من حرك الموقف الراكد في المنطقة .. ولماذا ؟

 

 

شبكة المنصور

حكمت ناظم
الموقف العربي المفاوض كان قد وصل إلى طريق مسدود، وخيارات هذا الموقف قد وضعت كلها في السلة الأمريكية، والمبادرة العربية (السعودية) التي رفضتها (إسرائيل) غدت مشروعا" ميتا"، كانت قد حظيت بإجماع عربي في قمة بيروت، والحالة غدت راكدة بكل روافدها عدا حالة الرفض التي تتمسك فيها المقاومة الفلسطينية والعربية على وجه الخصوص.

 

حالة الركود هذه جاءت أمام مشروع إستراتيجي أمريكي يسمى الشرق الأوسط الجديد، وهو المشروع الذي تعير له الإدارات الأمريكية المتعاقبة اهتماما" كبيرا" تطلق عليه، بين الحين والآخر، تغيير الخارطة السياسية للمنطقة، والمعنى في هذا التوجه  هو إخضاع دول المنطقة جميعها وبدون استثناء إلى حالة التغيير التي يؤكد عليها المشروع الأمريكي. بيد أن هذا التغيير المراد فرضه على المنطقة برؤيا أمريكية، لم يكن يتخذ في تشكيله وصياغته شكلا" تغيريا"موحدا"، إنما بات يخضع  الأقطار العربية لعدد من أشكال التغيير:


أولا" -  تغيير النظام السياسي للدولة بوسائل خارجية أمريكية، بعد الإعلان عن ضرورة  تغيير السلوك السياسي  للدولة بوسائل متعددة قد ترقى إلى مستوى التهديد بتقويض النظام السياسي،  بطريقة الحصار الشامل اقتصاديا"وسياسيا"

 وعسكريا.                                                                                                                          ثانيا" -  فرض حزمة من أوراق الضغط لترويض النظام السياسي للدولة وإخضاعه لأنماط التعاطي مع السياسة الأمريكية، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى التغيير والقبول بسياسة الأمر الواقع، التي يحدد مشروع الشرق الأوسط ملامحها الإقليمية.


ثالثا"- إزالة ما تسميه الدبلوماسية الأمريكية (العقبات) الكائنة أمام المشروع الشرق أوسطي، والتي تتمثل بالمقاومة، وهي موزعة في بؤر التصادم والصراع القائم في العراق وفلسطين ولبنان وغيرها حيث تتخذ المقاومة العربية أشكالا" وحسب طبيعة صراعاتها الوطنية والقومية، وفي ما إذا كانت مسلحة أو سلمية أو الاثنين معا"، وهو الأمر الذي يجعل المشروع الأمريكي في المنطقة حبرا" على ورق .

 

تحريك الواقع الراكد للقضية الفلسطينية، ليس باتجاه حلها إنما بتصفيتها نهائيا" على أساس إزالة ( العقبة ) المقاومة التي ترفض الرضوخ لسياسة الأمر الواقع، التي ترمي إلى تغيير خارطة المنطقة الجغرافية- السياسية صوب ما أسمته الإدارة الأمريكية (الشرق الأوسط الجديد) .

 

والتساؤل هنا كيف جرى تحريك الواقع في المنطقة ؟!


● تحويل مجرى الصراع، من صراع عربي- إسرائيلي ، إلى صراع فلسطيني- إسرائيلي ، إلى صراع فلسطيني- فلسطيني تمخض عنه :  قيادتان فلسطينيتان، تفرزان واقعا" سياسيا"- جغرافيا" في كل من (رام الله)، التي ما تزال تراهن على التفاوض مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية غير محايدة بصورة مطلقة، و( غزة )، التي ما زالت تراهن على المقاومة وإتباع خط الكفاح المسلح من أجل إنهاء الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال، ولكن في ظل تحالفات إقليمية لا تستقيم مع سياسات واقع الصراع والتناقض وقوانينه الصرامة.


● هذان الواقعان الجغرافيان - السياسيان في (رام الله) و (غزة)، كان الكيان الصهيوني قد مهد على الأرض منذ زمن بعيد، حيث تعمل (السياسة) مع خط (الجرافات) على الأرض لتصنع واقعين جغرافيين- سياسيين يصعب  مد الجسور بينهما، أو يتعذر ربطهما جيو- إستراتيجيا" في جغرافية فلسطينية واحدة، فيما يرمي الكيان الصهيوني إلى تكريس واقع الضم للأردن، وواقع الضم لمصر، لكي يسقط الترابط ، وترتفع الأسوار، وتنتشر الدروع ، وتموت فلسطين تحت ركام من الصمت .


