رسالة أعظم فراحي لسوزان مبارك ثرثرة على معبر رفح

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

تضمنت الرسالة التي بعثتها اعظم السادات فراحي حرم الرئيس الإيراني احمد نجادي الى سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري بشأن التطورات الأخيرة في غزة الكثير من الإفتراءات وخلطت الحق بالباطل وخبطت الحابل بالنابل، فغزة وهذا أمر غير قابل للنقاش او التنظير واحة للصمود في الصحراء العربية القاحلة ولا يمكن لأحد ان يزايد على حب وإعتزاز الأمة العربية بغزة وصمودها الرائع أمام الهجمة البربرية بغض النظر عن المواقف الحكومية التي لا تعكس غالبا إرادة الشعوب وهذه مفارقة لكنها مألوفة في تأريخنا القديم والمعاصر, فغالبا ما يكون الحاكم على الضفة المناوئة لشعبه, ولكن هذا ليس مجال نقاشنا في الوقت الحاضر وسنتطرق الى بعض الفقرات التي وردت في رسالة فراحي بشكل يشعرك بأنها نوع من الأصطياد في الماء العكر وإستخدام الدين لمآرب سياسية بحته، إضافة الى إزدواجية المعايير الإيرانية في التعمل مع القضايا العربية والإسلامية.


لا يوجد في العرف الدبلوماسي هذا النوع من الرسائل بين زوجات الرؤساء في أمر يتعلق بموقف رسمي لدولة ذات سيادة من مسألة سياسية بالغة الخطورة، فالسيدات الأوائل ليست لهن صفة رسمية للخوض في القرارات الرئاسية، وان صفتهن هي بروتوكلية لا أكثر مستمدة من مناصب أزواجهن وتنتهي بأنتهاء وظيفتهم في الحكم, وحتى الدول التي تتبع النظام الملكي كبريطانيا والسويد والنرويج وهولندا واليابان فان الملكات و الملوك لا يتمتعون بسلطة حقيقية وإنما إجرائية تقتصر على حضور المناسبات المهمة منها إستقبال وتوديع نظرائهم والمراسيم الخاصة بالاعياد والمناسبات الوطنية وإستقبال وتوديع السفراء، واتذكر في هذا المجال عندما سئل زوج اليزابيث ملكة بريطانيا عن وظيفته؟ أجاب بأنه زوج الملكة! وليس له علاقة بسياسة الحكومة البريطانية عن قريب أو بعيد.


الرسالة تمثل إستهانة بمشاعر الشعب المصري وإهانة للحكومة المصرية وإساءة لمجلس الشعب والكتل السياسية الممثلة بالحكومة او غير الممثلة، فهي تحاول أن تنفي كل هذه المؤثرات على القرار السياسي المصري وتختزلها بأسم السيدة سوزان مبارك! فتحملها مسئولية هي في غنى عنها، وتفرض عليها فروضا رئاسية لا تأثير لها عليها ولا طاقة لها عليها! بل إنها وضعتها في مأزق محرج بدون مبرر, وربما استلهمت هذه الفرية من الإتهامات الصحفية التي حشرت سلفتها السيدة جيهان السادات في مقصورة القيادة السياسية في مصر وتأثيرها على الرئيس السادات في إتخاذ قرارات معينة- ولكنها أعلنت بصراحة برائتها منها- لتفرض فراحي طقوسها هذه المرة على السيد سوزان مبارك. ومهما كانت الدواعي والمبررات فإنه بغض النظر عن موقف مصر الرسمي من الهجوم الصهيوني الغادر على غزة فأن لمصر تقديراتها السياسية الدقيقة علاوة على أن مصر صاحبة أكبر ثقل سياسي في الوطن العربي والاسلامي ولديها وزارة خارجية لا تضاهيها وزارة من المحيط الى الخليج، وهي ذات باع كبير في تفهم خفايا السياسة الدولية قبل أن يلد السيد نجادي وفراحي. وهذه حقيقة يعرفها الداني والقاصي ولسنا بقصد الدفاع عن سياسة مصر أو قبولنا بموقفها تجاه غزة فمصر ليست بحاجة الى محامي وفيها من الكوادر السياسية ما يغطي حاجتها مع زيادة قابلة التصدير للدول الشقيقة التي تحتاجها. في غضون ذلك أدلى الرئيس مبارك بخطاب أكد فيه إن فتح المعبر مرهون بتفاهمات عام 2005 لحرص مصر على عدم تأجيج الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية - المعروفة للجميع - والتي لإيران ضلع فيها كما تعلم فراحي أفضل من غيرها، وأكد الرئيس مبارك بأن المعبر سيفتح أمام المساعدات الانسانية والحالات الإضطرارية. بمعنى أن الموضوع محصور كما يفترض بين القيادتين المصرية والفلسطينية، وأي تدخل أجنبي يعتبر تدخل سافر في شئون مصر الداخلية كما ان هناك شرعية فلسطينية بالغة الرشد لا تحتاج الى وصايا إيرانية، حتى لو أبتلعت إيران حركة حماس كلها!


