التطبيع مع حكومة الاحتلال في العراق لمصلحة من ؟

 

 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله / باحث في الفكر السياسي
يخطيء من يظن بان الواقعية السياسية، تعني التعامل حتى مع الظواهر المشوهة ، التي تبرز على ارض الواقع، بفعل عوامل خارجية ، ولمصلحة أهداف واجندات تخريبية، على انها واقع سياسي، وقد اوغل البعض من صناع القرار العربي، خاصة ممن ينتمون الى مايسمى محور الاعتدال العربي، في اعتماد هذا المنهج، كاسلوب عمل ستراتيجي، يتعاملون وفقه مع الدول الاخرى، بما يخص القضايا العربية، مبررين ذلك، بان اوراق اللعبة ليست في ايدينا، وان علينا التحاور مع الاخرين، بعيدا عن التصلب والتعنت، وان هذا الاسلوب هو المنهج الحضاري الوحيد الذي يفهمه الغرب، حتى باتوا يباركون للاعداء كل افعالهم الحاقدة بحق الامة، وراحوا يخفضون من سقف مطالبهم الشرعية بمرور الايام،وكأن حقوقنا في ارضنا وسيادتنا عليها، تسقط بتقادم السنين، وان ماليس لاعدائنا يمكن ان يكون لهم اليوم أو غدا.

 

هذا هو المنطق الذي تعامل به قادتنا مع القضية الفلسطينية، حتى بات حلمهم ، حدود عام 1967 حلا أمثل وكرم صهيوني لايوازيه الكرم العربي في السلام والتطبيع والانفتاح، واسدال الستار على القضية ونسيان الدم والشرف والمال العربي ، الذي دفع على مدى عقود من الزمن، وهو نفس المنطق الذي تعامل به القادة مع ملف القضية العراقية، حتى قبل عام الغزو في 2003، عندما وقفوا متفرجين على الاثار الكارثية لسنوات الحصار الظالم، وهو يحصد أرواح أكثر من مليون ونصف طفل عراقي، ويقتل الاف الشيوخ، بسبب نقص الغذاء والدواء،متحججين بضرورةاحترام قرارات الشرعية الدولية، حتى لم يجروء اي زعيم عربي على كسر الارادة الامريكية، والنزول بطائرته لزيارة بغداد،في وقت كان العديد من الامراء والشيوخ العرب، يجوبون بواديه وصحاريه في زيارات شخصية ترفيهية غير معلنه،في رحلات صيد اسطورية، تبذخ فيها الاموال، وكان العراق يستنفر كل اجهزته الامنية لحمايتهم، وتوفير كل متطلباتهم، وكان البعض الاخر يبني اقتصادا مزدهرا بمعاناة العراقيين، وبنفطهم الذي كان يصدر اليهم، باسعار رمزية أنطلاقا من روح الاخوة، في ظل النهج القومي الذي كان يسير عليه. وفي عام 2003 وعند حصول الغزو والاحتلال، تحت ذرائع أسلحة الدمار الشامل، والصلة بالقاعدة وهجمات سبتمبر، والتي تكشف زيفها فيما بعد، أكتشف العراقيون ، بان اشقائهم العرب كانوا العون الرئيس للمحتل في تدمير بلدهم، والقضاء على نهضتهم العمرانية والتكنلوجية، وان جحافل الغزو قدمت لسحقهم من اراض عربية، وان الصواريخ التي دكت مدنهم وقراهم، كانت تنطلق من سماء ومياه عربية، بل ان البعض تمادى في اكثر من ذلك، عندما سرب للمحتل معلومات أستخبارية ملفقة، عن وجود مختبرات متحركة لصنع سلاح كيمياوي عراقي.

