تأملات / تداخلات في المفاهيم والقيم

﴿ الجزء الرابع  ﴾

 

 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي

1-  ديمقراطية الديكتاتورية ام ديكتاتورية الديمقراطية

 

ولكي نكون اكثر واعية واكبر قوة في مجابهة فكرية او تحليلية امام الذين يختلفون معنا في النظرة والاستنتاج لابد لنا من تناول موضعتي الديمقراطية والديكتاتورية من خلال العوامل التالية:


1-اصول والتطورات التي رافقت مفهومي الديمقراطية والديكتاتورية في واقعنا العربي وكذلك عند الاخرين,وما يترتب على ذلك من درجة ثقافتهما والتي تنتج درجات الوعي بهذين المفهومين.


2-الديمقراطية والديكتاتورية ,وكيف نتعامل معهما كانظمة سياسية و اجتماعية واقتصادية والايجابيات و السلبيات في هذه الانظمة.


ان كل المفاهيم في الحياة نسبية بقدر تعلقها بالمتغيرات الزمانية او المكانية او طبيعة النشوء ,باعتبار ان هذه المفاهيم او القيم هي نتاج بشري وهذا يشمل التطبيقات لها في نسبيتها وتفاعلها مع المتغيرات التي تطراء على الانسان الفرد او الجماعة ,أي ان التغيرات التي تحصل عليها يكون من حق المشرع لها  بما انها من صناعة الانسان فله الحق بتغيرها وبحسب ما يحتاجه منها وقد لا يتعدى التغير في بعض الحالات في شكل من اشكال التكيف أي ان حاجة الانحراف تحددها الحاجة الانسانية لها  ,وبالتاكيد تستثنى القيم والمفاهيم السماوية فهي مطلقة في ثبوتيتها لانها من مصدر الهي وكما اعطينا للانسان ان يغير من القيم والمفاهيم بحكم كونه مصدرها فبذلك يكون تغير القيم والمفاهيم الالهية من حق مصدرها ايظا وهو الهنا خالق الحياة والجماد في الكون.


وان الديمقراطية والديكتاتورية هي من صناعة العقل البشري ويحق للانسان العربي او الاوروبي او في مكان من العالم ان يأخذ منها ما يفيده ويحور ما يلائمه فلا يمكن ان يعمم مفهوم او تجربة في الانسانية وتعتبر قانونا وتشريعا لا يحق لاحد حتى التفكيرفي التكيف.  وبهذه الصلادة يتعامل الفكر الاستعماري الغربي مع دول العالم الاخرى , وان أي خروج عن أي مفهموم يكفره الفكر الغربي الامبريالي وبحكم سيطرة الامبريالية على اكثرية الاجهزة الاعلامية يكون بمقدورها ان تكفر من تريد وهذا ما فعلته مع النظام الشرعي في العراق قبل الاحتلال في 2003 وذلك ما فعلته مع النظام الليبي و مع كوريا الشمالية ,ومع  يوغسلافيا وفي نفس الوقت يحولون مجاميع من القتلة الى ملائكة ويكفي تصويرهم للكيان الصيوني بهيئة الملائكة وهم عصابة من القتلة والمغتصبين ,والا لماذا لا يحاسب بوش على ما ارتكبه من مأسي انسانية بحق شعب العراق وهو الذي اعترف بجريمته,وقامت الدنيا ولم يقعدوها بحق الرئيس السوداني في هذه الايام؟ بمعنى ان عقلية الامبريالية الامريكية  تكفر من تشاء وتطهر من تشاء.

 

وفي هذا السياق في الغرب يعتبرون الدين مسئلة شخصية وهم لا يهتمون بنوع الدين وشكله  ما اقصده انه يتعاملون مع الاديان بسواسية ولا يفضلون دين على اخر ومن منطق ان الدين حاجة انسانية وكما الانسان الغربي له الحق في ما يلبسه او يأكل أي جزء من المظهرية التي يتمتع بها الانسان في الغرب,ومن هذا المنطق يكون الحق لكل فرد في الغرب  اختيار دينه.فاذا كانت الفلسفة الغربية تتمنطق بهذا وتعبر عن ايمانها بتعددية القيم والمفاهيم وتعددية الاختيارات ..فلماذا تفرض  علينامفاهيم وقيم ومن انتاج الانسان الغربي كالديمقراطية و الديكتاتورية؟؟اليست حالة الفرض هذه تعبيراعن ديكتاتورية؟ام انها ضرورات تقويمية للمسيرة الديمقراطية.  

