استراتيجية القادة العرب وتكتيكاتهم

 

 

شبكة المنصور

د. محمد رحال / السويد
لو سئل اي طفل في البلاد العربية عن هدفه في المستقبل لاجاب عليه وبكل سهولة , وطبعا فان من بديهيات الاجوبة لديهم ان هدفهم في المستقبل هو ان يصبحوا اطباء او مهندسين , وهي عقلية المجتمع العربي الحديث الذي ترك العلوم جميعها واتجه الى الربحية في تعامله مع هدف المستقبل ليس من اجل العلم وانما لانه يؤمن لصاحبه دخلا اعلى ومكانة افضل , ومع هذا فلنعترف ان الطفل في البلدان العربية يدرك ان له استراتيجية خاصة وهدف يسعى الى  تحقيقه  وان عليه ان يسلك تكتيكات محددة بالمواظبة على التعلم للوصول الى هذا الهدف, وكل امم العالم تضع لنفسها استراتيجية خاصة وعامة تتناول مستقبل البلد وتطلعاته  وافاق الرؤية المستقبلية , وقد رأينا كأمة نائمة يسمع شخيرها من في الفضاء الخارجي , وخارج طبقة الاتوموسفير الجوي ,

 

قد رأينا كمثال حي كيف حقق الصهاينة حلمهم المصطنع  في اقامة دولة كانت حينها نوعا من الطرفة او التنكيت  ومن مجموعات من الامم والشعوب والاعراق , فرسم لهم دهاقنة السياسة الصهيونية خطط مستقبلهم وحددوا هدفهم الواضح بانشاء دولة لهم على ارضنا في قلب عالمنا العربي والاسلامي , وفي اقدس بقعة من بقاع الارض قاطبة , ومع تحديد الاستراتيجية , ورسم التكتيكات التي تؤدي الى الوصول الى هدفهم المرسوم  وفي غفلة منا نحن اصحاب الارض والعرض , فانهم وصلوا الى هدفهم وزادوا عليه اضعافا مضاعفة وشكلوا دولتهم وصهروا مجتمعاتهم كلها في مجتمع صهيوني واحد , واحيوا لغة منقرضة  كانت طي الكتب المقدسة لهم , وبنوا جيشا من اقوى الجيوش في العالم  , وفي ظل دولة وليدة نجحت في الاستمرار فانهم رسموا استراتيجية جديدة اسمها استراتيجية الدولة اليهودية لما بعد قيام الدولة والتي تتمثل في تحويل هذه الدولة , من دولة لاترى على الخريطة العالمية الى دولة تحمل كل صفات الدول العظمى , وقد سار ابناء هذه الدولة بخططهم وحققوا الرفاه الاجتماعي لشعبهم في ظل غياب اي مقومات للدولة الصناعية , وتمكنت هذه الدولة من ان تحقق ناتجا قوميا متصاعدا يتجاوز نصف الناتج القومي للدول العربية مجتمعة  معتمدة على رفع شانها الصناعي في ظل محاربة اكثر من نصف العالم لها محافظة على قدسية المواطن لديها  , بل وان استراتيجيتها تعتمد اليوم على قوتها بعد ان بقيت ولعقود تعتمد على سياسة الانحناء والضعف والاستذلال امام الامم الاخرى , وهو سلاح  اثبتت الايام انه من انجح الاسلحة لهم , ففي الوقت الذي كانت فيه هذه الدولة  تصفع امتنا المتفرقة والمشتتة وبعنف فانها كانت تظهر نفسها امام العالم انها امة ضعيفة ومقهورة ومهزومة وباكية, وانها تعيش بين مجموعة كبيرة من الذئاب العرب والمسلمين الذين يتحينون الفرصة لرميها في البحر  ,

 

في الوقت الذي كان فيه شجعان العرب وزعمائهم يتلقون الصفعات واللكمات والبصقات  بشجاعة كبيرة ويتنافخون امام العالم وامام شعوبهم بالصمود الكبير المشفوع بالاغاني القومية , واناشيد التغني بالنصر  وحمد الله لبقاء الحاكم المهزوم في الوقت الذي كان فيه ابنائنا اسرى اذلاء ينتهك الصهاينة بشريتهم ويسب دينهم وربهم ونبيهم , ويبال عليهم , وتحفر الحفر لدفنهم احياء  او يرصفوا صفوفا لتمشي عليهم دبابات الصهاينة فتهرس الرؤوس والاقدام , بل وانعكس هذا التباكي الصهيوني على التنافخ العربي درجة اننا اصبحنا نستشهد باقوال واحاديث هذا العدو عن هزائمه امامنا  , وكأنه قران كريم انزله الوحي على اعلامنا العربي والاسلامي ومعه قياداتنا المنتصرة دائما, ومن ثم ياتي الكيان الصهيوني ليستفيد من التنافخ العربي وليقول للغرب ها قد صدقنا فالمعتدي هم العرب واعترافهم سيد الادلة, وليحول الكيان العنصري عدوانه الى نصر اعلامي له مشفوعا بالتنافخ العربي الكاذب ,ولهذا فنحن نخسر دائما وهم الرابحون على الدوام ولم يسجل التاريخ لنا نصرا حقيقيا مؤكدا الا في معركة واحدة هي معركة الكرامة  ,

 

