هل سقطت ورقة التوت في قمة الدوحة ؟

 

 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله / كاتب وباحث في الشأن السياسي
عندما تكون السلطة هي الهدف , وتستحيل كل القيم والمباديء الدينية والدنيوية الى مجرد وسائل , وترنو عيون مبتغيها الى مايملء خزائنها من اموال وثروات ووجاهات , فان التفكير في الوطن والمواطن والمواطنة , يصبح ضربا من الخيال في أجندة هؤلاء ,بل ان التضحية بهذه المفاهيم لابد وان يكون في سلم أولوياتهم , كي يبقى الوطن بمجموعه , مسجلا باسمائهم , كي تستمر عمليات النهب والسلب المنظم ,المترافقة مع مايسمى خطط فرض القانون , حسب شريعة الغاب , بالطائرات الامريكية الحليفة , والمدرعات , وجحافل الغوغاء من مليشيات وفرق موت , وجدران عزل اسمنتية.


وبما ان السلطة في العراق اليوم , اصبحت شركة مساهمة , يسودها نظام الحصة, وفق مقاييس القومية , والطائفة , والعشيرة , والحزب , والعائلة , فان ارباحها لابد وان توزع على الجميع , ولعدم توفر حسن النية المسبق بين المساهمين , فان كل واحد فيهم يحاول بكل الجهود أبراز دوره على انه المسؤول الاول والقائد الاوحد , وهذا هو الذي حصل مؤخرا في جمهورية المنطقة الخضراء.


فقد شهدنا حملة المهاترات الاعلامية التي لازالت مستمرة , بين مايسمى رئيس الجمهورية , ورئيس وزرائه , والذي كل يدعي فيه أحقيته في تمثيل العراق في مؤتمر القمة العربية في الدوحة ,ويتبارى مستشاروهم في الكلام مستندين فيها على نصوص دستورية (بريمرية), حيث عكست بصورة واضحة المازق السياسي والاخلاقي الذي تتخبط فيه الطغمة الحاكمة في بغداد المحتلة , فرئيس الجمهورية ومن يدعمه من قيادات كردية , وقوى حليفة (سنية وشيعية) , يسعون الى ابراز دورهم في المؤتمرات العربية والدولية , وبالمقابل فان من يسمى رئيس الوزراء ومن يدعمه من قوى طائفية (سنية وشيعية) , يسعون كذلك الى تجميل وجوههم امام الاشقاء والاصدقاء , والغريب في الامر ان الطرفين قد تناسوا بان الدستور الذي وضعوه , وقتلوا كل من عارضه من ابناء الشعب العراقي ,قد ثبت اكذوبة كبيرة وهي ان العراق ليست دولة عربية , بل ان جهابذتهم والناطقين باسماء احزابهم ومليشياتهم , كانوا ولازالوا يؤكدون بان دور العراق العربي في خدمة قضايا الامة , قد ولى الى غير رجعة ,وقد جرى التاسيس على هذا المنطق الاخرق , في كثير من جوانب الحياة في العراق الجديد كما يزعمون ,فقد تم تغيير المناهج الدراسية , وغيبت منها صفحات تاريخية مهمة , كان للعراق وشعبه دور كبير في صياغتها , والتاثير في مجرياتها في الكثير من الاقطار العربية , وجرى تصفية الكثير من الاشقاء العرب , وسلب اموالهم وممتلكاتهم , والقائهم على الحدود عراة جياع ,وان من بقى منهم فانه مدان حتى تثبت براءته , بل ان حقدهم على العروبة واهلها دفعهم حتى الى تغيير اسماء الشوارع والساحات العامة التي كانت تحمل اسماء رموز عربية مهمة. أذن وامام هذه الوقائع المهمة والمعروفة على مستوى الواقع العراقي , الا يحق لنا ان نتسائل لماذا كل هذه الضجة والمهاترات المجة حول أحقية من يمثل العراق في مؤتمر عربي يناقش قضايا الامة ؟


