تجربة البعث في العراق
بناء امة في قطر ... وضمان تواصل لا ينقطع

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  / أكاديمي عراقي

لو كان كل من ينوي بناء بيت في أية بقعة على المعمورة يشترط مع نفسه وعلى العالم ان لا يتعرض البيت يوما ما الى زلزال او الى سطو مسلح او الى اطلاقة مدفع تهده جزءا او كلا في حرب تنطلق لهذا السبب او ذاك, فلَما بُنيَ بيت على الارض قط. وفي امتنا العربية التي ابتليت بالعمالة والرجعية والاستعمار والفقر والجهل والتخلف وكل ما يترتب عليها من تداعيات سياسية خطيرة يكون امام الحزب او النظام واحد من خيارين ضمن هكذا اجواء ملبدة تنذر بالشؤم باستمرار:

 

الاول: ان يواجه التحدي وينفذ مشروعه في التطور والتقدم والاعمار بغض النظر عن احتمالات الزلازل السياسية او الاقتصادية او العسكرية.

 

الثاني: ان يسير في طريق الاستكانة وسكة السلامة بلا بناء يُحسد او يُغبط او يُستهدف.

 

البعض يؤسس في انشطة اعلامية مختلفة مشبوهة لا بل سافرة العداء على فكرة ملخصها انه ما فائدة ان يكون البعث قد بنى وعمر ما دام لم يستطع حماية البناء ويحاول بخبث ولؤم ان يضع الثريد جنب الماعون حين يسَّوق فكرة ان الاحتلال والغزو قد جاء نتيجة ضعف في الدراية السياسية والتصريف الدبلوماسي ويتمنى أن لو لم ينتج العراق في ظل البعث ما انتج لان الانتاج قد وُأد في استهلال باطل يُراد به باطل! ومثل هؤلاء كمثل من ينصح أما" ان لا تلد, تماما كمثل باني الدار, لان الوليد قد يموت وقد يُشل وقد يُمرض.

 

ان البناء والنمو والتطور الذي يتمناه ابناء الامة في العراق وفي كل اجزاء الامة هو ليس البناء النمطي التقليدي، بل هو بناء الذات وتشكيلها في صورتها الحرة المتحررة. وبناء ادوات الانتاج وترسيخ خطوط الفعل المركزية في التنمية البشرية والعمل الرصين والجاد على ازالة الحيف الواقع على الامة، واوله تحرير ارض فلسطين المغتصبة. وهكذا إطار للتنمية والعمل في الوطن العربي سيكون هدفا لمن وضع خطوطا حمراء لامتنا ووقف يراقب عن كثب متى تخطو عابرة خط الشروع ليبدأ هجومه المضاد للارجاع الى الخلف او لتدمير الخطى دفعة واحدة. وعليه فان خيار البعث بنقل برامجه العقيدية والفكرية الى حيز التطبيق لم يكن عشوائيا ولا معزولا عن رؤية الخطر الداهم المتربص. وهذا هو سر نجاحه في انطلاقة التنمية والتعمير العملاقة في العراق وسر نجاحه في الدفاع عن التجربة لخمس وثلاثين عاما لم يمر يوم واحد خلالها، الا وكانت قوى الظلام تطلق الرصاص باتجاه العراق.

 

سمات بارزة في التجربة البعثية العملاقة

يمكن وبيسر ان يلتقط أي باحث منصف وموضوعي سمات ومقومات وخصال بارزة لتجربة البعث العظيمة في العراق وهي سمات مرتبطة عضويا برحم ولادتها البعثية العروبية بملمحها القومي الانساني وهو ملمح لا يستطيع كائن من يكون، الاّ ان يضعه علامة فارقة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر فكرا سياسيا اخترق خارطة الامة السياسية برؤى عقائدية ومبدئية تقف على اصالة متفردة، وميدانيا في تجارب ثورية مؤمنة مخلصة نجح بعضها واخفق الآخر لاسباب موضوعية وذاتية. التجربة العراقية بعثية بامتياز بكل مالها وبكل ما عليها, بمعنى انها لم ترتكز على عصا غير عربية ولم تحرك عضلة بغير ايعاز العقل العربي، وبسريرة نقية مشرقة النقاء وشفافة كمثل صفاء الايمان. وبايجاز:

 

1-  تحرير الانسان والثروات وفق ايديولوجية الحزب القومية الانسانية المؤمنة.

