من مبادئ الدبلوماسية الإيرانية ( غاب القط إلعب يا قنصل )

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

ربما يجهل البعض ماذا تعني كلمة قنصل؟ وماهي المسئوليات المناطة به خلال إعتماده في دولة ما سيما أن هذا الأمر لا يعني للكثير الشيء المهم, فقد اشارت إتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 وهي بطبيعة الحال تختلف عن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بأن رئيس البعثة القنصلية يعني الشخص المكلف بإجراء الوظائف القنصلية, كما أن العضو القنصلي تعني أي شخص مكلف بممارسة أعمال قنصلية بما فيهم رئيس البعثة نفسه, وأعضاء البعثة القنصلية تشمل الأعضاء القنصليين وغير القنصليين ولا يشترط في القنصل أن يكون دبلوماسي بأستثناء القنصل العام لذلك فأن قطع العلاقات الدبلوماسية لا يترتب عليها قطع العلاقات القنصلية بصورة تلقائية. ومن أهم الوظائف القنصلية أصدار جوازات السفر لرعايا الدولة التي يمثلها القنصل أو تمديدها ومنح تأشيرات المرور(الفيزا) لمواطني الدولة المعتمدة فيها القنصلية لزيارة الدولة التي أوفدته, وتقديم العون والمساعدة لرعايا دولته في منطقة عمله كأفراد أو مؤسات، والمحافظة على مصالح رعاياه في موضوع الإرث والتركات وحماية مصالح الرعايا القاصرين وناقصي الأهلية ضمن حدود قوانين الدولة الموفد اليها سواء في الإقامة أو الوصايا والحجر وغيرها، ومتابعة القضايا القضائية بين سلطات دولته والدولة الموفد اليها من حيث تأمين تسلم وتسليم التبليغات والأوراق القضائية بين البلدين وتمثيل المبلغيين أمام المحاكم المحلية ومتابعة قضاياهم وتقصي ومتابعة أحوال السجناء من رعايا دولته، وكذلك متابعة ومراقبة السفن والطائرات العائدة لدولته حين وصولها الى منطقة عمله وتقديم المساعدات الممكنة لطواقمها وأخيرا اصدار الوثائق الثبوتية كشهادات الولادة والوفيات ونقل نعوش الموتى في منطقة عمله الى دولته والتصديقات على الأوراق الرسمية واحيانا المصادقات التجارية في حال عدم وجود ملحقية تجارية لبلده في منطقة عمله.

 

