ليست القضية قضية احترام للأقوياء يا استاذ عبد الباري
بقدر ما هي توافق مصالح بين أمريكا ودولة المجوس

 

 

شبكة المنصور

د. صباح محمد سعيد الراوي / كييف – أوكرانيا

إيران تقول إنها دولة إسلامية، بل واضافت كلمة الاسلامية قبل الايرانية... حتى تجبر (زعموا...) المرء على إعطائها الصفة الاسلامية قبل الصفة الايرانية... في خطوة خبيثة ومدروسة مسبقا.... ذلك أن المواطن العربي الذكي القاريء الجيد للتاريخ يعلم تماما أنه ربما قبل بعض الفرس الدين الاسلامي عن قناعة... لكن البعض الآخر لم يقبل به وادعاه ادعاءا فقط... ولفظه ولفظ العروبة معه... كحال معظم هؤلاء المعممين الدجالين الكذابين... يعطونك من طرف اللسان حلاوة.. ويروغون منك كما يروغ الثعلب...

 

إيران... هذه الدولة الكسروية التي تدعي الاسلام، احتفلت بيوم النيروز ايما احتفال، بل وقرنته مع الدين الاسلامي بكل وقاحة... حيث عرضت إحدى المحطات الفضائية الاجنبية احتفالات الفرس بيوم النيروز... وصورت بعض العائلات وهي تضع المصحف الشريف على مائدة الطعام بين الشموع... على أن الاسلام ليس فيه مثل هكذا يوم أبدا... ونفس – تقريبا - ما عرضته المحطة الاجنبية، عرضته أيضا الجزيرة (بوق الفرس في العالم العربي)... في تقرير أعده مراسلها في طهران...

 

المهم...

 

حدثان لافتان للنظر يستحقان التعليق...

 

الأول: تهنئة المجرم الكبير شمعون بيريز للفرس بيوم النوروز... وهو أمر ربما لم يحدث من قبل بهذه العلانية – أقول ربما – بل واشادته بالعلاقة التاريخية التي تربط بينهم وبين الفرس... محرري اليهود من السبي البابلي!!! وأن هناك مكانة خاصة لإيران وشعبها في التراث اليهودي...

 

هذا الأمر ليس بغريب على أية حال، فكل متابع للتاريخ يعلم عن العلاقة الروحية الحميمية التي تجمع بين قطبي الشر في هذا العالم... وآه... ثم آه... ثم آه... كم كان شهيد الحج الأكبر رحمة الله عليه صادقا حين قال يوما إن عنصرين بشريين ما كان يجب ليكونا على وجه الكرة الأرضية، وهما الفرس واليهود... وأيضا... في عصرنا غير البعيد هذا... قال شيخ الاسلام بين تيمية رحمة الله عليه هذه المقولة: كلما قويت شوكة اليهود... كانت شوكة الروافض المجوس قوية أيضا...

 

هذان العنصران ما اختلفا يوما، وان ادعيا الاختلاف، كانا دائمي الوفاق، وان اختلفا، فاختلافهما على طريقة ذبحنا ونهبنا وسرقتنا وتشريدنا وقتل أطفالنا واستباحة أراضينا... يعني خلافهما على توزيع الثروات واقتسام الغنائم... ليس إلا... وهاتوا لي حدثا تاريخيا واحدا حدث بينهما ما خلا الاتفاق على العرب... اذكروا لنا عن معركة واحدة جرت بينهما يوما ما... اذكروا لنا عن يوم واحد أطلق فيه أحدهما رصاصة باتجاه الآخر.!!! لايوجد.... على الاكيد لايوجد... منذ زمن كورش الملك الفارسي الذي سمح لليهود ببناء الهيكل وحتى الدجال الخامنئي... التاريخ يقول ان توافقا عجيبا غريبا واقع بين العرقين وصل الى درجة ارتباط روحي لن ينفصل مهما تبدل الاشخاص وتغيرت الاسماء... فإذا كان هناك كورش في الماضي، فقد لحقه كسرى، وبعد كسرى جاء رستم، وبعد رستم جاء الصفوي اسماعيل، ثم جاء الشاه، وبعد الشاه جاء الخميني... والسلسلة مستمرة... وإن كان هناك أسماء بين تلك الاسماء لم أذكرها، إلا أن السلالة على أية حال أكملت بعضها البعض... طبعا لن نتحدث عن تغيير الديانات، أو ظهور الشخصيات بمظهر ديني كل مختلف عن الذي سبقه، فبالنهاية كلها تصب في مجرى واحد...

