بعض المثقفين .. وأنحراف زاوية التنظير

 

 

شبكة المنصور

صلاح أحمد

كنت قد أطلعت بالصدفة على مقال موقع بأسم نزار حيدر  ويحمل رقم الحلقة (12) ، وأعترف بأني أُعْجِبتُ بأسلوبه ومنهجه وبلاغته في عرض أفكاره التي أشتمل عليها  ، وهذه أمكانية وقدرة متقدمة أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليه ، وأظن بأنه نجح في بلورتها وتوظيفها في الوجهة التي تخدم قناعاته ومعتقداته ، وهي بذلك تكون كالسلاح الذي يجتهد في تطويره من يمتلكه ليستخدمه متى يشاء وحيث يشاء خدمة لما يعتقد أو أنطلاقا من مصلحة أو الأثنين معا حيثما توفرت الفرصة لأجتماعهما معا .والحقيقة أن ذلك يذكرني بأحدى الباحثات وهي أمريكية من أصل عربي ، تم أستضافتها في أحد المرات عبر قناة الجزيرة ،وطرحت أفكار غاية في الخطورة ،تعرضت فيها بالنقد اللاذع للقرآن والأسلام ، وهي في ذلك ، مع ما أمتلكت من علم وثقافة واسعة وعميقة، أخفقت في أدراك الحقيقة المطلقة لقيمة القرآن والأسلام ، وحصل معها العكس من حيث أستخدامها لما تملك من علم وثقافة في الطعن والأنقاص والتشويه ونحو ذلك مما أفاضت به أخلاقها وليس علمها !! ، نعم ، فالأخلاق وكل مايتصل بها من قيم وأفكار ومعتقدات أذا سبقت العلم – بكسر العين- وأصبحت مُنطَلقه في التعبير عن نفسه ،فأنك بذلك تضمن الوجهة الأيجابية الصحيحة التي يسير بها هذا العلم ،وعلى العكس من ذلك ، فأذا تأخرت الأخلاق ومنظومة قيمها الشاملة عن العلم ، فالنتائج حتما ستكون كارثية في ميادين تحققها النفسية والمادية .

 

أنا أسوق هذه المقدمة لأن المقال موضوع البحث كان فيه من الجدل الشيء الكثير ،وكنت أستشعر حركة أفكاره وأتجاهاتها ، وهو أمر لن يستعصي على أحد ،لأنه بصراحة كان واضحا وشفافا في التعبير عن منطلقاته الفكرية ،بل أنه كان يمعن في أجتهاده لأثبات هويته الفكرية ،وهي هوية لايملكها وحده ،بل يشاركه فيها قطاع من أبناء شعبنا في العراق ، ولكنه بالتأكيد يتفوق عليهم بقدرته على التحرك في محيطها بوعي عالي للأصول والماهيات وحتى الأهداف ،وربما هذا ماجعله يطرح نفسه كأحد الدعاة والمنظرين الذين يحرصون على تعميق الفكرة أو التبشير بها من خلال أحلاله لنفسه ضيفا على العراقيين من خلال البريد الألكتروني وشبكة النت وبطريقة لاينكر أحد بأنه يمارسها بلياقة عالية (للنشر مع التقدير ) . ولكن مايجدر أن أقوله ،أن أفكاره لن تقود الى أجتماع أو وحدة ،خصوصا وأن التطرف كان صفتها الظاهرة السائدة ،وهنا تتكشف الدوافع غير السوية لأستخدام العلم في تصدير الأفكار ، وهذه بعض ملاحظاتي التي أخاطبه فيها وأرجو أن يتسع لها صدره :

 

