عودة البعث للعراق ... هل الحكومة العراقية جادة في تفعيل المصالحة الوطنية ؟

 

 

شبكة المنصور

سعدون شيحان / كاتب سياسي عراقي

يبدو إن الحكومة العراقية تتكالب هذه الأيام لتفعيل ما يسمى بالمصالحة الوطنية خاصة بالفقرة التي تدعوا لإعادة حزب البعث إلى الحياة السياسية ...ومع هكذا أخبار نقف بالتحليل والدراسة عن الأسباب الرئيسية لهذا التحول في السياسة خاصة وان حزب البعث كان من اشد المحظورات في نظر أعداء الأمس  .

 

كان حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق من اقوي تيارات المد القومي العربي ضد القوى التي وصفت بالمعادية للمشاريع والمصالح العربية وان ارتكز في قوته لمواجهة المد الإيراني الطامح إلى الاستيلاء على منطقة الخليج العربي وفرض أجندة فارسية تستغل الطائفة الشيعية لتشكيل قوة قومية فارسية تمتد نحو شيعة البلاد العربية ..وفعليا إيران استولت على الكثير من المواطن في العراق والسعودية والبحرين والإمارات ونسب أخرى اقل في بلاد عربية أخرى إضافة إلى احتلالها مواقع إستراتيجية متمثلة بالجزر العربية أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى واستيلائها على جزيرة ام الرصاص العراقية حاليا (سميت بأم الرصاص نسبة لمخازن الأسلحة التي استخدمتها القوات البريطانية في استعمار العراق ) وهي جزيرة عراقية إضافة لذلك تكالبها نحو الخليج العربي وتسمية (الخليج الفارسي) ...

 

حزب البعث العربي الاشتراكي مؤسسة قومية أكثر من كونه حزب وطني حتى ان غالب الأمور التي تقاطعت فيها المصالح الوطنية مع المصالح القومية العربية كان ثقل القرار يصبو اتجاه القرارات القومية (عندما كان الحصار الاقتصادي ضاربا في العراق وحرم أبناءه من استثمار قوته الاقتصادية كان العراق يزود الأردن بالنفط بأسعار تفضيلية إضافة لدعمه عوائل الشهداء الفلسطينيين ودعم المقاومة الفلسطينية )

 

القيادة البعثيه كانت قيادة قومية صرفة من حيث الأعضاء انطلقت أفكارها منذ اللحظات الأولى لتأسيس البعث ....يلعب دورا كبيرا في ذلك المؤسس (ميشيل عفلق ) الذي أراده امتدادا لكل البلاد العربية عزز أفكاره الرئيس الراحل صدام حسين حيث مد جسوره لمعظم أبناء الأمة ..

 

ابرز توجهات حزب البعث كانت في محورين الوقوف بوجه إيران والتصدي لمشروع الدولة الصهيونية ...كانت تلك التوجهات مرحب بها في الواقع العربي ومدعوما من أنظمة عربية مؤثرة كالسعودية واقل قبولا لدى الرئيس حسني مبارك الذي كان في هذا الوقت يمسك عصى المصالح مع أمريكا وإسرائيل من المنتصف كان (أكثر ذكاء واقل فائدة ) للشعب المصري ربما لأنه يحمل تركات ثقيلة تتمثل بالاتفاقات التي وقعها أنور السادات مع الكيان الصهيوني ..

 

طبيعة القيادة العراقية هي القوة ابرز تلك السمات أتت من قوة الرئيس الراحل صدام حسين حيث فرض نموذج القائد الأسطوري في مخيلة الشباب العربي كان لا يأبه بالا لمشاريع أمريكا ولا يتردد في مهاجمة إسرائيل (سأحرق نصف إسرائيل ) هكذا كان يردد وفعليا قام بمهاجمة إسرائيل حيث رد على ضرب العراق في عام 1991 بقصف إسرائيل بـ 41 صاروخ وتحدى الزعماء العرب ان يضربوا صاروخا واحدا اتجاه الدولة المعادية لشعوبهم ....

