المقاومة العراقية : الصراع الحديث بين الفكر القومي العربي والفارسي الصفوي

 
 

شبكة المنصور

الوليد العراقي
عندما نحاول الكتابة والتحليل عن أي موضوع يختص بالعلاقات العربية الفارسية لا نريد ولا نبغي من ذلك تثوير ما لم يثور من الصراعات بين كتلتين بشريتين متجاورتين وهما العرب والفرس ولكن الكتابة هي حاجة وهي ضرورة عندما يكون الصراع اصلا موجودا بل وعلى اوجه في منطقتنا ومهما كانت اطرافه  حيث يصبح الوقوف عند هذا الحال هو نوع من المعايشة الميدانية ووضع اصابع التشخيص والاجتهاد فيه من ناحية ومن ناحية اخرى جعل الناس المشمولين به على وعي اعمق وادراك ادق وتلمس ارق لما يجري ولا يتعاملون معه تعامل الطرشان ومن أي طرف كان يجد نفسه جزءا من هذا الصراع الموغل في التاريخ والمذبوح بسببه شعب العراق اليوم والذي ما زال تترجمه الاحداث اليومية بل ويرتقي لينبري الاول في مصير منطقتنا التي ما رأت للاستقرار مشهدا ومنذ بداية القرن العشرين والى اليوم وهذا الفصل من حياة منطقتنا هو موضوع المراجعة والتحليل واجتهاد التفكير قيد الدرس هذا.

 
من الحقائق الموروثة حرية الوقوف عندها هي اشكالية   تعريف  الحدود الجغرافية  وحدود الكتلة البشرية  التي تستقر مفاهيم الدول في المنطقة  وتعترف بها وتنكفئ داخلها  بقناعة ورضى ليترجمها الحال الى حقيقة متفق عليها بين الشعبين المتجاورين وهما العربي والفارسي؟حيث ما زالت هناك الكثير من الاطماع المتداخلة  وخاصة من طرف الجهة الفارسية ونحو المنطقة العربية.ان هذا الارث قد جاء منذ تكوين الامبراطورية الساسانية التي لم تقف عند حدود مهدها وجدها بل توغلت في الوطن العربي ونحو قلبه ولفترة من الزمن  حين كانت قوتها لا تجارى مقارنة مع الواقع العربي البدوي الذي ما كان يعير للارض وجوبا كبيرا ولا للملكية الثابتة جزءا واسعا وهما من همومه فما كان الا ان سفت على الارض العربية اقوام غزاة  تحكهم  سطوة القوة والرغبة في امتداد حكمهم على اراض الجوار حتى جاء التاريخ ليشهد لنا ان الوطن العربي يوما كان مجزءا الى نصفين واحد غربي بيد امبراطورية الروم والاخر من حصة الامبراطورية الفارسية الساسانية.

 
جاء الاسلام الحنيف وانبرى الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم  ليجعل من العرب امة رسالة انسانية لكل سكنة الارض وبتوجيه من رب العزة الله جلا جلاله.فكان ان انتصر الاسلام وانتشر وكان له مؤيدوه الاشداء من كل الاقوام ومن كل الالوان  ومن كل الاديان السالفة قبل الاسلام ومن هنا بدأ الحراك الحضاري الاستقراري عند العربي وخاصة البدوي منه وبدأت الفردية العربية تنكمش رويدا رويدا بعد ان تشكلت تجمعات سكانية حضرية جديدة ومن نوع اخر اكثر تقدما واكثر ملامسة للمدنية الحديثة التي نعيشها اليوم .ومن هنا راحت جيوش الفتوح الاسلامية بقيادات عربية خالصة في عمومها متجهة نحو الغرب ومنها ما راح نحو الشرق والنتيجة المعروفة ان انتصر العرب ودمغت الامبراطوريتان السالفتان واعيد تشكيل الوطن العربي من جديد اعتمادا على تواجد العنصر العربي واستقراره في اراضيه الموروثة بالسكن مرة وبالتنقل مرة اخرى ومن ثم الاستقرار وامتلاك الارض ملكية صرفة والتي جعلها الاسلام من حقوق اتباعه على الارض.عند هذا الزمن من حياة العرب تم  التحديد النهائي للحدود واستقرت القبائل العربية  لتأخذ اماكنها في الحضارة الاسلامية الجديدة ومن ثم تشكل الوطن العربي بشكله السكاني النهائي طبقا لاستقرار ساكنيه الاكثرية من العرب حتى امتد من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي.اما الشعوب الطامعة الاخرى والتي سكنت او قل اختلطت بسكان اهل المنطقة الاصليين فقد انسحبوا بعد التحرير الاسلامي للمنطقة والقضاء على تلك الامبراطوريتين وهما الرومانية والساسانية.

