عزت العلايلي نبض ثوري عروبي عميق زاحف

من ساحات النضال ومدّها الجماهيري الناصع الأصيل

 
 
 

شبكة المنصور

طلال الصالحي

لا  يختلف  اليوم  اثنان على أهميّة الفن الإعلامي الثوري الملتزم  في حياة الشعوب الساعية  لنيل كرامتها  ولا يختلفان  في قدراته  إذا ما وُجّه توجيها صحيحاً  في المساهمة الكبيرة في تفجير  وعي الشعوب من داخل  مكوّناتها , ومن وسط هذا الإعلام  بشكله العام  تبرز صناعة السينما  كأهم حدث تكنولوجي فني إعلامي  ظهر في حياة  الإنسان  بشكله  الموجِّه على مستوى  المخاطبة الجماهيريّة  الشاملة في العصر الحديث  بجميع وسائله المتطوّرة  بعد  العصر الإعلامي الفرعوني  "السحري"  الذي  استخدم  الفضاء الطلق بقيادة  "سحرة فرعون"  في مخاطبة الشعب المصري المغلوب على أمره في تلك العصور  ,  والسيما  تعتبر هي الأب  الروحي للخطيب الاشمل  "التلفزيون", وهي ,  أي السيما  , لو تركنا  جانبها التجاري  الإسفافي , تعتبر الناقوس  الأخطر في التحريض  ضد الطغاة وأنظمتهم  الطفيليّة  المتكرّشة ,  ومثل هذا الأمر الذي نقوله لا زال مدوّن في سفر النضال  على مستوى  شعوب العالم كافّة في عصرنا الحديث , خاصّة عندما  دقّ ناقوس  السيما , مع  أوّل  بواكير  تواجدها الإعلامي  الفعّال على الساحة الإنسانيّة  مع باكورة  إنتاجها  الموسّع , الفنان  العظيم  شارلي شابلن  ,  لذلك ساهمت أموال  الطغاة  منذ تلك السنين الأولى بما يمتلكون من سلطات قاهرة الاستحواذ  على جميع مؤسّسات هذه الصناعة  الكونيّة  الخطيرة محليّاً ودوليّاً  , كمؤسّسة   "هوليوود"  الصهيونيّة التي تهيمن على  الصناعة السينمائيّة العالميّة  والتي استفحلت وتناشط  دورها القذر أكثر مع  غياب الدور السوفييتي ومنظومته الاشتراكيّة  وانعزالها  عن  هذه الساحة  الرئيسيّة التي تقرّر من  هو  المنتصر  مسبقاً  وقبل أن  تبدأ قرقعة  الأسلحة  بشكلها العسكري المعروف بين الأطراف التي تروم الاقتتال فيما بينها  ,  ولا نريد  هنا في هذا المجال الإسهاب أكثر في التفاصيل  ,  فكلّنا  ربّما لا زال يتذكّر  التأثير المدوّي الذي أحدثته بعض الأفلام  وسطالجماهير العربيّة , بغض النظر عن أهدافها الحقيقيّة , إلاّ أنها  كانت تعبّر عن الهاجس الشعبي  العربي العام  وعن ضميره الوثّاب  سواء بقصد  من الجهات  المنتجة لتلك الأفلام  أو بدون  قصد منها  طالما رمت  بدلوها  في ذلك الخضمّ , مثل  "دكتور زد"  الذي عرض في سينما "سميراميس" ببغداد أبان وصول النبض الثوري اليساري إلى قمّته سبعينيّات القرن الميلادي الماضي  و "العصفور"  الذي أعقب  "هزيمة" 5  حزيران 1967 ميلاديّة  والذي تمّ عرضه في سينما النصر ببغداد طبعاً  أو  "ليلة القبض على فاطمة" أو ثرثرة  فوق النيل أو  الفلم الرائع "البوسطجي" الذي  عرضت افتتاحيّته نيابة في العراق  سيما ديالى  نهاية ستينيّات القرن الماضي الميلادي  وغيرها الكثير الكثير من الأفلام السيمائيّة  المهمّة , وخاصّة منها  ماتم عرضه في ستينيّات القرن الميلادي الماضي  مع صعود نجم  القوميّة العربيّة  وبزوغها  وسط السماء  عالميّاً , وكان  النجم الكبير  الفنان المبدع الملتزم  عزّت العلايلي الذي انتقل من مكان ولادته في باب الشعريّة وسط القاهرة مع أبيه وأمه وشقيقاته إلى الإسكندرية ليعيش عدة سنوات بشارع الرصافة بحي محرم بك , هذا الفنان الكبير  كان قد استمدّ نجوميّته بما ترك  بصمته واضحة شاخصة  في سجل السينما  المصريّة خصوصاً والعربيّة والعالميّة عموماً من خلال فلم  الاختيار وهي من ضمن البصمات الإنسانيّة المصريّة العربيّة   التي  ساهمت في إغناء هذا الفن الإعلاميّ الخطير  مع بصمات الفنانين القوميين الكبار  أمثال  أحمد مظهر  ومحمود ذو الفقار ومحمود مرسي  وعاطف الطيّب وسعيد مرزوق ونادية لطفي والسيّد بدير وصلاح أبو سيف وعبد الحليم حافظ وعبد الغني قمر والأخوين  غيث  ـ عبد الله وحمدي ـ  توفيق الدقن شكري سرحان  صلاح منصور محمّد  صبحي محمود  ياسين  سهير المرشدي  سميحة أيّوب صلاح السعدني وزيزي  مصطفى "توفّيت هذه الممثلة الملتزمة  شهر2 من عام 2008"  .. الخ  من الفنانين الملتزمين بالنهج  الداعي إلى  محاكاة الهموم  الحقيقيّة للناس وجماهيرها الطموحة برؤية  أمّة العرب   لها مكاناً لائقاً  بين أمم الأرض وشعوبها  ولا تقلّ وعياً عنها , ومنهم  فناننا الكبير  عزّت العلايلي  الذي  فرض  نفسه بعد أن تبلور وعيه في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات وتعلق بثورة يوليو كانتفاضة طليعية قادت الشعب المصري نحو تحقيق أحلامه www.aawsat.com/details.asp?section=25&article=382813&issueno=10153 والتي انعكست  آثار وعيه تلك فيما بعد على أعماله الفنيّة التي  نحت باتّجاه منحى الالتزام الفكري  والالتزام الأخلاقي على طول الخط  والتي  تعبّر عن مكنونات  الجوهر الصافي  لضمير هذا الفنّان الكبير الذي ما ارتضى يوماً  الهبوط  بهذا الفن العظيم  إلى مستويات الانحطاط   كما  أصبح عليه  حال السينما المصريّة الآن بعد أن هبط  بها  نظام  الرئيس محمد  حسني مبارك  تواصلاً من هذا النظام  ,  الذي ارتضى لأن يكون جسراً ومعبراً  لقوّات الغزو الصهيونيّة لذبح العراق ,  مع بنود اتفاقيّة  الشرّ  "كامب ديفيد"  بعدما بدأت خيوط عنكبوتها  تحاك منذ عهد السادات  , وتحت  شعار لا تخفي رائحة الكيد والأنانيّة في الحكم  والتسلّط  من السماء الإعلاميّة المصريّة  "تحسين  صورة مصر" ! والذي انحدر وفق استحقاقات هذا الشعار  الذي أطلقه  نظام حسني مبارك قبل عدّة أعوام , وهو في الحقيقة أضاليله  كانت  قد بدأت تحاك  منذ  عهد السادات بأفلام الميوعة  والانحلال التي قادها الثنائي حسين فهمي ونور اللاّشريف ؛  ونزلت بهذه  الصناعة الخطيرة التأثير  بعد أن كانت  عملاقة فيها  إلى صناعة قمّة في  الخداع والتضليل والكذب والزيف ونشر التيه  بين شباب مصر والأمّة  يتزعّمها مع الأسف  فنّانون هاربون من زمن العطاء  الأخلاقي الثرّ نحو  الابتذال والتهريج  كحسن حسني ووحيد سيف ويسرا والهام شاهين ليصلوا بهذه الصناعة وغيرهم إلى القمّة في مداعبة الغرائز التي تعتمد إطلاق الحيوانيّة الكامنة  فيها ,  ومن  ساحة القيادة نحو  مستويات العالميّة في مخاطبة الشعوب  وليست عربيّة  فقط  إلى مستويات دون من الضحالة  والهبوط  وركاكة في التعبير  وتفاهة في المقصود  رغم  وضاعة أهداف هذه المقاصد  وشحّة وندرة المعاني الطيّبة  التي تحترم فيها آدميّة  العربي وأهدافه النبيلة حتّى أنّها  تعدّت  في تفاهتها وسقوطها  المرحلة التي نشأت السينما  الغرائزيّة الهابطة فيها  وترعرعت على عهد الملك  فاروق  ملك مصر ..

