المقاومة العراقية : ما هو الحكم الذاتي ولماذا ؟

 

 

شبكة المنصور

الوليد العراقي

منذ قديم الزمان تم العقد الاجتماعي بين البشر على تشكيل كيانات خاصة بهم تحميهم من ناحية ومن ناحية اخرى تحدد الارض التي ورثوها من اجدادهم على مدى سنين طوال معترف بها من قبل جيرانهم على الاقل.ان هذه الفسحة من الارض تلم عادة مجموعة بشرية معينة جعلت منهم ضروف السكن الواحدة عصبة  تتعاون على الخير وطرح الامان بينهم من ناحية ومن ناحية اخرى التضامن المصيري لصد أي عدوان قد يستهدف هذا المجموع البشري الذي وضع العقد الاجتماعي بين مكوناته البشرية ليشكلوا كيانهم السياسي الذي نقول عنه اليوم دولة.لقد جاءنا التاريخ باخباره المختلفة ومنها انه لا يجوز لاي مكون متعايش وموافق على تشكيل هذا الكيان ان يتمرد عليه ويشق صفوفه لاحقا وبعد امضاء عقده الاجتماعي ومن ثم يحاول تمزيق تلك الدولة المعترف بحدودها تاريحيا ومن قبل دول الجوار على الاقل وكما اسلفنا.اي بمعنى اخر ان أي تصرف او غاية لاي مكون بشري بشطر كيان الدولة هو نوع من الخيانة العظمى والخروج على يمين تكوينها المبصوم عليه من قبل كل تلك المكونات البشرية داخل سور الدولة.فضلا عن ذلك فأن من اهم تشكيل كيانات الدول هو شرط ضمان الحقوق لكل مكونات هذا الكيان الاكبر وكذلك الواجبات وبشكل متساو تماما وكما نصت عليه قوانين المواطنة التي صاغها البشر ومن قديم الزمان.ان مكونات البشر للدولة قد تختلف بالوانها واديانها واعراقها وعاداتها الخاصة لكنها لا يمكن ان تختلف في ماهية المواطنة وموجباتها المتفق عليها ولاي سبب قد يطرأ لاحقا بعد تشكيل الدولة اي الكيان السياسي كما اسلفنا.

 

من هنا وبناءا على ما ذكرناه والذي جاءنا من بواكير التاريخ ومن القصص والروايات والاشعار والمواثيق والفرائض والسنن والقوانين والاعراف التي تخص الدول وتحافظ على ديمومتها فلا يمكن لاي طرف ظمن الدولة الخروج عليها ومهما كانت الاسباب.اذن لماذا تتخذ الانظمة السياسية المتعاقبة على حكم الدولة أي دولة من قرارات لاحقة ليست في دستور تلك الدولة كما يسمى بالحكم الذاتي.ترى هل الحكم الذاتي الذي جاءت به السلطة  هو نتيجة :

 

اولا: خروج مكون ما بشري على قوانين الحكومة المركزية وفشلها في السيطرة عليه سواءا بالاقناع او بالقوة كون الخروج على الدولة هو نوع من تفتيتها والقضاء على وجودها من اجل رمز الباحثين عن الحكم الذاتي والمتمردين من اجل تحقيق هذا الهدف القاتل للدولة.

 

ثانيا: فشل الدولة بحكومتها المركزية في اعطاء الحقوق وبالتساوي بين مكونات الشعب الذي يعيش تحت راية المركز ومن هنا وعندما يصاب احد مكونات الدولة من الكتل البشرية بنوع من الغبن واللاانصاف يتم التمرد عليها والتخلص منها تحت ذريعة الحكم الذاتي الذي هو اعتراف الدولة المانحة له بأن المجموعة البشرية التي استأثرت به هي مختلفة تماما عن بقية مكونات الشعب وعليه اقر المشرع بضرورة منحها درجة الحكم الذاتي الذي هو بالنتيجة خطوة كبيرة على طريق الانفصال وتشكيل الدولة الخاصة بتلك المجموعة  وبالتالي ما يمكن ان يدفعه المجتمع من ويلات الحروب الاضافية ضد قوى الانفصال التي نمت تحت ابط الحكومة\الحكومات المتعاقبة في دولة ما؟