 
بعد هذا التشكل الجغرافي النهائي للمواطن العربي ظلت رغبات وريثي الامبراطوريتين يملأها الحنين والرغبة الى الاراضي العربية التي كانت بحوزتهم يوما ما عندما كانت تحت سلطتهم  وظل هاجس الطمع والتملك على اشده عند الفرس وخاصة في المشرق العربي الذي كان من حصتهم يوما ما اثناء حكمهم له.لقد نسي الفرس ان العرب ايضا حكموا بلادهم وامتد العنصر العربي ليسكن بحكم تواجده من خلال دولته الاسلامية على ارض الفرس لكنه بالمقابل وبعد ان انتهت الدولة الاسلامية انسحب العرب من  دول الشرق وبظمنها ايران الى حدودهم  المعروفة تاريخيا والتي تنتهي معالمها بالعراق وجنوبه الاحواز امتدادا الى باقي الخليج العربي ومن ثم نزولا الى بحر العرب.

 
خرجت تركيا من المنطقة العربية خاسرة الحرب العالمية الثانية بعد انتصار الحلفاء عليها وعلى المتمحورين معها لتحل محلها قوات الحلفاء وتنتشر على الارض العربية ومنها العراق بعد ان انكمش الجيش التركي والمواطن التركي المنتشر على الارض العربية في بلده الام تركيا من ناحية ومن ناحية اخرى تبنى المنطقة العربية راع جديد هو الاستعمار  المتشكل اساسا من الانكليز ومن الفرنسيين.في هذا الوقت كانت ايران ايضا تحت بساط النفوذ الاستعماري نفسه  لكن الفرس ومن خلال اقتناصهم الذكي للفرص استطاعوا الاستفادة من هذا الاستعمار في حين خسر العرب كل شئ.استفادت ايران من خطة تقسيم المنطقة على ايدي البريطانيين والفرنسيين حيث كانت لها حصة الاسد منها بالاستيلاء على الاحواز العربية التي تراها جزءا منها بحكم حنينها الى دولتها وماضيها الساساني الاول الذي كان مسيطرا على منطقة الاحواز وناشرا الفرس وبكثافة على اخصب تربة واغزر مياه تقع ظمن الدولة الساسانية فضلا عن كونها امتدادا للارض الفارسية ومن هنا كانت سهولة اقتطاعها بعد اقناع المستعمرين بذلك ومقابل شئ وليس اكراما للفرس  او لوجه الله.

 
ان مطالبة الفرس اليوم بمناطق اخرى من الوطن العربي كالجزر الثلاث والبحرين ومناطق من العراق ربما كان الهدف منه هو الهجوم على القلب العربي لينشغل به كونه الاهم والاقرب لمصيره بدافع ان ينسى العربي اطرافه حتى وان اصابه الشلل فالمهم ان الجسد العربي ما زال حيا وهنا نمثل ازمة العرب باراضيهم على ان الاطراف هي الاراضي التي تطالب بها ايران اليوم وقلب مطالبها هي الاحواز الخصبة والغنية بالنفط والمياه والبحار.هنا تصبح لعبة ايران الصفوية اكثر دقة وبعدا بعلاقتها مع العرب الذين يصرخون ويولولون  انقذنا ايها العالم الصامت من الفرس انهم يريدون اخذ البحرين ويريدون الاستلاء على الجزر الثلاث والى الابد بل ويريدون نهب شط العرب وبعض المناطق الشرقية من حدودنا العراقية وخاصة الغنية بالنفط وقد نسي العالم العرب ونسي العرب انفسهم حتى ضاعت عليهم الاحواز الكبرى التي هي جزء من العراق لا بل راح العرب اليوم ابعد من هذا ليخسروا  ام الاحواز وهو العراق؟؟؟!!!