 
1- لكي تكون البداية الصحيحة ,فأبدءمن المجتمع العربي القبلي والكيفية التي يتم فيها اختيار شيخ او رئيس القبيلة وحتى في حالة الوراثة كان يدخل عامل الكفاءة و الاقتدار ,ومن الصفات العربية التي تركب الشخصية القيادية: الشجاعة, الجرءة المبادءة,الفراسة,الحكمة, الموازنة والاتزان بقراراته.واذا اردنا ان نتفحص المرحلة التي شهدت الرسالات السماوية وهي المسيحية و الاسلام واليهودية ففي اليهودية كدين فعندهم المجمع اليهودي (السنهدريم) وهويمثل مجموعة من الكهنة يديرون شوون الدين اليهودي ومساعدة الشعب فيما يخص الامور الدينية


وفي المسيحية ظهرت في علاقة السيد المسيح مع تلاميذه في الحوار والنقاش حول نواميس الله ودور الايمان في الحياة وشراكتهم مع معلمهم في التبشير بملكوت الله,ولا يمهنا ما تأسس من دول دينية في الغرب ولا يخفى عنا دور رجال الدين في زيادة تسلطية الملوك العائلية و الفردية , اي كانت الدولة في الغرب اكثر ما تدار بقبضة الملك او الحاكم اي ما يعرف الان بدكتاتورية الملك او الحاكم وفي بعض الاحيان يسلب الحاكم او الملك السلطة الدينية ويضعها في يده لاحكام السلطةويصبح مرجعية دينية و سلطوية.


واما في الاسلام فكان للصحابة دورا كبيرا في بلورة الفكر الرسالي للاسلام و نشوء الدولة العربية الاسلامية .ان تكوين الدولة في الاسلام وبعد وفاة الرسول محمد(ص) وكانت تتميزهذه المرحلة من حياة العرب  باختيار الخليفة يكون عبر عملية انتخابية من قبل الصحابة والذين يمثلون المسلمين في كافة الاقطار التي وصل الاسلام اليها ,ويأتي هذا التمثيل للمسلمين من خلال تمتعهم بمميزات لا تتوفر في عامة المسلمين ومنها قربهم ومعايشتهم للمصدر الاساسي للفكر الاسلامي وهو الرسول محمد(ص)وباعتبارهم صحابته والاقربون اليه وهذا اعطى للصحابة الاحقية في الاجتهاد وصياغة استراتيجية للدولة الحديثة انذاك, وايظا ميزة اخرى للصحابة هي انهم يتقدمون المسلمين في الجهاد وغالبيتهم شاركوا في حروب لنشر الاسلام ومحاربة الكفار.

 

ان كل هذا ساهم في ولادة الدولة الراشدية وتعاقب على ادارتها اربعة من الخلفاء الراشدين.ان ولادة هذه الدولة وبهذه الشرعية اعطى للخليفة الاحقية في الاجتهاد سواء في الدين او في الدولة.. والذي لديه اطلاع عن هذه الحقبة من الحكم فانه سوف يدرك حجم العلاقات الانسانية بين الحاكم و المحكوم وكيف ان بعض الخلفاء ومنهم الفاروق عمر بن الخطاب الخليفة الثاني والامام علي بن ابي طالب رابع الخلفاء كانوا هم الذين يطالبون العامة بمحاسبتهم في حالة وجود شكوى من اي فرد من العامة عليهم,وكان دور الصحابة في نفس الوقت مستمرا في اعطاء المشورة للخليفة خلال الدولة الراشدية,و من بعد انتهاء دور الدولة الراشدية وظهور الدول الاسلامية كالاموية والعباسية والفاطمية والخ..

 

بدءت تتغير السمات الديمقراطية للحكم وفي بعضها يضعف ولكن كانت هنالك ممارسات للحاكم ( الخليفة) مع (العامة )من ابناء الدولة يمكن ان تسمى ديمقراطية حسب مقاييس العصر ذاك .

 

الذي اريد ان اصل اليه هوان تاريخنا العربي الاسلامي حافل بانظمة الحكم الديمقراطية و الممارسات والتي يمكن ان نستمد منها الكثير ونطورها ونكيفها وحسب الظرف الحالي و من ثم نصيغ نظرية للحكم تتلائم والواقع العربي من حيث التكوين الفلسيولوجي للانسان العربي ومجموعة الانظمة والقواعد التي تتكون  منها الانظمة العربية ,وهذا ما نجحت فيه الايدلوجية العربية الثورية المتمثلة بالفكر البعثي في صياغة و بلورة فكر شامل لحياة الامة العربية ..

 

اذن لماذا هذا الاستنساخ ولماذا هذا القبول باعتماد مفاهيم مطاطية يفرضها علينا الاجنبي يتفنن في التحريم و الفرض في جعلها جزء من ثقافتنا وفي نفس الوقت يلزمنا بتجاربه ونحشرها في مجموعة التجارب التي نعتمدها...

 

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

السبت / ١٠ ربيع الاول ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / أذار / ٢٠٠٩ م