لقد اختط هؤلاء الذين يتسلطون اليوم على رقاب شعبنا في العراق المحتل , لانفسهم , منهجا واحدا منذ ان كانوا يسمون ب( المعارضة العراقية) , الا وهو منهج الكذب والخداع والغش ,وخيانه الوطن, والتقوا في هذه الصفات الرذيلة مع الكذاب الاكبر ومرجعهم الاول المجرم بوش , وصاغوا معا رواية كاذبة عنوانها أسلحة الدمار الشامل العراقية , والصلة بالقاعدة , والمساهمة في احداث 11 سبتمبر أن لم تكن باليد فباللسان أو القلب , فكان ان دفع شعب العراق مليون ونصف المليون من خيرة ابناءه , من الاساتذة , والمهندسين , والعلماء , والخبراء , والاطباء , والضباط ,ويتموا اكثر من اربعة ملايين طفل ,ورملوا مليوني عراقية ,واعادوا العراق الى ماقبل الثورة الصناعية , ومع ذلك كانوا ومازالوا يتشدقون بان ماجرى في العراق انما كان تحريرا , وعلى هذا الاساس فانهم يتبارون للذهاب الى المؤتمرات , ويتوسلون الناس كي ياتون لزيارتهم ,كي يستمروا على نفس النهج الذي ساروا عليه وهو (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس) , لذلك لاغرابة أن يقف من يسمى رئيس الوزراء, أمام مؤتمر قمة الدوحة , ليعلن ملء فمه عن استتباب الامن في العراق , بينما كان القادة العرب يسمعون ويشاهدون بأم أعينهم , الطائرات الامريكية وهي تحوم فوق منطقة الفضل , أقدم أحياء بغداد الشعبية , والتي لاتقوى حتى جدران بيوتها على ان تبقى واقفة من أزيز الطائرات , بينما كان الغوغاء يطوفون أزقتها ,ويعتلي القناصة سطوحها , وتحاصر مداخلها ومخارجها المدرعات , وتطلق النار على كل شيء حي فيها, وكذلك في العامرية والغزالية والثورة ,حيث تجوب دوريات وزارة الداخلية الازقة للبحث عمن يسمون بالمطلوبين, وتنتهك الحرمات في السجون, ويدعي بان المصالحة الوطنية فيه قد تحققت ,بينما صرح عدد من الذاهبين الى بغداد مؤخرا من المعارضين للاحتلال والعملية السياسية , بان أول شروطه عليهم , هو ان ينظموا الى عبائته ولايحيدوا عن خط سيره الاعرج, ولازال يجرم ويجتث شرائح سياسية وطنية فاعلة . أما االنواحي الاقتصادية والاجتماعية التي تشدق بتطويرها واصلاحها , فلازالت تقارير المنظمات الاقليمية والدولية , اكبر شاهد على كذبه , وضحالة سلوكه, حيث ان أربعة أشخاص من بين كل عشرة يعيشون تحت خط الفقر, وانه يحتل المرتبة الثالثة في الفساد الادراي والمالي, وأن استيرادته شملت حتى الفواكه والخضروات, ولازال هنالك اكثر من 600 سجن سري اضافة الى 26 سجن رسمي, وان عشرات المليارات قد جرى تهريبها, وان 70% من الاناث بلامدارس, وامدادات المياه متقطعة وغير نقية, وان العديد من العوائل تعيش في اماكن جمع القمامة , وتقتات عليها, وان الامم المتحدة لازالت تطالب الحكومات الاوربية قبول 60الف لاجيء عراقي.


أن الصورة الوردية التي رسمها مايسمى رئيس الوزراء العراقي , امام مؤتمر القمة, انما تتناقض تماما مع طلب تاجيل انعقادها في بغداد للعام القادم, بل تفرض عليه التشبث بقوة لعقدها في بغداد, لكن ورقة التوت التي يتستر بها ستسقط لو تم ذلك,لان القادة يعرفون جيدا انما كلامه ابغاث احلام, وسيكون التمثيل ربما على مستوى وزراء الخارجية أو السفراء,وبالتالي ستسقط كافة مراهناته على دور البطولة التي يحاول جاهدا تصويرها لنفسه ولزمرته, والتي يشتريها بالمال المدفوع لمجالس الاسناد, ولبعض من ركبوا موجة المصالحة الزائفة التي اطلقها مؤخرا.


أن اي مراقب سياسي محايد, قد لاحظ بوضوح, انعدام التفاعل السياسي مع الوفد العراقي في مؤتمر الدوحة,وفقدان العراق لموقعه العربي الكبير, الذي كان فاعلا في مؤتمرات القمة العربية قبل الاحتلال, بل اصبح دوره معدوما او هامشيا, واقل بكثير من دول عربية صغيرة الحجم في المقا ييس السياسية والاقتصادية والسكانية, كالصومال أو جيبوتي وجزر القمر, بل أن عدد من المسؤولين العرب الذين كان( نوري ) يعول على لقائهم كي يكسب شيئا من الشرعية, قد تهربوا من لقائه, وكل ذلك يعود الى سبب رئيس الا وهو انعدام المنتظمات السياسية للدولة الحديثة في العراق, وذوبان هياكلها واطرها التنظيمية المعروفة, ومصادرة ارادتها السياسية الوطنية, من قبل تجمعات هزيلة تحكم بارادة الاحتلالين الامريكي والايراني, وفقدان عناصر الردع الستراتيجي , كالجيش والسلطة الواحدة والسيطرة على الثروات الوطنية.


لقد سقطت ورقة التوت التي كان (نوري) يحاول أن يستر بها عوراته,أمام المؤتمرين في الدوحة, مما دفعه الى التحفظ على البيان الختامي للقمة, الذي أكد على هوية العراق العربية. وضرورة المشاركة المتكاملة لمختلف مكونات الشعب العراقي, وفقا للتصور العربي , مدعيا بأن ماأكد عليه البيان كان في الزمن الماضي, مطالبا بان يكون هنالك تأكيد على التقدم الامني الذي يشهده العراق حاليا كما يدعي,متناسيا بان المجتمعين لهم أذان تسمع, وعيون ترى مايجري على ارض الواقع العراقي.

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٠٧ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / نـيســان / ٢٠٠٩ م