هل الإستراتيجية الفارسية إستراتيجية امبريالية ؟

 
 
 

شبكة المنصور

أبو محمد العبيدي
هنالك تصور خاطئ لدى البعض من أن الفكر القومي وكذلك الفكر الامبريالي الاستعماري كان وليد الثورة الصناعية الأوربية ,والتي ساعدت على نشوء الاستعمار والدول الاستعمارية والبعض يسميها الدول القومية وخاصة الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية ,وربما يكون هذا صحيح الى حد ما ضمن المفاهيم الحالية ,ولكن الحقيقة إن هذه المفاهيم ولدت منذ ولادة ألدوله ,أي قبل آلاف السنين ومن الأمثلة على ذلك الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية,وبالرغم من نشوء الكثير من الحضارات في العراق ومصر والصين والهند إلا أن الملاحظ تفرد الفرس والرومان بنوع خاص من الإمبراطوريات هي الإمبراطوريات الامبريالية ,حيث كان يستند اغلب نشوء الإمبراطوريات إلى الوجود القومي أو الفكر القومي ولكنه تطور لكي يستند حاليا على الفكر أو الوجود القومي ولكنه يهدف إلى المصالح,بعد أن كانت المصالح جزء أو واحدة من الأهداف,وبالرغم من أن ظروف  تحول الإمبراطوريات قديما تختلف عن الظروف والمبررات والأسباب والإشكال الحالية إلا أن النتيجة واحدة.


ولم تنشأ إمبراطوريات أساسها الفكر إلا نادرا مثل الإمبراطورية الإسلامية ,إما بقية الإمبراطوريات فكان التوسع يعني لها السلطان والمال وبسط النفوذ وبعض الأحيان الثأر والانتقام.


حيث أن تكون الدولة في الزمن القديم يبدأ من العشيرة أو القوم الذي تتهيأ لهم سبل الارتقاء مثل القيادة التاريخية والإرادة والإمكانيات المادية والبشرية والتي من خلالها تستطيع هذه القيادة البدء ببناء الدولة القومية من خلال تحويل هذه الدول الناشئة إلى دول اكبر ومن ثم الوصول إلى مرحلة الإمبراطورية,و تعمد هذه الدول الصغيرة لبسط نفوذها على المقاطعات المجاورة من بني قومها ومن ثم تنطلق إلى المجاور .

 

