ليس من المفروض أن تمر تصريحات الكذّاب بريمر بدون تعلق !..

﴿ الحلقة الرابعة

أصعب وأسعد أيام بريمر في العراق ! ..

 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

أجرى محرر صحيفة الشرق الأوسط يوم 10 مايس 2009 حوارا مع الحاكم المدني الأميركي في العراق وكبير الدجالين بول بريمر.

 

وعلى الرغم من عدم وجود أي شيء جديد في هذا الحوار ومع إن بريمر تطرق الى العديد من القضايا المهمة في حياة العراقيين خلال حقبة الحملة الظالمة التي إستهدفت تأريخهم ووجودهم وهويتهم وسيادتهم ..إلا ان المُلاحَظ في حديث بريمر إصراره على الكذب ودفاعه المستميت عن سياسة إستخدام ( قوة البطش والتدمير الحمقاء) وإستمراره بترديد مفاهيم تجاوزها الزمن بعد أكثر من ست سنوات على مواجهة دموية يومية أخرجت الولايات المتحدة من كونها قوة عظمى داعمة للديمقراطية ومُلهمة للشعوب وصادقة في نواياها ومبرراتها!..

 

وعلى الرغم من إن بول بريمر لم يكن إلا واحد من المسؤولين الأمريكان الذين تعاقبوا على الإضطلاع بمهام محددة.. منها ما كان إستخباريا أو عسكريا أوسياسيا ونَفّذَ أكثر مما كان مطلوبا منه ..إلا أنه كان واحد من أكثر المسؤولين الأمريكان الذين ساهموا في الإضرار بسمعة الولايات المتحدة قبل أن يكون مهندسا لتقسيم وتفتيت وفوضى العراق وقتل وتشريد أبناءه .

 

وعلينا أن لا نستغرب عندما نقرأ ونسمع أن بريمر وهو القاتل والمعوق لملايين العراقيين وعشرات الآلاف من المارينز والطيارين والجنود الأمريكان يبتسم ويضحك ولا يشعر بأي تأنيب للضمير !..

 

أيام صعبة وأيام سعيدة في حياة بريمر!

 

عن أصعب أيام حياته في العراق قال بريمر في الحوار المذكور : (أيامي الصعبة كانت يوم مقتل عقيلة الهاشمي عضو مجلس الحكم وتفجير مقر هيئة الأمم المتحدة ومقتل صديقي سييرجو فييرا وتفجير النجف ومقتل محمد باقر الصدر )!..

 

وقوله عن أسعد أيام حياته:  

( أول أسعد أيام حياتي كانت عندما كنت أقدم الرئيس بوش للجنود الأمريكان في عيد الشكر..وثاني يوم من أيامي السعيدة يوم إعتقال صدام حسين ..واليوم السعيد الثالث كان يوم مغادرتي العراق..واليوم الرابع السعيد في حياتي كان يوم وافق العراقيون على الدستور الجديد)!.

 

لقد إعترف بريمر وهو السفير (المحنك ) والرجل الذي تسلم ملف العراق في (أصعب وأحلك أيام أمريكا ) إن مقتل كل من ( عقيلة الهاشمي وسييرجو فييرا ومحمد باقر الصدر ) كان ولايزال أكثر ألما وحزنا وصعوبة وتعاسة لديه من مقتل أكثر من 4200 جندي أمريكي (من الرقم المُعلن!) وتعويق دائمي وجزئي وإختلال عقلي و جرح عشرات (وربما مئات) الآلاف  من قوات النخبة الأمريكية وحزن وتعاسة اكثر من ربع مليون عائلة أمريكية يشاطرها حزنها ولوعتها مايزيد عن أربعة ملايين عائلة أمريكية أخرى!..

 

لم يتألم بريمر لحالة وألم وتضحيات وخسارة وحسرة شرائح مهمة من الشعب الأمريكي بل تألم لمقتل هؤلاء الثلاثة !..لقد أراد بريمر بهذا التعبير أن يعبر عن إنسانية وحسن أخلاق (تتجاوز الذات والحدود والإنتماء الوطني) !..

 

لأن هذه العوائل الأمريكية التي أعطت فلذات أكبادها قد (عوضها الله) بزيارة بوش الى الجنود الأمريكان في عيد الشكر في العراق!..حينها شعر بريمر تجاهها بالفرح الغامر في أول أيام سعده وفرحه عندما قدّم بوش لبقايا الجنود الأمريكان المُحطمين في عيد الشكر !..

 

ألم يسأل بريمر نفسه ..لماذا لم تنتخب عوائل هؤلاء الجنود المرشح الجمهوري في إنتخابات الرئاسة الأمريكية ولماذا إنهزم بوش ؟..ألم يستنتج بريمر بؤس وسذاجة تفكيره ؟..ام هي الإصرار على الخطأ وعدم النية بالإعتراف به؟..

 

ومرة أخرى..

أراد بريمر أن يقول إن مقتل هؤلاء الثلاثة كان أصعب عليه من مقتل مايزيد على المليون ونصف المليون عراقي ..ولم يفرح بريمر ثانية طيلة خدمته في العراق  إلا عندما تم فبركة طريقة إعتقال الشهيد صدام حسين ..