ولنحاول أن نلفي نظرة خاطفة على عمل القناصل الإيرانيين في العراق ومدى التزامهم بالضوابط التي أشرتها اللوائح الدولية من جهة والقوانين العراقية من جهة ثانية, فقد تواردت الأنباء حال بدء إنتخابات مجالس المحافظات عن زيارات ميدانية قام بها قنصل إيراني الى مراكز الأنتخابات في ظاهرة شاذة لا تستند الى أي مسوغ قانوني أو اخلاقي، فقد أشار عوض العبدان رئيس قائمة تجمع المشروع الوطني في البصرة الى قيام القنصل الإيراني محمد رضا بزيارة عدد من المراكز الإنتخابية في المدينة وأنه استقبل بحفاوة منقطعة النظير من قبل موظفي المفوضية العليا للأنتخابات حيث أطلعوه على سير العملية الإنتخابية؟ وأعتبر العبدان أن الزيارة كانت إستعراض عضلات للقنصل ملوحا بالنفوذ الإيراني في المحافظة وممهدا للتزوير وفرض اسماء معينه عبر الترغيب والترهيب أو على أقل تقدير عمل دعاية للمرشحين المدعومين من قبل إيران. ورغم ان المئات من الموظفين وممثلي الكتل السياسية والناخبين كانوا شهود عيان وأكدوا قيامه بهذه الزيارات غير الميمونة, لكن حازم الربيعي مدير المفوضية في البصرة بكل صلافة ورعونية نفي هذه الزيارات! ومن جهة أخرى يعترف بها بقوله " ان القنصل منع من دخول المراكز الإنتخابية لعدم حصوله على تصريح رسمي بذلك"! والأشد قباحة منه هو الناطق الببغاوي بأسم رئيس الوزراء علي الدباغ  الذي أعترف بهذه الزيارة وبررها بعذر أقبح من الذنب على أساس ان سفراء آخرين قاموا بهذه الزيارة كممثل الأمم المتحدة في بغداد والسفير الفرنسي ويبدو ان الدباغ لا يعرف الفرق ين السفير والقنصل ولا يعرف ان السفير نفسه لا يحق له هذه الزيارة إلا بموافقة مسبقة من وزارة الخارجية العراقية ويجهل أن القنصل لا يحمل ترخيص بالزيارة كما أعترف حازم الربيعي, ولنوضح للدباغ ومن يحلق معه عاليا في سماء العمالة لأيران بأن اتفاقية فيينا كانت صريحة عندما أكدت ضرورة "مراعاة القوانين واللوائح الخاصة بالمناطق المحرّمة أو المحدد دخولها لدواعي الأمن الوطني" كما أشارت المادة(55)  الى ضرورة إحترام قوانين ولوائح الدول الموفد اليها القنصل " يجب على الأشخاص الذين يتمتعون(المزايا والحصانات) أن يحترموا قوانين ولوائح الدولة الموفدين إليها, وعليهم كذلك عدم التدخل في الشئون الداخلية لتلك الدولة" والأنكى من ذلك أن هذا الناطق يجهل أن وزارة الخارجة العراقية أعترفت بزيارة القنصل الإيراني ووصفت سلوكه الشائن بصيغة دبلوماسية متعارف عليها" غير لائق ويتنافى مع الأعراف الدبلوماسية"! ولا عتب على الدباغ طالما ان موظفي الخارجية الذين يعملون في نفس البناية لا يعلم أحدهم بتصريحات الآخر فلبيد عباوي الشيوعي وكيل الوزارة صرح بأنه " إذا تأكد فعلا أن القنصل حاول الدخول الى مراكز الأقتراع فإن عمله مرفوض ويعتبر تدخلا في الشأن الداخلي العراقي، ولا يسمح لأي دبلوماسي زيارة المراكز إلا بعد الحصول على تصريح مسبق! المصيبة إن العباوي لا يكلف نفسه قبل التصريح بالتأكد من زيارة القنصل الإيراني للمراكز الانتخابية ولكنه يرمي بحصاه في الهوى صابت أم اخطأت سيان عنده! وهو لا ينتقد  صلافة القنصل ونفوذه الذي يفوق نفوذ عباوي نفسه وأي دبلوماسي أجنبي في العراق عندما يمنع من مركز ولكنه يصر على إستئناف زياراته الى بقية المراكز رغم أنه لا يمتلك موافقة مسبقة! وما كان يفترض بمفوضية الإنتخابات ان تمنحه أصلا مثل هذه الموافقة لمعرفتها الغرض من زيارته وإحتراما منها لشعور المواطنين في البصرة الذين ذاقوا الأمرين من وراء التدخلات الأيرانية في شأنهم وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا, فقد ذكر عضو المفوضية في البصرة بأنه " تم إخراج القنصل الإيراني من المركز الانتخابي، ولكنه راح يتجول بسيارته على بقية المراكز الانتخابية من غير أن يتمكن من الدخول إليها"! فهل هناك صلافة وقباحة وإستهانة بالحكومة العراقية اشد من ذلك؟ يمنع من الدخول في مركز فيتوجه لزيارة مراكز أخرى! أما موقف السفارة الإيرانية فهو بالتأكيد معاضدة القنصل، فقد أشار المتحدث بأسم السفارة أمير راشدي بأنه لا تتوفر لديه معلومات عن قيام القنصل الإيراني بزيارة مراكز إنتخابية، وإذا فعل ذلك " فلا بد أنه يحمل تصريحا أو تفويضا رسميا كعضو من أعضاء الهيئة المشرفة أو كمراقب دولي على الانتخابات من الجهات العراقية المختصة" من الطريف ان المتحدث لا يجهد نفسه بالإتصال بالقنصل للأستفسار منه عن حقيقة زيارته وكأن القنصل في كوكب آخر وليس في العراق, ومن الطبيعي ان الغرض من هذا التصريح هو تضبيب الموقف فليس من المعقول بعد كل تلك الضجة حول الزيارة والسفارة الايرانية لا تعرف بها سيما ان البصرة محتلة إيرانيا باعتراف أهل البصرة أنفسهم! وليس من المعقول أيضا عدم إستماع المتحدث الإيراني بتصريح إياد الكناني عضو المفوضية والذي يرتبط بعلاقات جيدة مع القنصلية الايرانية بأن القنصل حاول دخول" احد المراكز الانتخابية في منطقة الجبيلة، وبالفعل اجتاز سور المدرسة التي كانت مركــــزا انتخابيا، لكن المسؤولين عن المركز من المفوضية طالبوا القنصل بوثائق رسمية تسمح له بالدخول إلى المركز، مثل تفويض من المفوضية وباج صادر عنها، واتضح انه لم يكن يحمل هذه الوثائق وغير معتمد قانونيا لدخول المركز".