 

وعلى مدى السنوات الست الماضية من احتلال العراق، نصب المحتل أعوانه في حكومات متعاقبة، كان أعظم انجازاتهم فيها ، مقتل مليون ونصف مواطن، وتشريد خمسة ملايين نسمة داخل الوطن وخارجه، واغتيال المئات من العلماء والمفكرين والاطباء والمهندسين واساتذة الجامعات والطيارين، وترميل اكثر من مليون أمرأة، وتفتيت مؤسسات الدولة، وتعطيل المدارس والجامعات، وتدمير كافة البنى التحتيية، وتشكيل مليشيات القتل وفرق الموت، وتشظية المجتمع الى طوائف وملل وقوميات، واشاعة روح القتل والانتقام، بالمثقاب الكهربائي والاغتصاب في السجون والمعتقلات السرية والعلنية.

 

ومع كل ذلك فقد لجم الصمت أفواه اصحاب القرار العربي، وحتى مبادرات الجامعة العربية، كانت اقل بكثير من تحركاتها ومبادراتها، بخصوص القضية اللبنانية، في حين ان العراق قطر عربي محوري، ومهم بالنسبة للعرب والمنطقة، وهو بوابة الامة الشرقية، ومع ذلك ذلك فقد عجز العرب أن يجدوا لهم مشروعا لحل قضيته، ومداوات جروحه، والحفاظ على مستقبله وانتمائه. وايغالا في وهم سياسة الامر الواقع، والتعامل السلبي مع قضايا الامة وحقوقها، واستجابة لضغوط المارد الامريكي الاوحد، تنادت بعض الدول العربية، لفتح سفاراتها في بغداد ، تكريما للمحتل واعوانه، وشرعنه لقرارات الظلم الواقع على اهله، متناسين انين اهلهم واخوانهم العراقيين، ودمهم النازف ليل نهار، بل راح البعض ممن زار بغداد منهم، يمجدون حكومة الاحتلال، ويقدمون الشكر لها على أستتبابها للامن، وأنجاز المصالحة الوطنية، واعمارها البلد، ويستقبلون في بلدانهم مايسمى رئيس الوزراء بالاحظان، شاطبين ديونهم اكراما له، وفي ديارهم يعيش الاف من العراقيين المهاجرين في ظروف معيشية مزرية.

 

فاذا كان هذا هو فعل اهلنا واخواننا في محنتنا، فهل يحق لنا أن نعتب على الرئيس التركي لزيارته بغداد؟ او على منظمة المؤتمر الاسلامي في فتح مكتب لها في العراق المحتل؟ أن مفاهيم الغزو ،والاحتلال، والحكومات الاشرعية المصطنعه، والسيادة الخيالية، والمعاهدات السرية، لازالت واضحة في اذهان الشعب العربي، ولم تصب معانيها الضبابية، حتى وان تغيرت في قواميس أصحاب القرار العربي، تحضرا أو واقعية كما يدعون، ولولا هذا الفهم الصحيح لكل هذه المعاني من قبل الشعب العربي، لما انطلقت المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق، ولما سقطت كل محاولات التطبيع والمهادنة مع الصهيانة التي سعى لها الحكام العرب، ولما حصل هذا البون الشاسع بين خندق الشعب وخندق الحاكم، وان العراقيين لن تنسيهم زيارات المسؤلين العرب، لواقع الحكومة المتسلطة على رقابهم، وصورتها الحقيقية التي لاتتعدى كونها دمية منصبة من قبل المحتل لرعاية مصالحه ، وان مابني على باطل سوف يبقى باطل أمد الدهر.

 

