الدكتورعبد الستارالراوي السفير العراقي السابق في إيران لـ( العرب )
الدوري لايزال حيا
ً.. وهو الذي يقود المقاومة...

 

 

شبكة المنصور

 

١٤ / أذار / ٢٠٠٩
القاهرة- أحمد عبد العزيز                                                


الدكتور عبد الستار الراوي واحد من العراقيين الذين يتمتعون بالرؤية الثاقبة والتحليل المنطقي المتزن للأحداث، ولم لا وهو الذي جمع ما بين المنصب السياسي وبين العمل الأكاديمي كأستاذ جامعي للفلسفة، مما خلق فيه شخصية السياسي والمفكر معاً، المتمتع برؤية ثاقبة وواعية للأمور. «العرب» التقته بالقاهرة لتعرف وجهة نظره تجاه العديد من القضايا المطروحة على الساحة سواء عراقياً أو عربياً أو إقليمياً وكان معه هذا الحوار 
.

 

انتهت انتخابات مجالس المحافظات العراقية مؤخراً، وهناك من يراها مؤشرا إلى الاستقرار والديمقراطية.. فما رأيك؟
-
هذا ليس صحيحاً لأكثر من سبب,

الأول أن هذه الانتخابات ليست شرعية لأنها جرت في وجود المحتل وهو ما يجعل إرادة العراق كدولة وشعب مرهونة وليست حرة,.

 الثاني أن القائمين عليها والمرشحين لها ومنظميها كلهم أذيال للاحتلال وأعوان له، فضلا عن أن هذه الانتخابات التي يدعون أنها حرة ونزيهة شهدت عمليات تزوير واسعة النطاق، وهذه اتهامات من شاركوا فيها مؤكدين أنها زورت لصالح نوري المالكي وأعوانه.

 

وماذا عن الاستقرار الأمني وما يقال عن دور المالكي فيه ؟
-
هذا أيضا ليس صحيحاً بالمرة، وما يسمى بالاستقرار يتمثل في قشرة خارجية ، يقتصر على بعض المناطق المحدودة داخل بغداد، والاستقرار الوحيد يوجد داخل «الجمهورية الخضراء»، وعدا هذا المكان فالعراق كله أحمر، حيث لا يجرؤ أي مسؤول على التجول في العاصمة، وكل ما يقال حول الاستقرار، ليس إلا  مبالغات إعلامية بهدف تغييب الحقيقة، والتغطية على الواقع، ولعل أحداث القتل التي رافقت الانتخابات الأخيرة مؤشر كبير إلى عدم الاستقرار.

 

كيف ترى الاتفاقية الأمنية التي تم توقيعها في نهاية عهد بوش ؟
لقد قامت هذه الاتفاقية في جوهرها على رهن الإرادة العراقية، وهذا مطلب الاحتلال، أن تظل إرادة شعب العراق مرهونة بالاحتلال وأذنابه، خاصة أنه لم يعلن  حتى الآن عن  تفاصيل الاتفاقية ، وما أعلن عنه في النسخة العربية أو (النسخة الوردية) مختلف تماماً عن النسخة الإنجليزية التي تحوي بنودا  خطيرة على واقع و مستقبل العراق، ولن يجرؤ المحتل وأتباعه على إعلان بنود النسخة الإنجليزية للشعب العراقي ، وكل الذي أخذه العراق من هذه الاتفاقية هو (أذن الجمل) كما يقول المثل الشعبي ؟!

 

ولكن في النهاية تم اعتماد الاتفاقية أو تمريرها من خلال برلمان منتخب ويمثل الشعب العراقي؟
-
رأيي أن الاتفاقية لم تناقش في برلمان حقيقي، ولكن تمت مناقشتها في مهرجان أو بين مجموعة من المهرجين، وكل ما حدث حول الاتفاقية وطريقة اعتمادها هو مسرحية هزلية، والثمن الذي دُفع مقابل تمريرها هو تزويد كل عضو برلمان وأسرته بجواز سفر دبلوماسي للأبد، وزيادة المخصصات المالية ومنحهم مساحات من الأراضي، وهذا ما تم الإعلان عنه، ولكن هناك ما هو تحت الطاولة ولم يتم الإعلان عنه وأعتقد أنه الأكبر والأضخم، وللأسف هو ثمن بيع الشعب العراقي ومستقبل أجياله.


 وماذا عن مستقبل هذه الاتفاقية.. هل سيتم إلغاؤها أم هناك ضمان لاستمرارها أم ماذا؟
-
الاتفاقية في النهاية مرهونة بإرادة أكبر من إرادة الحكام، والذي سينهيها الشعب العراقي وحده عبر المقاومة التي ستخلص الشعب من قيد المحتل وقيد الاتفاقية وقيد العملاء والرهان على الوقت، فالمسألة كلها مسألة وقت في النهاية، وسوف تُلغى هذه الاتفاقية لا محالة.