وقد نجح هذا الكيان في استراتيجيته وتحولت بعض الدول العربية الى مجرد دمى تحتمى بقوة هذا المارد الجديد والذي ترعرع وتنامى وكبر وتفرعن وتنمرد على اعيننا وبمساعدتنا جميعا , وهي جريمة يشترك فيها جميع النيام من مجاميع من غفلة ونيام من بط صامد وحمير صابرة وعصافيرحالمة وحمام مستانس وثعالب غادرة وارانب مذعورة وبطات صامدة عربية ونعامات تدفن الراس عميقا في التراب تاركة  عورتها يفترشها الامم, والمصيبة الكبرى اننا كأمة ينظر العالم الينا وباحتقار شديد لهذه الدونية المتردية , وهذا الاستمتاع العجيب الغريب بهذا النكوص المريع والناتج عن فقدان الهدف والاستراتيجية الواحدة لامتنا , هذه الامة التي لم يعد لها من حظ في هذا العالم الا الافتخار بالماضي والعيش على اطلاله , واكثر الاشياء والامور اضحاكا اننا نثير معارك كبيرة ضمن كتبنا الثقافية واعلامنا المقيت عن تاريخنا المجيد وسرقات الغرب لمنتوج علمائنا في عصر النهضة والتنوير العربي والاسلامي وتسجيلها بأسماء غيرهم , ونعتز بالتاريخ المجيد في الوقت الذي يضحك فيه الغرب  علينا من هذا الكم من التخلف المضحك والمركب لأمة ليس لها من حظ في هذا العالم الا ان تكون سبة في تاريخها الحالي والقادم , وسؤآل الغرب الدائم لنا هو : نعم لقد كان تاريخ اجدادكم عظيما , ولكن اين تاريخكم انتم للمستقبل وماذا سيقول التاريخ عنكم , وان التاريخ في المستقبل لن يذكركم الا كأمة  تافهة حولت تاريخ اجدادها الى فلكور تتعيش عليه .


ولقد شاء الله لي ان اجتمع مع الكثير من زعامات البلدان العربية  وسالتهم بحكم عملي عن الاستراتيجية العربية في المستقبل , ولم اجد لهذا السؤال جوابا , وكانه سؤال عصي عن الفهم لزعامات غبية , ولكن الحديث لو تابعه السائل بعد قليل مع هذه الزعامات  لوجد ان الاهتمام الوحيد لهذه الزعامات العربية والتي انصرفت لها خطط الاستراتيجية العربية بالكامل تنحصر في الحفاظ على كرسي الحكم والى الابد , خاصة وان الحاكم العربي يعتبر نفسه انه هو الشخص الوحيد الذي اوجدته العناية الربانية لانقاذ هذا الشعب المسكين وانه لن يتخل عن الحكم وذلك لانها مصلحة الامة والشعب ورضى الله , ولهذا تجده حريصا على توريث هذا الحكم في ذريته المباركة  في الوقت الذي اتخذت فيه اتفه شعوب العالم طريق الديمقراطية والانتخابات طريقا واحدا لانتخاب زعاماتها, وهو نفس الطريق الذي اقره الشرع الاسلامي الذي امر بالشورى وفسره البعض من المتخلفين على ان الشورى هي حرية الحاكم بالاخذ بأفضل الاراء في امور الشرع , ومع ان امتنا والتي عصمها الله بافضل الشرائع المدنية على ظهر المعمورة والتي مازالت امم الارض وفقهاء القانون ينهلون من هذه الادارة المدنية التي اوجدها رسول النور ومبعوث الرحمة ,

 

وحارب البعض من اعداء امتنا هذا الارث الخالد بافترائهم على انها شريعة دينية في الوقت الذي اثبتت التاريخييات ان هذه الشريعة المدنية للحكم كانت افضل شرائع العالم عند التطبيق في ظل ادارة متعددة الشعوب ولدولة  امتدت من الرباط الى اقصى شمال الصين,   ومع هذا فان هذه الامة مازالت تتخبط  في اداراتها وزعاماتها وتشريعاتها وهي تسير وراء سراب تبعية الاحكام المدنية المفصلة من فلان او فليتان من  اجل استراتيجية التعبد للحاكم واستعباد المحكوم , وكلما لاح واضاء نور يوم جديد في يوميات امتنا ازداد معه سواد ايام الامة من شرقها الى غربها بسبب ضياع مقوماتها, وتغول الفكر الاقليمي والطائفي فيها , وعبادة الحكام بدلا من عبادة رب الارباب , لينصرف الجميع عن الاستراتيجية العظيمة لرسول النور والذي شهد له الغرب والشرق انه قاد مسيرة التنوير بأفضل حكومة مدنية سن الله قوانينها , وما زالت هذه القوانين والادارة حتى اليوم مصدر رئيسيا للتشريع في العالم اجمع بما فيها العالم الغربي ينهل منها وكان المذهب الظاهري لابن حزم الاندلسي هو المدرسة القانونية التي درسها الغرب في جامعات الاندلس في عصرها الذهبي واستنبطوا قوانين الغرب منها بكل جزئيآتها , وانصرف عن تلك العباءة حكام العرب وفقهائهم بفضل استراتيجية التوريث التي يستعبدون بها شعوب رفع عنها ثوب الحرية واستبدلت ثوب الاستكانة والعبودية , وبدلا من ان يتحد الجميع  تحت عباءة رسول النور الواحدة  فانهم انصرفوا شتاتا تحت عباءآت الشيطان وهيهات هيهات ان تتقدم امة استبدلت الذي هو ادنى بالذي هو خير وانصرفت  عن السعي لاقامة الدولة الواحدة بحاكمها المختار الوحيد الذي يدير الامة بواسطة ميزان العدل الرباني, واتجهوا الى السعي للتوريث الذي لن يفض الا الى الضياع والدمار لهذه الامة التي ارادها الله ان تكون خير امة واراد لها اتباع ابليس ان تكون الف امة .

 

تحرير فلسطين والعراق واجب شرعي ووحدة الامة اكثر شرعية فساهم في هذا الشرف الرفيع

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ١٠ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٦ / نـيســان / ٢٠٠٩ م