1- كنت تتحدث عن التاريخ وضرورات الأعتبار منه ، وسردت في هذا كلام غير قليل وشواهد وأستشهادات بكلام نسبته الى سيدنا الأمام علي (كرم الله وجهه وعليه السلام )، وأنا لن أجادلك في ذلك ،فأنا ومعي كل مسلم عاقل وغيور نؤمن بما لدى سيدنا الأمام علي (عليه السلام ) من أيمان وعلم وحكمة وشجاعة سخرها كلها في خدمة الأسلام أنطلاقا من التزامه و طاعته الشديدة والعميقة لله سبحانه وتعالى ولرسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ،ولا غرابة في ذلك فهو ربيب بيت النبوة وأول من أسلم من الصبية ، ولكنك لو قمت بمراجعة ماكتبته حول موضوع التاريخ وغيره لرأيت بأنك أستندت في غالبه على مقولات نسبتها لسيدنا الأمام علي (عليه السلام )،مع أشارات بسيطة لآيات من القرآن وأحاديث لسيدنا النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام يبدو ذكرها وكأنه  من باب المجاملة أو لذر الرماد في العيون.وكأن في ذلك أيماءة الى أن الأصل في الفكر الأسلامي هو سيدنا علي (كرم الله وجهه) وكل مايتصل بشخصيته الفذة وسيرته الجليلة ، وليس كلام الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام ،وهذه في تقديري محاولة ارجو أن لاتكون مقصودة لتجزئة الدين وفصله عن جذوره وينابيعه وتحريف لزاوية نظر المسلمين ممن يعتقدون بهذا الفكر عن حقيقة الدين فكرا ومنهجا وأهدافا ورموزا يرتقي قمة هرمهم سيدنا النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام  ، والا ، لماذا كل هذا الحديث عن موضوعة التاريخ ولا تجري معالجتها الا عبر سياق واحد (يتصل بما يقوله سيدنا الأمام علي عليه السلام ) ، وهو الذي تعمدت مبالغا في أظهاره على حساب الأصل في الفكر الأسلامي وعقيدته العظيمة .وأنا هنا لن أخوض في أية تفاصيل حوارية أو جدلية ،ولكني أعطيك اشارة بسيطة تعكس غلوك في أعتناق عقيدة فرعية وأمعانك في تجاهل الأصول ، هذه الأشارة تتعلق بعدد المرات التي ذكرت فيها سيدنا الأمام علي ( كرم الله وجهه وعليه السلام) مع أمتداد الثناء والتوقير(الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ) مع أنك تعمدت أن تستخدم المختصرات مثل الحرف (ص) في ذات صيغة الأمتداد عند ذكرك سيدنا النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، ولو أنك أعتمدت الحرف (ع)  عند ذكرك سيدنا الأمام علي (رضي الله عنه وأرضاه) لكان الأمر يبدو وكأنه يسير في سياق واحد ،ولكن مثل هذا التمييز الذي يصدر عن شخص يحرص على أتقان لغته وتعبيره لايمكن النظر اليه على أنه غلطةٴ أو سهواٴ أو غفلةٴ ،أنها محاولة لأعادة ترتيب هرم الرموز الأسلامية على وفق عقيدة غير سوية . والحقيقة أنك تذكرني بمشاهد كانت تستوقفني كثيرا عندما كنت أزور أهلنا في محافظات الفرات الأوسط أو في مدينة الثورة ببغداد ، كانت الجدران مزينة فقط بلوحات تشتمل على مقولات منسوبة لسيدنا الأمام علي (عليه السلام ) ، وتكاد هذه الجدران تخلو تماما من الآيات القرانية أو أحاديث سيدنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ، وأن كنت لا أتوجه باللوم الى البسطاء والعوام من أبناء شعبنا الذين تعايشوا مع الأفكار والمشاعر بطريقة غير واعية لما يجب منها ،ولكن أنت ومن هو على نهجك أو أنت على نهجهم تحاولون من حيث تعلمون أو لا تعلمون أن تختزلوا الأسلام العظيم في شخص سيدنا الأمام علي (عليه السلام) وهو (عليه السلام ) أول من ينكره عليكم لأن في ذلك أنحراف عن الدين القَيَم وتشويه لرموزه العظام.

 

