مركزية المقاومة العربية ومعايير توظيف نضالاتها لمصلحة الأمة

 

 

شبكة المنصور

افتتاحية طليعة لبنان الواحد / عدد شباط ٢٠٠٩

أصبحت المقاومة الشعبية المسلحة، من دون شك، عقيدة التحرير المركزية في عصرنا الراهن. وفي المقابل تكاد استراتيجية القوى المعادية تقتصر على اجتثاث تلك العقيدة.


في تعريفنا للمقاومة أنها كل فعل أو نشاط، عسكري أو سياسي أو اقتصادي، يعمل على تحرير أرض الأمة العربية المغتصبة من احتلال عسكري أو تحرير قرارها من هيمنة سياسية أو تحرير ثرواتها من استغلال اقتصادي. كما أن تعريفنا للجهة التي تتوجه المقاومة بفعلها ضدها لا يمكن أن يختلف باختلاف الزمان والمكان، بل هي كل جهة تهدف إيديولوجياً، أو تقوم بالفعل، من أجل احتلال أرضنا، أو رهن قرار أمتنا السياسي أو استغلال ثرواتها، أو الحؤول دون وحدتها.


فالمقاومة هي، إذن، فعل ضد أي استراتيجية تعمل بالضد من مصلحة الأمة العربية، بغض النظر عن لونها أو شكلها أو طعمها. فالمقاومة العربية، لا يمكن أن تكون عربية ما لم تصب نتائجها في مصلحة الأمة.


لذا تشكل قومية أهداف المقاومة ووسائلها مركزية تتفرع عنها الأهداف الوطنية ووسائلها. فإذا انطلقت المقاومة من أهداف قومية، فلا بد من أنها ستوظف نتائج جهدها لمصلحة المجموع القومي وأهدافه، لأنها ستستفيد بالتالي من جهد مثيلاتها على ساحة الوطن العربي بكامله. وتلك محصلة تجمع الجهود الفردية بعمل جماعي قومي تتكامل عوامله وتتآزر فتعطي للمقاومة الوطنية زخماً وفعالية أكثر.


تلك هي المعضلة التي تعاني من سلبياتها المقاومة التي تدور على الساحات العربية الثلاث في العراق وفلسطين ولبنان. توجد هذه المعضلة على الرغم من أن تلك المقاومات قد حققت انتصارات كبيرة كل منها على ساحتها الوطنية. يتم هذا على الرغم من أن تزامن المقاومات الثلاث قد أعطى لكل منها زخماً كبيراً أسهمت بشكل غير مباشر في إرباك العدو وتعميق مآزقه. وليس أكثر دلالة على ذلك من التخبط الذي عرفته إدارات كل من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية، والعدو الصهيوني في فلسطين المحتلة.


إن المرحلة القادمة، بعد تغيير الإدارة الأميركية الجديدة، هي بامتياز مرحلة التقاط الأنفاس لتلك الإدارة من أجل الالتفاف على مآزقها، بتغيير وسائلها وليس بتغيير أهدافها، وستقوم باستغلال كل الوسائل لأجل تجميل صورتها التي شوَّهتها بشكل كبير إدارة جورج بوش الراحلة كي تستطيع استئناف مخططها الاستراتيجي من جديد. ومن الدلالات على ذلك أنها أحلَّت استراتيجية الاحتواء بالحوار كبديل للإخضاع بقوة السلاح.


ومن الملفت للنظر أن الإدارة الجديدة قد حددت الأطراف التي ستحاورها، وهي تتجاوز الحوار مع العرب وتستثنيه لقلة فاعليته، وهنا تبتدئ المخاوف من النتائج، لأنها ستكون حتماً على حساب المقاومة العربية، بخاصة وأن استراتيجية الاحتواء الأميركي بالحوار، لا يمكن إلاَّ أن تطلب رأس المقاومة العربية كشرط أساسي من كل الذين ستقوم بالتفاوض معهم.
والمخيف في الأمر هو أن واقع الحال يؤكد أن بعض فصائل المقاومة العربية ليس لها مكان على الطاولة، بل هناك من يفاوض عنها بالنيابة. والأخطر منه أن المفاوضين لديهم ملفاتهم التي تتعلق بمصالحهم وهم قادرون على المساومة على كل شيء في سبيل تلك المصالح، ولن يكون رأس بعض فصائل المقاومة العربية بمنأى عن عملية بيعها لقاء ثمن ترفع سقفه القوى الإقليمية، أو تخفضه، بما يتناسب مع أصول المزايدات أو المناقصات على طاولة المساومات التي تجري بين الأفرقاء الدوليين والإقليميين في هذه المرحلة والمراحل القادمة.