على ذكر المقاومة.. هل مازالت المقاومة على قوتها أم تراجعت أم هناك غياب إعلامي لها؟
-
ما زالت المقاومة بخير، وهي في أفضل حالاتها، وهي في الشوط الأخير وأهدافها واضحة، بل وقريبة المنال، و الحديث الآن عن الانسحاب من العراق بشكل جاد يعود في الأساس إلى المقاومة التي أفشلت مشروع بوش الاستعماري، ليس في العراق فحسب ولكن في المنطقة كلها، ومن هنا يمكن القول بأن المقاومة قاربت بالفعل على تحرير العراق، بصرف النظر عن مجيء أوباما من عدمه، فأنا أرى أن المقاومة آتت أكلها يوم إقالة رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي السابق ومهندس غزو العراق، وكان هذا مؤشرا إلى بداية العد التنازلي للاحتلال في العراق.


ولكن يُلاحظ في الآونة الأخيرة تراجع أخبار المقاومة العراقية وزخمها الإعلامي ؟
قد يكون هذا راجعا لأحداث غزة وغيرها من الأحداث الأخرى، ولكن المقاومة العراقية ما زالت فتية وبحجمها كما هي، الشيء الآخر أن هناك تغييرات في تكتيك المقاومة لأكثر من سبب، أولها أن قوات الاحتلال تكاد تكون قد اختفت من الشوارع وأصبحت متمركزة في قواعدها خارج المدن, ، الامر الثاني إنتهاج إسلوب العمليات النوعية، وبالتالي كان على المقاومة أن تجدد وتطور أدوات الفعل المقاوم،فيما يبقى  مطاردة المحتل  الهدف المركزي والمهمة الأولى.


هل سيتأثر مستقبل المقاومة في ظل الحديث عن انسحاب أميركي وما يقال عن أجواء ديمقراطية من خلال انتخابات المحافظات الأخيرة؟
-
سوف يكون مستقبل المقاومة مزيدا من القوة الضاربة،  والإرادة الصلبة، والإصرار على تحرير الوطن، وأي نجاح يحدث سواء بانسحاب للمحتل أو تراجع لوضعه داخل العراق فهو انتصار للمقاومة، وبالتالي فالمقاومة التي استطاعت أن تهزم أكبر قوة في العالم خلال السنوات الست الماضية، قادرة  بالتأكيد على هزيمة حكومة الإحتلال وإلغائها، لأن ما يحدث لا يمكن وصفه بالديمقراطية بل هي ديمقراطية المحتل والتابع له.. ما يجري من انتخابات مصنوعة، هي نقيض إرادة الشعب العراقي، فضلاً عن الاتهامات العديدة بالتزوير أثناء هذه الانتخابات.


نشرت إحدى الصحف المصرية مؤخراً حواراً مطولاً مع عزة الدوري.. فهل هذا معناه أن الرجل ما زال على قيد الحياة بالفعل ؟
-
أؤكد أن الرجل لايزال على قيد الحياة وأنه حي يرزق ويقود المقاومة، بل هو قائد ميداني في قلب المقاومة، وهو جزء من معركة التحرير.  والحوار الذي أشرت إليه والمنشور في جريدة «الموقف العربي» المصرية هو حوار حي، وهناك مقابلة حدثت بالفعل بين الدوري والأستاذ عبدالعظيم مناف الذي أجرى معه لقاء مباشرا ، وهذه معلومات  حقيقية وأستطيع أن أؤكدها دون تردد أو شك.


هل أنت متفاءل كثيراً بما صرح به أوباما من انسحاب أميركي وشيك من العراق؟
-
علمتني الحياة ألا أقيٌم نظاماً أو حزباً إلا من خلال تقييم ممارساته، والمقياس الحقيقي هنا هو الاستقلال الحقيقي للشعب العراقي دون وجود لقواعد أميركية أو اتفاقيات تجعل العراق رهينة لأميركا، وما نريده هنا من أوباما أن تكون هناك علاقات متكافئة بين أميركا والعراق بل والعرب بصفة عامة وليس علاقة التبعية وتنفيذ الأوامر.