2-أنت ذكرت في مقالتك أشياء تتعلق بما أسميته ( العراق الجديد )‘ وأعلنت عن رغبتك وحرصك في أن يكون عراقا صحيحا ، ولا أعرف على ماذا أستندت في فرضيتك بأمكانية صنع عراق صحيح من رحم الظروف التي أنتجها الأحتلال الصهيوصفوأنكلوأمريكي وعملاؤه الذين أستشروا في البلاد كالجراد الذي أتى ويؤتي على اخضرها ويابسها .وليس من صاحب عقل رشيد وقلب سليم ينزع الى وصف العراق بالجديد والصحيح وهو على ما فيه من محاولات حقيقية لمسخ شخصيته وهويته وتهديد لوحدته ونسيجه، وأنت تعلم أيضا،أن فيه من يسعى بجهد منتظم ومبرمج لأغراقه في بحر من ظلمات الأفكار الهدامة على أختلاف صورها ومصادرها ، وأذا كنت أنت أو غيرك ممن يركنون الى الترويج لبعض المظاهر التي توصف بأنها ديمقراطية ،فأنت وغيرك أيضا تعلمون بأنها مظاهر كاذبة وخداعة يدفع بها لتتصدر المشهد العراقي بقصد الأيحاء بحدوث التغيير من جهة وصرف الأنظار عما تستره هذه المظاهر من جرائم القتل ونهب الثروات وتشظية المجتمع وبث ثقافات العمالة والأنحراف والتحلل من القيم الوطنية والقومية والأسلامية التي هي عماد المجتمع العراقي من جهة أخرى.

 

3-أنت عمدت خلال تعرضك لموضوعة الأعتبار من التاريخ الى تبني معيار في تصنيف شخصية من خاطبتهم ،عندما تعرضت بالنقد للبعض الذين وصفت شخصه بأنه علويا في فكره وعقيدته وأمويا في سلوكه ومعاملاته ،وأنا هنا أود أن أوضح لك بعضا من رأيي في هذا :

 

أ‌-  نحن أبتدءا لاينبغي لنا أن نساعد في الترويج لما يشطر الأسلام ويجعله شِيعا وفُرقا يُظاهرون في أختلافهم أستنادا الى بدع ليست من الدين في شيء ،فمن كان يغلب لديه حب آل بيت النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم لفضلهم ومكانتهم ودورهم العظيم في الأسلام ورسالته الخالدة فله ذلك ،بل أنه من الواجب وتمام الأيمان ،ونحن جميعا نعلم،بأن لاصلاة صحيحة من دون الصلوات الأبراهيمية التي يدعوا فيها العبد المسلم ربه بالصلاة على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد كما صلى ربنا على سيدنا أبراهيم وآل سيدنا أبراهيم الى آخر الصلوات الأبراهيمية ،وسادتنا أهل البيت (عليهم السلام ) هم من  أشد المتمسكين بتجسيد قيم وتعاليم الدين الأسلامي الحنيف وفقا لأصوله وأسسه الصحيحة وليس على نحو ماينسب لهم من دين صنعه الصفويين والشعوبيين .ومن ناحية أخرى ، فمن كان يحسن الظن بالخلفاء الأمويين وفضلهم في حفظ الدين ونشره وتثبيت دعائم وأسس دولته ،فما الذي يضير من يخالفه أن أراد ذلك ، فهل يصح أن يكون بيننا من يعتقد بأن أتباع آل بيت النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم هم فقط من سلكوا طريق الصواب والنجاة ويكون سواهم من الهالكين ؟ أو يصح من يعتقد مثل ذلك بالنسبة للأمويين أو غيرهم ممن شاعت لهم أوصاف أو أسماء على لسان الغلاة والمتطرفين والمبتدعين ؟ خصوصا وأن الأثنين أذا صح لنا بشطرهم الى أثنين ،كان غالب خلافهم سياسي وليس عقدي ،فهل حدث أن تبنى أحدهم شيئا نسبه الى الدين بما ليس فيه ،هل أنقلب أحدهم أو أرتد على العقيدة وقوانينها وقوامها في طاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أو أشتغل في مصلحة لاتنتمي الى الأسلام والمسلمين؟! مالنا نصف هذا بالعلوي في أشارة الى صلاحه وآخر الى أموي تعبيرا عن عدم أستقامته ، من تكون أنت ومن أنا لنقول في حق ماأطلقت عليهم علويين وأمويين كلاما يضعهم على طرفي نقيض في المعادلة الأسلامية الواحدة .