● إذن فان تحول الدولة القومية إلى دولة امبريالية ,يبدأ أساسا من قيامها بغزو الدول المحيطة بها دون مبررات مقنعة ,وهذا ما امتازت به كل الدول التي نشأت في فارس والتي تحولت إلى إمبراطوريات نتيجة هذا الغزو ,أي إن الصفة المشتركة لكل الدول الفارسية هي الطموح والتوسع على حساب الآخرين من اجل إقامة إمبراطوريتهم ,مما يولد انطباعا بان هذه النظرة هي جزء من التكوين الاجتماعي والنفسي للفرس كقومية وليس اتجاهات عابره لملوكهم,ولم يستطع غير الإسلام من يهدأ وباسم الدين من هذه الصفة المتوارثة لديهم ,ولقد أخذت المسالة الدينية (الطائفية)أساس أي تحرك للفرس في العصر الحديث ابتداء من تكون الدولة الصفوية ومرورا بالدولة القاجارية ,وأخيرا الدولة الفارسية الخمينية,ولكن الأساس الحقيقي لهذه الدول هو النزعة القومية أي الفارسية والتي لا يتم الإفصاح عنها لعدة أسباب أهمها ,هو الثقل الذي يمثله رجال الدين والذي لعبوا أدوارا معروفة لإسقاط أية سلطة ,تتجاهلهم أو تحاول أن تحجمهم وآخرهم الشاهنشاه محمد رضا بهلوي ,وملخص القول إن الفكر, والأصح إن الإستراتيجية الإيرانية الحالية هي إستراتيجية قومية تهدف إلى إقامة إمبراطورية فارسية ,مستغلة الدين وبالذات المذهب الشيعي كمرتكز لدعوتها في التوسع وعليه فقد بنا الإمام الخميني نظريته ولاية الفقيه المطلقة والتي تسمح للولي الفقيه والذي هو حتما فارسيا من أن يأخذ صلاحيات النبي والإمام الغائب  الدينية والدنيوية ,وتجعله بمثابة ظل الله على الأرض وبذلك فهو يقترب من نظرية النيابة الملكية التي جاء بها إسماعيل ألصفوي مؤسس الدولة الصفوية ويختلف عنه فقط في مسالة انتقال السلطة حيث كان الانتقال يتم بأسلوب الوراثة وأصبح خليط ما بين الوصية والانتخاب من قبل الفقهاء الذين يؤمنون بهذه النظرية, والغاية من اعتماد هذه النظرية هي من اجل التمكن من السيطرة دينيا ودنيويا على كل المؤمنين بالتشيع وتسخيرهم للعمل لتنفيذ سياسة ظاهرة لصالح الإسلام(الشيعة) ونتيجتها لصالح القومية الفارسية ,حيث إن الطموحات الفارسية تتركز في السيطرة على العراق والخليج العربي كخطوة أولى ,وليس بالضرورة السيطرة العسكرية بل جعلها كمناطق نفوذ أولا ,وهذا لن يتم إلا في حالة تقديم ما يجذب أبناء هذه المناطق وهم العرب والمتمثلين بالسنة والشيعة ,فالدخول إلى الشيعة من خلال الدعوة إلى نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي سبق وان تكلمنا عنها والتي ستضمن الولاء التام للفقيه والذي هو مرشد الدولة الإسلامية الفارسية في نفس الوقت,يبقى السنة والتي يجب تقديم ما يغريهم ويثبت لهم حسن نية هذه الدعوة ,وهل يوجد أفضل من قضية فلسطين لتقديمها لهم كهدف تسعى له هذه الدولة وتناضل من اجله والتي من خلاله تكسب العرب السنة وفي نفس الوقت يكون بيدها سلاح قوي لتحارب ولتقوض به الأنظمة العربية والتي هادنت الامبريالية ومهدت وساعدت الوجود الصهيوني من خلال تخاذلها المستمر,وقد نجحت إلى حد ما في القيام بدور المدافع عن قضية فلسطين من خلال دور حزب الله الذي يؤمن بنظرية ولاية الفقيه في تصديه للاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني وكذلك دعمها لحماس والجهاد الإسلامي ,وخاصة بعد أن بدأت الأنظمة العربية بمحاولة تحجيم دور الحركات الجهادية الفلسطينية والامتناع عن دعمها بل ومحاولة إنهائها ,مقتنعة بما يسمى تحقيق السلام مع الكيان الصهيوني ,مما فرض على هذه المنظمات التفتيش عن بديل لدعمها فكانت إيران تنتظر هذه الفرصة والتي لم تتردد في استثمارها لصالح إستراتيجيتها ,وبدلا من احتضان الأنظمة العربية لسوريا ومساعدتها والضغط عليها لتحجيم العلاقة مع النظام الإيراني  بدأت بمحاربة سوريا كنظام ودفعه نحو الأحضان الإيرانية والذي سبق وان دخل في اللعبة الإيرانية كرد فعل للعلاقة السيئة مع العراق بعد مشاكل عام 1979 والتي بدئها بتأييد إيران في الحرب العراقية الإيرانية متجاوزا فكره القومي .


