باقون .. لا عائدون

 

 

شبكة المنصور

ماجدة علوية
 
صار من البديهي أن يرى المتابعون للسياسات الأميركية، خاصة في ما يتعلق بالملف العراقي، أن أميركا لا تضع خططها مصادفة كما يحلو للبعض أن يعتقد.. وأن ردود أفعالها تجاه المتغيرات في العراق لا تأتي على نحو عاطفي بل أن كل شيء مدروس بدقة وعناية، لأن أميركا في لحظة الشروع الأولى لاحتلالها لبلادنا، وضعت خططها على أساس" لا توجد صداقات دائمة وإنما مصالح دائمة"، حالها كحال أية دولة استعمارية سبقتها إلى هذه القاعدة وعملت على وفق منهجها.


وعلى هذا الأساس فإن الملف العراقي بالنسبة للأميركيين هو كتاب ما زال واضعو السياسة هناك يكتبون فصوله الأولى بعد أن انتهوا من وضع مقدمته أو عنوانه الأولي. فالإطار العام لخطة " الكتاب"، إن جاز لي التعبير، واضحة يدركها الجميع ولكن التلاعب بالتفاصيل أو تحريك أولوياتها يأتي حسب المصلحة الأميركية. وليس بالضرورة أن تكون فصول الكتاب تأخذ شكلها التسلسلي الطبيعي، بمعنى أنه حالما يفرغ الكاتب من الفصل الأول، سوف يشرع في كتابة الفصل الثاني، لا هذا لم تجعله أميركا قاعدة للاسترسال بوضع الخطط التفصيلية؛ فمع وجود الإطار العام للخطط فإن التفاصيل تأتي على وفق متغيرات الواقع، وهكذا تتحرك فصول اللعبة الأميركية وتتقافز الأفكار على ضوء المعطيات، وما كان مقرراً أن يأتي في الفصل الخامس أو السادس صار لزاماً أن يأتي بعد المقدمة مباشرة لأن الميدان هو من يكتب التفاصيل.


الأيام تمر، و إستراتيجية الاحتلال بكل معانيها باقية لكن ضرورات الميدان تدفع إلى تغيير تكتيكات العمل المعلن، وغير المعلن بالنسبة للأميركيين الذين حققوا أعلى درجات الفشل، وباعترافهم، في ترويجهم "لبضاعة" فاسدة سلمت لتجار و باعة فاسدين.


من يثق بأميركا الآن؟ لا أحد وحتى الذين جاءوا معها عندما غزت العراق، الذين تلفعوا بعلمها من دون خجل، أقول حتى هؤلاء يدركون تماماً أنهم ليسوا سوى بيادق شطرنج على رقعة المنطقة الخضراء ويتوقعون في أية لحظة أن يقال لهم (كش).


ومشكلة هؤلاء أنهم غارقون في الوهم، حالمون ولا ينظرون إلى أبعد من عمائمهم أو أحذيتهم التي تعلوها طبقات التراب بالرغم من يقينهم أنهم لا يملكون جذوراً تجذبهم بقوة إلى الأرض التي يقفون عليها، ولا يملكون قواعد تدعم وجودهم لكنهم يغالطون أنفسهم أو بصورة أدق يغمضون أعينهم حتى لا يستفيقوا من حلم النفوذ والسلطة التي مكنتهم منها أميركا بالتعاون مع إيران وإسرائيل.. أحزاب ما أنزل الله بها من سلطان، ولكن عندما تسأل واحداً منهم: هل لدى الحزب قواعد أو أتباع؟ تراه لا يملك جواباً سوى النظر إلى ثلة من المعممين أو إلى بعض جهلة لا يملكون مؤهلات حتى الحديث بكلمات مفهومة مع الآخر، وليس التحاور معه.


كيف لحزب أن يعمل من دون قاعدة، أو لا يملك نظرية تتطور بتطور العصر والمفاهيم، هل الأحزاب بنظرهم بنايات مستولى عليها ويافطات تحمل الأسماء وأفراد حماية عند بوابات المقرات؟.. مع أحزاب العراق التي قدمت مع المحتل وتحت عباءته لا شيء من ذلك أبداً، أي لا منطلقات نظرية و لا قواعد جماهيرية، ومن يظهر منهم ويقول، " نحن نملك قاعدة في المحافظة الفلانية ولنا تأثير في المكان الفلاني"، فإنه يكذب ويكذب لأن العراقيين الشرفاء يعون جيداً أن دورة حياة هذه الأحزاب مرتهنة بالنهاية التي سترسمها لها أميركا في أي فصل تختاره من فصول كتاب الملف العراقي.. ولأن أحزاب كهذه ومن منطق علمي، هي طفيليات أو أشبه بحشرات لها دورة حياة محددة تنتهي في أية لحظة، تلك اللحظة بالنسبة لهؤلاء تقررها تكتيكات أميركا وعلى وفق مصالحها.


أما "دعوات" أميركا التي سمعناها غير مرة بضرورة التعامل والعمل مع حزب البعث العربي الاشتراكي من أجل "عودته" إشراكه ب" العملية السياسية"، فهي متأتية من يقين أميركا بأن البعث يملك الأرض خارج أسوار منطقتهم الخضراء، إذا لم يكن قد اخترقها، ومن يملك الأرض يملك القرار ويصنعه.. أدركت أميركا ذلك، بل تدركه من قبل جيداً، بعد تجاربها الكثيرة على مدى ست سنوات فاشلة من سياستها في العراق.. وعبر حزب البعث عبر قيادته الشرعية بوضوح عن رأيه إزاء هذه الدعوات، ولكن على أميركا ومن يقف وراءها أن يفهم أن البعث لم يكن خارج الخارطة السياسية ثم جاء من يمنحه الآن الأذن بالعودة، البعث باق مستقر وثابت على أرضه لم يبرحها.. نحن باقون لا عائدون، ومن يفكر غير ذلك فهو واهم تماماً.. أننا نأنف عندما نسمع أصواتاً مبحوحة هنا وهناك تتحدث بلغة صفوية وبيان إيراني، كالحكيم والأديب وباقي " الكورس" عندما يقولون: ( لا عودة للبعثيين)، وأقول لهم: البعثيون لم يخرجوا حتى يؤذن لهم بالعودة، أنهم موجودون أصلاً.


أما بعض الذين يتحدثون باسم البعث، ويرحبون بدعوات المحتل وصنيعته المالكي للتصالح مع البعثيين فهؤلاء ليسوا منا ولا يمثلوننا بأي حال من الأحوال، وهم يمثلون أنفسهم التي ربما سولت لهم النيل من البعثيين الحقيقيين المجاهدين لتظهرهم وكأنهم يهرعون ملبين لأول دعوة يطلقها المحتل وأعوانه، والهدف من كل ذلك هو الإيغال في تشويه صورة البعث العربي أمام الرأي العام، خسأوا و يخسأوون، فالبعث باق بمناضليه الحقيقيين الشرفاء ومجاهديه ومقاومته الباسلة، وللذين يراهنون على قدرة البعث، أو يعيبون عليه أخطاء ظهرت بعد الاحتلال في مسيرته، فأقول لهم: فأما الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس يمكث في الأرض .. وأحسب أننا من الماكثين في الأرض.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٢٠ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٧ / أذار / ٢٠٠٩ م