لا يصح الا الصحيح ( تلوث المياه في الأردن ... مسلسل لا ينتهي ..؟! )

 

 

شبكة المنصور

المحامي احمد النجداوي

شهد الأردن خلال الأسابيع الماضية حصول فصل جديد وخطير من مسلسل تلوث المياه المتدفقة من مصادرها الطبيعية في نهر اليرموك لتمر عبر مسالك وأنفاق وخزانات حددها من حيث المواقع والمسارات اتفاق مع الكيان الصهيوني جرى التسرع في إبرامه بعيداً عن الشفافية وطرحها للاطلاع والمناقشة الشعبية رغم أن موضوع المياه يكاد يكون أن لم يكن مسألة حياة أو موت بالنسبة للمواطن الأردني لتعلقه بالحاجات الأكثر إلحاحا في بلدنا المصنف دولياً على انه أفقر البلدان مائياً؛ ولان هذا الموضوع أي الموضوع المائي في المنطقة كان وسيبقى ذو اتصال مباشر بخرائط المنطقة منذ الإعداد والشروع بتنفيذ وعد بلفور المشؤوم فقد كان واضحاً في أذهان عتاة المخططين من المؤسسين الصهاينة وداعميهم من قادة الانتداب ودول الغرب الاستعمارية ومن تواطأ معهم من دول في المنطقة أهمية سيطرة الكيان المقترح على مصادر المياه الرئيسية، وعلى أساس تلك الرؤى تم رسم الخرائط والتقسيمات والمشاريع التي تكفل وقبل كل شيء أول ما تكفل تأمين حاجات الكيان من مستلزمات المياه والكهرباء ونهر الليطاني وبحيرة الحوله وطبريا والبحر الميت والأحواض المائية في جنوب الأردن ومشروع كهرباء روتنبرغ مما ترتب على ذلك بعد إقامة الكيان كثيراً من المشاكل والحروب التي لم تكن مسألة المياه بعيدة عنها؛ ومن الواضح أن تلك المسائل سوف تزداد تعقيداً في السنوات القادمة إذا ما جرى تنفيذ مشروع ناقل مياه البحرين.

 

ولان الموضوع الساخن الماثل الآن هو التلوث الذي نحن بصدده وهو لم يكن أول ولن يكون آخر تلوث يقع على مصادر المياه المنحدرة إلى الأردن باتجاه محطة التنقية في (زي) التي تزود مناطق واسعة من غرب العاصمة عمان بمياه الشرب حيث ما زال ماثلاً في الذاكرة الشعبية الأردنية التلوث السابق الذي حصل قبل اقل من عقد من الزمن فتسابق المسؤولون والوزراء على مدى طويل لنفيه حتى أن احدهم وفي مؤتمر صحفي أمام أجهزة الإعلام شرب كوباً من الماء على طاولته ليدلل على أن ليس هناك تلوث في مصدر ذلك الماء ولم يمضِ وقت طويل حتى اضطر ذلك المسؤول للاستقالة بعد أيام عندما ثبت عكس ادعائه.

 

ويجيء الفصل الأخير عندما اشتم المواطنين روائح كريهة وشاهدوا بالعين المجردة ظواهر التلوث مما لفت انتباه نقابة المهندسين التي صرحت مصادرها في حينه [ أن تلويث مياه نهر اليرموك المغذية لقناة الملك عبد الله من قبل الكيان الصهيوني الحق ضرراً بمياه الأردن لا يجب السكوت عليه ...] وطالب مصدر نقابي الحكومة باتخاذ الإجراءات لوقف الجريمة الإسرائيلية بحق الأردن ومياهه ... كان هذا قد جرى الإعلان عنه بعد ثمانية ايام على التوالي بعد ظهور التلوث للعيان وما زالت تتدفق المياه في حينها من أحواض الصرف الصحي قرب مخفر الشق البارد؛ فيما اصدر وزير الزراعة تصريحاً لوكالة الأنباء الأردنية يوم 18/3/2009 يقول فيه:

 

[ أن مياه نهر اليرموك صالح وان نتائج الفحوصات التي أجريت مساء أمس .... أثبتت سلامتها ]

 

وجاء تصريح الوزير آنذاك بعد نصف ساعة من بث وكالة (بترا) خبراً لمصدر في وزارة المياه أكد فيه وجود التلوث....

 

وقد حاولت الجهات الرسمية تعليل التناقض الواقع في تلك التصريحات عند البداية بأن العينات التي جرى اختبارها كانت أخذت من قناة الملك عبد الله وليس نهر الأردن وان نفق العدسية قد أغلق بسبب التلوث...!! وكأن المطلوب من كل مواطن أردني أن يحمل باستمرار مخططات للانفاق والقنوات والأحواض قبل أن يذهب إلى حنفية الماء لإرواء عطشه...!؟ وإمعانا في الاستهتار أشار مصدر حكومي في حينه إلى أن كميات المياه الملوثة ضئيلة تذوب مع المياه الصالحة ولا تؤثر على المواصفات..!!