● الخلل الجيو- إستراتيجي الذي أوجده الكيان الصهيوني على الأرض في البنية الجغرافية- السياسية الفلسطينية أوجد، كما أسلفنا، قيادتين وطنيتين تتصارعان، وكلاهما تحت الاحتلال، وتعانيان من ويلاته وجرائمه وتزويره لحقائق التاريخ وحقائق الجغرافيا .. ولكن قوانين الصراع التحرري تستوجب تأجيل الخلافات وعدم الخوض في تفاصيلها ما دام الاحتلال جاثما" على أكتاف الجميع .


● هاتان القيادتان، ومن خلال رؤية إستراتيجية إسرائيلية، لا بد من بقاء إحداها لتتولى خط التفاوض من أجل (أمن إسرائيل)،وإبقاء وهمْ  بناء دولة فلسطينية قادرة على الحياة  ومنزوعة السلاح وتحت رحمة الجيش وقوى الأمن الإسرائيلية، وتفتقر إلى رابط الأرض إستراتيجيا" بين (رام الله) و (غزة ) !!


● أدركت القوى الفلسطينية، التي ترفع خيار المقاومة بأن الإدارة الأمريكية باتت تتعامل معها على إنها (عقبة) لا بد من نزع سلاحها، بمعنى إزالتها، فبادرت في نقلة عسكرية احتمت بأسوار (غزة ) المتاخمة لمصر، الأمر الذي كرس واقعين سياسيين- جغرافيين عمق بدوره الصراع الفلسطيني- الفلسطيني، ليس على مستوى السياسة والأيديولوجية، إنما على مستوى السياسة- الجغرافية  بين (رام الله) وقطاع ( غزة )، وهو الأمر الذي كانت (إسرائيل) تريده وتخطط من أجله تماما".. وهذا لم تدركه قيادة حماس !!


● الواقع الجديد الذي كرسه الفعل العسكري الإسرائيلي ، كان قد قرب القضية الفلسطينية من مخطط إسرائيلي يستهدف إنهاء القضية الفلسطينية، وذلك بإرجاع (رام الله) إلى الأردن تطبيقا" لما يسمى الوطن البديل، إذ يشكل   الفلسطينيون نسبة تصل إلى أكثر من 75% من عموم السكان، الأمر الذي يشطب الأردن من الخارطة . وهذا ما جعل ملك الأردن عبد الله الثاني يطلق تصريحه المشبع بالقلق في خضم الحرب على غزة، بأن المنطقة محاطة بمؤامرة واسعة وخطرة ،  وإرجاع قطاع غزة إلى الدولة المصرية، وضمها لها إداريا".


●  المخطط الإسرائيلي هذا يراد منه  إنهاء القضية الفلسطينية وإعلان قيام (دولة يهودية) عنصرية في المنطقة .


●  توقيت الحرب على غزة يعد البداية لمخطط إسرائيلي- أمريكي- أوربي ، وبتواطؤ عربي، من أجل إزالة (العقبة) المقاومة التي طالما كانت كأداء أمام مشروع (الشرق الأوسط الجديد)، والتي لم تتمكن آلة الحرب العدوانية الإسرائيلية من تنفيذها في الجنوب اللبناني عام 2006 بنزع سلاح المقاومة، الأمر الذي يدعو إلى محاصرة غزة اقتصاديا" وعسكريا" بترتيبات أمنية (إسرائيلية- عربية- أطلسية) تحت ذريعة منع وصول العتاد والسلاح إلى المقاومة في غزة .

 

البعد الدولي في أزمة المنطقة يأخذ مداه من خلال (المؤتمر الأوربي في شرم الشيخ)، فيما يتحرك البعض من الدول العربية صوب احتواء نتائج غزة ، وتجييِر هذه النتائج لصالح النظام الفلسطيني المعتدل في رام الله.. لماذا ؟ لأنه يقبل بشروط التفاوض الإسرائيلية، التي تقضي بتقديم الوهم للشعب الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية شريطة أن تكون قابلة للحياة، وحسب ترتيبات (غرفة الإنعاش الإسرائيلية) ورحمتها !!

 

الشعب العربي في كل مكان، وكل القوى الخيرة في العالم، لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما أفرزته الحرب على غزة ونتائجها ومحاولات إفراغ الحقوق المترتبة بشأنها .. وإن محاولات خنقها مكشوفة أمام الشعب العربي والعالم، وليس من سبيل أمام الأنظمة العربية العاجزة والمتواطئة غير إعادة النظر بمواقفها وحساباتها .. لأن قضايا الأمة المصيرية سيف ذو حدين، فبالقدر الذي يقاتل أعداء الأمة التاريخيين، فهو على أتم استعداد أن يحز رقاب من يتآمر ويلوي نتائج ما حققته انتصارات غزة وتأثيرها على مجرى النضال الوطني والقومي على أرض الأمة العربية من أقصى غربها إلى أقصى شرقها في الخليج العربي .. بيد أن هذه الانتصارات يتوجب أن تكون لصالح القضية الوطنية القومية الفلسطينية ، وليس لصالح حسابات ثانوية وإقليمية .!!

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ١٠ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٦ / نـيســان / ٢٠٠٩ م