 

تعاملت القيادات العربية طيلة 37 عاما مع نظام البعث وكانوا يدينون بالفضل للعراق على حرب ألثمان أعوام عندما واجه الرئيس العراقي صدام حسين الريح الصفراء القادمة من الشرق إيران عشرات الآلاف من العراقيين ضحية الموقع الإستراتيجي للعراق كونه البوابة الشرقية للعرب والدولة الوحيدة التي استعدت للتضحية من اجل الشعوب المضطهدة ...

 

لم تكن مشاهد الشهداء ونحيب الأمهات في العراق مؤثرة بقدر توغل إيراني في ارض عراقية او استهداف لدولة عربية (الرئيس العراقي يخصص يوما اسماه (يوم الكويت ) للرد على استهداف أمير الكويت ) وتدك ألاعتده الثقيلة القوات الإيرانية وهجوم شرس عقاب للفرس وإكراما لجار عزيز قبل إن يسير باتجاه الأعداء ...

 

لم يكن غريبا ولم تندم عائلة عراقية على تصرف الرئيس وهي تهدي احد أبناءها شهيدا في تلك الحرب ..كان الشرف العربي بحاجة لرجال صادقين .

 

في لحظة من اللحظات تتقاطع المصالح وترتعد فرائص الرئيس بوش وأمريكا لقوة العراق وتخير العرب بين القيادة العراقية وبين مطرقتها الثقيلة (خرج العراق منتصرا من حرب ألثمان أعوام ) مما لا يعجب إمبراطورية الشر ...إسرائيل في ورطة مع تعاظم قوة العراق ..إذا أصبح للعرب لسان يتحدثون به وقوة تدافع عن مصالحهم ..(لا يجوز ذلك )!!

 

لن نأتي على مرحلة احتلال العراق لان ذلك كتبنا فية عشرات المقالات وبينا الأسباب الرئيسية والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بتقاطع المصالح الأمريكية الإسرائيلية في الخليج العربي مع نهج القيادة العراقية  ..حتى تتضح الصورة أكثر ونختزل الأسئلة التي قد تثار حول (مدى العلاقة الإيرانية الأمريكية ؟) أوضح التالي :

 

أمريكا تعتمد في سياستها الخارجية الحالية على مفهوم (العدو المزعوم ) وهي بحاجة له دوما لاستقطاب القيادات والشعوب العربية والعالم  ..

 

الدليل على ذلك حالة العداء مع العراق استمرت 12 عاما بين (1990-2003 ) كحالة واضحة في الخطاب الرسمي وبشكل ظاهر إعلاميا وسياسيا ولكنها استثمرت هذا العداء لتحقيق مصالحها (نورمان شوارسكوف القائد العام لقوات التحالف ) جن جنونه عندما طلب منه في 1991 عدم التوغل اتجاه العاصمة بغداد واستهداف القيادة العراقية ...والسبب تلاقي المصالح فهي بحاجة لوجود العراق قويا الان لغاية استكمال المشوار ...

 

بعد عام 1991 الولايات المتحدة لم ترد إضعاف هيبتها إمام القادة العرب الذين اتخذوا موقفا معاديا للرئيس صدام حسين والشعب العراقي المحاصر والمنهك بعد خروجه من الحرب المشرفة ضد إيران ولكنها بالوقت ذاته لديها المصالح القومية وسياستها الخارجية توصي بعدم إيجاد مخرج سريع لمشكلة العراق ...لم يكن الملك فهد رحمه الله يلاقي ترحيبا قويا بمشاريعه التي أوصت (بتصفية القيادة العراقية وإنهاء مشكلة الشعب العراقي!!) حسب ما ادعى أركان المعارضة وطلبوا منه التوسط لدى الرئيس بوش الأب مع انه من أفضل المؤيدين والحلفاء للولايات المتحدة في الخليج ولدية ما يسيل له لعاب هنري كيسنجر صاحب الأسطورة السياسية ( احتلال منابع النفط لديمومة الإله العسكرية وزعامة العالم ) ....

