يأجوج ومأجوج في حروب بوش .. نبيّ الله المنقذ

 
 
 

شبكة المنصور

عبد الكريم بن حميدة
"إن الحرب ضدّ العراق هي رغبة الله الذي يريد أن نخوض هذه الحرب لنهزم أعداء شعبه قبل أن يبدأ عصر جديد". هذا القول ليس لأحد القساوسة أو الحاخامات.. كلا.. إنّه جزء يسير ممّا قاله الرئيس الأمريكيّ السابق جورج بوش الابن في سياق حملته التي استهدفت الإطاحة بالنظام الوطنيّ الشرعيّ في العراق. وكلنا يذكر أن بوش استخدم العديد من "العبارات الدينيّة" خلال فترة حكمه، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا بشأن دوافعه ومراميه لا سيّما لفظ "الحروب الصليبيّة". كما أنّه لم يتورّع عن اتّهام المسلمين "بالفاشية".. وهو اتّهام سافر لم يكن يحتاج إلى أيّ تأويل. غير أن المسؤولين الأمريكيّين حرصوا على إظهار الأمر باعتباره زلّة لسان.. أو زلاّت.. وأن بوش يُضمر للمسلمين كل الاحترام، وأنه يميّز جيّدا بين الإسلام دينا وحركات الإسلام السياسيّ المتطرّفة.


كثيرون منّا صدّقوا التبريرات.. والتأويلات..


وهم بلا شكّ اطّلعوا على المذكّرات السرّيّة لوزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد، وهي التي قال فيها إن بوش الابن كان "أداة بيد إله بني إسرائيل".


وكثيرون استدلّوا على صحّة مواقفهم بطعام الإفطار الذي تناوله بوش في أحد أيام شهر رمضان مع بعض الشيوخ والأيمّة..


وهم بلا شكّ طالعوا نصوصا أوردها رامسفيلد في مذكّراته.. كان أحدها يقول: "البس درع الله الكامل، فعندما يأتي يوم الشيطان، أكون قادراً على الدفاع عن أرضي".


وكثيرون منّا نزّهوا بوش وعصابته عن الأبعاد الدينية التي كانت أحد العوامل المحرّكة لحربيه المقدّستين في كل من العراق وأفغانستان..


مخدوعين كانوا.. أو سذّجا.. أو متواطئين.. وإذا لم يحالفنا النجاح في هذا الوصف فلنقل بوضوح إنه لم يعد لدينا استعداد لسماع هذا الضّرب من التبريرات والتحاليل التي تراهن على حسن نوايا الآخرين أكثر ممّا تحتكم إلى التصريحات والوقائع والحقائق. 


كان جورج بوش مدفوعا في حربيه الظالمتين على العراق وأفغانستان بالإيحاء التوراتي الذي صوّر له أنّ (يأجوج ومأجوج) مازالا موجودين في الشرق الأوسط، وأنهما يجب أن يُهزما.. لأنهما استنادا إلى الفكر التوراتي سيدمّران "إسرائيل" في المعركة الأخيرة..


إنّ هذا النمط من التفكير لم يكن وليد خيال رامسفيلد الضالع حتّى النخاع في الحربين القذرتين.. إنما هو تسجيل لوقائع حدثت فعلا.. وهذا التعبير كان بوش قد خاطب به الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في عام 2003... وفي السنة نفسها أخبر وزير الخارجيّة الفلسطينيّ بأنه كُلف بمهمّة من الله في حربيه لغزو العراق وأفغانستان.. وأنه يتلقّى الأوامر من الله!!".


لقد كانت مذكّرات رامسفيلد بمثابة تصديق للمثل العربيّ "وشهد شاهد من أهلها".. ربّما جاءت هذه الشهادة متأخّرة إلى درجة يتعذّر معها إعادة عجلة التاريخ وتصحيح المسار ومنع الخطأ من الوقوع ومن الاستفحال.. كلّ هذا صحيح، لكنّها يجب أن تضاف إلى الكمّ الهائل من الأدلّة التي تدين بوش وعصابته يوم يحين موعد الحساب. ويجب أن نكون واثقين أنّ الحساب آت لا محالة مهما تقادم العهد، ولن يكون بإمكان أحد أن يمنع سيف العدالة من أن يُقرّ الحقّ حتى إن رحل المجرمون..


لقد كانت حروب بوش حروبا "صليبية" بامتياز.. ومع أنّ إغفال الأبعاد القومية والاقتصادية لهذه الحروب يُعَدّ تجنّيا على الحقائق، فإنّ استخدام نصوص من التوراة لم يكن ليقود إلا إلى التفكير في هذه الروح المشبعة بثارات الماضي وإثارة الغرائز والأحقاد.. ففي إحدى مذكّرات الاستخبارات العسكريّة التي كان رامسفيلد يشرف عليها شخصيّا قبل تقديمها إلى الرئيس بوش، تصدّرت الغلافَ صورةٌ لقوس نصر في بغداد على شكل سيفين..  كانت دبابة أمريكية تستعد للمرور من تحته.. وفوق الصورة عبارة:"افتحوا الأبواب لتدخل الأمّة البارّة الحافظة للأمانة".. هذه العبارة اقتُطفت من سفر أشعياء.. هم الأمّة البارة الحافظة للأمانة.. أمّا نحن..؟

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ٠٤ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣٠ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م