وجيز العبارة في شئون السفارة

 

 

شبكة المنصور

مازن العراقي

يصعب الحديث والمقارنة بين وزيرين للخارجية في عهدين مختلفين أختلفت فيه كل المقاييس والرؤى، فقد تحدث الوزير الزيباري أمام رهط من السفراء والموظفين بانه يقف مع السفير ظالما او مظلوما فقد عرفناه مظلوما ولكن كيف ظالما؟ لكي يدعمه الزباري للمزيد من الظلم والغبن فهو على قدر كلامه بأن " رضا الوزارة على الموظف يكون برضا السفير عنه" فإن كان السفير جاهلا بالأعراف الدبلوماسية وسيء الخلق وشاذ عن الحقل الدبلومسي وسيء الطباع وطائفيا حد النخاع وعنصريا من رأسه حتى أخمص قدميه وسارقا للكحل من العين وفاسدا حتى الثمالة ومقامرا حتى بشرفه المهني فأن كلامه يوخذ به فهو سفير! وأن كان الموظف المظلوم عفيفا وشريفا وأمينا وحريصا على اموال الدولة ودبلوماسيا حرفيا ومرموقا ومثقفا وواعيا ومدركا لمسئوليته الوظيفية والوطنية ونزيها, فأن هذه الصفات تعد هراء وغير كافية من وجهة نظر الزيباري لتبرئة ساحة الموظف من الغبن الذي يوقعه به السفير! فالطعن بكلام السفير من المحرمات الزيبارية! ووفقا لهذه القاعدة الدبلوماسية الهزيلة فأن الكثير من الموظفين وجلهم من الدبلوماسيين اللامعين وقع عليهم الغبن دون ان تكلف الوزارة نفسها حتى بالاستفسار منهم الموظف عن القضية أو تشكيل لجنة تحقيقية للتأكد من إتهامات السفراء للموظفين. وقد أعلمنا احد مخضرمي الخارجية ممن له باع طويل في العمل الدبلوماسي بأن وزير الخارجية السايق محمد سعيد الصحاف كان عندما يتسلم شكوى من سفير على أحد موظفيه وبعد أن يطلع على الشكوى بتروي وصبر يسأل " حسنا إستمعنا لرأي السفير ولكن أين الصوت الآخر" أي أين رأي الموظف الذي يشكوه السفير فليس من الانصاف أن نسمع صوتا ونهمل الآخر فقد يكون الموقف مضبضب. وفعلا لا يقرر الوزير رأيه ويبت فيه إلا بعد أن يستمع الى الطرف الثاني ويشكل لجنة تحقيقية ويقلب بنفسه الأمورمن كل الجوانب, وفي احدى اجتماعات الوزير الصحاف مع السفراء أوضح هذه النقطة بقوله أن السفراء أحيانا يحكمون على الموظف من وجهة نظر شخصية وليس ضمن رؤية المصلحة العامة, وقدم دليلا واقعيا على كلامه بأن احد السفراء كان كثير الشكوى من موظف لديه ويكتب عليه بأستمرار فقرر الوزير نقل الموظف الى بعثة أخرى(أشبه بالعقوبة) وبعد مرور أشهر طالب السفير الثاني بكتاب شكر للموظف(المعاقب) لحرصه الشديد وتفانيه في العمل ونزاهته وبقائه الدائم للعمل في السفارة خارج الدوام الرسمي(كان العمل الإضافي في السفارة مجانا بلا أجر). أي ان المشكلة بين السفير وأحد موظفيه تستدعي اولا الأستماع الى كلا الطرفين بتجرد وعدم إنحياز الى حانب السفير, وجعلهما في كفتي ميزان واحد ومعرفة الحجة الأقوى وتأكيدها عبر الإستعانة والإستيضاح بالشهود علنا أو سرا ومن ثم تشكيل لجنة لتوثيق شهادات الأطراف المتنازعة عبر الدائرة القانونية والأدارية والأخذ بتوصية اللجنة بعد التأكد من سلامة توصيتها. أما في العهد الديمقراطي الجديد فإن كافة هذه الإجراءات تضرب عرض الحائط فما يدعيه السفير هو كلام منزل غير قابل للنقاش أو الدحض او مجرد التدقيق منه لأن رضا الزيباري من رضا السفير! وهكذا تضيع حقوق الموظفين وتفقد الخارجية يوما بعد آخر أفضل كوادرها الدبلوماسية وتعوضهم بأمعات.