 

الثاني: رسالة أوباما إلى الفرس... أيضا ليس أمرا غريبا على الاطلاق ولن يستغرب العراقي بالذات هذه الرسالة... لكن بشرط أن يكون عراقيا اصيلا كما قال الشهيد رحمة الله عليه يوما.... عراقي عراقي يعني... يعني عراقي أصيل، مو عراقي..... !!!!!؟؟ أيضا هناك تحالف أزلي بين أمريكا والفرس، بدأ مع والد الشاه، واستمر مع الشاه، ولم ينقطع حين انتهت مهمة الشاه، وصار ضعيفا بين أبناء شعبه، فقررت الادارة الامريكية التخلص منه، وجاءت بمن يهلل له الشعب، جاءت بالخميني لينوب عن الشاه، على أن تتغير المسميات لتتوافق مع المهمة التآمرية الجديدة – التآمرية على العرب طبعا – فمن قبل كان شاه، يعني ملك وولي عهد ومسمى امبراطورية، أما الان، ولأجل أن تكون عملية الخداع مقنعة أكثر، وخاصة لبنو يعرب، فليكن شخصا بعمامة سوداء، اسمه خميني، وليحمل لقب امام، وقائد ثورة ذات صبغة طنانة رنانة، تعطي صدى واسع للعالم المحيط بإيران... إذن فلتكن ثورة إسلامية... وليستخدم هذا المتشح بالسواد كلمات من القاموس الإسلامي مثل: مستضعفين، محرومين، متكبرين، جبارين، استكبار عالمي... شيطان أكبر... شر مطلق.. وهكذا.... وبهذا تنطلي الحيلة، ويتم تمرير الخدعة بصورة أسرع...

 

إذن لاحظوا التقارب والتناغم ما بين تهنئة أوباما وتهنئة بيريز... الآن.... خرج الحلف الثلاثي إلى العلن، وصار مكعب الصاد الاجرامي (الصفوي، الصهيوني، الصليبي) يعمل علنا بدون حرج من أحد...

 

كتب الاستاذ عبد الباري عطون مقالا في القدس العربي عنوانه: انهم يحترمون الاقوياء فقط.. يعني لا أدري على أي أساس استند فيه.... أمريكا لاتحترم إلا من لها مصلحة معه... أمريكا دولة مصالح... ولو كانت مصالحها مع دولة بيليز أو جزيرة مايكرونيزيا... لاستقبلت زعماء تلك الجزر المجهرية بكل الاحترام والتقدير على عتبات البيت الابيض...

 

المسألة يا استاذ عبد الباري ليست مسألة احترام للقوي، لا.... إنها مسألة مصالح ليس إلا، مسألة تقاطع مصالح ما بين أمريكا والفرس، هذه العلاقة المتينة ما بين أمريكا والفرس كانت مخفية نوعا ما على أيام بوش الصغير.... لأنه كانت هناك علاقات ومصالح مالية مشتركة تربط ما بين شيوخ وأمراء النفط في الخليج، وبين بوش وشركات النفط الامريكية التي كان يدير بعضها... فظلت العلاقة مع الفرس مكتومة نوعا ما، يشوبها التصريحات النارية من كلا الطرفين في العلن لذر الرماد في عيون العرب..... أما في السر، فالزواج المقدس ما بين الحوزة الصفوية في قم والامبريالية الامريكية لازال قائما ويفرخ الاولاد والاحفاد....

 

 أوباما ارتأى أن يظهر هذه العلاقة للعلن، فهو ليس مثل بوش... على علاقة مع شيوخ النفط وله مصالح مالية معهم، ولاتربط بين عائلته والعوائل الحاكمة في الخليج أية صلة... وليس له علاقة مع شركات النفط العملاقة (هاليبرتون وشيفرون).... فما الذي يمنعه من إظهار تلك العلاقة للعلن؟؟

 

على كل حال، اخترت بعض النقاط التي وردت في مقال الاستاذ عبد الباري للرد عليها... على أنني أرد على مقاله آملا أن يجيب ولو بكلمة واحدة عن الفائدة التي حققها العرب من ايران، وما الذي يمكن بالفعل أن تقدمه لقضايا العرب... اقول وانا مقتنع قناعة لن أحيد عنها، ايران لمشروعها وليست للمشروع العربي...

 

يقول الاستاذ عبد الباري:

هذه القناعة الامريكية بأهمية الحوار، والغاء لغة التهديد والوعيد التي تبنتها الحكومة السابقة، ما كان لها ان تتبلور لولا صلابة الموقف الايراني...

 

اقول، ليست قناعة أمريكية ولا صلابة موقف إيراني مزعوم، بل تقاطع المصالح بين الطرفين وادراكهما أهمية أن يكون التحالف بينهما علنيا بعد أن كان سريا... ثم أنه تكملة لمقالك يا استاذ اين هي الديمقراطية في إيران ؟؟ إذا كان هنا حقا ديمقراطية في إيران، فلماذا لاتخبرنا حضرتك عن قمع الشعب الاحوازي المسكين، ولماذا لايعطونه حقوقه ؟ وأين الوزير السني في دولة ايران الديمقراطية واين هو مسجد أهل السنة في كل أنحاء طهران ؟؟

 

ثم يقول: الفرق بين النهجين، العربي والايراني، في التعاطي مع المشاريع الامريكية في المنطقة، ان النهج العربي دعمها والحروب المنبثقة عنها، على أمل نجاحها، فخسرت وخسر معها، اما النهج الايراني فتعاطى معها من اجل افشالها، وتوظيف هذا الفشل في خدمة مصالحه هو، وجنى ثمار استراتيجيته اعترافاً بزعامته، وتسليماً بنفوذه في العراق والمنطقة بأسرها..

