مشروع الاقاليم في الاردن

بين الغايات السياسية والاهداف الادارية

 

 

شبكة المنصور

المحامي احمد النجداوي
 

يطرح رسمياً على الساحة الاردنية الآن وبشكل جدي مشروع تقسيم الاردن الى اقاليم، وقد بات الموضوع يأخذ حيزاً واسعاً من اهتمام الفئات المثقفة والواعية على مختلف الجوانب السياسية والوطنية وهذا امر ايجابي من حيث المبدأ لو كانت المنطلقات ذاتية وبعيدة عن مجمل الاوضاع والسياسات الدولية ومنزهة عن المخططات والافكار التي تحاك وتدبر هنا وهناك في الدهاليز والمعابر التي تسلطت او تحاول التسلط والهيمنة ان بصورة مباشرة او بصورة غير مباشرة لاعادة ترسيم الخرائط ومفاصل ومفاتيح التحكم في تحريك الادوات وتنفيذ السياسات، ذلك ان الاردن بحكم موقعه الجغرافي والسياسي كدولة يشكل باستمرار مرتكزاً اساسياً او معبراً تحويلياً او تنفيذياً لمعظم ما يساق من تداولات في المنطقة ككل اينما تحركت مؤشرات بوصلة السياسات التي تتنازع النفوذ والمصالح؛ لكننا مع كل هذا وبرغم كل التجارب التي عانتها بلادنا الاردنية ارضاً وشعباً عبر العقود الماضية فإننا لا ننطلق في التعامل مع مسألة مشروع الاقاليم المطروحة للبحث عن منطلقات لسوء النية المجردة ولا يقصد هنا التشكيك بحكومة معينة وانما نتعامل مع تلك المسألة بموضوعية محورها في الواقع المصالح الوطنية في المنظورين القريب والبعيد.

 

من هنا ولان مشروع الاقاليم يأخذ قدراً بأولوية الاهتمام الحكومي في ظاهر الطرح على انه يستهدف مواكبة الاتجاهات الحديثة في اللامركزية الادارية او اللامركزية الاقليمية التي تعني ان ثمة مصالح محلية ينبغي ترك مباشرتها والاشراف عليها لمن يهمه الامر حتى تتفرغ الحكومة المركزية لمصالح اخرى ذات طابع عام تهم الدولة كلها... نقول اننا وان كنا مع اللامركزية من حيث المبدأ الا اننا نرى ان طرح مشروع الاقاليم في هذه المرحلة بالذات يثير الكثير من التساؤلات والشكوك ونحن هنا وغيرنا ممن تناولوا هذا الموضوع بالبحث لنا عذرنا في التصدي لمحاولة احباط او ارجاء هكذا مشاريع لاسباب عامة متصلة بطبيعة احتمالات المرحلة وما سبقها وما يرافقها ويتصل بها من مشاريع ومخططات وافكار لم تهدأ بعد اصداؤها في الساحات العربية والاقليمية رغم انصراف عهد ادارة بوش الصغير وطاقمه من امثال كونداليزرايس وغيرها من اصحاب الاحلام الامبراطورية المنقرضة في اعادة رسم خارطة المنطقة العربية؛

 

ففي مقابلة بثتها فضائية (بي.بي.سي) البريطانية صباح يوم 16/3/2009 مع الخبير الاردني الدكتور سفيان التل جاء على ذكر الكثير من التفاصيل والجوانب الفنية ذات الاهمية بخصوص مدى التوافق والارتباط بين مشروع الاقاليم العتيد ومشاريع اخرى دولية واقليمية ذات علاقة بتطلعات وافكار تصفوية عدوانية ذات علاقة بالقضايا السياسية والاقتصادية والديموغرافية ان على صعيد التقسيم والضم والتوطين او على صعيد الربط والهيمنة؛ ويضيف الدكتور التل في شرح لم يكن وافياً مع الاسف ان دراسات كانت اجرتها فيما مضى لجان وطنية اردنية مختصة تكلفت كثيراً من الجهد والمال لكنها في آخر المطاف بقيت كغيرها من الدراسات والمشاريع التي على رأسها ايضاً الميثاق الوطني والمحكمة الدستورية العليا بقيت حبيسة الملفات التي يعلوها غبار الزمن... وهذا نحن...؟!