وكان فرحا غامرا !..

ومِن حقهم كأعداء !..

 

ولكن:

ترى هل كان القصد من الفرح هو تحقيق الهدف الشخصي لبوش ولبريمر ولِمَن جاء معهم أم فرحهم بما سيشكل هذا (الموضوع) من نهاية (لأعمال العنف في العراق!)..

 

هل كان الهدف من هذه السعادة الغامرة ناجم من حساباتهم من إن المقاومة العراقية والبعث قد قُصِمت ظهورهم وأصبحوا عاجزين حتى على الوقوف وليس الإستمرار بالقتال؟..

 

وهل تحقق لهم ذلك؟..

وماذا كانت نتيجة هذه السعادة الغامرة ؟..

هل هدأ العراق ؟..

وهل تم القضاء على كل (المقاومة والمعارضة)؟..

وهل تحققت بدايات بناء العراق وإعماره وأمنه وشيوع القانون وعودة العراق حرا مستقلا آمنا على نفسه وعلى أبناءه؟..

أم ان الأمور إزدادت سوءا وتدهورا مخيفا الى الحد الذي تحول القتال بين العراقيين على الهوية واللقب والعشيرة والطائفة والقومية؟..

 

ومقتل هؤلاء الثلاثة كان حزنا دائما لدى بريمر وجرحا نازفا في ذاكرته أكثر من حقيقة أن مسؤوليته وحماقاته في العراق كانت جزءا من مخطط أفرز أكثر من مليون إمرأة عراقية أرملة ومايزيد عن مليوني طفل يتيم !..ومع ذلك فإن الذي أسعد بريمر بقوة وحسب قوله يوم مغادرته للعراق!..

 

هل كنت سعيدا بالفرار من العراق أم لأنك خرجت سالما من بركانه؟..

أم هي السعادة بما جنيته خلال سنة من مليارات الدولارات ؟..

وكيف يمكن للمرء أن يكون سعيدا في وسط يخيم عليه الموت والدمار والبؤس والحاجة ؟..

كيف يمكن للمرء أن يكون قلبه مغمورا بالفرحة والسعادة وعوائل ملايين العراقيين والأمريكيين تعيش بذكرى أبناءها التي ذبحتهم المغامرة الأمريكية الطائشة وفشل مدير إدارتها في العراق بريمر؟..

 

لم يثني  بريمر وجود أربع ملايين عراقي مشرد خارج العراق ومليوني مشرد داخله وهذه الحشود المليونية من الأرامل واليتامى والأمهات الثكلى ومن العاطلين عن العمل وفقدان الخدمات والأمن وإستهتار السلطة وفرق الموت التي تجوب مدن وقرى وأزقة العراق ومئات الآلاف من المعتقلين الأبرياء ليقول:

إن أسعد يوم في حياتي يوم وافق العراقيون على الدستور الجديد!..

 

فما الذي عمله الدستور الجديد لكل هؤلاء ؟..

 

ألا يعرف بريمر كيفية كتابة الدستور وكيفية تمريره ؟..

هل من المعقول انه لايعلم إن الدستور قد تم تمريره بحجة أن سيتم تعديله بعد ستة أشهر وخاصة الفقرات الخلافية الأساسية التي قسمت وشتتت ودمرت وحدة العراقيين !..

 

الذي لم ولن يقوله بريمر هو:

 

إن أصعب أيام حياته كان يوم تحمله مسؤولية وظيفته في العراق لأنها أنتجت وضعا مدمرا ومأساويا لشعب هو أب لكل الحضارات ..

 

وإن كل قراراته التي إتخذها خلال وجوده في العراق كانت تفتقد للتبرير والحجة والمنطق وقد غلبت العاطفة فيها على العقل..

 

وإنه لازال يعيش كوابيس قاتلة كل يوم عن كل قطرة دم نزفت في العراق ..وعن كل دمعة وحسرة وألم..

 

وإنه لم تكن هناك أيام سعيدة في حياته في العراق ..

 

وإن اليوم السعيد الوحيد الذي سيشعر به هو يوم سماعه نبأ تقديم الولايات المتحدة إعتذارها الرسمي عن حربها على العراق وتغيير نظامه وإنها ستتتحمل كل عواقب وتداعيات ما حصل!..

 

ونقول: 

لماذا هذا الإستخفاف بالعقل العربي؟..

وكيف يتصور العقل الغربي وخاصة الأمريكي هذه الأيام بأن علينا ان نصدق كل مايقول ؟.. 

ألم يجربنا هذا العقل أيام الدراسة يوم كنا نناقش ونريد أن نفهم كل شيء وحتى تلك التي بين السطور ..وكنا نرفض النظرية ونناقشها ونستنتج منها حقائق جديدة؟..

 

وأخيرا .. 

هل نقول مسكين أيها العقل العربي؟..

أم نقول مسكين أيها العراق ؟..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٠٢ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٨ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م