 

أقول، لم يتعاطى الفرس مع المشاريع الأمريكية كما تتفضل، بل عملوا معها منذ البداية وكانوا جزءا لايتجزأ منها، أي أن التوافق بين الجانبين الامريكي والفارسي كان يجري على قدم وساق... وطبعا اسرائيل الطرف الثالث...  ففي عدوان حزيران (الأمريكي الصهيوني على العرب) عام 1967، احتفلت الحوزة المجوسية في قم بانكسار العرب وراحت توزع اللحوم والحلويات تهليلا للهزيمة العربية، وفي حرب تشرين 1973 كانت الاسلحة الصهيونية بجميع صنوفها تتحرك بالنفط الفارسي، وفي أيام العدوان الخميني المجوسي على العراق كانت أمريكا واسرائيل حاضرتان أيضا... وكذلك حين أزمة عام 1990 كان الطرفان يعملان إلى جنب إلى أن حان العدوان الثلاثيني المجرم على العراق في عام 1991 حيث كانت الفرصة سانحة للفرس لأجل التخريب في العراق، وتلا العدوان صفحة الخيانة والغدر المجوسي التي تصادف أحداثها هذه الايام من عام 1991... وتلا صفحة الغدر الحصار المجرم الذي ساهم فيه المجوس أيضا... ثم كان تاج التعاون بين الطرفين احتلال العدوان على العراق واحتلاله وهو ما كان ليتم لولا تعاون كهنة المجوس في طهران.... وتسليط عمائم مجوسية فارسية على الشعب العراقي..

 

إذن... أين هو إفشال المخطط الامريكي ؟؟ نعم سيكون افشالا.... لكن متى؟؟ لو كان الامريكيون يعملون لوحدهم فقط ولأجل مصالحهم... وطالما كان المشروع يخدم الطرفين، أو بالاحرى الثلاثة أطراف (مكعب الصاد الاجرامي) فلن يكون هناك أي إفشال، بل دعم ومساندة لها حدود...

 

يا استاذ...

 

ليس العرب وحدهم من ساهم بالعدوان على العراق وأفغانستان.. كذلك فعل الفرس، وقدموا نفس ما قدمه العرب، إن لم يكن أكثر.. كذلك وفروا كل الغطاء لأمريكا في كلا الحربين العدوانيتين... إذن..... حكومة إيران حكومة مسيرة مع المخطط الامريكي الصهيوني، فما الفرق بينها وبين بعض الحكومات العربية التي لاتنفك حضرتك عن مهاجمتها ؟؟ (مع عدم احترامي وتقديري وبصاقي على وجه كل من ساهم بالعدوان على العراق العظيم)...

 

بس لو حضرتك انت وكل اعلامي يدافع عن الدولة المجوسية يذكروا لنا موقفا مشرفا اتخذته هذه الدولة من قضايا العرب... لا تقل لي مهرجات خطابية تافهة ولا تقل تضامن (بالكلام فقط)... نريد موقفا عمليا واحدا حصل يوما تجاه قضية فلسطين مثلا...

 

القيادة الفارسية نعم لم تهلل لهذا التحول الامريكي صحيح... ولماذا حتى تهلل لعلاقة أزلية موجودة كانت سرية وصارت علنية... ثم أي كبرياء هذا الذي تتحدث عنه يا استاذ ؟؟ ألهذا الحد طغى حب ايران على قلبك وسحرتك كلمات تافهة خرجت من الكاهن الخامنئي ؟؟ اذا كنت انت المثقف تتحدث بهذا الكلام... فلا عتب على الجهلة إذن ؟؟

 

ثم إنك تقول:

لو كنت مكان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لتمسكت بخططي لتوجيه الدعوة الى الرئيس الايراني نجاد لحضور القمة العربية المقبلة، ولو كنت مكان الرئيس نجاد لاعتذرت عن عدم قبولها بأدب جم، لأن معظم الزعامات العربية لا تستحق التكريم بحضوره، ناهيك عن مصافحته...

 

وأنا أقول، لو كنت أنا مسؤولا في عراق ما بعد التحرير لوضعت على مدخل كل مدينة عراقية هذه العبارة: ليت بيننا وبين الفرس جبل من نار....

 

 

رفعت الأقلام وجفت الصحف... وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٢٦ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / أذار / ٢٠٠٩ م