 

إيران ألان تشبه إلى حد كبير العراق سابقا وجودها مهم جدا بعد اغتيال الرئيس صدام حسين لم يبقى بعد احتلال العراق من قوة مؤثرة في الشرق الأوسط والخليج العربي سوى الدولة الفارسية وهي غير موثوقة لدى المحيط العربي ...

 

استغرب دائما عندما أجد التصريحات السياسية تكون حادة بين إيران والولايات المتحدة وبالمقابل نجد زيارات رسمية إيرانية للحكومة العراقية ...هناك إذا نقطتين مهمتين في ذلك التزامن :

 

إيران تدفع الحكومة العراقية لتشدد أكثر مع الولايات المتحدة في الموافقة على المشاريع المطروحة مثل ( الاتفاقية الأمنية ) وغيرها للمناورة بإبعاد الخطر عن برنامجها النووي .

 

الولايات المتحدة تستثمر قوة ونفوذ إيران لدى الزعامات الشيعية في العراق للموافقة على مشاريعها .

 

النقطة الأولى لا يمكن إن تكون واقعية لسبب ان أمريكا هي من تمهد لهذه الزيارات وبحماية رجال المارينز وبموافقة السفير الأمريكي في العراق وبعلم الخارجية الأمريكية ولكنها تلعب تلك الورقة وفق مسار المصالح الفردية .

 

إضافة للزيارة الغريبة التي اعتبرها نقطة الفصل في الموضوع والتي أجلت تماما الصورة الحقيقية للشراكة الإستراتيجية بين إيران والولايات المتحدة والمتمثلة بزيارة احمدي نجاد للعراق والحفاوة التي أبداها القصر الرئاسي لتلك الزيارة .

 

إذا إيران ورقة ضغط مؤثرة لدى الولايات المتحدة داخل العراق وعلى مستوى التأثير على الواقع العربي .

أدرك اغلب الرؤساء العرب ان إيران خطر له بعدين الأول هو طموحها النووي ورغباتها في الاستيلاء على الخليج وثانيا كونها تلعب بورقة الأمة العربية مع الولايات المتحدة من خلال التلويح بقوتها .

 

هناك معضلة كبيرة أخرى تواجه الكثير من الدول العربية وهو القدرة الإيرانية على تحريك الشارع العربي من خلال القوى التي أنشأتها .

 

حزب الله في الجنوب اللبناني ..العلاقة الوثيقة مع النظام السوري ..الامتداد الشيعي في معظم البلاد العربية ..حركة حماس في غزة ..كل تلك أوراق لا يمكن تجاهلها ..

 

إذا الولايات المتحدة تمتلك عدوا مهما للشارع العربي والزعامات ..ولكن هل من خيار إمام القيادات العربية ؟ ...

ان الواقع حقيقة لم يترك خيارات إستراتيجية ألان إمام القيادات العربية لتلعب دورا مهما في إعادة العراق ليكون العصي الغليظة بوجه المد الإيراني خاصة مع مشكلة التركيبة السياسية الحالية وان الورقة الوحيدة المطروحة (حزب البعث )الذي لا زال يمتلك قاعدة قوية في العراق رغم ما عاناة ابرز قياداته لم يترك له المجال للعودة ليكون موحدا لشتات المجتمع ...ان ابرز الجهات السياسية الحالية في العراق لا تخفي مطلقا مدى العلاقة الوثيقة مع طهران التي يحمل عليها الشارع العراقي بأنها السبب الرئيسي في حمام الدم من خلال إشعال نار الطائفية ...ومع ذلك يبرز سؤال مهم ( هل الولايات المتحدة جادة فعلا بإعادة حزب البعث للمسرح العراقي السياسي ؟ ) ثم هل الحكومة العراقية جادة في تفعيل المصالحة الوطنية ؟