 

 واذا ما انتقلنا من الجوانب الفنية الى الجوانب الوطنية والعامة فإننا ونحن نعارض المشروع نرى فيه ما يلي:

 

1.  ان الاردن وبصرف النظر عن حجمه السياسي واهميته الوطنية هو بلد صغير غير متباعد الاركان ربما لا يتجاوز عدد مواطنيه سكان احد احياء مدينة كبيرة عربية او عالمية وهؤلاء المواطنون متجانسون متآلفون كأسرة واحدة دون تناقض يذكر ويكاد كل واحد منهم يعرف الاخر حسباً ونسباً، وبالتالي فإن ضرورات اللامركزية الادارية او الاقليمية المعروفة في القوانين الادارية والدستورية قد لا تجد لها محلاً عندنا.

 

2.  اننا ورغم مرور ما يقرب من قرن على نشوء الدولة الاردنية لم نستطع حتى الان ان نستقر على الاخذ بنظام انتخابي ديمقراطي يؤدي الى بناء المؤسسات الدستورية العليا مثل مجلس الامة او المجالس البلدية وما زالت الحكومة تتعثر او تتقصد التعثر للخروج بمؤسسات حقيقة تمثل الادارة الشعبية حيث الهدف يبقى تفصيل المجالس على قدر المقاس المرغوب وبالتالي تكون ممارسات المؤسسات القائمة هي مجرد مؤسسات خدمية تتشابك فيها الاجتهادات حيث تشكل القضايا التمثيلية والسياسية العامة ربما العنصر الادنى.

 

3.  وكمحصلة لما سبق فإن اعتماد مشروع الاقاليم بالمفهوم المطروح كتجربة لن يكون الا انعكاساً لصورة المؤسسات المركزية انتخاباً وممارسة وتضخيماً للاجهزة الادارية والانفاق غير المنتج الى جانب احتمالات سوء التطبيق المتوقع في تخريج المزيد من عناصر الاسراف والفساد والتناحر والركون الى البيروقراطية والاهمال الاداري وفي احسن الافتراضات اعتماد ترجيح المصالح المحلية الوطنية وسيطرة العناصر الاقل خبرة والاكثر انتهازاً، يضاف الى ذلك احتمالات نمو العصبيات والنزعات الاقليمية والعشائرية وتفتيت بنية النسيج الاجتماعي التي تجد لها تجربة خصبة في ظل ما هو ملموس باستمرار من الرعاية والتشجيع والتأليب على ايدي العناصر والجهات صاحبة المصالح التي تعمل بأساليب الصيد في المياه العكره مما يضيف اعباء ومخاوف اخرى على عناصر الوحدة الوطنية.

 

4.  ان المادة الاولى من الدستور الاردني لعام 1952 تنص على وحدة الدولة ووحدة الشعب الاردني وانه جزء من الامة العربية، فيما تنص المادة 120 منه على ان التقسيمات الادارية وتشكيلاتها ومناهج ادارتها تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء وان مشروع الاقاليم يتعارض مع تلك النصوص مثلما يتعارض مع قوانين خاصة بالبلديات والمجالس المحلية اللصيقة بوحدة الدولة منذ بدايات تكوينها.   

 

وان الدول ككيانات تتطور اذا كانت فيدرالية او لا مركزية في اغلب الاحيان باتجاه الوحدة وتعزيز السلطة المركزية وليس العكس خاصة اذا لم يكن نسيجها الشعبي يعاني التمايز الجاد في بعض مكوناته ونحن في الاردن عشنا في مختلف العقود الماضية تحت عنوان ومفهوم الاسرة الواحدة (من شتى الاصول والمنابت) لذلك فإن مشروع الاقاليم يشكل نقضاً لمجموعة القيم والمفاهيم التي قامت عليها شعارات ما فتئت تتردد (كلنا الاردن) او (الاردن اولاً) وبالتالي فلا يكون سليماً التوجه الى الارتداد على الاعقاب والدخول في تجربة او تجارب جديدة لا داعي لها الا اذا كان هناك منظور آخر كذلك الذي طرحه الخبير الدكتور سفيان التل في مقابلته الهامة التي اشرنا اليها.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٢١ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٨ / أذار / ٢٠٠٩ م