 

ب‌- وبالنسبة الى ذات المعيار الذي أشرت اليه في مقالتك ، فأود أن أؤكد لك بأن من يحكم العراق الآن ليسوا بعلويين ولا أمويين ،وليس لهم صلة ولا رابط  لا بأهل البيت الأطهار ولا بالصحابة الأخيار ولا حتى بأيا من السلف الصالح ،هؤلاء نتاج لصناعة صهيوأنكلوصفوأمريكية ،وأنا أتحداك أن تأتي لي بصفة أو موقف يجعلهم ينتمون حتى الى تلابيب جلباب أبسط عالم دين صحيح العقل والمنهج يعمل بالكتاب والسنة بما يجعله أهلا لحمل صفة العالم ..المفارقة التي تجعلك تقع في أشكالية التناقض بين أخلاقك وعلمك ،هو أصرارك من خلال المقال على الترويج لبضاعة أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها فاسدة ومفسدة ، ولذلك فأن هؤلاء العملاء الذين يتصدرون الواجهات السياسية في العراق (الجديد!!؟؟) بسلطة من أنعم عليهم بذلك من أسيادهم أصحاب مشروع الأحتلال والتدمير،هؤلاء العملاء لن يعتبروا من التاريخ ،لأنهم ببساطة شديدة لاينتمون الى صفحاته في جانبها المشرق،وعليه فأن فاقد الشيء لايعطيه،خصوصا وأن البون شاسع وشاسع جدا بين كل خصال وفضائل سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبين من يتشبث أو يتشدق بالأنتساب اليه بهدف تحقيق مايعجز عن تحقيقه بالأعتماد على مايملك من أفكار أو مقومات شخصية ،ولذلك فهم مؤمنون بأن لافرصة لهم في العراق من دون تصدير مايسمى بالفكر العلوي وبُدع المظلوميات الى واجهاتهم لتكون عناوين تستقطب اليهم البسطاء من الناس من جهة وأصحاب المصالح والأهداف المريضة من جهة أخرى.

 

4-أنا أعتقد ومن خلال النصائح التي تتوجه بها الى من يتولون أمر العراق والعراقيين الآن ممن أسميتهم بالساسة وأصحاب المنابر الحسينية وغيرهم،أنك تسعى الى تعريفهم بمسارات تساعد في تجميل وجوههم وتلميعهم وأحاطتهم بجدار سميك من صيغ التعامل بمنطق (من يظهرون خلاف مايبطنون ) لتضعهم دائما على ذات الطريق الذي يستر عيوبهم وعوراتهم ،حيث أنك عمدت من خلال نصائحك على تحذيرهم من مخاطر التصرف بما يسيء أو يشوه مظاهر أنتماءهم الى آل بيت النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم ،وأجد أن قد غاب عنك حقيقة عدم جدوى نصائح من هذا النوع ،فمن الصعب أن تنصح من يقطن البركة الآسنة بالتطهر والتنزه عما فيها من نجاسات وهو من يُُصّر على المكوث فيها ولا يسعى الى مغادرتها ،فالعمالة للأجنبي وكل مايتصل فيها من ثقافات ومعاملات هي بمثابة البركة الآسنة التي لاتنفع معها النصيحة لمن أستهوته فكرتها وتجذرت قوانينها وشروطها في عقله وشخصه ،ولا أظن أن في من تخاطبهم أية رغبة أو قناعة أو عزم على الأنعتاق والتحرر ممن سلبهم أرادتهم وأحتل كيانهم وصادر قيمهم ،لأن ذلك كله يحتاج الى أرادة وشجاعة وأصرار على التوبة يسبقها الأعتراف بالذنب وتحمل مايترتب على ذلك من نتائج ، و لا أظن في أصحابك من تنطبق عليه هذه المواصفات ،لذلك فهم سيواصلون دأبهم على توظيف علاقتهم الأفتراضية بآل البيت عليهم السلام لتحقيق أهدافهم وأهداف المنظومات المرتبطين بها ،ومواصلة حشد التأييد لخططهم الهدامة في العراق من خلال مغازلة الشيعة من أبناء شعبنا ودفعهم لمواصلة السير على منهج رفع المظلوميات الأفتراضية التي تعمقت ثقافتها لديهم بفعل جهد الأحتلال الصهيو صفوأنكلوأمريكي.

 

أنك ، عندما تسعى الى التغيير الأيجابي الحقيقي لأي مجتمع ،ينبغي أن تتوافر لديك فكرة صحيحة وأدوات سليمة ،وهذان لن تجدهما لدى من تراهن عليهم،فبينهم وبين الصواب مسافات طويلة لن يساعدهم في طويها ماهم عليه الآن. وأنا أشكرك سلفا ، لأني أظنك عراقي ،وأتمنى أن يكون هذا هاجسنا في التفكير والعمل ،والله سبحانه من وراء القصد.

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس / ١٧ صفر ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٢ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م