 

  ولكن حجم القضية اخذ يتكشف أكثر وأكثر عندما اقر أمين عام سلطة وادي الأردن يوم 21/3/2009 إثر زيارة ميدانية من قبل بعض النواب بأن ثلاثة من أصل خمسة من أجهزة المراقبة والتحكم في نقاء المياه المسالة في القناة كانت معطلة ومنها جهاز تحكم ليس له شبيه في الشرق الأوسط... وأضاف أمين عام سلطة وادي الأردن قائلاً:-

 

[ نجحنا في معالجة تلوث مياه القناة وتركيب أجهزة إضافية للإنذار المبكر... ]

 

ولم يطل الأمر كثيراً حتى كشفت مصادر رسمية مطلعة في وزارة المياه يوم 23/3/2009 تفاصيل جديدة عن تلوث مياه اليرموك بأن أجهزة الرقابة والتحكم الخمسة التابعة لسلطة وادي الأردن معطلة منذ عام 2000 وأنها خارج الخدمة... فيما جاء في تقرير لجنة نيابية زارت الموقع:-

 

[ ... إن النواب الحضور اجمعوا على وجود تقصير واضح من قبل سلطة وادي الأردن من خلال عدم الاستجابة بالسرعة المطلوبة.. ولم تبادر السلطة لزيارة مصدر المياه الملوثة ]

 

 بعد كل ما جرى ويجري ويتفاعل وما تحمله أقوال المسؤولين على ألسنتهم أنفسهم من يوم لآخر فإن من الواضح أن هناك تقصيراً وربما استهتاراً بشأن حياتي هام هو مياه الشرب والصحة العامة وقد أحسن النواب الذين زاروا الموقع ميدانياً في كشفهم الحقائق في ذلك حتى لا يبقى المواطنون في حيرة من أمرهم من يصدقون أو يكذبون من المسؤولين في سلطة وادي الأردن أو في وزارة المياه حيث الجميع كانوا يتخبطون ويتناقضون وراء مكاتبهم أو في لقاءاتهم الصحفية دون أن يستطيعوا إعطاء صورة حقيقية صادقة ومقنعة للنواب الزائرين أو لرجال الإعلام والمواطنين.

 

  ويطيب لبعض أولئك المسؤولين في محاولاتهم اليائسة نفي المسؤولية عن أنفسهم بالقول [ أن الجانب الإسرائيلي لم يبلغ الأردن عن تلوث المياه... وان معاهدة السلام تلزم الطرفين بمراقبة وحماية المياه المشتركة...]

 

ثم جرى الانتقال إلى محاولات تسويق المزاعم الصهيونية الإعلامية الأخيرة عندما تفتق ذهنهم آخر المطاف للبحث عن الأسباب والمسببات في أن مصدر الخلل ربما يكون من فعل الروافد في الجانب السوري حيث تصور البعض أن (الحيط السوري واطي)هدياً على قصة الاغتيالات في لبنان أو ربما بفعل الأمطار الغزيرة التي هطلت مؤخراً لنفي مسؤولية الكيان هي محاولات غير مقبولة وقد جاءت متأخرة وتتنافى مع كافة الأسس والمقومات الثابتة.

 

لكن يبقى ثابتاً في وعي المواطن الأردني غير ذلك وان تلك المحاولات تدخل في باب التنصل من هذه المسؤولية الخطيرة وهي ربما [ عذر أقبح من ذنب ] إذ لا يصح بكل المقاييس والاعتبارات الركون الى حسن نوايا العدو أو إلى صدق التزامه بالمصالح الحيوية والحياتية لشعبنا أو أن المسؤولين في ذلك الكيان العدو حريصون على الالتزام بشروط ما يسمى باتفاقيات السلام للاهتمام بالأخبار عن أي تلوث في حصص الأردن من المياه أو بنظافة البيئة أكثر من حرص المسؤولين الأردنيين؛ وان قول هؤلاء كذلك بتعويض العدو للأردن عن مياه يقال انه خسرها نتيجة فتح مهرب للمياه الملوثة هي محاولات غير مقبولة في معرض التبرير خاصة بعد أن وقعت الفأس بالرأس، وسيبقى المواطنون الأردنيون ينتظرون بفارغ الصبر نتائج تحقيقات اللجنة النيابية التي شكلها المكتب الدائم لمجلس النواب رغم ما نشر عن وجود خلافات داخل تلك اللجنة اضطرت تدخل رئيس مجلس النواب المهندس عبد الهادي المجالي لبحث تداعياتها وتخلف البعض عن حضور اجتماعاتها رغم الأهمية القصوى التي تفرض على نواب الشعب التجاوز عن تلك الخلافات والاستقالات من اجل كشف المستور والعمل بمزيد من الشفافية والوضوح في مثل هذه القضايا الحساسة والهامة.

 

وبالمحصلة النهائية ومهما كانت المزاعم والتحقيقات في هذا الجانب أو في غيره فإن جريمة إنسانية وبيئية قد وقعت وان الوطن والمواطن الأردني هو الذي دفع ويدفع الثمن كما حصل في الماضي ولا نعتقد انه لن يتكرر في المستقبل ما دامت عناصر عدم الشعور بالمسؤولية قائمة والخلود إلى النوم على حرير حسن نوايا العدو أو الركون إليها سائدة في أوساط المسؤولين حيث يلقي كل فريق المسؤولية على الآخر والنتيجة بحسب قول الشاعر العربي [ إن دام هذا الأمر يا مسعود/ لا ناقة تبقى ولا قعود ] كما تبقى أيضا المسؤولية الأساس واقعةً على كاهل الحكومة ورئيس الوزراء في التصدي لوضع حد لكل تلك التخبطات ومن ثم تحديد المسؤولية بما عرف عن الرئيس من مبادرات واهتمام بأمثال هذه القضايا التي باتت تؤرق الجميع.

 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٩ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٦ / أذار / ٢٠٠٩ م