ماذا تريد فراحي من سوزان؟ ربما كانت فراحي تقرأ كتاب الإرشاد للشيخ المفيد قبل أن تكتب الرسالة فقررت ان تتولى مهمة النصح والارشاد! فهي تطالب السيدة مبارك بأن تتقمص شخصية رابعة العدوية لترشد زوجه الى فتح معبر رفح بشكل دائم لوقف معاناة الشعب الفلسطيني! وكأنما معاناة الشعب الفلسطيني إنحصرت على هذا الفتح المبين للمعبر فلا مشكلة إغتصاب وطن ولا تشريد الملايين من الفلسطينيين في كل أرجاء العالم ولا بناء مستوطنات جديدة ولا إبادة جماعية ولا اعتداءات سافرة وحصارات ظالمة لا نهاية لها ولا إنتهاك لحقوق الشعب الفلسطيني ولا قصف بالأسلحة المحرمة دوليا فامشكلة الفلسطينية اختزلت كلها بمعبر رفح فقط! وبأسلوب وعظ المعممين للسلاطين أعتبرت فراحي نفسها سفيرة الله الى سوزان مبارك فهي على حد قولها تحمل رسالة سماوية وصفتها " فرصة من الله، وإن إهدارها يتبعه غضب من الخالق" ولم تكتف بهذه المهمة السماوية والوعيد، بل إنها نصبت نفسها المتحدث الرسمي بأسم الشعوب العربية والاسلامية بقولها "أن الشعوب العربية والإسلامية تنتظر رد فعل مصر وحكومتها تجاه هذه الرسالة"! وتحاول فراحي أن تعلم العرب والمسلمين الوعظ والإرشاد الديني ومالذي يغضب الله من عدمه مضيفة بأن" فرصة إسداء الخدمة للناس، وخاصة المظلومين هي هدية إلهية يتفضل الله بها على عباده، وإهدار مثل تلك الفرصة يتبعه غضب من الخالق سبحانه وتعالى". ولم تبخل فراحي بأن توضح الدوافع وراء رسالتها الميمونة " انطلاقا من الواجب الشرعي والإنساني، وامتثالا لأمر نبي الرحمة وخاتم الأنبياء محمد (ص) الذي قال " من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم".


لا شائبة في تقديم النصح من مسلم لمسلم فالنصيحة واجبة العطاء والتسلم فلا خير فيمن يرى ضرورتها ولا يقولها ولا خير فيمن يسمعها ولا يقبلها وتترك حرية العمل بها أو رفضها لمن يتلقاها, ولكن لابد من تذكير فراحي بالآية القرآنية " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون" سورة البقرة/ 42. لذلك سنأخذ المسألة بجد ونقلبها ففيها أكثر من عيب إضافة الى ما تحدثنا عنه. ونتساءل لماذا لم يرسل الرئيس نجادي الرسالة الى الرئيس مبارك حسبما جرت السياقات في مثل هكذا مراسلات بين الملوك والزعماء؟ ولماذا أوكل المهمة الى حرمه فراحي فإذا كانت الحجة في عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين حيث قطعت منذ عام 1980 بعد اعتراف مصر بإسرائيل وإستضافة الشاه محمد رضا بهلوي على أراضيها. فان البروتوكول الدبلوماسي يسمح بمثل هذه المراسلات بين الملوك والرؤساء وخير دليل هي المراسلات بعد توقف الحروب بين الدول, ولكي نكون أقرب للواقع فأن الرئيس نجادي أرسل رسالة الى الرئيس الأمريكي الجديد أوباما بمناسبة إنتخابه رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.