 

2- انجاز مشروع تنموي عملاق يرسم ملامح الدولة القومية في النموذج القطري المتاح المنفتح على جميع امتداداته القومية.

 

3- افراز نموذج قيادي جماعي وفردي يبرهن على ضرورة الدور الحيوي الحاسم للقيادة في تصميم وانجاز مفردات التغيير والفعل الثوري الجسور والعلمي.

 

4- الاستعداد لتقديم التضحيات الضرورية تتناسب مع جسامة الاستعداء المتوقع والقائم على الارض للولادة القومية المرتجاة.

 

5- اعتماد العفة المطلقة (أو شبه المطلقة) في تسيير مفردات البناء والتغيير واعتماد مبادئ الثواب والعقاب كضرورة تربوية وعملية لضمان مستوى راق من الاداء ومعالجة الانحراف والخطأ ولجميع مؤسسات الدولة اثناء عملية التشكيل واعادة التشكيل (الصيرورة الجديدة) وبطريقة تتزاوج فيها المركزية مع الديمقراطية والحسم الشجاع لضبط اتجاهات البدء وحث السير وتعميد الانجاز منجزا كاملا.

 

6- بناء قدرات الدفاع المقتدرة عسكريا واقتصاديا واجتماعيا مع ايجاد قنوات التصريف الضرورية لضمان سيل التشكيلات الاجتماعية لطيف متعدد وذو خصوصيات نادرة.

          

ومن البديهي ان ننوه الى ان تصميم وبناء تجربة قطرية بأفق قومي مفتوح في العراق يختلف وفق خصوصيات عراقية معروفة عن بناء مثيل لها في قطر عربي آخر في الوطن الكبير بهذه الدرجة من التفاوت او تلك وذلك لان في العراق تشكيل اجتماعي متعدد الاعراق والاديان والطوائف وبنسب سكانية مختلفة ايضا، عما هو موجود في اقطار العرب الاخرى. واول تحديات بناء وتطوير دولة مدنية حديثة وفق ديمقراطية ممنهجة واساليب اقتصادية مستمدة من بين حاجات المجتمع العربي وخصوصياته الدينية والاجتماعية ومقتضيات حال المرحلة ولا تخضع لهذه المدرسة او تلك وبناء نظام تعليمي موحد مع حفظ خصوصيات التنوع العرقي والديني وغيرها من الامور الواجب التصدي لها تصطدم اول ما تصطدم بامكانيات استخدام حيثيات التنوع هذا بالضد من عمليات التغيير والتاسيس الجديد.

 

قامة عراقية فارعة تتعالى

أنجز البعث مآثر تاريخية في نقل الفكر الى ساحات التطبيق. اتسمت القيادة الادارية والادارة الحزبية في العراق بتجانس فريد فيما تحمله من مبادئ العقيدة وضرورات النقل الى الميدان لخلق النموذج. واخذت عملية التنفيذ اطارا خاصا لا يبدأ من القاع بل يمسك فورا من قمم محددة تاركا السفوح والسطوح المستوية تتفاعل وفق اصطدامات ممنهجة ومثمرة لتحاول اللحاق بمسيرة القمم.