 

لم تتوقف الصلافة الإيرانية عند هذا الحد ففي الوقت الذي أكد فيه أمير راشدي بأن "الانتخابات شأن داخلي عراقي، وإيران لا تتدخل في هذا الشأن" نجد ما يناقض ذلك فقد قامت إذاعة طهران بأعلان نتائج الإنتخابات قبل أن تعلن من قبل المفوضية العليا للإنتخابات وأكدت الإذاعة فوز قائمة عبد العزيز الحكيم صاحب القائمة المرقمة(290) فقد فازت في 11 محافظة من اصل 14 محافظة جرت فيها الانتخابات! ولاشك ان هذا التصريح يشكل تدخلا سافراً في الشأن العراقي الداخلي وإنتهاكا صارخا لعمل المفوضية وكان من المفترض ان تقدم الخارجية العراقية مذكرة إحتجاج ضد هذا التصريح وتعطي نسخة منه الى اللجنة المزعومة لمتابعة التدخل الإيراني في الشأن العراقي. وأن تفتح تحقيقا عن كيفية تسريب المفوضية هذه المعلومات الى إذاعة طهران! أما من جهة القنصل وزيارته للمراكز الإنتخابية فإنه ينطبق عليه صفة (Persona Non Grata ) أي شخص غير مرغوب به حسب المادة(23) من إتفاقية فيينا التي تشير الى أن " يجوز للدولة الموفد إِليهاـ في أي وقت ـ أن تبلّغ الدولة الموفدة أن عضواً قنصلياً أصبح شخصاً غير مرغوب فيه وأن أي عضو آخر من الطاقم القنصلي ليس مقبولاً (N,est Pas acceptable) وعلى الدولة حينئذ أن تستدعي الشخص المعني أو أن تنهي أعماله لدى هذه البعثة القنصلية حسب الحالة" من ثم إخطار من الدولة الموفد إليها إلى الدولة الموفدة بأنها أصبحت لا تعتبر الشخص المعني عضواً بالطاقم القنصلي!

 

من الطبيعي ان ردود فعل الحكومة العراقية لم تكن تتناسب مع هذه الواقعة لأسباب لا تخفى على الجميع فلم تعلق أي من الأحزاب الشيعية على الإنتهاك أو تنتقده أو مجرد الإشارة اليه بإستثناء حزب الفضيلة حيث طالب النائب حسن الشمري وزارة الخارجية العراقية" بإجراء تحقيق في هذا الحادث إن تأكدنا منه ومن عدم شرعيته" في حين إنفردت النائبة ميسون الدملوجي بالتعليق على الإنتهاك مطالبة بطرد القنصل وهو الإجراء الطبيعي لمثل هذه الحالات وأشارت بأن"إيران لا تكتفي بالتجاوزات على حدود ونفط ومياه العراق وتريد الآن التدخل بشكل مباشر في نتائج الانتخابات". كما وصف حميد الهايس رئيس قائمة عشائر العراق تصرف القنصل بالعمل المشين وأعتبره تدخلا في الشأن العراقي الداخلي مضيفا "هذا ما حذرنا منه في وقت سابق، وقلنا إن هناك دولة مجاورة تحاول شراء الذمم، وتصرف القنصل الإيراني يندرج تحت هذا الوصف، وهو تصرف مرفوض لأنه يتجاوزعلى سيادة العراق ويتدخل في شؤون البلد" كما إنتقده عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق.