 

لا نود ان نعطي رأي بالمطلق ولكننا نحلل ونستقرء وفق مؤشرات المصالح السياسية وما يكون واقعيا وفق التحليل السياسي ..ومعه نجد ان مسألة الطرح وفق الصيغة التي سربت قد لا تكون واقعية أبدا ولا يمكن ان تتحقق الا وفق عملية (احتواء وإقصاء ثم تهميش) لكل القيادات العائدة والسبب ان عملية اندماج الفكر ألبعثي مع أفكار الأحزاب التي كانت محظورة في العراق صعبا وربما مستحيلا ...إذا نجد إن التغيير يجب ان يكون انقلابيا بمعنى تغيير جذري وليس ديمقراطيا كما تروج له الولايات المتحدة او عملية انصهار بعثي داخل التشكيلة السياسية الحالية ولا وفق الإقرار بحاجة العراقيين لتفعيل المصالحة الوطنية التي تدعوا لها الجامعة العربية والزعماء العرب ...

 

فكر البعثيين ألان مختلف عن مرحلة الهدوء النسبي الذي اتسم به الحزب إبان نهاية التسعينيات عندما كانت هناك مرحلة تحرك سياسي اتجاه مختلف الجهات السياسية العربية والقوى المعارضة المعتدلة وهذا الفكر يغلبه الثورية وفكر المقاومة خاصة مع التصرفات والإجراءات التي قام بها المحتل في العراق ابتداء من اغتيال الرئيس صدام حسين وملاحقة كل الكوادر والقيادات البعثية ....

 

ليس هناك مساحة خضراء ألان لتفعيل مصالحة مع حزب البعث إطلاقا ربما في الأجندة السياسية ليس هناك شيء مستحيل وليس هناك جدار ولكن المعطيات ألان تقودنا لفرضيات شبة مستحيلة حتى وان ارتكزنا على إصرار البعث وتمسكهم بثوابتهم بالمقابل فتح جدار القوى المعارضة وكسب تنازلات مهمة .

 

نتمنى ان تكون الدعوات لتفعيل المصالحة الوطنية جدية ..ونأمل بفكر جديد يرسم واقع أكثر شفافية للشارع العراقي ولكن يجب ان ترتكز على (إسقاط النظريات ودعم القيادات) بدل التعامل بالعكس إسقاط القيادات وفرض النظريات والأجندة الغبية ..

 

ان على القيادات العربية ان تعي جيدا ان ورقة ايران ورقة مهمة يجب التعاطي معها وفق استحقاقها كونها ورقة ضمن اجندة الولايات المتحدة ولا يمكن باي حال ان تخرج من دور مرسوم بعناية لاستهداف الخليج العربي ولا تعدو الدولة الفارسية سوى نموذج سيء لدولة تلعب بالنيابة في الوقت الضائع لان مسار المشاريع الأمريكية في الخليج العربي في لحظاته الأخيرة

 

فيما يعنى بالاخبار التي تتصدر اغلب المنابر الإعلامية الحالية التي تلمح علانية لاتفاقات حول اعادة حزب البعث او كوادره للعملية السياسية فأننا نرى إن الخطاب الرسمي لحزب البعث قد ضيق الدوائر المتاحة لهكذا أمر مع إننا رحبنا بالمبادرة وفق منظور وطني يتمثل بالثوابت التي أعلنت من قبل القوى الوطنية التي ترتكز على خروج المحتل كأساس تأتي بعده جملة أسس مهمة لعودة العراق سدا عربيا بوجه الإطماع الصهيونية الإيرانية وضد المشاريع التي تستهدف النيل من مقدرات المجتمع العربي وفي حال صدق النوايا العربية للعودة إلى ملاذهم الأمن العراق عليهم أولا أن يعيدوا المحتل إلى رشده وفهم المعادلة الأمريكية الإيرانية المشتركة التي تستهدف الجميع .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت / ٠١ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٨ / أذار / ٢٠٠٩ م