 
ان الوضع العربي المهترئ الذي يراه  الثائر والمطالب بحقوقه ومنذ بدايات القرن العشرين بعد ان عانى الواقع العربي كل انواع الاستهتار بشؤونه واملاكه واراضيه حدى بالكثير من الشخصيات والطليعة العربية بالتفكير بكيفية انقاذ ما يمكن انقاذه  من الحق العربي حتى ظهرت افكار قومية منها  الشخصية الفردية كساطع الحصري واخرى تنظيمية على شكل احزاب تتلمس طريقها في الوجود العربي ومنها حزب البعث العربي الاشتراكي.لقد كانت الطليعة العربية الثائرة بمعظمها من الذين خرجوا الى البلدان الاخرى بقصد الدراسة او الهجرة تخلصا من شضف العيش في المهد العربي والذين اختلطوا واطلعوا على الحركات التحررية في العالم وتجاربها ومن هناك بدأوا بصياغة الافكار القومية  التي ترجموها الى واقع على الارض العربية بعد رجوعهم الى البلاد .

 
راحت ايام واستمر التنظيم القومي البعثي بالتنامي رويدا رويدا الى ان بلغ من النضج ما يدعوا الرفاق الى اعلان تأسيس الحزب عام 1947 في سوريا  ومن ثم اخذ الحزب طابعه الاداري وفصلت مهامه وتوزع رفاقه في زمن التاسيس وكل حسب مسؤليته.تنامى الحزب كونه الامل والمنقذ للامة العربية والذي لا يتصارع مع ثوابت العربي في دينه وفي ايمانه من ناحية ومن ناحية اخرى كونه يمثل الثائر الحامل لهموم الوطن العربي في ارجاع ما تم الاستلاء عليه من حقوق مرة حق في تشكيل وحدته العربية واخرى حقه في ارجاع ما اخذ منه بالقوة من اراض عربية  وما اغتصب منه من رقع جغرافية ثمينة كفلسطين والاحواز والاسكندرونة وغيرها  من اراضي العرب.

 
لقد تطور الحزب بسرعة فائقة بعد ان انتشر بشكل مذهل بين العرب وخاصة في بلاد الشام والعراق الى ان استطاع ان يحكم في سوريا العربية ويشكل او دولة للبعث في الاقطار العربية.ان استلام السلطة من قبل حزب قومي عربي في سوريا اثار حفيظة الدول المجاورة ذات الاطماع الكبيرة بالوطن العربي .اطماع تم الاستلاء عليها وخوفا من المطالبة بها وهي غالية ثمينة مثل الاحواز وبما ان البعث حزب قومي تبنى الوحدة العربية والدفاع عن حقوقها وخلق دولة عربية كبرى ذات وزن عالمي يليق بالعرب ماضايهم وحاظرهم  اذا لا بد من محاربة هذا الثائر  الذي يخرج من بين حنايا الشعب العربي  في حينه والذي يتلمس قيادة قومية تقوده كي يشكل وطنه ويبني دولته.هذا الجديد اثار حفيظة دول اخرى كما قلنا ومنها دول جوار معينه ومنها ايران  بفكرها الصفوي الذي يجد بمجاميع الشيعة العرب ارادوا ام لم يريدوا ظالته وطليعته المتقدمة للانقضاض على أي خطر يداهمه ويداهم مصالحه في الوطن العربي من ناحية ومن ناحية اخرى ما قد يطالب بحقه في الاحواز العربية الغالية بالنسبة لايران.