 

أن السفارة الإيرانية والقنصليات المتوزعة على محافظات العراق كالوباء أمست مصدرا لتذمر وشكوى العراقيين رغما أنها لم تلق آذان صاغية من الحكومة الموالية للأحتلال الإيراني وخاصة في البصرة والناصرية وكربلاء. وفي بيان أصدرته العشائر العربية في كربلاء موقع من قبل أكثر من(300) شخصية معروفة طالبت بطرد السفير حسن كاظم قمي والقنصل الإيراني في كربلاء وذلك " لتدخله السافر بجميع مفاصل الدولة بحيث أصبح الأمر والناهي في المدينة لدرجة استحصال موافقته على تعليق صوره اوافتتاح شارع، علاوة على اشرافه المباشر على تسيير الوضع الأمني فيها وكذلك تنظيم زيارات وسفرات من خلال توجيه دعوات لأشخاص محددين لزيارة إيران والالتقاء بمراجعها ومسوؤليها الأمنيين وتحمل جميع التكاليف من ضيافه ونقل وسكن، علما ان جميع من وجهت اليهم الدعوات هم من أصول فارسيه ومن أثرياء المدينة" كما طالب البيـــان بإغلاق الجمعيات الخيرية التي وصفها بإنها" واجهات وفروع للمخابرات الإيرانية" وأبرزها جمعية بقية الله الخيرية، جمعية التآخي الخيرية، جمعية هاب يليان الخيرية، جمعية بهمن الخيرية ومستوصف الحرمين الخيري.

 

ويلاحظ ان القنصليات الإيرانية تمارس نشاطات تجارية ومهنية تخالف نصوص إتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية التي نصت بأنه لا يجوز إستعمال" مباني القنصلية على أي نحو لا يتفق مع ممارسة الأعمال القنصلية" وأشارت المادة (57/1) بأنه " لا يجوز للأعضاء القنصليين ( العاملين ) أن يقوموا في الدولة الموفد إليها بمزاولة أي نشاط مهني أو تجاري" في حين يشير بيان العشائر بأن القنصلية الايرانيه في محافظة كربلاء"  تمارس عملها مستفيدة من الحصانات الدبلوماسية خاصة في المركز الصحي الكائن في منطقة مابين الحرمين فهو واجهه للمخابرات الايرانيه علما ان جميع منتسبيه من أطباء وموظفين هم من الاطلاعات الايرانيه(المخابرات) ويتحدثون اللغة الفارسية، كذلك قيامها بتوزيع الهدايا والعطايا من داخل بناية القنصلية بل وتوزيع صور واعلام وشعارات المناسبات الدينية ومبالغ ماليه على المواكب المشاركة في المناسبات والزيارات". من المؤكد إننا لوقلبنا ظهر المجن بقيام السفير أو القنصل العراقي(رغم إنهما أيرانيا  الجنسية) بزيارة مراكز إنتخابية في طهران لكانت النتيجة فوق التصور وأظن ان الحكومة الأيرانية ستمسكهما كالفئران بأوراق الكلينس وترميهما الى خارج حدودها؟

 

عسى أن يعتبر أولي الألباب! وأخيرا وليس اخرهذه المصائب هل ستقوم اللجنة المعنية بجمع حالات التدخل الأيراني في الشأن الداخلي العراقي بتوثيق هذه التدخلات؟ الجواب معروف لكل مجرب وذي بصيرة.

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

السبت / ١٠ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / أذار / ٢٠٠٩ م