●  لحد الآن فان الاستراتيجي الفارسية تشهد نجاح كبير بل وبدأت تظهر كثير من الأصوات العربية الشيعية والسنية بل وترتفع لتأييد الدور الإيراني في المنطقة العربية ولا تبالي بالتحذيرات من استغلال هذا الدور لصالح التوسعات الفارسية وتعتبره دعاية امبريالية وغير ذلك ,وما يدعم رأيها أن الأنظمة العربية استمرت في غيها بل وأصبح التأييد للموقف الاستسلامي وليس السلمي نهج دائم لهذه الأنظمة,وفي هذه الأثناء حدثت الجريمة الكبرى والمتمثلة باحتلال العراق ,وشيئا فشيئا بدأت تتوضح الصورة التي حاول النظام الإيراني إخفائها والمتمثلة بإطماعه التوسعية من خلال دفع عملائه المعروفين بولائهم آي المجلس الأعلى الإسلامي ومنظمة بدر الى التعامل مع المحتل ومحاولة السيطرة على السلطة إضافة إلى بقية الجوقة الطائفية وذلك بتأجيج الصراع الطائفي وغيره ومواقف هذه الأحزاب من الأقطار العربية لا بل من الشعب العربي عموما ومن القومية العربية , متحججين بان نظام البعث كان يؤمن بالقومية العربية وكأن القومية العربية هي ملك للبعث وليس ملك لكل العرب بل ملك للإنسانية ,ونسوا بان الشيعة العرب هم دعاة القومية العربية الأوائل وخاصة في العراق,لا بل إن المراجع الدينية للشيعة كانوا من اكبر الدعاة للقومية العربية وقد تجلى ذلك واضحا من خلال مواقفهم في ثورة العشرين,وأكملوا عملهم هذا بتشجيع الفتنة الطائفية ومحاربة المقاومة العراقية مما وضعهم في موضع الاتهام وزادوا على ذلك مطالبتهم بالبحرين والاستمرار باحتلال الجزر العربية الثلاث وأضافوا محاولتهم لنشر التشيع في السودان والمغرب , إن كل هذه المواقف التي بينت حقيقة الأهداف الفارسية في المنطقة العربية لمن ضلل سابقا من العرب قد انتهى مفعولها والأكثر من ذلك هو عدم قدرة هذه الدعوات الفارسية على إقناع مراجع الشيعة في النجف الاشرف رغم إن اغلبهم  من أبناء القومية الفارسية على صحة نظريتهم أي نظرية ولاية الفقيه المطلقة والتي وقفوا ضدها ولم يؤمنوا بها ,مما تسبب في تحجيم الدعوة الفارسية بل واجبر المجلس الأعلى ومنظمة بدر وهما صنيعة هذا النظام على الصمت وعدم الاعتراف بإتباعهما نظرية ولاية الفقيه المطلقة علانية بل إنكارها أمام المرجعيات لعلمهما بان حياتهما كحركات سياسية في العراق متوقفة على ذلك , مما يعطي انطباعا وهو حقيقي على إن الحوزة العلمية بصورة عامة لا تؤمن بنظرية (ولاية الفقيه )ومنذ ولادة هذه النظرية ولذا فإنها استنكرت بشدة محاضرات الخميني حول (الحكومة الإسلامية )في بداية عام 1970في النجف الاشرف ,التي انتقد خلالها نظرية الانتظار ودعا إلى قيام الفقهاء بتأسيس الحكومة الإسلامية وقيادتها واستمر هذا الموقف لحد الآن .


●  من ذلك يتضح إن عملية تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية من خلال تصدير نظرية ولاية الفقيه المطلقة قد تعثرت إن لم نقل فشلت,وخاصة في العراق وهو الأساس الذي يحدد نجاح الإستراتيجية الفارسية في المنطقة العربية.


● وهنا لابد من إلقاء الضوء على الإستراتيجية الأمريكية الصهيونية في المنطقة وعلاقتها بالإستراتيجية الفارسية لكي تتوضح كل أبعاد المؤامرة على الأمة العربية,فالمشروع الصهيو _امريكي كان يسير في طريقة المخطط له دون أي عرقلة تذكر وخاصة بعد تحجيم دور العراق عام 1991 وفرض الحصار الجائر على شعبه البطل والتي لم تؤدي إلى التخلص من نظام البعث كما كانت تريد الصهيونية والامبريالية الأمريكية ولكنها بالتأكيد أضعفته إلى الحد الخطير اقتصاديا وعسكريا ,إضافة إلى التأثيرات الاجتماعية والنفسية والتي تحملها الشعب الصابر وكل ذلك كان لصالح الإستراتيجية الفارسية بقصد أو بدون قصد ,بتنسيق أو بدون تنسيق ,وقد كانت السلطة الإيرانية تتمسكن وتغازل الامبريالية الأمريكية بل وصل الحد إلى مساعدة العدوان الأمريكي لغزوه أفغانستان وبعدها العراق وكانت تنتظر نهاية الحفلة ,ولكنها تفاجئت بالمقاومة العراقية وكذلك بالمقاومة الأفغانية ,وبدأت تشاهد العملاق الامبريالي وهو يتلقى الضربات التي أفقدته ما بناه طيلة عشرات السنوات ,وإذا بها تستلم الرسالة بل وتخرج من قمقمها ومن سكونها لتصبح الدولة رقم واحد في مقارعة الامبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني ونسيت إنها قبل أشهر قليلة قد قدمت خدماتها الجليلة لهذه الامبريالية لتساعد في احتلال جارة مسلمة ,وكلما ازدادت ضربات المقاومة ارتفع صوتها وبدأت لعبة المفاعل النووي الذي حاولت من خلاله ابتزاز العالم وإرهاب الخليج العربي,فهل تريد اخذ دور شرطي الخليج من الولايات المتحدة أم بموافقتها,فهل إن كل ما قدمته الامبريالية الأمريكية من خسائر في العراق من اجل تقديمه هدية وعلى طبق من ذهب إلى إيران ,بل وتتنازل عن أساس ديمومتها كأكبر قوة في العالم أي تتنازل عن الخليج العربي ونفطه أو تتقاسمه معها ولماذا ؟