إن ما يؤكد استنتاجنا جاء في تصريح الديبلوماسي البريطاني جون ساورز، لشبكة الـ(بي بي سي)، كاشفاً فيه عرضاً إيرانياً، طُرح على حكومته، جاء فيه: " نتوقف عن قتلكم في العراق، وتتوقفون أنتم عن نسف العملية السياسية هناك وتسمحون لنا بالاستمرار في برنامجنا النووي دون عراقيل".


ولن نتوقف كثيراً أمام التزوير الذي تنسب فيه إيران المقاومة في العراق لنفسها، إلاَّ إذا كانت تعني أن القتل المقصود هو الذي تمارسه ميليشياتها المسلحة ضد حلفائها في العملية السياسية المشبوهة ممن لا يؤيدون المشروع الإيراني في العراق. وهي بالتالي كانت أشد قسوة من الاحتلال الأميركي في ملاحقة المقاومة العراقية وتصفية أبطالها بشكل منفرد، أو بمساعدة قوات الاحتلال الأميركي في كل عملياته الوحشية ضد تلك المقاومة.


وفي مقابل هذا المشهد المدان، هناك مشهد مشرق يستند إلى مبدئية وطنية وقومية، وهو الموقف الذي أعلنته المقاومة الوطنية العراقية، بشكل واضح وجلي وحاسم، أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي، أي أنه لا يمثل الشعب العراقي أحد آخر غير مقاومته سواءٌ أكانت مسلحة أم كانت سياسية، وهي بالتالي المؤهلة للتفاوض مع الاحتلال الأميركي على قاعدة وحيدة لا تسبقها قاعدة أخرى، وهي أن تعلن الإدارة الأميركية أن المفاوضات ستكون حول بحث ترتيبات الانسحاب الكامل والشامل أولاً.


إن إعلان المقاومة الوطنية العراقية هذا يؤكد، كما يضمن، أن مقعدها على طاولة المفاوضات سيكون عراقياً، وأن المفاوض عراقي، وبهما ستصب نتائج المفاوضات بمصلحة العراق أولاً، ولمصلحة المقاومة العربية ثانياً. أما سبب الحسم في قرار المقاومة العراقية فهو أنها لم ترهن قرارها، ولن ترهنه، لأحد.


من هذا الأنموذج، نتطلع صوب المقاومتين، اللبنانية والفلسطينية، لنرى أن العكس هو الذي يحصل. وهذا السبب يدفعنا، من منطلق الحرص والخوف، إلى إثارة عدد من الهواجس التي لا بدَّ من أن نضعها أمامهما بصدق وشفافية، ومن أهمها:


-هل من سيمثلهما على طاولة المفاوضات سيكون حريصاً على تثبيت حق المقاومة بالاستمرار؟
-هل تشعر المقاومتان بالاطمئنان على أن نضالهما لن يُعرض في سوق المساومات الدولية والإقليمية؟
-هل هما مطمئنتان على أن الإقليم الداعم لهما لن يوظِّف نتائج دماء شهدائهما في سبيل أغراض خاصة؟


وإن كنا لا نشك بمصداقية كل منهما خاصة وأنهما بذلا الدم السخي والأرواح العملاقة في التصدي للعدو الصهيوني، إلاَّ أن ما نشكك فيه هو نوايا النظام الإيراني، كداعم لهما معاً، لسبب يتعلق بمضامين أهدافه السياسية المرحلية، ومضامين أهدافه الإيديولوجية. وهنا نتساءل:


-هل ما صرَّح به علي أكبر ناطق نوري عن البحرين كان دخاناً من دون نار؟


-وهل الدور الإجرامي، الملعوب في العراق، هو مجرد انتقام من نظام البعث السياسي، أم أنه خطوة على طريق تنفيذ مشروع التفتيت الطائفي والعرقي فيه؟


-هل من باع المقاومة في العراق، وعمل على اجتثاثها، جنباً إلى جنب الشيطان الأميركي الأكبر، سيكون حريصاً على مستقبلها في فلسطين ولبنان؟


لحظة من تأمل موضوعي قد توفِّر النتائج التي تصب في مصلحة الأمة العربية، وتُبعد عنها مخاطر توظيف الدم العربي لمصلحة الآخرين من غير العرب.

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الجمعة / ٠٢ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٧ / شبـــاط / ٢٠٠٩ م