هل هذا معناه أنك لا تراهن على أوباما ؟
-
إنني أراهن على المقاومة وصمودها، وكل  الذي  يفعله أوباما، هو نتيجة الفعل الوطني المقاوم، فتحت ضغط المقاومة، جاء قرار الادارة الامريكية وليس لسواد عيون المالكي أو غيره، ولكن كما قلت لك التفكير في الانسحاب جاء نتيجة طبيعية للخسائر التي لحقت بالقوات الأميركية، وهذا أيضاً نتيجة طبيعية لمقاومة صلبة قوية الإرادة لم تستسلم للغزو، ولم تفقد الثقة في النصر، وها هو النصر يتحقق بالفعل، فما يقال عن انسحاب هنا،  وتراجع عن دعم للأتباع هناك ، وغيره، كل هذه مؤشرات نصر حقيقية  لصالح مقاومة وطنية.


وهل سيكون أوباما متعاطفاً مع إسرائيل مثل أسلافه من الرؤساء الأميركيين السابقين ؟
-
بالتأكيد، وأنا لا أعول عليه كثيراً لأنه ابن المؤسسة الأميركية صانعة إسرائيل، وهو لن يقف إلى جانب الفلسطينيين والعرب على حساب إسرائيل.


وهل سيكون السيناريو مع إيران مختلفا عن سيناريو سلفه بوش؟
-
إنني أرى أن الذي سيتحكم في الصراع الإيراني الأميركي هو لغة المصالح بينهما، وكل ما قيل عن معارك بين إيران وأميركا هو معارك داخل استوديو تلفزيوني، ولم يتم تفعيل شيء في أرض الواقع، لأن إيران -كما أعلمها جيداً بحكم عملي هناك- تجيد لغة المصالح، فهي لا تعرف صديقاً وفي المقابل ليس لها عدوا بالمعنى المتعارف عليه، فالذي يحكمها في النهاية مصالحها وليس عداؤها لأميركا أو ولاؤها لدول أخرى.


وكيف سيتعامل أوباما مع المفاعل النووي الإيراني ؟
-
ما أتوقعه أنه لن تحدث ضربة عسكرية أميركية ضد إيران، وكادت الأولى أن تحدث في عهد بوش ولكن إيران تتبع سياسة الخد والعين أي شعرة معاوية، وهي تجيد هذه اللعبة جيداً،  لن تسمح أميركا لإسرائيل بتوجيه ضربة لإيران، وإن حدث رغم تحفظي، فإن  الحد الأقصى  لن يكون سوى  ضربة موقعية، أي ضرب بقعة معينة أو عدة مناطق بضربات سريعة على أقصى تقدير، وسوف تكون آثارها إعلامية أكثر منها عسكرية.


بالتأكيد لا يمكن أن يمر الحوار دون سؤالك عن حذاء الزيدي ورشقه لبوش؟
-
ما قام به الزيدي يختصر أشياء كثيرة تفيض بها ذاكرة الشعب العراقي ونفسيته تجاه بوش وجيشه المحتل للعراق، وأجمل ما في الحدث توقيته حيث كان بوش يودع السلطة في أميركا، وكانت آخر زيارة له للعراق وهو في منصب الرئيس، وسيظل بوش يتذكر هذا الحذاء في صحوه ومنامه، وعلى أوباما أن يتعلم من هذا الدرس بل عليه أن يعتبره الدرس الأول له، ويعلم جيداً أن القوة العسكرية لن تستطيع قهر إرادة الشعوب.


هل تراهن كثيراً على الموقف العربي في تقديم أية خطوة إيجابية لتحرير العراق واستقلاله ؟
-
أعتقد -بعدما شاهدناه من موقف عربي رسمي متخاذل تجاه غزة- أنه لا يمكن الرهان على أي موقف عربي تجاه أية قضية عربية،  سواء في  العراق أو فلسطين ، أو أية مشكلة عربية أخرى، والقادة العرب يتحملون المسؤولية تجاه ما يحدث، ويجب تدارك الموقف وإعادة توحيد الصف العربي لأن المواطن العربي لم يعد لديه سوى الأمنيات المؤجلة.


وماذا عن الجامعة العربية ؟

للاسف الشديد فإن الجامعة العربية في 1945 -وهو عام إنشائها- كانت أقوى مائة مرة من الآن.


بقى أن نعرف أن د. الراوي من مواليد بغداد عام 1941 وحاصل على دكتوراه في الفلسفة من جامعة الإسكندرية عام 1977 ثم أستاذاً للفلسفة عام 1989 ثم سفيراً للعراق بإيران من عام 1998 إلى 2003  وله العديد من المؤلفات منها: العقل والحرية-الفكر الإيراني المعاصر، ثورة العقل، فلسفة العقل، أيام أبي ، فردوس الكرخ ، وردة الغد، الفكر الفلسفي اليهودي المعاصر،  قمر الكرخ، بستان الرماد....

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ٠٤ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣١ / أذار / ٢٠٠٩ م