من المؤكد إن ذلك غير معقول لعدم وجود مبرر واحد مقنع يفرض على الامبريالية الأمريكية تسليم العراق والخليج هدية إلى إيران والتنازل له عن كل مصالحها ,علما بان كلامنا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم التقاء هذه الاستراتيجيات في قاسم مشترك وهو محاولة تفتيت الوطن العربي ونشر الفوضى فيه ولكن كل منها يسعى لتنفيذ هذا الهدف لصالحه ,وبالطريقة التي يتصور إنها تخدمه وتقربه من تحقيق أهدافه ومصالحه,ولذلك نجد إنهما يلتقيان أحيانا ويتعارضان أحيان أخرى, مع استمرار الصفة المعلنة وهي الصراع بينهمها دائما,وقد أخذ هذا الصراع شكل جديدا وخاصة بعد فشل العدوان والغزو الأمريكي في العراق والذي حرر القدرات الإيرانية ودفعها إلى بناء ترسانة من الأسلحة وبناء المفاعل النووي والذي كان يحتاج إلى مبرر ,وهل يوجد أفضل من استثمار الصراع العربي الإسرائيلي كغطاء لبناء المفاعل والذي هو في نفس الوقت رد على كل مخاوف العرب وخاصة الخليج من خلال الترديد بان المفاعل هو ضد إسرائيل وليس ضد العرب ,ومن المؤكد إن هذا التبرير لا يقنع طفلا صغيرا,لان الإمكانيات الإسرائيلية النووية لا يمكن بلوغها ,ولا يمكن لأي عاقل التصديق بان إيران حتى لو ملكت القدرات النووية  ستستطيع استخدامها لا ضد إسرائيل ولا ضد غيرها, وما هي إلا وسيلة للردع والابتزاز ,فهل تريد إيران استخدامها ضد إسرائيل بالطبع كلا, لأنها غير مجدية مع وجود التحالف مع أمريكا وأوربا ,

 

إذن فان الغاية هي استخدامها لابتزاز العرب ليس إلا,هذا بالتزامن مع استثمار النزعات الطائفية وإشعال الفتن واستغلال عمالة هذه الأنظمة وعلاقتها بالغرب ومواقفها من القضية الفلسطينية لتتكامل الحلقة ,والتي ستنتهي بخضوع هذه الدول إلى النفوذ الفارسي ,مما سيفرض على الولايات المتحدة أما الانسحاب آو التفاهم مع إيران على اقتسام الغنائم ولكن إيران أخطأت في الحسابات مما كشف لعبتها باكرا من خلال تسرعها في التنفيذ ,وموقفها القذر من المقاومة العراقية وتأييدها للأحزاب المتعاونة مع المحتل ,كل ذلك كشف زيف ادعائها وتبجحها بأنها ضد الامبريالية وإنها مع قضايا العرب والمسلمين كمنهج لها ولا تبغي مصلحة قومية من كل ذلك , وفي تصوراتي أنها فشلت في إستراتيجيتها لانكشاف ألاعيبها في المنطقة العربية ولعدم نجاح خطتها في العراق وخاصة بعد رفض المرجعيات في النجف الانجرار ورائها في تأييد نظرية ولاية الفقيه المطلقة إضافة إلى اعتمادها على أحزاب عصابات من السراق والقتل ,والذي تم رفضهم من قبل شيعة العراق والذي كانوا الأداة الرئيسية لتنفيذ هذه الإستراتيجية, فشلت هذه الإستراتيجية بعد أن كلفت الشعب الإيراني كل موجودات صندوق الأجيال الذي كان يعول عليه لبناء إيران والذي كان يحتوي على مئات المليارات مخصصة للتنمية والتي استعيض عنها قي بناء المفاعل والتسليح ,

 

هذا المفاعل والذي تشير كل المؤشرات على إن إسرائيل ستقوم بضربه في الفترة القادمة وعند ذاك ستخسر إيران كل شيء ,و بعد أن خسرت قبلها تعاطف الشيعة في العراق وفي العالم نتيجة إستراتيجيتها الامبريالية وطموحاتها غير المشروعة في الوطن العربي , وعند ذاك ستشهد الساحة الإيرانية انقلابا على نظرية ولاية الفقيه والعودة إلى الفكر الشيعي الصحيح وسينهي مرحلة سرقة هذا الفكر لصالح القومية الفارسية .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٢٩ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٥ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م