 

ثالثا: فشل الحكومة المركزية في اعطاء الحقوق كاملة للكتلة البشرية التي تنوي الحكم الذاتي  على طريق الانفصال أي بمعنى اخر فشل السلطة في المساوات بين مكونات الشعب ومن ثم تململ الكتل البشرية وهنا عادة الاقليات بالبحث عن مخرج من الظلم التي هي فيه وبالتالي مقاتلة السلطة المركزية وبصبر طويل ومحسوب ولفترة طويلة ايضا الى ان تجبر المركز على الاستجابة لمطلبها بالحكم الذاتي تحت مشروعية الطابع الاثني او الطائفي او الديني لهذا المكون وضرورة تميزه عن قريناته واخواته من مكونات الشعب الاخرى ؟

 

لم نر ولم نشاهد ولم نقرأ يوما ما ان دولة في العالم احتوت بالمطلق على مجموعة مطلقة واحدة من اثن واحد او من طائفة او دين واحد بل كل الدول تحتوي على شعوب يتشكل تركيبها من عدة اعراق وعدة اديان وعدة طوائف بل وعدة الوان ولكنها موحدة بفروض المواطنة الواحدة في الحقوق والواجبات.

 

هنا نرجع قليلا الى بلدنا العراق والذي عانا ما عاناه من مشكلة الاخوة الاكراد والحرب الطاحنة بينهم وبين سلطة المركز مرة بدعوى المظلومية والتي حلها كان وما يزال من ابسط الامور واسهلها على المشرع من خلال اعطاء الحقوق والمساوات المطلقة للاخوة الكرد داخل العراق وحسب ما تفرضه قوانين وموجبات المواطنة.كما ان على السلطة المركزية ان توقع على اخواننا الكرد جملة الواجبات وبشكل مطلق ايضا حالهم حال مكونات الشعب العراقي الاخرى.وهنا وبعد العمل الحصيف بهذين الاجرائين فأن مقاتلة المتمردين على سلطة المركز يصبح من واجبات المواطنة الحقة حماية لديمومة الوطن بحدوده المعترف بها على الاقل من قبل الجيران.

 

ثم لماذا للاكراد حقان مرة كونهم عراقيين ومرة اخرى كونهم اكراد؟!وهل يجوز ان اكافئ الذي يقاتل سلطة المركز ويقتل ابناء بلده بحقين بدل ان افهمه بأنه عراقي وأن له ما لغيره وعليه ما على غيره من العراقيين ودون تمييز بالمطلق وتحت خيمة الوطن الواحد الذي هو العراق.وأذا اعطينا الكردي العراقي حقان ترى ماذا سيقول علينا  العربي العراقي والكلدواشوري العراقي والتركماني العراقي الخ..؟وكلهم مواطنون عراقيون يركضون ليل نهار من اجل لقمة العيش في وطنهم ويدافعون عنه بالدم الغالي الزكي الذي لا يقدر بثمن.وهنا هل يجوز لي ان اجازف واقول ان لم تعطى الحقوق لاخواننا الاكراد كاملة فهي غلطة حكم  وبالتالي فأن الحكم الذاتي ايضا وبالنتيجة هو غلطة حكم.

 

كان على الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في العراق ان تعالج مشكلة الاخوة الاكراد بكل وسيلة واعتقدها كانت بسيطة من خلال تفهيمهم ان العراق ملك الجميع من حقوق وواجبات ومن ثم فتح عيونهم على دول الجوار وكيف ان الاكراد هنا عندنا في العراق ما زالوا يتكلمون لغتهم بطلاقة ودون اكراه على تركها كما يحصل للاكراد في الدول المجاورة التي تحتوي على نسبة من الاكراد اكثر مما يحتويه العراق من نفس الاثن البشري.فضلا ان منطقة سكن كرد العراق قد حضيت باهتمام اكبر مقارنة بباقي مناطق العراق كونها منطقة سياحية متميزة لكل العراقيين بل ومنطقة جذب للسواح والمصطافين من الدول الاخرى وهنا بحكم طبيعة المنطقة اضيف لها حق تطويري متميز على المناطق الاخرى من ارض العراق بمواطنيها.