أن مواقف العراقيين مع أخوانهم العرب في كافة الاقطار، حقائق لاتحجب بغربال، بل أن كل ماحصل فيه من تقدم علمي وتكنولوجي، وتطور أقتصادي وأحتماعي قبل الاحتلال، كان ذا اسس قومية، هدفها خدمة الشعب العربي في كل اقطاره، لكن شعب العراق يتسائل اليوم لمصلحة من يجري التطبيع مع جلاديه ومحتليه وهادري كرامته؟ ولماذا هذه الازدواجية في المعايير وسياسة الكيل بمكيالين التي تنتهج من قبل العرب مع العراقيين؟ الا يستحق العراق وشعبه وقفة عربية كتلك التي وقفوها مع الكويت عام 1991 عندما اصطفت جيوشهم مع القوات الامريكية لمقاتلة جيش العراق وتدميره؟ وحشدوا كل جهودهم السياسية لهذه المهمة في المحافل الدولية والاقليمية، وانفقوا المليارات من الدولارات لابتزاز الدول وشراء مواقفها لمعاداة العراق، واجهضوا كل المواقف والمبادرات والمشاريع السلمية لحل الازمة، ولم يرضوا باقل من التدمير والحصار، اليس احتلال العراق أبشع من احتلال الكويت؟ أم اننا نستأسد على بعضنا البعض، وندمر احدنا الاخر،بينما نتحول الى حمائم سلام، وملائكة رحمة مع الاجنبي عندما يغتصب حقوقنا ، ويذلنا ليل نهار.

 

لقد تحول بعض القادة العرب، الى تجار حروب قذرة، فقد شاركوا في تدمير العراق مقابل اثمان بخسه قبضوها من الاجنبي، وهم يتحولون اليوم الى مستثمرين يبحثون لشركاتهم عن عقود عمل ، لاعمار مادمروه هم واسيادهم، ويقدمون الطاعة والولاء للصوص المنطقة الخضراء، طمعا في أرضاء سيدهم الامريكي، لكن العراقيين سيبقون كما هم قوميين في تصرفهم وموقفهم، ولن تصدهم هذه الافعال عن نهجهم هذا، لانهم يعلمون جيدا، بان هؤلاء القادة، لايمثلون أخوانهم الذين رووا بدمائهم ثرى العراق، في العمليات البطولية للمقاومة العراقية منذ التاسع من نيسان عام2003 وحتى اليوم. أن وجود مايسمى رئيس الوزراء العراقي في مؤتمر القمة العربي في الدوحة, سوف لن يغير من حقيقته كونه العوبة بيد قوى اقليمية ودولية, اشتركت في احتلال العراق, وان سعيه لاكتساب الشرعية في هذا المحفل وفي غيره من المحافل, انما هو سراب بعيد المنال, فالممثل الشرعي والوحيد لشعب العراق انما هي المقاومة الوطنية الشريفة, التي رسمت حدودا واضحة لسياسة خارجية امريكية جديدة, بعد ان ادخلتهم في نفق الازمة المالية التي ليس في نهايته لحد الان ضوء قد ينير لهم غدهم, والتي جرعتهم السم فقرروا مرغمين سحب قواتهم من العراق .

 

أن الدعوات التي نسمعها اليوم عن مصالحة عربية, وضرورة تنظيم البيت العربي من الداخل تفرض على مطلقيها من الملوك والرؤساء العرب,المجتمعين في الدوحة, وقفة جادة لمصالحة اهل العراق, والاعتراف بمقاومتهم الشرعية, ونبذ الطائفيين , قتلة الاطفال, ومغتصبي النساء, وسارقي قوت الشعب وثرواته, من ازلام جمهورية المنطقة الخضراء في بغداد المحتلة, والتخلي عن وهم الامر الواقع, فمن يحكم في بغداد اليوم, هم من لايملكون اية سيطرة فعلية على اي شبر من العراق العزيز, فلازالوا يختبئون في جحورهم, لايغادرونها الا ومعهم الاف من الحمايات البرية والجوية, وتمتلئ حقائبهم بالجوازات والجنسيات الاجنبية, فليس لهم ولاء لهذا الوطن, وليس لهم من صلة بشعبه, وعليه فان المسؤلية الاخلاقية, ووشائج الاخوة وروابط الدم والمصير المشترك, تفرض على القادة العرب قول كلمة الحق في وجه هؤلاء الذين يدعون تمثيل العراق. هذا هو الطريق الصحيح والوحيد الذي يداوي جراح العراقيين ولاغيره.

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٠٣ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣٠ / أذار / ٢٠٠٩ م