادوا من ضعف أنظمة التجزئة واستسلامها لتحقيق المزيد من تفكيك الوحدة القطرية ذاتها وبالتالي القضاء نهائيا على الهوية العربية الإسلامية وعلى الوحدة العربية برمتها.

 

ولذا فليكن يوم الأرض يوما لإحياء الضمير الإنساني واستعادة الوعي القومي بالمخاطر المحدقة بالعرب وبأراضيهم المعرضة للاستيلاء والتفتيت ونهب مقدراتها. وليكن يوم الأرض فرصة لمراجعة كل التنازلات ومعاهدات السلام الموهوم واتفاقات التطبيع المجاني التي مكنت الأعداء من تحقيق المزيد من المكاسب والقوة على حساب العرب جميعا وخولت لبقية الطامعين في الوطن العربي التدخل للنيل من الأرض العربية ومن عقيدة العرب وكرامتهم ومثال ذلك التغلغل الفارسي الصفوي في العراق واحتلاله للجزر الإماراتية في الخليج العربي ومساعي التشييع حاليا لا تستثني قطرا عربيا واحدا، والواقع أن احتلال العقول أخطر من احتلال الأرض.

 

ورغم قتامة المشهد العربي، فإن الاحتفاء الشعبي بذكرى يوم الأرض هو دليل قاطع على أن إرادة الشعب العربي وكرامته وعزته تأبى الاستسلام وعلى أن إرادة المقاومة  في الأمة لازالت قائمة وفاعلة حتى تحرير الأرض وتحقيق النصر على أعداء الأمة وتخليصها من عوامل الضعف والتفكك.

 

وبالمناسبة ندعو كافة قوى الأمة الحرة والمناضلة إلى دعم شعب الجبارين في كامل فلسطين المحتلة وندعو كافة فصائل المقاومة الفلسطينية الى تعزيز جبهة الصمود والقتال ونقول أيضا للمتمسكين بالمساومة والتعايش أن الاحتلال جاء ليأخذ وإذا كانت عينه على ما بعد أرض فلسطين فإنه لن يفرط في شبر من فلسطين ولن يبق على عربي واحد داخل دولته الدينية فإما القبول بالتهويد والذوبان وإما التهجير أو الإبادة. والحقيقة أن الصهيونية ودولتها العبرية لا تقبل لا بدويلة فلسطينية ولا بأقلية عربية فلسطينية لأن كلمة فلسطين تحمل شرعية تاريخية وجغرافية وتقترن بمأساة شعب بأسره وبأكبر مظلمة في هذا العصر وهذا يعني عدم شرعية قيام "دولة إسرائيل" التي لم تكن غير كيان استعماري عنصري مارق على القيم الإنسانية وعلى القوانين والشرعية الدولية الحقيقية.

 

وعليه فإن المساومة لن تضمن حقوق الشعب العربي الفلسطيني وادعاء التعايش مع الاحتلال يعطي إمكانية أكبر للمحتل الصهيوني لممارسة حق القوة وتحقيق المزيد من التوسع في الاستيطان والعدوان. فلا أمل إلا بالمقاومة لاستعادة الأرض ودحر الاحتلال.

 

عاشت فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر.

المجد والنصر للمقاومة وللشعب الفلسطيني الصابر المجاهد.

تحية إكبار وإجلال للمقاومة في العراق والأحواز ولكل الذائدين عن الأرض العربية

الرحمة والخلود لشهداء أرض المقدسات والعروبة شهداء العزة والكرامة والتحرير.

 

القطر التونسي في ٣٠ / أذار / ٢٠٠٩ م

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٠٢ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٩ / أذار / ٢٠٠٩ م