 

انه اسلوب لا يقدم النظرية او المنهج ليقنع به القواعد الشعبية بل يضعها مباشرة امام مهمة الارتقاء ليس للوصول الى مستوى الاهداف النظرية، بل الى مستوى الدفاع عنها لانها تقدم برهان الميدان قبل بيان النظرية، انها عملية تثوير تحرق البناء النفسي البطئ والنمو التدريجي الذي لا جدوى منه في حالة يفصل بينها وبين القمم المرتجاة والمستهدفة ازمنة ومسافات شاسعة. و كان التأميم هو الصدمة الاهم في تلك المرحلة حيث تحشد حوله جهد شعبي لا نظير له وارادة وطنية شاملة لم يخرج عنها الاّ من يوصف إن وجد على انه عميل او جاسوس, أي مَن كان خارج ارادة الوطن الحرة والشعب المتلهف للكرامة ولمقومات البناء والاعمار والانطلاق في طريق الازدهار. وتحشد ضد التاميم في ذات اللحظة كل من ضرب التأميم مصالحه في الصميم واولهم الامبريالية وقوى الاحتكار المعروفة ومن تلك اللحظة اعلن الصراع الحتمي بين الثورة الوطنية والقومية وبين قوى الظلام والاستغلال والاحتكار الداخلية منها والخارجية. معادلة لا يمكن تجنبها لمن يريد ولادة ومواجهة حتمية بين منهج بناء طموح ومخطط له عقائديا, وبين متضررين لصوص وسراق يتمثلون بالامبريالية الامريكية وكلاب الاستعمار البريطاني القديم وعموم الغرب الاحتكاري الجشع.

 

واستخدم الثوار البعثيون كل ادواتهم في حماية الوليد الاعظم للثورة البعثية ألا وهو التأميم الخالد. وكان سلاحهم الامضى هو وانجازهم العالي القامة الثاني، ألا وهو انجاز ترسيخ الوحدة الوطنية وتذويب عوامل الوهن الموروثة ونفقها المميت المتمثل بالتمرد في شمال الوطن عبر بيان آذار والحكم الذاتي خطوة هامة وحاسمة في طريق عملقة العراق وتاسيس قامته العربية والدولية الفارعة. لقد اسقط البيان وقانون الحكم الذاتي بايدي رواد الانفصال وبيادق اللعبة الصهيونية الامريكية واسس لدولة جديدة تسبق العالم في منح الحقوق للاقليات في جزء من العالم يستلب هذه الحقوق ويدوس عليها.

 

ومرة اخرى كان لهذه الولادة (الحكم الذاتي وترسيخ الوحدة الوطنية) اعداءها، ذات اعداء التأميم واضيف لهم جدد, غير ان الولادة تقتضي الوجع وحتى احتمالات مواجهة الموت .. خاصة عندما تكون ولادة منتظرة واشواق الامة لها تُترى.

 

نُضج وارتقاء وتكالب مضاد

بدأت الامة في العراق تجني ثمار الولادات المبكرة في خط فعل الثورة العملاقة وبدأت خطط التنمية الانفجارية في كل مرافق الحياة ونهضت الدولة بنتائج زرعت في ارض العراق طولا وعرضا. وكانت مفاصل الحركة العملاقة محكومة بنظام اداري وقانوني صارم. والى جانب عملية البناء المادي الهائلة كانت تسري عمليات مصممة بريشة الفنان البعثي هدفها النهوض بالواقع التربوي والثقافي لانسان الامة في العراق. محو امية, تعليم الزامي مجاني من المهد الى الماجستير والدكتوراه, خدمات صحية تنمو بطريقة انفجارية وتقدم مجانا كما لم يحصل في أي بلد في العالم, خدمات بلدية متقدمة في البيت والشارع, وارتقاء مضطرد بمستوى الانسان المعاشين حتى كانت رواتب موظفي البحث العلمي في العراق عام 1989 ما يعادل 1400 دولار في وقت كانت قيمة الدولار تساوي 330 فلس أي ان الدينار العراقي الواحد يساوي حوالي ثلاث دولارات.

 

كل هذا العمل كان يجري تحت شعار (الانسان قيمة عليا). اي ان جهد الثورة كله كان منصبا لخدمة الانسان العراقي لكي تتحسس الامة كلها قيمة ولادتها في العراق.