كما إن رسالة فراحي جاءت في توقيت مثير حيث كانت مصر تستضيف مؤتمرا دوليا للقمة في شرم الشيخ بمشاركة عدد من رؤساء الدول الأوربية لتعزيز الهدنة التي أعلنها الكيان الصهيوني من طرف واحد ورسم خطة لوقف إطلاق النار وإعادة تعمير المناطق التي دمرها الكيان العفن بعدوانه الأخير على غزة. بل أن الرئيس نجادي نفسه كان يشارك خلال نفس الفترة بقمة غزة الطارئة التي أختتمت أعمالها في الدوحة وخرجت بتوصية لتعليق المبادرة العربية للسلام، بمعنى ان مصر كانت تتبنى مبادرة لمعالجة العدوان دون الحاجة الى توصيات والهامات فراحي الأرضية والسماوية.


ولو قنعنا برسالة فراحي ومهمتها الإلهية فهل ستقبل يا ترى برسالة مشابهة من قبل السيدة مبارك تطبيقا للآية الكريمة" أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " سورة البقرة/ 44؟ تطلب منها ان ترشد زوجها الرئيس نجادي بإعادة الجزر العربية المغتصبة الى اصحابها الشرعيين فلا يجوز لمسلم أن يعتدي على مسلم آخر ويغتصب أرضه! وان توقف التدخل الايراني السافر في شئون العراق من إرسال معلبات الاغذية الفاسدة والأدوية المسمومة وأن يوقف الدعم المالي والعسكري للميليشيات المسعورة في القتل والنهب والتهجير؟ وتحثه على إرجاع الأمانات إلى أهلها ويعيد الطائرات العراقية التي أودعت كأمانة في طهران؟ وان يتخلى عن آبار النفط التي إستولت عليها قواته في المناطق الحدودية في منطقة مجنون العراقية؟ وان يوقف تصدير الثورة الاسلامية الى الدول العربية لأنها دول إسلامية شقيقة في الدين وعرفت الاسلام قبل إيران؟ وان ترضخ إيران للإرادة الدولية بشأن ملفها النووي فلا تعكر صفو المناخ السياسي النسبي في المنطقة؟ وأن تساهم بشكل فاعل في بسط الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط؟ وان توقف بلادها تدخلها السافر في شؤون اليمن وبيروت وفلسطين والسودان ومصر نفسها بعد أن أصبحت لمصر حدود مع إيران كما نوه الرئيس مبارك؟ وان يتسامح نجادي مع منظمة مجاهدي خلق فهم مواطنون إيرانيون ومسلمون قبل كل شيء والتسامح من أعلى مراتب القوة. وقد جاء في الحديث الشريف" ان رحمتي تغلب غضبي"؟ وربما تدور الايام لمصلحة مجاهدي خلق في إيران كما دارت لمصلحة المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق والله على كل شيء قدير!


ثم ما الذي فعلته إيران للقضية الفلسطينية؟ هل الشعارات والتظاهرات تكفل تحرير البلدان من نير الاستعمار؟ لعمري لم يحدثنا التأريخ يوما بأن التحرر كان ثمرة للمظاهرات وإنما الجهاد والتضحية والفداء فثمن التحرر الدماء وليس الكلام والثرثرة! وإن كان مرشد الثورة الاسلامية علي خامنئي قد حث على المظاهرات وباركها وهذا أضعف الأيمان فأعلمي ان العالم العربي والاسلامي يتظاهر منذ عام 1948 ولحد الآن لنصرة الشعب الفلسطيني! أي أصبحت المظاهرات ظاهرة صوتية وما كانت النتيجة غير الإنتقال من سيء الى اسوا! وهل المظاهرات وحرق الأعلام هو كل ما في جعبتنا لنقاوم العدوان الأسرائيلي الغاشم؟ وهل هي كافية لمعالجة حالات الذل والانكسار والهزيمة؟ وأين أنتم من شعاركم المشهور" تحرير القدس يمر عبر كربلاء" وها هي كربلاء في أيديكم وبأمرة قنصلكم يتحكم بها كيفما شاء! فلماذا لم تعبروا من كربلاء الى غزة وعشعشتم فيها سيما أن احداث غزة كانت فرصة طيبة لتضعوا شعاراتكم موضع التطبيق بدلا من التطبيل ورفع الشعارات والكلام الذي لم ولن يغير من الواقع شيئا؟


كلمة أخيرة لفراحي: إتركوا الشعوب تعيش بسلام فكفاكم ما فعلتم في العراق.

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

السبت / ٠٣ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٨ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م