 
ان ايران وبفكرها الصفوي استطاعت بشكل او باخر من التغلغل داخل الدولة السورية الخاضعة لحكم البعث حينذاك والتي يقودها الحزب وما احتوى على اجنحة قابلة للمثول لرغبة ايران  بدافع الطائفة المشتركة وهي التشيع الصفوي عندما يتغلب على الفكر القومي ودافعه.لقد نجحت ايران وهذا ما اراه شخصيا  من الولوج في دولة البعث والمساعدة على اختراقها ومن ثم  اجهاضها من خلال استخدام  حافظ اسد وعائلته وكتلة الدروز الساندة والقوية له  والتي انتهت بالانقلاب على الثورة واجهاضها والانشقاق عليها بالقوة وبمساعدة غير منظورة  لكنها قوية ومحسوبة من قبل ايران .ان ما يدلل على ذلك هو المواقف الساندة المستميتة التي رايناه والتي عبر عنها نظام حافظ اسد من خلال وقوفه الى جانب ايران الصفوية في حربنا معهم في القادسية الثانية.ان مواقف حافظ اسد من حكومة البعث القومية ابان حربنا مع ايران لم يأتي ببساطة نتيجة اختلافات شخصية او فكرية بعثية مع قيادة الحزب القومية في العراق وانما نتيجة ارتباط طائفي صفوي مطلق بينه وبين النظام الخميني الحاكم في طهران أي انه ارتباط عقائدي وارتباط صراع بين قوميتين  وبين فكرين هما البعثي القومي العربي والفارسي الصفوي وهو امتداد جذور صراع طويلة الامد ولالاف السنين.

 
من ناحية اخرى نجد من خلال الحرب الكونية الثالثة التي وقعت علينا ونظرة اخرى مركزة على مواقف النظام السوري نستخلص منه قيامه بنفس الدور الامتدادي الذي قامه سلفه بالاجهاز على الفكر القومي العربي من خلال استهداف البعث في العراق بالتعاون المطلق مع قوى الفرس الصفويين فضلا عن تداخل الدول الاخرى ومشاركتها في اجهاض تجربة البعث القومية التي تهدد مصالحها في الوطن العربي.لقد استطاع الفكر الفارسي الصفوي ومن خلال عملائه في الوطن العربي واتباعه بالطائفه  ذات الفكر الصفوي من الاجهاز ثانية في صراعها مع الفكر القومي العربي ومن ثم انتهت بازاحة سلطة البعث القومية مرة اخرى في العراق بعد اجهازها على سلطته القومية ايضا في سوريا.

 
من هنا يمكن ان نستنتج ان الصراع بين الفكر القومي العربي وبين الفكر الفارسي الصفوي هو صراع ارادات وهو صراع يمتلك من الاذرع المتداخلة في المنطقة ما يجب الوقوف عنده وتحليله بقوة وايجاد الحلول له والا توالت الاجهازات على الانظمة القومية العربية  ومن اقرب منطقة تجاورها هي ايران الصفوية ولما تمتلك من وسائل التغلغل باسم الطائفة ما يسهل عليها النجاح في وأد كل المحاولات العربية القومية وبالنتيجة خسارات العرب المتوالية  وارباح الفرس على حسابنا من ناحية اخرى.

 
ان الفرس ومن خلال مراجعة سياساتهم لا يهمهم مع من يتعاونوا وما هي الوسائل التي يتعاطونها في غزو العرب فمرة مع الصهيونية العالمية مستندين على التاريخ المشترك مع يهود العراق منذ الزمن البابلي ومرة مع امتدادتهم الطائفية الصفوية المعشعشة في الجسد العربي ومرة مع القوى الخارجية عن المنطقة بهدف اطماعها الى غير ذلك من الوسائل التي يستخدمها المفكر الصفوي الفارسي في كسب الصراع مع المفكر القومي العربي.من هنا كان على حزب البعث  ان يعيد ترتيباته وافكاره  ومؤسسته البحثية الستراتيجية المستقبلية في كيفية مواجهة المد الايراني الصفوي  داخل الوطن العربي والذي اخذ الطابع الفكري الخطير ملاويا الفكر القومي العربي البعثي على ارضه ومن خوله هذا الحق في التدخل السافر في الشؤون العربية الداخلية؟ فهناك عشرات الدول الاسلامية على الكرة الارضية تعيش الى جانب العرب لكنها بالمقابل تحترم الارادة العربية وتكفل استقلاليتها وقرارها ومصالحها اذن ما هو الشئ الاستثنائي الخصوصي الذي تتمتع به ايران لتجد نفسها وكيلة على العرب وتجد من حقها دراسة ومشاركة العقل العربي في تصريف شؤونه بنفسه وهو المشرع الاول على الارض.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء / ٠٣ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٩ / نـيســان / ٢٠٠٩ م