 

كما ان اعفاء الاخوة الاكراد من الخدمة العسكرية وتحويلهم الى فرسان كان خطيئة  كانت نتيجتها انهم امسوا يشعرون بأنهم انصاف العراقيين بمعنى الوطنية وان ما يقع عليهم من واجبات هو اقل مقارنة باخوتهم من مكونات الشعب العراقي الاخرى.ان هذا بالنتيجة يخلق في عقولهم وبواطنهم فكرة  الانفصال والاستقلال كونهم مختلفين عن اقرانهم العراقيين بالحقوق وكذلك بالواجبات وهنا امست السلطة المركزية قوة تكريس لهذا الواقع بدل تبديد وتذويب طموحات الانفصال ومن ثم ابطال مفعوله في الحال ومهما كانت الضروف ومهما كانت الامكانات لايقاف هذا الخراب ذو النتائج الوخيمة على مستقبل البلاد واستقرار العباد فيها.

 

وهنا نرجع الى الشعب العراقي نقول له لو استفتيناك كم يا ترى نسبة المؤيدين لقيام حكم ذاتي للاكراد على ارض العراق؟وهي نفس الحالة التي مر بها هذا الشعب حول قضية عائدية الكويت لنا حيث ان معظم العراقيين لو استفتيناهم لقالوا ان الكويت عراقية وهذا بحد ذاته هو حكم العراق من خلال رأي الاكثرية على قضيتي الحكم الذاتي لاكرد العراق وكذلك عائدية الكويت العراقية سواءا حصلت ام لم تحصل في الزمن القريب الا انه يبقى هو رأي الشعب العراقي الذي يجب ان تحترمه السلطة المركزية ولا تغامر بضربه ومن ثم  اصدار الاحكام جزافا ومن دون خلفية شعبية تكون عادة في صالح حكومة المركز ومشروعية قراراتها المبنية على رأي الشعب خاصة في باب القرارات المصيرية والستراتيجية التي تهم الشعب وتحافظ على البلاد من التجزؤات والانفصالات وضياع اراض ما كانت لتروح من جسد العراق لو انها اعلنت امام الجمهور ليستلم قرار مصيرها ويقول كلمته فيها قبل اصدار الاحكام عليها من قبل الدولة المركزية.

 

انت كحاكم يمكن ان تجتهد وبمعاونة مستشاريك في اصدار قوانين وتعليمات ومراسيم لتمشية امور البلاد لكنك لست في موقع البت في مصير البلاد دون الرجوع الى اهلها واخذ رأيهم  كونك قادم لتحكم فترة من الزمن مؤتمن فيها على المصلحة العامة ومقدرا جسامة المسؤولية وضخامتها وبالتالي مغادرا تلك المسؤولية ولاي سبب كان.

 

اليوم يتشدق مسعود البرزاني وجلال الطالباني انهما حصلا على الحكم الذاتي بالدم والنار وبعد نضال طويل ضد حكومة المركز ونسوا انهم عراقيان وان ما راحوا اليه من حكم ذاتي وفي غفلة من الزمن ما هو الا مرحلة متقدمة في نياتهم نحو الانفصال التام عن العراق والعراقيين.كما نسوا ان العراقيين الشعب يرفضون ما حصلوا عليه ولكن بطريقة الهمس ودغدغة المشاعر في زوايا العراق المظلمة خوفا من المخبرين.واخيرا وليس اخرا فأن العراق هو البيت الكبير لكل عراقي وأن أي تخريب  فيه يستفز العراقي الذي لا يسمح  باقتحام بيته عنوة بل ويقاتل من اجل ابقاء العراق موحدا معافى حتى اخر قطرة من دمه وهذا هو شأن العراقي الاصيل الذي بان معدنه الاصيل  في محنة الاحتلال البغيض اليوم فدافع وقاوم وجاهد بكل ما يملك من اجل ابقاء هذا البيت محترما مقدسا من أي اقتحام ومن أي اجتهاد  يطال كينونته.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء / ١٨ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٤ / نـيســان / ٢٠٠٩ م