 

عزت العلايلي  رمز ثقافي عربي واعي وسيمائي قومي كبير من بين  تلك الرموز القوميّة العربيّة الكبيرة التي  واكبت النهوض القومي العربي  مع  مقتربات إشراقه  الأولى وساهم في  تجسيد  حالات  الانبعاث  العروبي  مع  كل  مشاركة  تناط  به بعمل  سيمائي  يستدعي حضوره ,  وهذا الرمز الكبير  , ولله الحمد , لم  ينجرف إلى مهاوي الرذيلة  الإعلاميّة  السلطويّة  التي  بدأت تمارس  منذ  السلطة الساداتيّة , بل بقي محافظاً على عهده  الأخلاقي التربوي  والقومي  لم يغره  بريق التطوّر التقني الذي صاحب الهبوط الأخلاقي للسينما  في هذه الفترة  والتي كانت تفتقر إليه  صناعة السينما  عندما كانت  ترفع  لواء القوميّة والعروبة  لأسباب عدّة أهمّها  المحاربة  الغربيّة الصهيونيّة  الضروس  لهذه الصناعة في تلك الأيّام والتي عزفت  عن المساهمة في تطويرها  تقنيّاً في مصر , ولكنها فتحت عليها ابوابها مشرّعةً   مع   "الانفتاح"  الساداتي  لتكون بعدها  أكثر وأوسع  انفتاحاً  مع  بداية  تحسين صورة مصر على أيّام النظام المصري الحالي  !  ...

 

ولا ننسى هنا  الجهد المميّز لشبكة البصرة الغراء على دعم الحضور المقاوم  العرمرم  خاصّة بهذا اللقاء  المهمّ الذي  أجرته مع هذه الشخصيّة الفنيّة والإعلاميّة القوميّة المهمّة التي رفدت  ولا تزال ترفد هي والكثير  من الشخصيّات العربيّة الفنيّة حركة النهوض  العربي  بكل ما تستطيع ...

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٥ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢١ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م