 

وكان الاعداء يتزايدون مع كل نجاح تحققه الثورة البعثية العظيمة ... وخاصة مع صورة الثبات الاسطوري الذي سجله ابناء العراق دفاعا عن بلدهم وتجربتهم وارادتهم الحرة بوجه الحرب التي شنها نظام خميني لتصدير ثورته الطامحة لاعادة تاسيس الامبراطورية الفارسية التي قبرها الاسلام.

 

وما أن انتصر العراق انتصاره التاريخي في حربه الدفاعية ضد نظام خميني حتى دخل الجنون في رؤوس الماسونيين والصهاينة وادواتها الامبريالية، وبدأت فكرة الغزو والاحتلال تأخذ ابعادها التنفيذية كبديل لا بد منه عن التآمر الداخلي والهجوم الخارجي الايراني التي فشلت كلها في تحجيم أو ايقاف مسيرة الفعل البعثي الجهادي في تأسيس الامة على الجزء المحرر في العراق .....

 

لم يكن امام قيادة الحزب والثورة الا خيارين لا ثالث لهما

اما ان تغيّر هويتها الوطنية القومية التحررية وتقبل الاعتراف بالكيان الصهيوني وتلغي التاميم وتغتال كل ولاداتها الوطنية القومية في العراق تحت تهديد الغزو وتجميع كل الاعداء الذين وصفنا تشكلهم من يوم عرف العالم ان البعث يقود العراق. او ان تدخل اميركا بشيبتها الى ساحة المواجهة لاسقاط نظام البعث العملاق. وحيث ان خيار احفاد محمد صلى الله عليه وسلم والفاروق وحيدره وسعد والقعقاع وخالد والحسين وعمر المختار لا يمكن ان يقصّوا صدور امهاتهم ويدوسوا على شرف المبادئ والرجال فقد اختاروا الطريق الذي لا بديل عنه تعبيرا عن عقيدتهم الجهادية المؤمنة بقدر رب العزة وقدرته وحتمية نصره للمؤمنين. بدأت اميركا الحرب على العراق من الكويت هذه المرة بعد ان سقطت ورقة ايران .. وابتدأت المواجهة مع الامبريالية والصهيونية عام 1989 بصيغة حصار وقتال عسكري.

 

الولادة التي لا تموت

لقد بنى البعث جيلا من الرجال في الجيش والقوى الامنية وادارة الدولة والعلماء، جعلت اجهاض التجربة البعثية امرا مستحيلا مهما كانت ادوات الاجهاض مبتكرة ومتعددة، ولذلك فان النظام الوطني القومي المسلم قد انتقل يوم 9-4-2003 الى مرحلة جهادية جديدة كامتداد طبيعي لمعركة الحواسم المجيدة بصيغة حرب مقاومة غير نظامية اوقعت اميركا في ما يعرف الآن في كل العالم بالمستنقع العراقي الذي قصم ظهر اميركا في مجالات حيوية صارت تهدد الان وجودها كدولة فيدرالية.

 

وانطلق البعث من جديد كطائر الفينق يغرس في ارض العراق التحدي والحرية والكرامة. تحية مباركة الى مؤسس البعث الرفيق القائد المفكر الخالد احمد ميشيل عفلق رحمه الله .

 

تحية مباركة الى شهيد الامة الخالد الرفيق القائد الضرورة صدام حسين رحمه الله والى كل رفاقه الشهداء والاسرى الذين اغتالتهم واسّرتهم اميركا الغازية المجرمة وعملاءها من الفرس الصفويين والمتصهينين.

 

وقفة اجلال واكبار وتهان ودعوات مؤمنة بالنصر الى الرفيق الحبيب حامل الراية الصدامية العراقية العروبية القائد الاعلى للبعث وللجهاد والتحرير الرفيق الحبيب عزة ابراهيم الدوري وكادره وقواعده في صياغة بيان التحرير الناجز باذن الله.

 

عاش البعث . عاشت الامة . عاشت فلسطين حرة عربية من البحر الى النهر .

الله اكبر والنصر للبعث وشركاءه اسود المقاومة العراقية الباسلة

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ١٠ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٦ / نـيســان / ٢٠٠٩ م