ولكثرة الحالات من هذا النوع سنكتفي بعرض حالتين فقط علما ان المؤشرة لدينا أكثر من مائة حالة الحالة الأولة تتخلص بأحدى الموظقات في سفارة العراق في أثينا وتدعى حذام مظفر وكانت مثالا للموظفة المخلصة في عملها رغم انها تعمل لأول مرة في البعثات خارج العراق ولأن السفير حاتم الخوام( أو الخوان كما تدعوه الجالية) من السفراء الطائفيين لحد النخاع فهو يحضر مراسيم اللطم والضرب بالسلاسل الحديدية التي تقيمها سنويا الجالية الباكستانية في اليونان ويغدق عليهم التبرعات من أموال السفارة بحجة إقامة ولائم ويمكن للوزارة أن تدقق في وصولات الصرف أيام عاشوراء لتكتشف أن دعوات السفير تنشط في هذه الفترة فقط! ولأن الموظفة من الموصل فقد تشكلت أول نظرات عدم الرضا وكانت المشكلة الثانية عندما تبرمت الموظفة من تصرف السفير المخجل مع سكرتيرته وهما يغلقان الباب والستائر والتلفونات يوميا حوالي ساعتين دون أن يسمح لأحد بأن يزعجهما وقالت الموظفة أمام بقية الموظفين" المفروض ان يحترم وجود سيدة معه في الدائرة " فأوصل المنافقون من حبربش السفير الكلام اليه! وتراكمت الكراهية بعد ان بدأت الموظفة تناقش السفير في بعض تفاصيل الوصولات حيث شغلت الحسابات لفترة معينة. كما أنها كشفت قيامه بتزويد الأكراد من غير العراقيين جوازات سفر نوع (اس) وذكرت له ان الجالية تتحدث علانية عن هذا الأمر خارج السفارة. عندها وجد ان السفير أن الموظفة دخلت المنطقة المحظورة ولابد من إستبعادها وبدأ يخطط للأمر فأوجز وكيل الوزرة أسعد الحياني آنذاك بأنه لا يريد الموظفه خلال اجتماع السفراء وطلب منه ان ينقلها الى الوزارة فأومأ الحياني رأسه بالإيجاب على ان يرسل له السفير تقرير بذلك ويتبله جيدا. شمر السفير ساعديه وبدأ بمخططه الحبيث مستعينا بأفكار تعكس ضآلته وتفاهته بان الموظفة كان والدها من قادة الجيش العراقي السابق وأبطاله! وان زوجها كان يعمل في رئاسة الجمهورية! ولكن هذه الذرائع لم تكفي لنقلها لديون الوزارة لأنها غير مشمولة بقانون أجتثاث البعث. عندها لصق بها تهمتين خارقتين، الأولى انها تعلق صورة للرئيس الشهيد صدام حسين في شقتها! والثانية أنها علقت بعد ظهور الريئس صدام حسين في المحكمة النشاز عبر شاشات التلفزيون بعبارة " حرام عليهم يطلعوه بهذه الصورة" وسفه الموظفون هذه التهم مؤكدين بأنه لا صحة لها والغرض منها كيدي! ولكن مع الأسف فوزارة الزيباري لم تسأل الموظفة عن الحقية ولم تكلف نفسها تشكيل لجنة تحقيقية لمعرفة الملابسات مكتفية بإدعاء السفير، فقامت بنقل الموظفة فورا الى مركز الوزارة رغم ان فترة عملها في السفارة كانت سنة واحدة وحرمتها من سنتين أخريتين مكتفية بعصمة الإمام السفير عن الخطأ.


الحالة الثانية كانت في سفارة العراق في فيينا فقد شغلت السيدة بشرى الراوي منصب القنصل في السفارة وكانت مثالا مشرقا ومشرفا للمرأة العراقية وهي تجهد نفسها نهارا وليلا لأسعاف طلبات أبناء الجالية وحرصها على زرع الأبتسامة على شفاههم والرضا في قلوبهم والإمتنان في عيونهم وهو يرون هذه الماجدة تصرف وقتها على خدمتهم خارج الدوام الرسمي, وكان هذا القبول والرضا موضوع حسد من قبل السفير الكردي طارق عقراوي الذي لا يقل لؤما وشوفينية عن قادته الأكراد فهو يمقت كل شيء عربي, وبدأت الدسائس ينسجها السفير بتواطؤ مع الشخص الثاني في السفارة وهو أنسان معروف بإنتهازيته ووضاعته. ونسى السفير منصبه وواجباته وبدأ يحشر أنفه في الشئون القنصلية ومن المعروف ان القنصل يتلقى التعليمات ليس من السفير وإنما من الدائرة القنصلية مباشرة فإرتباطه بها، لذلك فأن القنصليات المنفصلة عن السفارة ليس لها علاقة بالسفير إلا من الناحية الأدارية وهي تعمل بمعزل عن توجيهات السفير فيما يتعلق بالعمل القنصلي. بدأ السفير بتحويل السفارة الى مضيف للأكراد وأعطاء الصلاحية للمستخدمين الأكراد بشكل غريب يتجاوز صلاحية الموظفين الدبلوماسين وقام هؤلاء بدورهم بالتدخل في شئون العمل القنصلي بحجة أنهم مأمورين من قبل السفير, وصارحت الدبلوماسية المرموقة السفير حول هذه التدخلات فأنكر علاقته باديء ذي بدء بها ولكن مع مرور الأيام تبين كذبه وزيفه ورغم الضغوطات التي مارسها السفير وبطانته على السيدة القنصل لكنها كانت صلبة متمسكة بحرصها على المسئولية الملقاة على عاتقها ووطنيتها الصميمية التي لا تقبل المساومة ونشأتها الأخلاقية الرفيعة إضافة الى حنكتها الدبلوماسية فهي من كوادر الوزارة القدامى, وبعد فشل وسائل الترغيب والترهيب التي مارسها السفير وجد أن مناعة السيدة القنصل مدرعة وغير قابلة للخرق فأتجه الى الزيباري عضيده في القومية مطالبا بتجميد الموظفة عن العمل وهي حالة غريبة لم تشهدها الدبلوماسية العراقية في تأريخها! ولكن السفير بشكل عام معصوم حسب رؤية الزيباري فكيفما يكون الأمر عندما يكون السفير كرديا ومحسوبا على الوزير نفسه؟


بمثل هذا التخبط الدبلوماسي والرؤيا العنصرية والطائفية الضيقة تتعامل الوزارة مع كوادرها الدبلوماسية حيث تغلب الباطل على الحق والظلم على العدل والزيف على الحقيقة والوشاية على الأمانة، والخسارة هي للعراق أولا وللوزارة ثانيا.

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٠٧ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٤ / أذار / ٢٠٠٩ م